بين أوروبا وواشنطن.. هل بات الملف الإيراني جزءا من لعبة المصالح؟

"المسألة النووية لم تكن سوى مناورة"
شكك أكاديمي إيراني في الهدف المعلن لمجموعة الدول الأوروبية الثلاث من فرضها عقوبات "آلية الزناد" على طهران، ويرى أنها لا تهدف لوضع قيود على برنامج إيران النووي.
وفي مقال نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية، أكد الباحث المقيم بالولايات المتحدة، تريتا فارسي، أن "أوروبا تستخدم إيران كبيدق في صراع النفوذ عبر الأطلسي".

خدعة أوروبية
وقال فارسي، وهو مؤسس مشارك ونائب الرئيس التنفيذي لـ"معهد كوينسي" الأميركي: "كما أشرتُ عندما فعّلت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث آلية الزناد لأول مرة، لم يعد الأمر يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، بل هو خدعة من الاتحاد لحشد الدعم الأميركي بشأن أوكرانيا".
وأواخر أغسطس/آب 2025، أبلغت دول مجموعة الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتفعيلها آلية الزناد (Snapback)، التي ستعيد فرض جميع العقوبات الأممية التي رُفعت سابقا بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وفي 19 سبتمبر/أيلول 2025، صوّت مجلس الأمن الدولي ضد تبني مشروع قرار يمنع تفعيل "آلية الزناد".
جاء ذلك بعد أن حذّرت الترويكا الأوروبية طهران من أنها بصدد العودة لتفعيل آلية الزناد ما لم يُسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة بالعودة للعمل في المنشآت الحساسة التي تعرضت للقصف، ومعالجة مشكلة مخزونها من اليورانيوم المرتفع التخصيب.
وبهذا الإجراء، يرى فارسي أن هذه الدول "تُخمد آخر مخرج دبلوماسي، مُعززة مسارا نحو المواجهة".
وقال: إن "شراكة إيران المتعمقة مع روسيا في حرب أوكرانيا أعادت تصويرها في نظر أوروبا كتهديد مباشر".
"أما الروابط الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وطهران فتكاد تكون معدومة بعد سنوات من العقوبات، في حين أن اعتماد أوروبا على العلاقة عبر الأطلسي -عسكريا وسياسيا واقتصاديا- بات أكبر بكثير مما كان عليه عام 2003".
وفي هذا السياق، يخدم التصعيد مع إيران هدفين أوروبيين، بحسب فارسي.
أولا، معاقبة طهران على تحالفها مع موسكو، عبر توجيه رسالة مفادها أن دعم روسيا يترتب عليه "ثمن باهظ".
وثانيا، التماهي مع التيار المتشدد في إدارة دونالد ترامب، في وقت تمر فيه العلاقات عبر الأطلسي بمرحلة توتر غير مسبوقة.
قربان سياسي
وبالنسبة للقادة الأوروبيين الساعين للحفاظ على رضا واشنطن، أصبحت إيران بمثابة "قربان سياسي ملائم"، بحسب تعبير الباحث إيراني الأصل، سويدي الجنسية.
وأكد أنه "ليس في ذلك أي تكهنات، فقد أقر المستشار الألماني فريدريش ميرتس أخيرا بأن إسرائيل، من خلال قصفها لإيران في يونيو/حزيران 2025، تقوم بالأعمال القذرة نيابة عنا جميعا".
هذا القول كان صريحا على نحو غير معتاد، فقد أبرز ما يقر به كثيرون في العواصم الأوروبية سرا من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران تخدم المصالح الأوروبية من خلال إضعاف دولة باتت متحالفة مع روسيا، وفق فارسي.
وأضاف: "لهذا السبب طالما شككت في جدوى الجهود الجريئة الرامية إلى منع تفعيل آلية الزناد، فإذا كان أحد الطرفين مصمما بحزم على إطلاقها لتحقيق مآرب خاصة به، فمن غير المرجح أن تكفي التنازلات النووية وحدها".
