رغم استهدافها.. هكذا يصعب على إسرائيل تجفيف منابع حزب الله المالية

a month ago

12

طباعة

مشاركة

يسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن عدوانه على لبنان إلى تفكيك البنية المالية لحزب الله عبر ضرب الشخصيات والمؤسسات التي "تشكل مصدرا لتمويله". 

فمنذ عام 2013 ركزت إسرائيل على استهداف نقاط وطرق تزويد حزب الله بالأسلحة القادمة من إيران عبر سوريا، ثم بدأت في تصفية قادته بشكل هرمي بعد دخوله في جبهة إسناد لغزة.

"القرض الحسن"

لكن عقب شن إسرائيل عدوانا على قرى وبلدات لبنان في 23 سبتمبر/أيلول 2024، كان لافتا بدؤها بقصف الأبنية والنقاط و"المؤسسات المالية" التي تقول تل أبيب إنها تتبع لحزب الله.

 وقال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هاليفي في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إنه جرى قصف أكثر من 20 هدفا تابعا لمؤسسة "القرض الحسن" المرتبطة بحزب الله.

وتابع هاليفي في بيان "ضربنا ما يقرب من 30 هدفا في أنحاء لبنان"، مشيرا إلى أن مؤسسة القرض الحسن "تتلقى أموالا من إيران وتقدم القروض وتمول في نهاية المطاف حزب الله".

بدوره زعم المتحدث العسكري دانيال هاغاري في إفادة متلفزة، أنه جرى ضرب عشرات المواقع في لبنان تستهدف الذراع المالية لحزب الله، من بينها مخبأ يحتوي على عشرات الملايين من الدولارات من النقد والذهب.

وقال هاغاري في 21 أكتوبر 2024 "كان أحد أهدافنا الرئيسة الليلة الماضية خزنة تحت الأرض تحتوي على ملايين الدولارات نقدا وذهبا، كانت الأموال تُستخدم لتمويل هجمات حزب الله على إسرائيل".

وزعم وجود مخبأ منفصل قال إنه مليء أيضا بالنقود والذهب تحت مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنه قال إن الجيش الإسرائيلي لم يستهدفه بعد.

وتابع أنه “بحسب التقديرات المتوافرة لدينا، هناك ما لا يقل عن نصف مليار دولار من الدولارات والذهب مخزنة في هذا المخبأ”.

ونفى المسؤول في مستشفى الساحل في بيروت فادي فخري علامة، في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأميركية، في 22 أكتوبر 2024 مزاعم الجيش الإسرائيلي بوجود مخبأ لحزب الله أسفل المستشفى، ووصفها بأنها "لا أساس لها" من الصحة.

كما جالت وسائل إعلام عالمية وعربية داخل مستشفى الساحل في بيروت للتحقق من المزاعم الإسرائيلية، لا سيما بعد قول هاغاري إن المخبأ “يعمل كمرفق مالي مركزي لحزب الله”.

كما عرض الناطق باسم الجيش، رسومات توضيحية جرى إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر للمخبأ المزعوم.

وبحسب فادي علامة وهو نائب في البرلمان اللبناني عن حركة أمل حليف حزب الله الأساسي، فإن المستشفى خاص وعمره 48 عاما.

وهو مستشفى جامعي متعاقد مع كلية الطب بالجامعة اللبنانية لا علاقة له بالسياسة، وعمله يتركز على الصحة والعلم، وليس فيه أنفاق، وفق ما قال لوكالة الصحافة الفرنسية.

وترجع فكرة إنشاء حزب الله في لبنان لعام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته إيران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا وصورة أكبر لتوسع النفوذ الإيراني في لبنان.

وسبق لزعيم حزب الله حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر 2024 أن قال صراحة في 24 يونيو/حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

وقد شكلت جمعية "القرض الحسن" المالية التابعة لحزب الله هدفا لغارات إسرائيلية عنيفة نالت فروعها في أكثر من منطقة لبنانية.

إذ تتمتع القروض والخدمات المصرفية التي توفرها الجمعية بشعبية كبيرة خصوصا في أوساط الطائفة الشيعية.

وفي العام 2007، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على جمعية "القرض الحسن"، قائلة إن حزب الله يستخدمها "غطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة والوصول إلى النظام المالي العالمي".

وقالت وزارة الخزانة الأميركية عام 2021 أثناء إعداد عقوبات على الشبكة المالية لحزب الله، إن "القرض الحسن" في الممارسة العملية "ينقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال حسابات وهمية ووسطاء"، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وللجمعية حوالي ثلاثين فرعا في بيروت والكثير من المناطق الأخرى وهي مسجلة لدى السلطات منذ ثمانينيات القرن العشرين.

