رغم مقتل جنودها.. لماذا تهتم الإمارات بالوجود العسكري في الصومال؟
تلقت الإمارات "ضربة كبيرة" بمقتل عدد من جنودها في الصومال، البلد الذي تستثمر أبوظبي في الوجود العسكري فيه منذ سنوات.
وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية في 11 فبراير/شباط 2024 مقتل أربعة من جنودها وضابط بحريني في هجوم في الصومال تبنته حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة.
وقالت الوزارة في بيان عبر حسابها على موقع "إكس"، إن الجنود "تعرضوا لعمل إرهابي" أثناء "أدائهم مهام عملهم في تدريب وتأهيل القوات المسلّحة الصومالية، والتي تندرج ضمن الاتفاقية الثنائية... في إطار التعاون العسكري بين البلدين".
وتمكنت وزارة الدفاع الإماراتية من إعادة جثامين ثلاثة عسكريين إماراتيين إلى أبوظبي فيما توفي الرابع لدى وصوله إلى بلاده.
الإمارات والصومال
وقال ضابط في الجيش الصومالي لوكالة رويترز البريطانية إن المسلح، وهو جندي صومالي جرى تدريبه حديثا، فتح النار على المدربين الإماراتيين ومسؤولين عسكريين صوماليين، قبل أن يردى قتيلا بالرصاص في قاعدة جوردون العسكرية التي تديرها الإمارات.
وأضاف الضابط: "علمنا أن الجندي انشق عن حركة الشباب قبل أن يتم تجنيده كجندي من قبل الصومال والإمارات".
وأعلنت حركة الشباب الصومالية مسؤوليتها عن الهجوم في بيان على راديو "الأندلس" التابع لها، مشيرة إلى أنه أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص المشاركين في الجهد العسكري الإماراتي.
ووصفت الحركة الإمارات بأنها "عدو للشريعة الإسلامية لدعمها الحكومة الصومالية" في قتال الجماعة المسلحة.
ويخوض الصومال منذ سنوات حربا ضد حركة الشباب، التي أسست مطلع 2004، وتتبع فكريا لتنظيم "القاعدة" وتبنت عمليات عديدة أودت بحياة مئات الأشخاص.
وولدت حركة الشباب من رحم سنوات عديدة من الفوضى في الصومال في أعقاب الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1991.
وكان فرع تنظيم القاعدة يسيطر على مقديشو ذات يوم، وبمرور الوقت، تمكنت قوة بقيادة الاتحاد الإفريقي، بدعم من الولايات المتحدة ودول أخرى، من إخراج الجماعة من العاصمة.
ومنذ ذلك الحين، تقاتل حركة الشباب الحكومة الفيدرالية في البلاد وبعثة حفظ السلام بتفويض من الاتحاد الإفريقي في سعيها لتشكيل حكومة جديدة على أساس تفسيرها للشريعة الإسلامية.
وتنفذ الحركة بشكل روتيني تفجيرات في مناطق ذات كثافة سكانية عالية في جميع أنحاء البلاد.
وحركة الشباب المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، تضم ما بين 5 إلى 9 آلاف مقاتل، تسيطر على مساحات كبيرة في الصومال وتعتمد على تصدير الفحم كمصدر رئيس لتمويلها.
ولم يأت هجوم حركة الشباب على جنود الإمارات من فراغ، بل لكون أبوظبي تبنت رسميا محاربتها لهذه الحركة على أرض الصومال حيث تسعى الدولة الخليجية لفرض سيطرة في هذا البلد الإستراتيجي ولا سيما ممراته المائية.
وفي 16 يونيو/حزيران 2023، نفذت الإمارات أول غارة جوية بطائرة بدون طيار تم الإعلان عنها علنا في الصومال، استهدفت قرية تسيطر عليها حركة "الشباب" في منطقة جلجدود في البلاد مما أعطى إشارة واضحة على رغبة أبوظبي لرفع مستوى مشاركتها في الحرب ضد الحركة.
ولطالما رسمت الإمارات إستراتيجيتها على الوجود في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، من خلال الضغط على الحكومة المركزية في الصومال.
ويقول النقاد إن هذه الاستثمارات العسكرية يبدو أنها تعطي الأولوية لمصالح الإمارات والقوى العظمى الأخرى على حساب الاستقرار والتنمية على المدى الطويل في الصومال.