وتفيد تقارير بأن الإيرانيين دخلوا في حوار مباشر مع الولايات المتحدة وطرحوا تسوية مقترحة، كخطوة أولى، سيُعاد تكرير مخزونهم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة وتخفيفه، مقابل تأجيل مؤقت لموعد تفعيل العقوبات لعدة أشهر.
وخلال هذه الفترة، يتعين على الولايات المتحدة تقديم ضمانات صارمة بألا تُتخذ أي إجراءات عسكرية ضد إيران.
وبمجرد أن تقوم طهران بإعادة تنظيم مخزون اليورانيوم المخصب لديها، ينبغي إلغاء آلية إعادة فرض العقوبات بشكل دائم، وتخفيف المخزون إلى نسبة 20 بالمئة، على أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات المتفق عليها سابقا.
وسيُعد ذلك اتفاقا مؤقتا، يمهّد لمفاوضات حول تسوية شاملة ونهائية، أما القضايا الخلافية الأخرى -مثل نطاق التخصيب وشدة عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية- فستُرحّل إلى الاتفاق النهائي.
والجدير بالذكر أنه لا يزال أمام طهران والقوى الأوروبية الرئيسة 8 أيام -من بعد تصويت مجلس الأمن الدولي في 19 سبتمبر- للاتفاق على تأجيل تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات.
وتكثر الشائعات بأن إدارة ترامب ستتجاهل هذا العرض، نظرا لأن إستراتيجيتها تقوم على تصعيد عقوبات "الضغط الأقصى"، باعتقاد أن إيران على حافة الانهيار، وأن مزيدا من الضغط سيؤتي ثماره.
أما الدول الثلاث الأوروبية فتعتزم تزويد واشنطن بسلطة إعادة تفعيل العقوبات، آملة بذلك في تثبيت سياسة أميركية أكثر تشددا تجاه روسيا، بحسب فارسي.
وقال: "بما أن روسيا أهم لأوروبا من إيران، وبما أن استرضاء إسرائيل أهم لواشنطن من تجنب المواجهة مع طهران، فيبدو أن جوهر التسوية الإيرانية يبدو غير ذي جدوى".
بيدق في الملعب
وأضاف فارسي: "يُحاكي هذا الوضع مفاوضات مماثلة جرت عام 2011، كما وصفت في كتابي عن دبلوماسية باراك أوباما النووية (A Single Roll of the Dice: Obama's Diplomacy with Iran)".
واستطرد: "فقد نجحت تركيا والبرازيل في انتزاع موافقة إيرانية على المطالب الأميركية لتجنّب العقوبات الأممية، ومع ذلك، دون علم برازيليا وأنقرة، كانت إدارة أوباما قد أبرمت بالفعل تفاهما مع روسيا، يعتمد على موافقة موسكو على عقوبات الأمم المتحدة".
وحينها طمأنت إدارة أوباما الصقور المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس بأن إيران ستُعاقَب في النهاية، مهما كانت النتيجة.
وتابع: "لذا، في لحظة انتصارهم -بعد أن انتزعوا موافقة إيران على مطالب الولايات المتحدة بعد مفاوضات ماراثونية- أفسد أوباما الاحتفال برفضه الاتفاق نفسه الذي حثّ لولا دا سيلفا ورجب طيب أردوغان على إبرامه".
وأردف: "كانت المحادثات مع طهران سرابا؛ فالمساومة الحقيقية كانت بين جهات فاعلة أخرى، ولم تكن المسألة النووية سوى مناورة".
وأضاف: “تُعطي الدبلوماسية الرامية إلى تجنّب إعادة فرض العقوبات الانطباع نفسه، فالمنافسة الحقيقية ليست حول برنامج التخصيب الإيراني، بل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول روسيا وأوكرانيا والعلاقات عبر الأطلسي".
وختم فارسي قائلا: "يبدو الملف النووي الإيراني مجرد بيدق في ملعب الدول الأوروبية الثلاث".