بأوج المعركة مع إسرائيل.. علي الأمين مرجع شيعي يطالب بنزع سلاح حزب الله

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ عقدين من الزمن، يدعو المرجع الشيعي اللبناني، علي الأمين، وهو أبرز المراجع المناهضة لسياسات حزب الله وولاية الفقيه في إيران، إلى انخراط الحزب بمشروع الدولة اللبنانية.

ورغم أن حزب الله منشغل بجبهة "إسناد لغزة" منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد إسرائيل، عاد الأمين للحديث في هذا التوقيت عن ضرورة تسليم الحزب سلاحه إلى الدولة اللبنانية.

وخلال مقابلة مع قناة العربية السعودية بثت في 10 أكتوبر 2024، دعا الأمين إلى ضرورة تسليم حزب الله لسلاحه، مضيفا بالقول: "في ظل وجود سلاح غير سلاح الدولة يبقى القلق قائما".

ورأى أن جبهة "الإسناد" التي فتحها حزب الله في الجنوب دعما لغزة، لم تفد القطاع الفلسطيني، بل جرت الضرر إلى لبنان.

وأضاف أن حزب الله اتخذ قرار الحرب وحده دون استشارة الحكومة أو اللبنانيين، وفق قوله.

وحول مسؤولية حزب الله عن العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي اشتد في 23 سبتمبر 2024، قال الأمين "عبرنا عن رأينا في هذه الحرب بعد اندلاعها، وقلنا إنها غير مفيدة لغزة وتجرّ الضرر إلى لبنان وتجعله في دائرة الخطر".

وأردف قائلا: “وأما القول بأن التهديدات الإسرائيلية كانت واضحة تبريرا للدخول في (المواجهة) فهو غير صحيح لأنها كانت موجودة قبل السابع من أكتوبر 2023، فلماذا لم يعلن حزب الله بسببها الحرب؟”

وتساءل: لماذا أجرت الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها حزب الله اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي في ظل تلك التهديدات الواضحة كما يقولون عنها؟

ولفت الأمين إلى أن "إيران ومحورها لم تقم بعمل يتناسب مع مأساة لبنان وغزة". 

ودعا حزب الله إلى "الانخراط بمشروع الدولة اللبنانية"، وقال إن الحل في لبنان في الوقت الراهن هو انتخاب رئيس للبلاد.

لا سيما أن حزب الله ما يزال يعطل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية منذ نهاية أكتوبر 2022، حينما غادر الرئيس ميشال عون سدة الرئاسة مع انتهاء ولايته.

وتتهم القوى اللبنانية حزب الله الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982، بالهيمنة "بقوة السلاح الإيراني على الساحة اللبنانية"، الأمر الذي يكسبه "تأثيرا وازنا" في جميع الاستحقاقات الانتخابية، فضلا عن تحكمه "بقرار السلم والحرب" فيه.

سيرة ومسيرة

علي الأمين هو مرجع ديني مسلم شيعي اثنا عشري، ولد في بلدة قلاوية العاملية جنوب لبنان عام 1952.

أنهى دراسته الثانوية في سبعينيات القرن العشرين، وهاجر إلى النجف في العراق، وبلغ مرحلة الاجتهاد الشرعي في سن مبكرة بعد أن تلقى علومه الشرعية على يد علماء الحوزة العلمية في النجف.

ذهب إلى إيران عام 1980 ودرّس فيها الفقه والأصول لمجموعات من الطلاب، حيث بقي هناك ثلاثة أعوام ثم عاد بعدها عام 1983 إلى لبنان.

يؤكد الأمين خلال مقابلة صحفية معه في مارس/آذار 2024 أن الدراسة الدينية في العراق تختلف عما كانت عليه في إيران.

ويقول “اختلف المنهج التعليمي الديني في عمقه وسعته خصوصا أن الدراسة في إيران كانت بدأت تتأثر بالوضع السياسي، بينما كانت الدراسة الدينية في العراق والمرجعية الدينية عموما بعيدة عن الانخراط في الأعمال السياسية".

والأمين عضو "مجلس حكماء المسلمين"، الذي أنشأته الإمارات عام 2014، ليكون كيانا موازيا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

بعد عودته من العراق إلى لبنان في الثمانينيات من القرن العشرين أقام في بيروت وترأس حوزة المعهد الشرعي في حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله.

وأثرت المدارس الدينية في النجف العراقية في حياة الأمين، ما جعله قادرا على الحفاظ على وسطيته، وباتت آراؤه، مرجعا للباحثين عن التقارب بين المذاهب الإسلامية.

وقد بدأ التباين بينه وبين حزب الله إبان أزمة خطف الرهائن الأجانب في ثمانينيات القرن العشرين، حيث انتقد الأمين خطف الأجانب وغادر بيروت.

