بعد فض الشراكة مع "التيار الحر".. هل ينفرط عقد حلفاء حزب الله داخل لبنان؟

24 days ago

12

طباعة

مشاركة

إعلان زعيم "التيار الوطني الحر" المسيحي في لبنان، جبران باسيل، إنهاء تحالف دام عقدين من الزمن مع “حزب الله” في هذا التوقيت الحساس من عمر البلد وصفه متابعون بـ"الانقلاب".

وفي ظل انشغال حزب الله في المعركة ضد إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إسنادا لغزة، خرج باسيل ليعلن في 22 أكتوبر 2024 عدم استمرار التحالف مع الحزب. 

وحمّل باسيل الحزب ما سماه “خطأ إستراتيجيا باتباع سياسة وحدة الساحات عند فتحه جبهة الإسناد اللبنانية دفاعا عن غزة”، قائلا: "حيث ظهر ما كنا نقوله بأن لا مصلحة لبنانية بذلك، ربما هناك مصلحة لدول ثانية في المحور ولكن ليس لبنان".

فك التحالف

واختار باسيل قناة "العربية" السعودية منبرا لإعلان فض الشراكة مع الحليف الأساسي في لبنان بقوله: "العراق وسوريا لم يشاركا في الحرب، ولم يبق إلا إيران من المحور التي تحارب اليوم بحزب الله وباللبنانيين، وعلى إيران أن تحارب إسرائيل مباشرة وليس بواسطة اللبنانيين".

وأضاف أنه “عندما اتبع حزب الله وحدة الساحات صارت هناك مصلحة غير لبنانية وأجندات غير لبنانية ولهذا كنا ضدها”. 

وتابع: "كما أن دخول حزب الله الحرب أضرّ بلبنان، ونحن نبهنا الحزب بأن لا يراهن عليها فالحرب ستكون طويلة، ولن تكون نزهة وليست كحرب تموز 2006 ولا شيء سيوقفها إلا- للأسف- معادلة قوة على الأرض وهي مفقودة في لبنان ومحفوظة جزئياً على الأرض".

وحول الكلام الأخير لوزير خارجية إيران عباس عراقجي الذي تحدث عن أن شروط وقف إطلاق النار في لبنان مرتبطة بغزة، لفت باسيل بالقول "إننا لا نوافقه ويجب عليه التحدث عن نفسه وليس عنا". 

وقد أسس توقيع تفاهم "مار مخايل" في 6 فبراير/ شباط 2006 في كنيسة "مار مخايل" على تخوم الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت لتحالف إستراتيجي بين التيار وحزب الله.

ووقع التفاهم آنذاك زعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر (آنذاك) العماد ميشال عون.

وشكل مزاج "التيار الوطني" الذي تأسس عام 1994 وهو واسع التمثيل في الوسط المسيحي، المخالف لاختيار حزب الله شخصيته المفضلة لرئيس لبنان الجديد أولى علامات الخلافات بين التيار والحزب.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه.

وتمثل ذلك برفض "التيار الوطني" تنصيب رئيس "مطمئن للمقاومة" كما أعلن نصر الله والمتمثل برئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهذا الاسم رفضه باسيل وغالبية القوى اللبنانية الأخرى.

كما ظهر لاحقا خلاف بين الطرفين حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي في ظل الشغور الرئاسي، فكان الاعتراض على حضور وزراء حزب الله الجلسات الوزارية والتي قاطعها وزراء التيار ولا يزالون إلا بحالات استثنائية.

“عزلة” الحزب

إعادة تقييم "التيار الوطني الحر" تحالفه مع حزب الله سيزيد وفق المراقبين من “عزلة” حزب الله، لا سيما عقب خسارة قائده نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في قصف على ضاحية بيروت الجنوبية في 27 سبتمبر/ أيلول 2024 إضافة إلى مجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول فضلا عن خليفته، هاشم صفي الدين، بغارة على الضاحية المذكورة في 3 أكتوبر من العام ذاته.