واكتسبت مؤسسة القرض الحسن شعبية لمنحها قروضا بدون فوائد بحسب الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا، في بلد يعاني منذ خمس سنوات من انهيار اقتصادي مُتمادٍ وتوقّفت فيه البنوك التقليدية تقريبا عن العمل بعدما احتجزت أموال اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بها.

وتقدم الجمعية قروضا بسيطة لأصحاب الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الزراعية أو الصناعية. 

وفي بلد يعاني من انقطاع متكرر للكهرباء، توفر الجمعية أيضا قروضا للأفراد والبلديات لشراء الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.

والمستفيدون من القرض الحسن هم في الأغلب من المسلمين الشيعة، لكن في ظل الأزمة المالية لجأ مسيحيون ومسلمون سنة أيضا إلى خدماتها.

فعلى سبيل المثال، عملت مؤسسة "القرض الحسن" على تركيب أجهزة الصراف الآلي في فروعها في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما سمح لسكان المنطقة، وفقا لبعض التقارير، بتسلم الدفعات النقدية والقروض من حزب الله دون القيود المفروضة في المصارف الأخرى.

 وهذه المؤسسة ليست مصرفا أو مؤسسة مالية، لذا فهي لا تتلقى الأموال من "المصرف المركزي" أو من أي جهاز رسمي آخر من أجهزة الدولة اللبنانية.

ويسمح لها هذا الترتيب بوضع قواعدها وعقد صفقاتها الخاصة، إضافة إلى تعزيز اقتصاد حزب الله ونظامه المالي الموازيين.

"إضعاف التمويل"

ووفق الخبراء، فإن الهيكل العسكري لحزب الله، وخبرته التنظيمية، مكّنته من القدرة على الوصول إلى المصادر البديلة لتمويله.

ولهذا عمدت إسرائيل على اغتيال قادة بحزب الله مرتبطين بإدارة تمويلاته، حيث أعلن جيش الاحتلال في 21 أكتوبر 2024 أنه قتل في سوريا قياديا كبيرا في الحزب مسؤولا عن قسم كبير من عمليات تمويله.

وقال المتحدث دانيال هاغاري إن القتيل الذي لم يسمه هو قائد الوحدة 4400 "المسؤولة عن التحويلات المالية لحزب الله" والتي يتم الحصول عليها بشكل خاص من بيع النفط الإيراني.

وأضاف أن هذه الوحدة كان يقودها قبله محمد جعفر قصير والذي "تولى على مدار سنوات إدارة مصدر الدخل الرئيس" لحزب الله قبل أن تغتاله إسرائيل "في هجوم محدد الهدف في بيروت مطلع أكتوبر 2024.

وبحسب الخزانة الأميركية فإن محمد جعفر قصير، هو وزير المالية في حزب الله ومسؤول عن نقل الأسلحة الإيرانية من سوريا إلى لبنان.

وظهر قصير ذات مرة كمترجم من الفارسية إلى العربية خلال اجتماع بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني في طهران في 25 فبراير/شباط 2019.

كما تمكنت إسرائيل من اغتيال شقيقه حسن جعفر قصير، صهر حسن نصر الله، في غارة على دمشق في 3 أكتوبر 2024.

وحسن أيضا مدرج على قوائم العقوبات الأميركية منذ عام 2018، بتهم متعلقة بنقل أموال من الحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وأمام ذلك، فإنه من الواضح أن إسرائيل تحاول استهداف شبكات "حزب الله" المالية ومن يديرونها، بهدف حصاره اقتصاديا.

وبحسب الخارجية الأميركية فإن حزب الله يحصل على حوالي مليار دولار سنويا من خلال الدعم المالي المباشر من إيران، وشركات الأعمال التجارية العالمية، والاستثمارات، وشبكات المانحين، والفساد، وأنشطة غسل الأموال.

وبما أن إسرائيل ركزت على استهداف المصادر الرئيسة للتمويل النقدي لحزب الله، المتمثلة في الشخصيات ومؤسسة "القرض الحسن"، وكذلك الطائرات التي تحمل النقد إلى مطار بيروت، فقد أثيرت تساؤلات حول مدى قدرة تل أبيب على تجفيف منابع تمويله.

وضمن هذا السياق، رأى آدم سميث، وهو محامٍ دولي ومستشار أول سابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية "أوفاك" أن “هذه العملية العسكرية الإسرائيلية وحدها لن تحقق الكثير”.

"فمنظمة القرض الحسن أساسية في البنية التحتية المالية لحزب الله، وتصل إلى المنظومة المالية الدولية، وإذا أغلقت فسيكون من الصعب عليه شراء الأسلحة أو حتى تنفيذ أعماله المالية الأخرى".