وتعد القوات البحرية على وجه التحديد مهمة للإمارات بشكل خاص، منذ أن وضعت أبوظبي نصب أعينها تأسيس وجود عسكري لها حول مضيق باب المندب، بعد مشاركة الدولة الخليجية صحبة واشنطن عسكريا في الصومال مطلع تسعينيات القرن العشرين.
ثم في عام 2010، وفي أعقاب تزايد أعمال القرصنة قبالة الساحل الصومالي، بدأت الإمارات في تمويل تدريب قوات الشرطة البحرية في بونتلاند (شمال شرق الصومال) على يد مقاول أمني من جنوب إفريقيا.
كما أن محاولات الإمارات فرض قبضتها على الصومال بدأت في أعقاب الربيع العربي، وتحديدا عام 2013، عندما وقعت وزيرة الخارجية الصومالية آنذاك فوزية يوسف آدم، مع نظيرها الإماراتي عبدالله بن زايد اتفاقية للتعاون السياسي والأمني.
تعاون عسكري
وبدأت الإمارات رسميا برنامجا لتدريب قوات الحكومة الفيدرالية الصومالية عام 2014.
وبعد عام، افتتحت مركزا للتدريب في مقديشو، حيث دربت القوات الإماراتية قوات كوماندوز صومالية.
كما قدمت مركبات لقوات ولاية جوبالاند ووزارة الأمن الداخلي والشرطة التابعة للحكومة الفيدرالية.
وبحلول عام 2018، قالت الإمارات إنها دربت آلاف الجنود الصوماليين، وبنت مراكز تدريب ومستشفى، ودفعت رواتب 2407 جنود.
ويواجه الصومال صعوبات متكررة في جمع ما يكفي من الإيرادات لدفع رواتب قواته الأمنية، ولهذا تسهم أبوظبي في ذلك بما يخدم مصالحها الإستراتيجية هناك.
وبدأت العلاقات مع الحكومة الفيدرالية في التحسن بعد عودة حسن شيخ محمود إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 15 مايو/أيار 2022 بدعم مالي إماراتي كبير.
واستثمرت الإمارات في السنوات الأخيرة بشكل متزايد في الموانئ في شرق إفريقيا، بما في ذلك منطقة أرض الصومال الانفصالية.
ويتناسب تأمين الصومال مع مخاوف الإمارات الأوسع بشأن الأمن في خليج عدن وبحر العرب.
وقد استؤنفت القرصنة الصومالية أخيرا بعد عدة سنوات وسط هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن في البحر الأحمر.
وفي مطلع عام 2023 وقعت الصومال والإمارات اتفاقية لتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية، إلى جانب التعاون في جهود مكافحة الإرهاب.
وحينها وقع الاتفاقية في أبوظبي وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور ونظيره محمد بن أحمد البواردي.
وقال نور في بيان إن الاتفاق سيعزز "بناء القدرات المؤسسية لقوات الأمن الصومالية ويدعم الجهود المستمرة للقضاء على حركة الشباب في البلاد".
وقد تراجعت العلاقات خلال فترة ولاية الرئيس السابق محمد عبد الله محمد، حيث ذهب البرلمان الصومالي إلى حد حظر شركة الموانئ الإماراتية المملوكة للدولة، موانئ دبي العالمية، معلنة أنها تشكل تهديدا لسيادة الصومال.
وردا على ذلك، أغلقت الإمارات منشأة عسكرية ومستشفى في مقديشو، بينما أنهت أيضا مهمة التدريب العسكري.
إلا أن الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود، الذي قاد الصومال من عام 2012 إلى 2017 وبدأ فترة ولايته الثانية في مايو 2022 جعل من إصلاح العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي أولوية قصوى في السياسة الخارجية.
بحسب موقع "Halqabsi News" المعني بأخبار الصومال باللغة الإنجليزية، فإن نفوذ الإمارات في البلاد يتمثل بـ "قوات أمن بونتلاند" والتي جرى إنشاؤها لحماية المناطق التي يجرى فيها استخراج المعادن والنفط.
وكذلك في قاعدة الجنرال جوردون العسكرية والواقعة في العاصمة مقديشو، وهي موطن للجيش الإماراتي، الذي يتمثل هدفه الأساسي في حماية مصالح الإمارات في الصومال.
ووفقا للموقع فإن دولة الإمارات يتمثل في "توظيف المرتزقة والاستعانة بحكومات أخرى دون جيش دائم في الصومال".
وأشار إلى أن "أبوظبي مُنِحت الإذن بتشغيل وجود عسكري مستقل في الصومال لتنفيذ عمليات سرية".
