"رضوخ صارخ".. هل تستعد إسرائيل لمرحلة جديدة من المواجهة مع مصر؟

“أقوى أسلحتنا هو الردع”
منذ مايو/أيار 2024، تصاعدت حدة التباينات بين النظام المصري ودولة الاحتلال الإسرائيلي، عقب سيطرة الأخيرة على محور "فيلادلفيا" الحدودي ومعبر رفح مع مصر، واتهامها للقاهرة بعدم بذل الجهود الكافية لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة عبر الأنفاق.
ورغم أن حدة التوتر تراجعت نسبيا بعد التوصل إلى اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بوساطة مصرية-قطرية-أميركية، فإن الأزمة سرعان ما تفاقمت مجددا.
وجاء ذلك إثر طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقترحا يقضي بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وهو المقترح الذي حظي بدعم إسرائيلي.
وتصاعدت اللهجة الناقدة لمصر في الإعلام العبري أخيرا، من ذلك ما كتبه رجل الأعمال والناشط الإسرائيلي، ميخاه أفني، من أنه "لا لمزيد من الأوهام، وأن على إسرائيل مواجهة الهجوم الهادئ الذي تشنه مصر في سيناء".
مسرح عمليات
وفي مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، قال أفني، إن "الوهم في هذه المنطقة يودي بك إلى المهالك، وإن التغاضي عن الانتهاكات المصرية في سيناء لا يقل تهورا عن تجاهل صواريخ حزب الله أو أنفاق حماس".
وتابع أنه "لوقت طويل جدا، تمسكت إسرائيل بوهم أن اتفاقية كامب ديفيد، التي وقعها الطرفان عام 1979، ضمنت بشكل دائم أمن جبهتها الجنوبية".
واستطرد: "فقد أقنعنا أنفسنا بأن وجود الاتفاقية يعني أن التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء إما غير مؤذية أو غير ذات صلة بنا".
واستدرك: “لكن الحقائق على الأرض لا يمكن إنكارها، فقد حوّلت القاهرة سيناء إلى مسرح عمليات متقدم يعج بالدبابات والطائرات والبنية التحتية الحديثة، بما يتجاوز أي احتياجات لمكافحة التمرد يقبلها المنطق”، وفق ادعائه.
وأضاف أفني: "لقد رأينا هذا السيناريو من قبل، فبعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، راكم حزب الله ترسانته الصاروخية دون عوائق، الأمر الذي أدى إلى حرب مكلفة في 2006، كذلك تسامحنا مع تعاظم قوة حماس في غزة، ما أسفر في النهاية عن عملية السابع من أكتوبر 2023".
وبالمثل، "نتجاهل حاليا التقويض التدريجي من جانب مصر لقيود الاتفاقية وما تفرضه عليها في سيناء، وفي كل مرة نعتمد على أنصاف الحلول والاحتواء، لنجد أنفسنا ندفع ثمن الأوهام"، وفق وصفه.
وأفاد أفني بأن "صور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخباراتية الميدانية تؤكد وجود قواعد جوية ومواقع عسكرية مصرية ومدرعات ثقيلة تتجاوز بكثير حدود المسموح به في الاتفاقية".
وتابع: “لم يعد التبرير الرسمي للقاهرة -التي تدعي محاربة الإرهاب- كافيا لتفسير نشر تشكيلات عسكرية ضخمة، وشق طرق إستراتيجية، ونقل معدات للجسور، وإنشاء تحصينات دفاعية”.
وأكد أفني أن "هناك عدة مخاطر تنبع من التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء؛ حيث تحوّل الشريط العازل منزوع السلاح إلى منصة انطلاق، وإذا استمرت إسرائيل في نهجها السلبي، فقد تتقدم المدرعات المصرية عبر النقب خلال ساعات، مهددة بئر السبع أو حتى تل أبيب".
وأضاف: "يعتقد البعض أن مصر تتخذ مجرد احتياطات، لكن هذا تبسيط ساذج للموقف، فقد بدأ هذا التعزيز العسكري منذ ما يقرب من عقد، متقدما بشكل منهجي تحت غطاء (الانتشار المؤقت)".
