بعد إقراره رسميا من برلمان السيسي.. ما أبرز كوارث قانون الإجراءات الجنائية الجديد؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

رغم كل مظاهر الحشد الحكومية الكلامية، ودعوة السلطة للشعب والمعارضين لـ "الاصطفاف" ضد ما تقول إنه تهديدات إسرائيل وترامب، صوّت مجلس النواب المصري نهائيا على مشروع قانون مشبوه (الإجراءات الجنائية).

القانون الذي يضم 540 مادة، ويعدّ الثاني في الأهمية بعد الدستور، وزُعم أنه جاء بتوصية من "الحوار الوطني"، تم تمريره من جانب البرلماني المُهندس أمنيا، يوم 24 فبراير/شباط 2025، رغم اعتراضات منظمات حقوقية ونقابات وهيئات دولية.

وخطورة هذا القانون، كما وصفه ضمنا وهو يمتدحه، حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب، والذي كوفئ بهذا المنصب لدوره كرئيس للمحكمة الدستورية في تمرير التنازل عن تيران وصنافير، أنه يوصف بأنه "دستور مصر الثاني"، أو "الدستور المصغر"؛ لما ينطوي عليه من أحكام تمسّ بشكل مباشر حقوق وحريات الأفراد، وفق قوله، ومع هذا تم تمريره بعيوبه دون الالتفات لأي اعتراضات.

جردة حساب مواد القانون الـ 540 تشير لكوارث عديدة تتضمن مزيدا من القيود على الحريات وزيادة القمع والتنكيل بالمعتقلين والمسجونين عبر عشرات المواد بما فيها منع المتهم من المثول أمام القضاء الطبيعي والاكتفاء بإجراء المحاكمات عن بُعد (أون لاين).

فضلا عن إعطاء النيابة العسكرية (الجيش) نفس اختصاصات النيابة المدنية ما يعني "عسكرة القوانين والقضاء" وإطلاق يد النيابة والشرطة في اقتحام بيوت المصريين وتفتيشها دون إذن قضائي.

أبرز الكوارث

تضمن مشروع القانون المعيب، العديد من الكوارث، لذا وجهت انتقادات حادة لنصوصه من النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية والخبراء القانونيين المصريين والدوليين، الذين أكدوا أنه سيعصف بحقوق المصريين كافة سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو شهودا أو مدافعين.

"الاستقلال" رصدت 10 كوارث خطيرة تضمنها القانون الجديد على النحو التالي:

(الأولي): أخطر ما في القانون هو تغيير وإلغاء طبيعة إجراء التحقيق القضائي المعتاد، عبر سماع الشهود والمحاكمات ووقوف المتهم ومحاميه والشهود أمام القاضي الطبيعي، واستبدال كل ذلك بقاضٍ "افتراضي" يراه الجميع عبر الإنترنت "أون لاين".

وهو ما يعني تدمير وتقويض العدالة وانتهاك كل ضمانات المحاكمات العادلة إذ إن كل هذه الإجراءات ستتم والمتهم ومحاميه والشهود وغيرهم داخل أسوار السجون لحضور هذه المحاكمات الافتراضية عبر الإنترنت.

(الثانية): من كوارث بنود القانون الجديد، أيضا، استحداث مادة "تمنح اختصاصات النائب العام للنيابة العسكرية"، ما يعدّ "عسكرة" رسمية للقضاء والعدالة في مصر.

وقدَّم هذه المادة وزير العدل، عدنان فنجري، برقم 533، ونصها: "يكون للمدعي العام العسكري والنيابة العسكرية فيما تختص به ولائيا ذات الاختصاصات والسلطات المقررة للنائب العام والنيابة العامة في هذا القانون".

والمفارقة أن نواب السلطة رفضوا مقترحا من نائب حزب "التجمع" اليساري عاطف المغاوري، بإضافة فقرة لإلزام المدعي العام العسكري والنيابة العسكرية بذات القواعد والإجراءات التي يلتزم بها النائب العام والنيابة العامة في ذات القانون!

 (الثالثة): كان توسيع صلاحيات مأموري الضبط القضائي من كوارث القانون، الذي اتجهت فلسفته إلى توسيع صلاحيات ضباط الشرطة وأمناء ومساعدي ومراقبي ومندوبي الأمن.

فقد نص القانون في المواد 31 و39 و40 و63 على منح صلاحيات واسعة للغاية لمأموري الضبط القضائي، تضمنت سؤال المتهم عن الوقائع ومرتكبيها، وإصدار أمر بضبط وإحضار المتهم الغائب، وسماع أقواله واستجوابه، دون إبلاغه بحقه في الصمت.