وقال سميث في تصريح صحفي في 22 أكتوبر 2024 إن “بإمكان حزب الله أن يعود إلى نظام النقد أو شحنات الأموال النقدية”.

لكنه أوضح أن "وسائل التمويل التقليدية من إيران قطعت وسيكون من الصعب على طهران الاستمرار في تمويل حزب الله كما كان سابقا".

"السر في إيران"

وبينما يعد البعض جمعية "القرض الحسن" بمثابة خزينة حزب الله وتشكّل أهمية لحاضنته الشعبية من ناحية الدعم الخدمي لهم، يرى آخرون أن دعم الحزب المالي مرتبط بإيران وهي من تتولى طرق إيصاله إليه.

وضمن هذه الجزئية، قال الخبير الاقتصادي اللبناني لويس حبيقة لوكالة أسوشيتد برس الأميركية إن "تدمير فروع القرض الحسن لن يؤثر على تمويل حزب الله لأن أمواله تأتي من إيران ومن داعمين أثرياء حول العالم، ومن المعروف أن رواتب أعضاء الحزب تُدفع نقدا بالدولار".

وأضاف حبيقة في 21 أكتوبر 2024، أنه "مادامت إيران وحلفاء حزب الله يمولون المجموعة فإنها لن تتأثر"، مضيفا أن تدفق "أكياس النقود من الخارج سيستمر تماما كما في الماضي".

وفي هذا الإطار، يرى مدير “المركز العربي للحوار” علي سبيتي، أن استهداف إسرائيل لفروع القرض الحسن والتدمير الهائل للمباني في الضاحية الجنوبية هو لضرب حزب الله تحت عنوان تنفيذ القرار الدولي 1559.

والقرار 1559 صدر عن مجلس الأمن الدولي عام 2004، ويقضي بسحب قوات النظام السوري العسكرية والأمنية من لبنان، بالإضافة إلى حل ونزع أسلحة كل "المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، بينما يدعم "بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كل التراب اللبناني".

وبين سبيتي خلال تصريح تلفزيوني في 21 أكتوبر 2024 أن استهداف بنية حزب الله المالية، هدفه “ضرب الحاضنة الشعبية لخزان المقاومة في لبنان”.

وقبل الثامن من أكتوبر 2023 اجتهد حزب الله في الحفاظ على قدر من الدعم من نواة مجتمعه الشيعي.

وبحسب موقع "جنوبية" المحلي فإن حزب الله قبل نشوب الأزمة الاقتصادية اللبنانية في خريف 2019، كان يستخدم بالفعل سيطرته على وزارة الصحة للتنسيق مع الصيدليات في جنوب لبنان والبقاع وضواحي بيروت الجنوبية، وذلك بهدف تزويد أفراده وموظفيه بالأدوية بأسعار منخفضة.

وأضاف الموقع خلال تقرير له نشر في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن الحزب تمكن من إغراق الصيدليات ومراكز الرعاية الصحية التابعة له بالأدوية السورية والإيرانية المهربة عبر الحدود وعن طريق المطار.

كما أنشأ "حزب الله" عام 2020 سلسلة جديدة من محلات البقالة أُطلق عليها اسم "مخازن النور"، في الجنوب، والبقاع، وضاحية بيروت، وكل فرع مليء بالمنتجات الإيرانية والسورية التي تباع بثمن أقل من أسعار السلع المستوردة في المتاجر المنافسة.

وهدف "حزب الله" من هذا القطاع، جني الأرباح بالليرة اللبنانية، والتي يمكن أن يحولها لاحقا إلى دولارات أميركية في السوق السوداء، وفق “جنوبية”.

بالإضافة إلى ذلك، وضع الحزب حينها لأعضائه وموظفيه نظاما جديدا للضمان الاجتماعي مع "بطاقة الساجد" التي يمكن استخدامها لشراء السلع والحصول على خصومات في "مخازن النور".

وهذا الجزء من إستراتيجية حزب الله صممها بشكل أساسي لإبقاء حاضنته الشيعية هادئة وتحت السيطرة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يمر بها لبنان. 

وفي فبراير 2019 كشف تقرير نُشر في مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية عن المصادر التمويلية الأساسية لحزب الله اللبناني، مبينا أن حجم ميزانيته قدرت بحوالي 700 مليون دولار سنويا ويشكل الدعم الإيراني حوالي 80 بالمئة منها.

 وبحسب التقرير ذاته، استطاع حزب الله تأسيس اقتصاد داخلي له في لبنان من خلال أنشطة مالية واقتصادية، بالإضافة إلى توسعه وامتداده إلى الخارج وصولا إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية.