بفضل الإمارات وأرض الصومال.. ما خطورة عودة إثيوبيا الحبيسة للبحر الأحمر؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد حرمانها من الوصول إلى البحر الأحمر منذ عام 1993، حققت إثيوبيا حلمها أخيرا، بالعودة إلى المياه ولكن هذه المرة من جمهورية أرض الصومال الانفصالية.

فمنذ ذلك الحين الذي استقلت فيه إريتريا عنها وأخذت معها ميناءي "عصب" و"مصوع"، تحولت إثيوبيا إلى دولة حبيسة اليابسة تتطلع للعودة إلى البحر مرة أخرى.

ومطلع يناير/كانون ثان 2024، وقع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مذكرة تفاهم مع "موسى بيهي عبدي" رئيس "جمهورية أرض الصومال" (صوماليا لاند) المنشق عن دولة الصومال، لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية لإثيوبيا.

بموجب الاتفاق، ستؤجر صوماليا لاند قطعة أرض مساحتها 20 كيلومترا على طول ساحلها لإثيوبيا من أجل إقامة قاعدة بحرية تجارية وعسكرية.

حكومة الصومال وصفت الاتفاق بأنه عمل "عدواني"، وبدأت اتصالات مع الدول المتضررة مثلها، ومنها مصر لتقييم الوضع والرد لو أمكن. 

اتفاق مشبوه

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" خطابا أمام البرلمان تحدث فيه عن الضرورة الوجودية لوصول دولته الحبيسة جغرافيًّا إلى المياه الدافئة مرة أخرى.

قال إن الميناء السيادي المستهدف لبلاده على ضفاف البحر الأحمر سيكون عن طريق إريتريا أو الصومال أو جيبوتي. 

وأوضح أن حكومته بحاجة إلى إيجاد طريقة لإخراج شعبها البالغ عدده 126 مليون نسمة من "سجنهم الجغرافي".

واستشهد آبي أحمد في حديثه بمقولة "علولا أنغيدا" (المعروف بـ "آبا نيغا")، القائد العسكري الإثيوبي في القرن التاسع عشر، الذي قال إن "البحر الأحمر هو الحدود الطبيعية لإثيوبيا". 

وكانت إثيوبيا تتمتع منذ منتصف القرن العشرين بمنفذ بحري دائم وسيادي على البحر الأحمر عبر مينائي "عصب" و"مصوع" في إريتريا حتى استقلالها عام 1993.

ومنذ ذلك التاريخ تعتمد على ميناء جيبوتي كمنفذ وحيد يمر من خلاله نحو 95 بالمئة من تجارتها مع العالم الخارجي.

وأعلن مكتب آبي أحمد، أن إثيوبيا بعد توقيع الاتفاقية أن الاتفاق سيسمح لإثيوبيا غير الساحلية بالوصول إلى البحر الأحمر، و"مذكرة التفاهم ستمهد الطريق لتحقيق تطلعاتنا فيما يخص الموانئ البحرية".

ورغم أن مذكرات التفاهم ليست مُلزمة قانونًا، إلا أنها تعتبر بمثابة بيان نوايا يمكن أن يؤدي إلى إبرام معاهدة تفرض التزامات على الأطراف التي وقعت عليها، بحسب ما قال موقع بي بي سي البريطاني في الثاني من يناير 2024.

أوضح أن الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذًا على مضيق باب المندب الاستراتيجي عبر خليج عدن، المؤدي لبوابة قناة السويس من الجنوب.

أما المقابل الذي ستحصل عليه "أرض الصومال" فهو حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، حسبما قال مستشار الأمن القومي الإثيوبي رضوان حسين، ما يعني تقوية أسطولها الجوي الضعيف.

والمكسب الثاني، لجمهورية أرض الصومال التي أعلنت انفصالها عام 1991 والذي يحمل أهمية سياسية بالغة، هو البند الذي يتضمن احتمالية اعتراف إثيوبيا بصوماليا لاند كدولة مستقلة في مرحلة لاحقة. 

وأكد موقع "صوت أميركا" مطلع يناير 2024 أن الاتفاق الأخير مع إثيوبيا يتضمن اعترافا بأرض الصومال، لكن أديس أبابا لم تعلن ذلك بشكل رسمي، حيث تشير مذكرة التفاهم بينهما إلى "تعزيز علاقاتهما السياسية والدبلوماسية".