كما تمَّ رفض تسجيل أعمال مأموري الضبط القضائي بالصوت والصورة، لمنع الانتهاكات، وهي من المواد الأكثر مساسا بالحقوق والحريات العامة.

أيضا تحدث القانون عن "حق اتصال المتهم بذويه ومحاميه"، لكن لم يحدد "الضمانة" لتنفيذ هذا الحق، ولم يشر لبطلان الإجراءات لو لم يتم تمكين المتهم من الاتصال بأهله أو ذويه ومحاميه.

 (الرابعة): من المواد المثيرة للجدل، المادة 80 التي تجيز للنيابة أن تأمر بمراقبة المكالمات الهاتفية للمتهمين، بناء على إذن مسبَّب من القاضي "ولمدة 30 يومًا قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة".

وقد رفضت السلطة ونوابها تحديد المدة بشهر فقط، ما يعني السماح للأمن بمراقبة تليفونات من يرغب "طوال العمر"!

(الخامسة): حددت المادة 25 من لديهم سلطة الضبط القضائي، ووسعت إسناد اعتقال أي مصري لكل من "العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء ومندوب الشرطة وضابط الصف"، وتم رفض المطالبات بحذف "مراقبي ومندوبي الشرطة ومعاوني الأمن".

وتتعارض هذه المادة (25 من الإجراءات الجنائية) مع نص المادة 206 من الدستور المصري التي تحدد الصلاحية الممنوحة للشرطة.

وهكذا أضيف لمن يقومون بالضبط والاعتقال، وهم “أعضاء النيابة العامة ومعاونوها، وضباط الشرطة” كل من "المساعدين ومراقبي ومندوبي الشرطة وضباط الصف ومعاوني الأمن، والعمد ومشايخ البلد ومشايخ الخفراء، ونظراء ووكلاء محطات السكك الحديد الحكومية ومديري الأمن، ومفتشي قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية"!

وهذا بخلاف "إدارات وشعب البحث بوزارة الداخلية، وضباط قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية، ومدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات وضباط هذه الإدارة، وقائد وضباط إدارة هجانة الشرطة، ومفتشي وزارة السياحة".

بل وأجاز القانون أيضا (بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص) "تخويل بعض شاغلي الوظائف العامة صفة مأمور ضبط قضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم".

(السادسة): كانت المواد التي تحدد ضوابط حالات التلبس والقبض على المتهمين والتفتيش، وتضم قرابة 61 مادة في "الإجراءات الجنائية"، مثار انتقادات عديدة.

فالمادة 36 تنص: "فيما عدا حالات التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبَّب يستلزمه التحقيق، وكل من يقبض عليه أو تُقيد حريته تجب معاملته بما يحافظ على كرامته". "ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا. وللمتهم حق الصمت، وكل قول يثبت أنه صدر من المتهم تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يُعوَّل عليه".

إلا أن الحكومة رفضت اقتراحات بوضع عقوبات على مخالفة هذه الضوابط، بدعوى أنها منصوص عليها في قانون العقوبات.

أيضا نصت المادة 46 من القانون على أن "للمنازل حرمة لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب يحدّد المكان والتوقيت، والغرض منه".

"ويجب تنبيه من في المنازل عند دخوله أو تفتيشه، واطلاعه على الأمر الصادر فورًا في هذا الشأن".

لكن الحكومة ونوابها رفضوا إضافة "بطلان" انتهاك ضوابط تفتيش المنازل أو مراقبتها، لو تم مخالفة ما نصت عليه المادة.

ووافق النواب على المادة 47، التي تنظم دخول "رجال السلطة العامة" المنازل دون الضوابط المذكورة في المادة 46 في حالات الخطر والاستغاثة، ورفضوا النص على "حالات الخطر" حصريا لضمان عدم تجاوزها بحجة صعوبة تحديدها.

كما رفض النواب وضع ضوابط لتفتيش الأشخاص في نص المادة 48 مثل تفتيش الأنثى بواسطة أنثى من مأموري الضبط القضائي، لخصوصية وضع المرأة وجسدها وضمان عدم انتهاك كرامتها، بحجة عدم وجود سيدات لفعل ذلك خلال الضبط.

(السابعة): رغم أن الحجة وراء تعديل قانون الإجراءات الجنائية هي تخفيف الحبس الاحتياطي، فقد منح القانون النيابة، سلطة منع اتصال المحبوس احتياطيا بغيره من المحبوسين، ومنع الزيارة عنه طوال مدة حبسه، والتي تصل إلى 18 أو 24 شهرا.

ولم يتم إلزام النيابة بحد زمني أقصى لهذا المنع، ولم يتح المشروع للمتهم ودفاعه أي وسيلة للطعن على قرار المنع أو مدته.