وذكر أفني أنه "بدلا من تقليص القوات مع تراجع التمرد في سيناء، ضاعفت مصر وجودها العسكري، واليوم، تسعى علنا إلى كسب رعاة جدد -كالصين وروسيا- للالتفاف على قيود المساعدات الأميركية والحصول على معدات متطورة".
سرعة الرد
وأشار إلى أنه "في الشرق الأوسط، لا يدوم أي اتفاق إلا بقدر ما يخشى أطرافه مآلات نقضه، ولا تزال القيادة المصرية تحتفي بحرب 1973 بصفتها انتصارا، لأنها أرغمت العالم على تمويل القاهرة لعقود".
وتابع رجل الأعمال الإسرائيلي قائلا: "مع تراجع الدعم الأميركي، تختبر مصر مجددا مدى صلابة إسرائيل، وكل مرة نتجنب المواجهة، لا يؤدي ذلك إلا إلى تشجيعها على المضي قدما".
واستطرد: "يثبت التاريخ أننا لا يمكننا الاعتماد على التصريحات أو التفاهمات المبنية على حسن النية، سواء كان الأمر يتعلق بتدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981 أو السوري عام 2007، بل إن الإجراءات الحاسمة هي التي حافظت على أمننا".
ورأى أفني أنه “في المقابل، أدى تجاهل برنامج الصواريخ التابع لحماس إلى كارثة، وإذا واصلنا غض الطرف عن الوضع في سيناء، فإننا نجازف بتكرار هذا الخطأ على نطاق أشد خطورة”.
وأوضح أن "الأمر لا يتعلق بالسعي إلى الحرب؛ إذ يجب أن تظل إسرائيل منفتحة على التعاون مع مصر في عمليات مكافحة الإرهاب الحقيقية، لكن هذا التعاون لا يمكن أن يعني الرضوخ لانتهاك صارخ للاتفاقية".
وأشار رجل الأعمال الإسرائيلي إلى أنه "إذا رفضت القاهرة تقليص قواتها أو تفكيك البنية التحتية الهجومية التي أنشأتها حديثا، فعلينا فرض الامتثال، دبلوماسيا إن أمكن، وعسكريا إن لزم الأمر".
وشدد على أن "اتفاقية كامب ديفيد لم تكن مجرد غطاء يسمح لقوة معادية بالتوسع دون رادع"، وفق وصفه.
ورأى أفني أن "الدرس بسيط، وهو أن الأوهام في هذه المنطقة تكلّف الأرواح، وبالتالي فإن تجاهل الانتهاكات المصرية في سيناء لا يقل خطورة عن التغاضي عن صواريخ حزب الله أو أنفاق حماس".
وأضاف أن "أقوى أسلحتنا، والضمان الحقيقي للسلام، هو الردع، وإذا كانت مصر تقدّر الاستقرار، فعليها أن ترحب بالشفافية، والإجراءات الرقابية الواضحة، والحفاظ على السلام الذي تحقق بشق الأنفس، أما إذا أصرت على تقويض قيود الاتفاقية، فعلى إسرائيل أن ترد بسرعة وحسم".
وأردف: "قد تتحدث الحكومة المصرية عن "السيادة" و"الدفاع عن النفس"، لكن نشر فرق عسكرية متعددة على حدودنا لا يستهدف سوى جهة واحدة، وكلما واصلنا التظاهر بعكس ذلك، زادت فداحة المواجهة الحتمية".
وشدد على أن "الوقت قد حان لإنهاء الوهم بأن مجرد توقيع اتفاقية يكفي لحمايتنا".
وأوضح: "تعتمد سلامة إسرائيل على استعدادنا لفرض خطوط حمراء واضحة، والخيار أمامنا واضح، إما إعادة تأكيد حدود الاتفاقية وردع أي تجاوز إضافي، أو انتظار أزمة مفاجئة لن يجدي معها أي اتفاق على الورق".
وختم متسائلا: “لدينا الوسائل والالتزام لحماية أمن مواطنينا والأجيال القادمة، لكن يبقى السؤال: هل لا نزال نمتلك الإرادة؟”