 وقال رئيس تحرير موقع "جنوبية" المحلي، الصحفي علي الأمين، إن "موقف باسيل يزيد من عزلة حزب الله، وبالأساس كان في عزلة لبنانية في الحروب التي خاضها، ورسخ مفهوم عزلته عن بقية اللبنانيين من خلال هذه الحرب التي خاضها دون استشارة ودون أي تقدير لآراء اللبنانيين والحكومة".

وأضاف الأمين خلال مقابلة تلفزيونية في 22 أكتوبر أن "باسيل قام بكل نفوذه بدرجة أساسية على دعم حزب الله، وهو الذي عزز موقع جبران باسيل الوزاري والنيابي، وخاض معارك من أجله في سبيل أن ينشئ أو يؤسس لعلاقة أو لغطاء مسيحي لسياسته، ووفر له باسيل وعمه عون ذلك، ونالوا مكاسب كثيرة من حزب الله، ولكن في اللحظة التي بدأت الخسائر لحزب الله يحاول حاليا أن ينجو بتياره من هذه المهالك".

وبات واضحا أن عون وصهره باسيل وتيارهما عموما على مسافة قريبة من القناعات نفسها التي ينطلق منها سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية المناهض لحزب الله، والتي تندرج تحت مفهوم "المارونية السياسية" القائمة في هذا البلد على المحاصصة الطائفية من ناحية تفوق المسيحيين في لبنان، والحفاظ على دورهم "خشية أن يبتلعهم المحيط الإسلامي الذي يعيشون فيه" رغم أنهم يختلفون على من يقود الساحة المسيحية.

وأمام ذلك، طرحت تساؤلات حول مدى تأثير انسحاب التيار الوطني الحر من التحالف مع حزب الله على الأخير في المشهد السياسي اللبناني الذي تعد فيه التحالفات والتوافقات أساسا لأي استحقاق انتخابي.

لا سيما أن حزب الله وفق المعطيات منح المنافع الكبرى للتيار الوطني الحر بدءا من انتخاب مؤسس التيار ميشال عون رئيسا للجمهورية عام 2016، بعد تعطيل الاستحقاق آنذاك لنحو عامين ونصف العام، وصولا إلى "إرضاء التيار" بمكاسب متعددة في السياسة والإدارة والحقائب الوزارية.

بالمقابل يحسب للتيار الوطني الحر أنه أعطى لحزب الله غطاء مسيحيا للنفوذ السياسي في لبنان إلى جانب غلبة السلاح الذي يمتلكه الحزب من إيران.

وأمام ذلك، فإن هذا المشهد الجديد في التحالفات قد يتكشف عن اصطفافات جديدة وتحالفات مغايرة من شأنها أن تبدل موازين القوى في لبنان وتزيد من حدة الاصطفاف الطائفي فيه.

ولكن وفق بعض المراقبين، فإن كثيرا من الأحزاب اللبنانية تنتظر نضوج طبخة سياسية تشمل إعلان وقف إطلاق النار بضغط دولي لعقد تحالفات جديدة في المشهد والتي ستنتج رئيسا جديدا للجمهورية.

لا سيما أن التيار الوطني الحر اللبناني نفسه، يواجه كذلك أكبر تحد في وزنه السياسي والنيابي في هذا البلد عقب انشقاق عدد من النواب عنه، كان آخرهم رئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان إبراهيم كنعان في 28 أغسطس/ آب 2024 الذي يعد من "الصقور" داخل هذا التيار.

وكذلك، فإن العلاقة ما تزال متوترة أيضا بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية "مسيحي" رغم عقد البطريركية المارونية في بكركي، شمالي بيروت اجتماعا جديدا منتصف مارس/آذار 2024 ضم ممثلي الأحزاب المسيحية، باستثناء "تيار المردة" وهو حزب مسيحي متحالف مع حزب الله رفض المشاركة في تلك اللقاءات.

وهدف الاجتماع إلى محاولة تقريب مواقف الأحزاب المسيحية من ملفات عدة في هذا البلد وترتيب البيت الداخلي المسيحي في ظل وجود بعض الخلافات بيت الفرقاء.