وهذا الاعتراف المحتمل من دولة ذات وزن كإثيوبيا يمكن أن يكون له تأثير كبير في دفع مساعي صوماليا لاند نحو الاعتراف الدولي. 

وتمهد مذكرة التفاهم مع "أرض الصومال" الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة، كما تمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر، وتعيد لها قوتها البحرية العسكرية السابقة في البحر الأحمر.

وأكد رئيس جمهورية أرض الصومال في بيان مٌسجل أذاعه مكتبه: "إن إثيوبيا سيكون لها قاعدة للقوات البحرية على الأرض المستأجرة"، وهي مساحة 20 كيلو متر لمدة 50 عامًا.

وقال في التسجيل: "لقد طلب منا رئيس وزراء إثيوبيا الدخول في تفاهم على أن يكون لجيشهم قاعدة في البحر لأن لديهم قوة بحرية".

وصرح رئيس إقليم أرض الصومال موسى بيحي خلال الخطاب الذي ألقاه بالمناسبة "أن جمهورية إثيوبيا الفيدرالية ستصبح أول دولة أفريقية تعترف رسميًا بجمهورية أرض الصومال. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم جمهورية أرض الصومال بتأجير 20 كيلومترًا من البحر لإثيوبيا إلى جانب إستخدامها لميناء بربرة. pic.twitter.com/6gueyDNI0J

— Omer Ahmed عمر أحمد (@OmerOmer2019) January 1, 2024

وسبق أن كشف موقع "هورن أوبزرفر" الإثيوبي في 23 يوليو/تموز 2023 أن آبي أحمد، هدد بغزو "جمهورية أرض الصومال" قبل توقيع الاتفاق، وانتزاع ميناء منها على مضيق باب المندب.

ذكر الموقع أن رئيس الوزراء آبي أحمد قال بشكل لا لبس فيه:" إن استخدام القوة سيعتبر إجراء أخيرا، نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي".

قال" "شدد آبي أحمد، في كلمة أمام حشد من المستثمرين ورجال الأعمال على الحاجة الملحة لإثيوبيا لامتلاك ميناء خاص بها"، مشيرا إلى التكاليف الباهظة وغير المستدامة المرتبطة بالاعتماد على موانئ الدول المجاورة

ويقع إقليم "أرض الصومال" (صوماليلاند)، في منطقة القرن الأفريقي على الحدود مع جيبوتي وإثيوبيا والصومال، وقد انفصل عن الصومال، عام 1991، ويتصرف كدولة مستقلة فعليا منذ ذلك الحين لكنه غير معترف به دوليا.

و"أرض الصومال" كانت مستعمرة بريطانية سابقة اندمجت بعد أيام من استقلالها عام 1960، بـ "الصومال"، الذي كان بدوره مستعمرة إيطالية سابقة نالت استقلالها أيضا، وشكلتا معا جمهورية الصومال، قبل أن يدخلا في صراع وحرب أهلية.

وتنتخب صوماليا لاند حكومتها، وتملك عملتها الخاصة، وتصدر جوازات سفر، غير معترف بها، ويبلغ عدد سكانها 4.5 ملايين نسمة، وهي جمهورية فقيرة ومعزولة.

لكنها تؤكد أنها تحتفظ بعلاقات مع عشرات الدول، ولديها مكاتب تمثيلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات وتايوان.

كما تستضيف أرض الصومال بعثات من المملكة المتحدة وتركيا وتايوان وإثيوبيا وجيبوتي والإمارات.

دور الإمارات 

برز دور مشبوه للإمارات في هذه الصفقة التي تستهدف تقوية إثيوبيا بحريا وتضر مصر والسودان بسبب نزاعهما مع أديس أبابا حول نهر النيل.

إذ ترتبط أبو ظبي بعلاقة قوية مع "أرض الصومال"، وتسعى للحصول على قاعدة بحرية هناك بجانب إثيوبيا.

فقبل توقيع إثيوبيا اتفاقها الأخير 2024 مع أرض الصومال، وقعت اتفاقا سابقا عام 2018 معها ينص على حصول أديس أبابا على حصة قدرها 19 بالمئة في ميناء بربرة، في حين تمتلك شركة موانئ دبي الإماراتية نسبة 51 بالمئة من الحصص.