إذ زعمت التقارير الأخيرة أن الحكومة الصومالية تعمل على تجنيد الأطفال للخدمة في الجيش الإماراتي.
وقد أثار هذا غضبا وعمق المخاوف بشأن الطبيعة الحقيقية لدور الإمارات في الدولة المضطربة".
نفوذ إستراتيجي
وركزت الإمارات بقوة على الاستيلاء على موانئ في القرن الإفريقي، بما يحقق الترابط العسكري والاقتصادي في شكل النفوذ هناك.
وقبل عام 2017 كانت بربرة الصومالية مجرد مدينة منسية مطلة على خليج عدن لكن الأمر تغير بعد اتفاق الإمارات مع إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليا والذي أعلن انفصاله عن مقديشو من جانب واحد عام 1991.
هذا الاتفاق تمثل في إنشاء قاعدة عسكرية للإمارات في المدينة التي تقع على بعد أقل من 300 كيلومترا إلى الجنوب من اليمن ويسمح لها بالبقاء فيها لمدة 30 عاما.
وآنذاك رفضت الحكومة الصومالية الفيدرالية في مقديشو تلك الخطوة واتهمت أبوظبي بانتهاك القانون الدولي، قبل أن تلغي حكومة أرض الصومال الاتفاقية بعد عامين.
إلا أن الإمارات بقيت مهتمة لأمر المدينة، ففي عام 2018 جرى توقيع اتفاق ثلاثي بين أرض الصومال وشركة موانئ دبي العالمية وإثيوبيا.
يمنح الاتفاق 51 بالمئة من الأسهم لشركة موانئ دبي، و30 بالمئة لأرض الصومال والباقي لإثيوبيا.
وبات ميناء بربرة عنصرا أساسيا في سوق التنافس، كونه يعد ميناء إفريقيا على الساحل الجنوبي لخليج عدن عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس وهو مرفأ هام لتصدير الصمغ العربي والجلود والماشية.
إذ إن الشركة الإماراتية استثمرت منذ عام 2016 نحو 442 مليون دولار لتحديث الميناء، إلا أن هذا الاتفاق مع شركة موانئ دبي أثار غضب مقديشو لأنه يمنح أرض الصومال الساعية إلى اعتراف دولي ثقلا يساعدها على الاعتراف بها من بوابة الدعم الإماراتي.
ولا يتضمن هذا المشروع تشغيل الميناء فحسب، بل يشمل أيضا إنشاء منطقة حرة كجزء من التطوير.
كما التزمت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية بجوار مطار المدينة وواجهتها البحرية، والتي قيل في ذلك الوقت إنها ستستخدم لمحاربة الحوثيين في اليمن.
ويأتي اهتمام الإمارات بالصومال ومنطقة القرن الإفريقي، بغير معزل عن الإدارة الأميركية، ففي 13 فبراير/شباط 2017، تحدث موقع "تاكتيكال ريبورت" الاستخباراتي الأميركي، عن اهتمام واشنطن بتلك المنطقة.
وأشار إلى تطلعات رئيس الإمارات الحالي محمد بن زايد، في المشاركة جنبا إلى جنب مع القوات البحرية الأميركية في تأمين ساحل اليمن حتى مضيق باب المندب.
وذكر أن ابن زايد وضع خطة لدولته لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي.
ونقل الموقع عن مصادر مقربة من القيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية أن هناك اتصالا دائما بين ابن زايد ووزارة الدفاع الأميركية لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في هذه المنطقة.
وأضاف أن النفوذ الإماراتي المدعوم أميركيا في الصومال يعتمد على إستراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة.
ووفقا لكثير من التقارير الصحفية، فإن مشاركة الإمارات في منطقة القرن الإفريقي، لا سيما من خلال مبادرات موانئ دبي العالمية، تهدف لإنشاء حكومات تعاونية على طول ممر البحر الأحمر.
وهذا أمر بالغ الأهمية لإستراتيجية الأمن البحري لدولة الإمارات وطموحاتها الاستثمارية في المنطقة، وخاصة في السوق الإثيوبية.
إذ ينظر إلى الطموحات الإماراتية في إفريقيا، بما في ذلك التطورات في أرض الصومال، على أنه جزء من تنافس أوسع بين قوى الشرق الأوسط.
وتسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها على النقيض من القوى الإقليمية الأخرى مثل قطر وتركيا، اللتين تتمتعان بنفوذ كبير في الصومال.