وعقب ذلك، أنشأ في مدينة صور اللبنانية معهدا عاليا للعلوم الدينية أطلق عليه اسم "معهد الإمام الصدر للدراسات الإسلامية " لربط رجال الدين بوطنهم.

كما تسلم الأمين دار الإفتاء في صور وجبل عامل من عام 2000 وحتى 2007 عقب وفاة المفتي الشيخ نجيب سويدان.

وحينما نشب خلاف مسلح وحرب بين حركة أمل وحزب الله (الثنائي الشيعي) خلال المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975 حتى 1990)، وقف الأمين إلى جانب حركة أمل ورفض تقاتلهما باسم الدين ورفض قتل الأخ لأخيه.

لكن الأمين اليوم على خلاف كبير مع قائد حركة أمل نبيه بري منذ عام 2006 بسبب رفض الثنائي الشيعي "الاستماع إلى الأصوات الأخرى في الطائفة الشيعية" الذين وقفوا معهم في مشروع بناء الدولة وفي المحطات الصعبة منذ اجتياح إسرائيل لبيروت عام 1982 وفق قوله.

وقصف الطيران الإسرائيلي منزل المرجع علي الأمين الذي كان يسكنه في مدينة صور خلال حرب يوليو/تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل ودُمر كليا.

ونتيجة مواقفه ورفضه لاجتياح بيروت في السابع من مايو/أيار 2008 من قبل حزب الله وحلفائه، تعرّض الأمين لتهديدات.

وأرسل نبيه بري رئيس المجلس النيابي اللبناني وزعيم حركة أمل مليشيا شنت هجوما مسلحا على بيته ومقره في دار الإفتاء الجعفري في مدينة صور وجرى تهجيره من الجنوب اللبناني ليقيم في العاصمة بيروت منذ ذلك الحين.

ورأت تقارير صحفية أن اجتياح حزب الله وحلفائه لبيروت في 7 مايو 2008 كانت بداية "سقوط قناعه ومحاولة اختطاف الدولة بقوة السلاح الإيراني".

"مؤمن بالدولة"

للمرجع الشيعي علي الأمين موقع رسمي إلكتروني تعلوه عبارات تعود له، علاوة على نشر مقابلاته الإعلامية وزياراته وخطبه ومواقفه السياسية.

في مقابلة صحفية معه خلال مارس 2024، قال الأمين "رفضت دائما مشاريع الحرب وإطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة من لبنان وكل الفصول التي تُقحمنا في حرب غير متكافئة".

وأضاف: "إذا اختار العالم العربي الحرب نكون جزءا منها، أما أن نختارها وحدنا فهذا غير منطقي لأنه يجعلنا في حرب غير متكافئة، تأتي بالويلات على شعبنا من دون أي مكاسب، وبقيت أطالب بصعود الجيش اللبناني إلى الجنوب وانتشاره مع وجود قوات الطوارئ الدولية".

وأردف الأمين "خلافي مع حزب الله ليس على جهد المجاهدين وإنما حول إدارة الأمور".

ويؤمن هذا المرجع الشيعي بالدولة المدنية ويعارض ولاية الفقيه كنظام حكم في إيران، حيث تسعى الأخيرة لاحتلال دول وجعلها تابعة لتلك الولاية وتعاليمها.

كما يعارض الأمين تأسيس الأحزاب على أساس ديني، وقد اختلف مع حزب الله وحركة أمل، لكونها اختلفت مع باقي الأحزاب الوطنية والتي أوصلت البلاد إلى احتقان طائفي ومذهبي وصل لحد اجتياح بيروت في مايو 2008، كما يقول.

وبات الأمين اليوم أحد رموز الاعتدال في المراجع الشيعية بالعالم الإسلامي، خاصة أنه ينحاز في "مواقفه السياسية إلى عروبيته".

ودائما كان الأمين يركز على نبذ الانقسام الطائفي الذي تعاني منه الأمة اليوم الذي يتم استغلاله من بعض الدول.

ويقول إنه حينما عاش في العراق لم يكن يسمع بأن هذا شيعي وهذا سني ويقول "يمكن أن يكون الإنسان مسلما بدون أن يكون مُمَذْهبا".

وفي لقاء تلفزيوني عام 2017 قال الأمين: "المطلوب أن يكون ولاؤنا للوطن والدولة وليس للمذهب".

وكثيرا ما اتهم المرجع الشيعي اللبناني علي الأمين، حزب الله بأنه المتسبب في إحداث توترات سياسية تقود إلى أعمال عنف في الساحة اللبنانية.

حتى إنه رأى في مقابلة عام 2014، أن اصطفاف حزب الله خلف نظام دمشق ومشاركته بالقتال إلى جانب قوات الأسد “ينحر نفسه وغيره ووطنه باستمراره في التدخل في سوريا".

