حسينة واجد تحظر الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي.. بنغلاديش إلى أين؟
الجماعة الإسلامية تضم أكثر من 30 مليون عضو رسمي
دفعت الاحتجاجات الغاضبة في بنغلاديش، رئيسة الوزراء الشيخة “حسينة واجد” إلى حظر الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي "شيبير".
ويقود الطلاب المعارضون في بنغلاديش، احتجاجات منذ الأول من يوليو/ تموز 2024، بدأت في جامعة دكا المرموقة، ثم انتشرت إلى سائر الجامعات.
وانطلقت منها إلى مدن أخرى في جميع أنحاء البلاد، في تجمعات يومية تضمنت إغلاق الطرق ووسائل المواصلات والسكك الحديدية.
وبدأت المظاهرات احتجاجا على تخصيص أكثر من نصف الوظائف الحكومية لفئات محددة وعائلات معينة.
وفي آتون تلك الحالة قررت حكومة "واجد"، في 30 يوليو، حظر الجماعة الإسلامية، وجناحها الطلابي "شيبير".
والجماعة الإسلامية تضم أكثر من 30 مليون عضو رسمي، وتحظى بحوالي 25 بالمئة من نسبة التصويت.
وهي ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد، وإحدى أقدم الكيانات السياسية في شبه القارة الهندية.
وبالمثل، فإن "شيبير"، منظمة بارزة تمثل أكثر الطلاب نشاطا وذكاء، لها دور مؤثر وقوي في قيادة الحركة الطلابية ضد نظام "واجد" الديكتاتوري.
صدام وحظر
وجاء حظر الجماعة في أعقاب موجة الاحتجاجات العنيفة التي خلّفت أكثر من 150 قتيلا، من ضمنهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 14 سنة، إضافة إلى آلاف الجرحى، وذلك بعد أن فتحت قوات الأمن وحرس الحدود والجيش النار على المتظاهرين.
وقد ألقى الطلاب باللوم على رئيسة الوزراء وحزبها في المجازر التي حاقت بزملائهم، وطالبوا باستقالتها وإسقاط النظام.
هنا اختارت "حسينة واجد" توجيه ضربة للجماعة الإسلامية، لتكون بمثابة "كبش فداء"، مستخدمة قرار حظرها.
ويترتب على قرار الحظر ودخوله الفوري إلى حيز التنفيذ، إصدار إخطار في الجريدة الرسمية عن طريق وزارة الداخلية البنغالية، يضع حزب الجماعة الإسلامية على قوائم "المنظمات الإرهابية".
وأعلنت الوزارة التي قتلت عددا كبيرا من المتظاهرين خلال الاحتجاجات، أن "الحظر فرض بموجب قانون مكافحة الإرهاب".
وشملت تفاصيل قرار الحظر أن جمعت "حسينة واجد" شركاءها السياسيين، وألقت باللوم مباشرة على الجماعة الإسلامية والجناح الطلابي والهيئات المرتبطة بها.
واتهمتهم بالتحريض على العنف خلال الاحتجاجات الطلابية ضد نظام حصص الوظائف الحكومية.
وبناء عليه قرر 14 حزبا بقيادة رابطة عوامي (حزب الشعب الحاكم)، حظر الجماعة الإسلامية، واتهموها بـ "زعزعة استقرار البلاد بالتخريب والفوضى" خلال الاحتجاجات.
وذكرت صحيفة "دكا تريبيون" البنغالية الرسمية أن رئيسة الوزراء أصدرت تعليماتها لوزيري العدل والداخلية لاتخاذ إجراءات بشأن الحظر.
ولا شك أن الجماعة الأكبر في البلاد والأكثر تأثيرا على المستوى السياسي، والاجتماعي كانت في طليعة الرافضين لنظام الحصص.
وهو نظام توظيف وضعه النظام الحاكم مع الجيش عام 1992، يخصص حصة كبيرة من الوظائف العامة لأقارب "أبطال الحرب"، أي أبناء الضباط والمحظوظين من أعضاء الحزب الحاكم.
وبموجبه كان يجرى تعيين الآلاف من غير المؤهلين والراسبين، وإبعاد الكفاءات وخريجي الجامعات المرموقة.
وطالب المحتجون بالتعيين في الوظائف وفقا لآليات الجدارة والاستحقاق، لا نظام الحصص، الذي يراه الطلاب منحازا إلى أبناء أنصار وأتباع حسينة واجد.
وبعد الاحتجاجات، نشرت حكومة "واجد" كتيبة العمل السريع شبه العسكرية، لقتل الطلاب.
وهي كتيبة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 بسبب "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".
تاريخ صدامي
الشيخة حسينة التي تحكم بنغلاديش بالحديد والنار، لها تاريخ صدامي قاس مع الجماعة الإسلامية ميدانيا وأيديولوجيا.
فهي تتحالف مع متعصبي الهندوس ضد خيارات المسلمين، وترسخ العلمانية، وتعدم علماء وقادة الجماعة بدم بارد.
وقد عمل "حزب الجماعة الإسلامية" على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المختلفة التي جرت في بنغلاديش منذ الانفصال عن باكستان.
وجاءت أهم مشاركاته عام 2001 حيث دخلت للمرة الأولى كشريك في التحالف المعارض، وحصلت على 17 مقعدا من أصل 300، مع اثنين من الوزراء في الحكومة.
حينها أخذ حزب الجماعة الإسلامية خطوات متقدمة بالتحالف مع أربعة أحزاب في حكم البلاد لمدة خمس سنوات.