مناورة سياسية

وضمن هذه الجزئية، رأى الكاتب اللبناني وجدي العريضي أن ما قام به جبران باسيل "انقلابا من التيار الوطني ضد حزب الله ويدلل على أن باسيل يناور سياسيا وربما لهذا صلة بتخلصه من العقوبات الأميركية التي تفرضها واشنطن عليه".

وأضاف العريضي في تصريح تلفزيوني في 23 أكتوبر 2024: "ربما ثمة مساعٍ تجرى بعيدا عن الأضواء لرفع العقوبات عن باسيل من خلال التنصل من التحالف مع حزب الله في هذا التوقيت".

وأردف: "السؤال الأهم هل سيعكس خروج باسيل من تحالفه مع حزب الله بنتائج من ناحية من تحالفات جديدة معه إسلامية أو مسيحية؟ وهل سيكون مع القوات اللبنانية- وأنا أستبعد ذلك- أو أي فريق سياسي وتحديدا على الصعيد المسيحي"؟

وأشار العريضي إلى أن "الموقف من حزب الله والتنصل من العلاقة مع حزب الله ربما لها صلة بالاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية المقبلة والوضع المسيحي الداخلي وربما اعتقد باسيل أن حزب الله هزم".

ومعروف في لبنان أن التحالفات السياسية مهددة بـ"التمترس الطائفي" عقب أي حدث أمني أو عسكري أو استعصاء سياسي.

 ففي 5 سبتمبر 2024 قال جعجع، إن "تفكك التيار الوطني من مصلحة لبنان، لأنه على مدى 30 سنة لم يقم بشيء إيجابي وكان سبب فساد كبير، ومثال على ذلك ملف الكهرباء".

وحول حزب الله، أضاف: "يمكن الالتقاء معه بطريقة واحدة وهي أن يصبح حزبا لبنانيا بأجندة لبنانية فقط. التواصل معه الآن هو فقط ضمن إطار العمل النيابي".

ومضى جعجع يقول: "يجب أن نحافظ على الحد الأدنى من شعرة معاوية مع حزب الله، نسعى للإبقاء على باب صغير لمحاولة جذب الحزب إلى الإطار اللبناني".

ويبدو أن تحركات باسيل تقابلها تحركات سياسية جديدة في المشهد اللبناني، حيث كان لافتا عقد رئيسي لبنان الأسبقين أمين الجميل وميشال سليمان ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة مؤتمرا صحفيا في دارة الجميل في بكفيا بجيل لبنان في 23 أكتوبر 2024.

وتلا الجميل بيانا حمل عدة نقاط "أولا وقف فوري لإطلاق النار والشروع في تطبيق القرار 1701 تحت السلطة الحصرية للدولة اللبنانية بشكل صارم وكامل"، ثانيا "البدء ودون تذرع بأي أمر آخر بالمبادرة فورا إلى تحرير عملية انتخاب رئيس جديد من أي اشتراطات وأن يحظى بثقة مجلس النواب". 

ثالثا "تشكيل حكومة إنقاذ وطني"، رابعا "إعادة بناء وتثبيت سلطة الدولة اللبنانية بالكامل على جميع الأراضي اللبنانية"، خامسا “تطبيق إقرار وتطبيق خطة الإصلاح والنهوض المالي والاقتصادي والإداري والمؤسساتي في البلاد”، وفق البيان المذكور.

كما تزامن ذلك، مع إطلاق الموقع الإلكتروني لتلفزيون "المستقبل" وصفحاته على منصات التواصل الاجتماعي خلال أكتوبر 2024 بعد إيقافها نهاية عام 2019.

والمجموعة الإعلامية أسسها رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 1993، وقد شكل إعلان سعد الحريري "تعليق" عمله السياسي في 24 يناير/كانون الثاني 2022  فراغا كبيرا على الساحة السنية لا سيما بعد تجميده عمل "تيار المستقبل" الذي يقوده، وسط توقعات بعودته للعمل السياسي في ظل التطورات الراهنة.