وقال الأمين حينها إن حزب الله يقود الدولة اللبنانية إلى “الهاوية”، على حد وصفه.

كما ركز خلال حديثه وقتها على الكثير من النقاط، جاء في مقدمتها التهميش الذي تعانيه المعارضة الشيعية، مطالبا لبنان الدولة باحتضانها؛ لكسر احتكار التمثيل الشيعي الذي يسيطر عليه كل من حزب الله وحركة أمل.

وبأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي، تدخل “حزب الله” منذ عام 2012 بقوة في سوريا، مرسلا آلاف العناصر لمنع سقوط نظام بشار الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.

وفي مقابلة تلفزيونية عام 2015 قال الأمين مخاطبا الحاضنة الشعبية الشيعية لحزب الله: "قوة حزب الله ليست خالدة ويجب الاعتماد على قوة الدولة الراعية للجميع من أجل حفظ الطائفة الشيعية في لبنان".

ولم ينكر حينها الأمين الحضور القوي لحزب الله داخل الطائفية الشيعية في لبنان مرجعا ذلك لارتباطه بالسياسة والدعم الإيراني له منذ ثمانينيات القرن العشرين والذي مكنه في نهاية المطاف من السيطرة على مقاليد السلطة في لبنان.

ويرى الأمين، أن إيران تسعى أن يكون لها حضور في المنطقة بما في ذلك لبنان ولهذا أوجدت تلك الأحزاب لخدمة مصالحها، وفق قوله في المقابلة ذاتها.

مناهض لحزب الله

قاد حزب الله حملة قضائية ضد علي الأمين، بالادعاء عليه بتهم الاجتماع مع "مسؤولين إسرائيليين في البحرين"، و"مهاجمة المقاومة وشهدائها والتحريض بين الطوائف وبث الدسائس والفتن والمس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري".

وفي نهاية يونيو/حزيران 2021 شهدت ساحة قصر العدل في بعبدا ببيروت، وقفة تضامنية مع الأمين حضرها رجال دين من الطائفة الشيعية وناشطون محليون، بالتزامن مع عقد جلسة قضائية لكنها لم تحصل بسبب إضراب المحامين وقتها.

ونقل موقع جنوبية المحلي حينها عن شخصيات ومرجعيات دينية ومجموعات ثورية حضرت تضامنا مع الأمين قولهم إن استهداف الأخير يعني “استهداف قادة الرأي العام وبالتالي إخضاعهم وإرهاب الناس”.

ولفت إلى أن ترهيب الأمين يأتي "بسبب مواقفه بوجه ولاية الفقيه وأتباعها في لبنان".

ومن مواقف المرجع علي الأمين، تحميله في مقابلة أجرتها معه وكالة الأناضول التركية، عام 2015، الأنظمة العربية مسؤولية اختزال الشيعة العرب في "التمثيل الأحادي" الذي تحتكره بعض الأحزاب الشيعية العربية المرتبطة بإيران.

أشار وقتها إلى أن هذه الأنظمة "لم تفتح" علاقات مع شيعة الاعتدال العرب، ما أسهم في منح هذه الطائفة "جائزة مجانية" لطهران.

وقال في المقابلة إن "ولاء الشيعة العرب ليس لإيران، بل هم جزء لا يتجزأ من شعوبهم، وولايتهم تابعة لدولهم التي يسكنونها".

وأضاف أن الأحزاب الشيعية التي نشأت في بعض الدول العربية، بعد الثورة الإيرانية بهدف السيطرة، لا يمكنها اختصار الموقف الشيعي العربي".

وأشار الأمين إلى أن "من بين هذه الجهات، حزب الله اللبناني الذي يرتبط بالنظام الإيراني أيديولوجيا وثقافيا وسياسيا، والذي تحول لذراع عسكرية لإيران في لبنان نتيجة الاحتلال الإسرائيلي سابقا، والصراعات في المنطقة حاليا".

وضرب مثالا بقوله إن الإخوان المسلمين في مصر يعدون من أكبر الأحزاب الإسلامية في العالم الإسلامي، لكن أحدا لم يختزل الطائفة السنية هناك ولا في العالم الإسلامي كله بهم.

وأضاف "إذن لماذا تريدون أن يختزل حزب الله الشيعة العرب؟"، مشددا على أن هذا "خطأ جسيم".

ويجد الكثيرون من المعترضين الشيعة على السياسات الثنائية الحزبية المتحكمة بقرار الطائفة، في الأمين صوتا لرفض عسكرة المذهب في لبنان وجعل "العمائم المسلحة" هي المتحكمة في المشهد.

إذ تصفه وسائل إعلام محلية بأنه "الصوت الشيعي الآخر الذي لم ينصع يوما إلى جبروت الثنائي (حزب الله- حركة أمل) في طائفته".