وشاركت الجماعة في الحكومة من خلال وزارتي الصناعة والشؤون الاجتماعية.
في عام 2010 رأت حكومة بنغلاديش بقيادة حسينة واجد أن الجماعة وانتشارها وشعبيتها باتوا يشكلون خطرا داهما.
فعمدت إلى حيلة مثيرة، عندما اتهمت أبرز قادة الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب عام 1971.
وأنشأت محكمة لهذا الغرض وبدأت محاكمتهم عبر قضاة اختارتهم بعناية حتى يصدروا ما تمليه السلطات عليهم من أحكام تجاه هؤلاء القادة وهو إعدامهم شنقا.
ووضع على رأس المحاكمين والمشمولين بالاتهامات، الشيخ مطيع الرحمن نظامي وهو أمير الجماعة وزير الزراعة ثم الصناعة سابقا.
وكذلك أمير الجماعة سابقا غلام أعظم ونائبه وعضو البرلمان السابق الشيخ محمد عبد السبحان إضافة إلى الأمين العام للجماعة علي أحسن محمد مجاهد.
وشملت الاتهامات أيضا محمد قمر الزمان الأمين العام المساعد الأول للجماعة رئيس تحرير مجلة "سونار بنغلا".
كما شملت الأمين العام المساعد الثاني وعبد القادر ملا، والثالث “أظهر الإسلام”.
ومن بين من شملهم الحكم عضو المجلس التنفيذي للجماعة ومدير مكتب رابطة العالم الإسلامي في بنغلاديش سابقا مير قاسم علي.
وبالفعل في يوم 10 مايو/أيار 2016 نفذت سلطات "حسينة واجد" حكم الإعدام في الشيخ نظامي في سجن بالعاصمة داكا، وهو ما مثل صدمة بالغة للجماعة في بنغلاديش وللعالم الإسلامي عموما.
الجماعة الإسلامية
ولعبت الجماعة الإسلامية دورا حاسما في تاريخ شبه القارة الهندية، وعملت على توحيد شرق وغرب باكستان.
لكن ما منعها أن "باكستان الشرقية" أي بنغلاديش، كانت منفصلة جغرافيا عن الغرب (باكستان)، وكان بها عدد كبير من السكان البنغاليين ولغتها وثقافتها وتاريخها مختلف نسبيا.
وعند الحديث عن تأسيسها فلا يفترق عن تأسيس الجماعة الإسلامية في باكستان، فكلاهما كان بمثابة كيان واحد.
بدأ التأسيس في 26 أغسطس/آب 1941، عندما اجتمع في مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب في باكستان 75 رجلا من مختلف أنحاء شبه القارة الهندية بقيادة أبي الأعلى المودودي، وأسسوا الجماعة الإسلامية، وانتخبوا الأخير أميرا لها.
لكن الجماعة دخلت في طور الانفصال، خلال الانقسام بين المنطقتين الشرقية والغربية.
إذ أسهمت هيمنة "باكستان الغربية" على القوة السياسية والاقتصادية في البلاد، في شعور الباكستانيين الشرقيين بالإهمال، فظهرت دعوات استقلال بنغلاديش في الشرق وانفصلت.
ومن الذين قادوا هذا الانفصال، "مجيب الرحمن"، والد الشيخة حسينة، وهو من الذين حملوا العداء للجماعة، وقالوا إنها لم تدعم جهود الانفصال.
خاصة أنه خلال حرب تحرير بنغلاديش عام 1971، عارضت الجماعة الإسلامية في شرق باكستان (بنغلاديش الحالية) الاستقلال على أساس الوحدة الإسلامية والخوف من الحرب العنيفة، محذرين من دعم الهند وتمويلها الكامل للانفصال.
ورغم دورها في دعم نهضة بنغلاديش، تعرّضت الجماعة الإسلامية لحملة قمع سياسية لا هوادة فيها غذتها اتهامات لا أساس لها من الصحة من قبل معتنقي عقيدة هندوتفا الهندية بارتكاب جرائم حرب خلال "حرب التحرير".
وبعد أن نالت بنغلاديش استقلالها عام 1971، استهدفت الحكومة، الجماعة الإسلامية بصفتها خصما سياسيا.
واعتقلت السلطات قيادة الجماعة الإسلامية وحظرت حزبها، ومنذ ذلك الحين والمحاكمات الجائرة تجرى بحقهم بحجة أنهم ارتكبوا جرائم حرب منذ عشرات السنين في حرب الاستقلال عام 1971، ونصبت المشانق لهم.
وكانت أسباب اتهام السلطة للجماعة الإسلامية هي أن قادتها قادوا فرقة "البدر" التي كانت لجنة شعبية مسلحة، عاونت الجيش الباكستاني ضد المتمردين (الذين استقلوا ببنغلاديش)، إبان الحرب بين الهند وباكستان في 1971.
واستمرت الحرب المذكورة 6 أشهر، وأسفرت عن انفصال شرق باكستان وإعلان دولة بنغلاديش المستقلة.
ومع ذلك فإن أدبيات الجماعة وقواعدها السياسية تنبذ العنف، حيث تؤمن بأنه "لا يمكن بناء الدولة والتغيير الاجتماعي من خلال العنف والإرهاب والفوضى".
وتشدد الجماعة في محافلها المختلفة على ضرورة تداول السلطة وتولي مسؤولية إدارة الحكومة بطريقة نظامية وديمقراطية. كما تؤكد أن "العقيدة الإسلامية ليست مسألة تفرض على الشعب بالقوة".