وسبق ذلك في عام 2016 توقيع صوماليا لاند اتفاقية مدتها 30 عاما مع شركة موانئ دبي العالمي لتحديث وتطوير ميناء بربرة باستثمارات 442 مليون دولار، ستنفذ على ثلاث مراحل تطويرية، انتهت أخيرا. 

ويمول صندوق أبوظبي للتنمية مشروع طريق بربرة، الذي يربط الميناء بمنطقة توج وجالي على الجانب الصومالي من الحدود الإثيوبية.

ويقول الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية بجامعة الكويت "إدريس آيات" إن الموقع الجغرافي الفريد لصوماليا لاند في خليج عدن، كنقطة جذب إستراتيجية في مجال التجارة الدولية، أسال لعاب أبو ظبي.

وجذب اهتمام واستثمارات كبرى الشركات الدولية، مثل شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية، المتخصصة في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ.

أوضح أن الإمارات تتبع سياسة خارجية تركز على توسيع سيطرتها على الموانئ البحرية الاستراتيجية عالميًا، خاصة في القارة الإفريقية، من خلال شركة موانئ دبي، وتُعد صوماليا لاند مثالًا بارزًا على هذه الاستراتيجية، حيث تعمل الشركة الإماراتية هناك.

وأنه في سبيل ذلك، أنفقت "موانئ دبي" 250 مليون دولار لتعزيز السعة الاستيعابية لميناء بربرة، مما أهله للتعامل مع نصف مليون حاوية سنويا.

كما جرى إطلاق المنطقة الحرة المجاورة في نهاية 2022، وقد وقعت بالفعل عقدًا مع شركة الأغذية الإماراتية IFFCO.

•هل نتجه نحو صراع جديد في منطقة القرن الأفريقي بين إثيوبيا والصومال، ولماذا قد تكون الإمارات حاضرة بقوة في هذا الملف؟:

أبرمت إثيوبيا اليوم 1 يناير 2024 في خطوة استراتيجية بالغة الأهمية، اتفاقًا مع إقليم صوماليلاند، الساعي بإصرار نحو الانفصال عن الجسد الصومالي. يُرتقب أن تكتمل… pic.twitter.com/ZHaCRIA9n3

— Idriss C. Ayat ���� (@AyatIdrissa) January 1, 2024

سيكون لوصول إثيوبيا لمياه البحر الأحمر تداعيات خطيرة على القرن الإفريقي، في ظل توجهاتها العدوانية مع العديد من الدول المطلة عليه خاصة مصر والصومال وإريتريا، لذا يتوقع مراقبون حدوث صراع جديد .

صحيفة "نيويورك تايمز" رأت 2 يناير 2024 أن "صفقة الميناء"، كما وصفتها، ستؤدي إلى "وضع القرن الإفريقي على حافة الهاوية"، بسبب قلق جيران إثيوبيا من وصولها البحري المحتمل إلى البحر الأحمر.

نقلت عن مراقبين أنها "صفقة ميناء تهدد بإشعال التوترات في القرن الإفريقي المضطرب"، وتثير المزيد من التوترات في البحر الأحمر، وهو طريق شحن عالمي حيوي أصبح خطيرا بشكل متزايد وسط الحرب بين إسرائيل وحماس.

أكدوا أن "مصر وإريتريا ستشعران بالقلق أيضًا من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الاستراتيجيين".

أيضا جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا حوالي 1.5 مليار دولار سنويا لاستخدام موانئها، تخشى فقدان هذا الدخل الذي قد يؤدي إلى عدم استقرار حكم الرئيس إسماعيل عمر جيله، الذي استفاد من هذا التدفق النقدي خلال عقدين من توليه منصبه.

وقالت "سميرة جيد"، كبيرة محللي شؤون القرن الإفريقي في شركة بلقيس إنسايتس، وهي شركة استشارية بحثية في العاصمة الصومالية مقديشو، إن "المنطقة بأكملها قلقه منذ علم الجميع برغبة إثيوبيا كدولة مهيمنة إقليمية في الوصول إلى البحر".

وفي 8 نوفمبر/تشرين ثان 2023 نوه تقرير لشبكة بي بي سي البريطانية إلى دور الإمارات في دعم إثيوبيا في القرن الإفريقي، مؤكدا أنها "هي الراعي الرئيسي لآبي أحمد، وتمول قصره الفخم، فضلاً عن توفير الطائرات بدون طيار الحربية له".

أوضحت الشبكة أن "رغبة أبو ظبي "أن تصبح إثيوبيا قوة مهمة في البحر الأحمر ودولة موالية للإمارات"، محذرة من "أن حرباً جديدة في القرن الإفريقي قد تعرض مكاسبهما في السودان للخطر".

قالت إن "آبي أحمد" يعول على أن تدفع الإمارات ثمن أي حرب يخوضها في القرن الإفريقي، خاصة أن الاقتصاد الإثيوبي يعاني حالة من الفوضى، وديون ويحتاج بشد لخطة إنقاذ مالية وإلا تعرض للإفلاس.

وبينت أن رئيس الإمارات محمد بن زايد "قد يقدم أموالا نقدية لرئيس الوزراء الإثيوبي، لكن أمواله لا يمكن أن تعوض عن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي قد تترتب على الحرب في القرن الإفريقي".

الصومال ومصر

أغضبت خطوة إثيوبيا، التي جاءت بدعم إماراتي، للوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء صومالي منشق، دولة الصومال، وعدته اتفاقا باطلا وهددت بمواجهته، وجرت اتصالات مكثفة بينها وبين مصر باعتبارهما محورا مضادا للمحور الإثيوبي والإماراتي.

استدعت الحكومة الصومالية، 2 يناير 2024، سفيرها لدى إثيوبيا للتشاور، بعد توقيع الاتفاقية التي عدتها انتهاكا لسيادتها، لأن هذه الجمهورية المنشقة جزء من إقليمها بموجب الدستور، متوعدة بالرد بشتى السبل القانونية.

وبعدها، هاتف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

ورغم حديث بيان رسمي عن تناولهما موضوعات عامة مثل "الأوضاع الإقليمية"، وموقف مصر الثابت بالوقوف بجانب الصومال ودعم أمنه واستقراره"، رجح مراقبون أن تكون الخطوة الإثيوبية هي محور الاتصال.

 

لكن الخارجية المصرية أصدرت بيانا أكثر وضوحا في 3 يناير 2024، يؤكد معارضتها "لأي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية"، مشددةً على "حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده".

إلا أن البيان لم يشر لإثيوبيا ولا اتفاقها مع جمهورية أرض الصومال بشكل مباشر، واكتفى بصياغات عامة حول "احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي"، وخاصة "ضرورة احترام الحدود القائمة وعدم تدخل أي دولة في الشئون الداخلية لدولة أخرى".

pic.twitter.com/YHlozdmYac

— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) January 3, 2024

ويبدو أن نظام السيسي، بدأ يترك الرد على القضايا الحيوية التي تهم الأمن القومي للجنرالات السابقين خاصة الذين يثق بهم، خاصة اللواء سمير فرج رئيس الشئون المعنوية السابق.

وفيما يخص استئجار إثيوبيا قاعدة تجارية عسكرية من جمهورية أرض الصومال ستمكنها أيضا من تهديد مصر عبر البحر الأحمر، لقرب القاعدة من باب المندب وقناة السويس أكد سمير فرج أيضا إن "إثيوبيا تهدد الأمن القومي المصري والعربي".

"فرج" قال لقناة "صدى البلد" التابعة لشركة المخابرات الإعلامية (المتحدة) إن وجود إثيوبيا في ميناء بربرة الصومالي معناه أن الاتجاهات الإستراتيجية الأربعة للدولة المصرية بات مهددة، مشيرا إلى أنه لم يحدث في التاريخ في توقيت واحد.

شدد على أن الموقف الحالي سيئ، لأن هناك تهديدا للأمن القومي المصري، من جهة إسرائيل وغزة وليبيا والسودان، والآن عبر إثيوبيا ونهر النيل ووجودها في الصومال.

  وصف اتفاق إثيوبيا ليكون لها منفذ على البحر الأحمر، بأنه "اختراق سيادة وأمن دولة عربية (الصومال) ومؤشر خطير"، مؤكدا أنه لا ثقة في رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، لأنه رفض التوقيع على الاتفاق الخاص بشأن سد النهضة.

ودعا اللواء "فرج" لتحرك عربي جماعي ضد إثيوبيا لأنها باتت تهدد الأمن القومي العربي، من خلال توقيع الاتفاق مع أرض الصومال غير المعترف بها، للتصدي لمخططها.