كما استمر نص المادة 124: "يجوز لمحكمة الجنايات المستأنفة ولمحكمة النقض إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو السجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد لمدد أخرى بما لا يجاوز سنتين".

علما أن هذه الأحكام (المؤبد والإعدام) تصدر أغلبها حاليا ضد سياسيين معارضين وتعدّ كيدية.

وحتى المادة 523 التي تلزم الدولة بصرف تعويض عن الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، تم وضع شرط فيها يقول: "بشرط ألا يكون طالب التعويض قد جرى حبسه احتياطيا على ذمة قضايا أخرى". وهو ما يلغي التعويض، إذ يتم غالبا "تدوير" المتهمين عدة مرات.

أيضا رفض نواب السلطة تنفيذ فكرة تركيب "السوار الذكي"، كبديل عن الحبس الاحتياطي، وأبقوا على زيارة المفرج عنه قسم الشرطة عدة ساعات أسبوعيا، لإثبات حضوره، كتدبير احترازي بديل عن الحبس الاحتياطي.

وكان مجلس أمناء "الحوار الوطني" قد كشف في منتصف سبتمبر/أيلول 2024، أن توصياته بخصوص الحبس الاحتياطي لم تؤخذ كلها في الحسبان في نص القانون، خاصة تمديد الحبس الاحتياطي وتدوير المتهمين على ذمة قضايا جديدة بنفس الاتهامات.

(الثامنة): من عيوب القانون، أيضا مسألة "تشغيل المحبوسين" دون التزام بالحد الأدنى للأجور المحدد من قبل الدولة وهو 7 آلاف جنيه.

فقد نص القانون على حساب أجر أيام العمل للمنفعة العامة، بقيمة 50 جنيها لليوم، ما يعني 1500 جنيه شهريا، لا 7000 جنيه كما تنص القرارات الرسمية.

(التاسعة): رفض مجلس النواب وضع حد أقصى لأحكام التحفظ، أو تحديد ضوابط التحفظ على الأموال والتظلم على أحكام التحفظ ومنع التصرف أو الإدارة، أو تقييد مدة التحفظ على الأموال بحد أقصى 3 أشهر.

وأجازت المادة 143 للنائب العام أن يأمر مؤقتا بمنع المتهم من التصرف في أمواله أو إدارتها، ثم يعرض أمر المنع على المحكمة الجنائية المختصة خلال 7 أيام من تاريخ صدوره بطلب الحكم بالمنع من التصرف أو الإدارة.

(العاشرة): تضمنت نصوص المنع من السفر في قانون الإجراءات الجنائية نفس القيود، وتم رفض وضع حد أقصى لقرارات المنع من السفر.

وعارض رئيس المجلس حنفي جبالي استخدام كلمة "معتقلين" في النص، بدعوى أنه "لا يوجد اعتقالات في مصر"!

سلطات تقديرية غامضة 

قبل تمرير القانون، طالبت 12 منظمة حقوقية في 13 فبراير/شباط 2025 مجلس النواب برفض، ليس فقط قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وإنما "وضع قانون آخر بدلا منه للإجراءات الجنائية".

وأكّدوا أن القانون الجديد، لا يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولم تُجْرَ مشاورات جادة وشفافة ومفتوحة وشاملة بشأنه "مع مختلف أصحاب المصلحة في مصر"، وتم تجاهلها.

وقالت المنظمات: إن مشروع القانون الذي يهدف إلى استبدال قانون الإجراءات الجنائية المصري لعام 1950 "يُشكل تهديدا خطيرا للحق في الخصوصية".

وأشارت إلى خطورة المادتين 79 و80 من القانون، اللتين تمنحان "سلطات تقديرية غامضة وواسعة لقضاة التحقيق لإصدار أمر لمدة لا تتجاوز 30 يوما (يمكن تجديده إلى أجل غير مسمى بزيادات قدرها 30 يوما).

وهي أوامر "تسمح للسلطات بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والصحف والمطبوعات والطرود، ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية للأفراد وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك المحتوى الخاص"، أي وضع الأجهزة والحسابات تحت مراقبة السلطة.

أيضا تمنح المادة 116، النيابة العامة بعض الصلاحيات الخاصة بإصدار أمر باعتراض ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت، وهو "ما يعطي وكلاء النيابة العامة سلطات واسعة لا ينبغي منحها إلا للقضاة، ومن دون رقابة قضائية".

الأمم المتحدة: آثاره ضاره

وفي 8 نوفمبر/تشرين ثان 2024، وجَّه سبعة من المقررين الخواص لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة رسالة إلى الحكومة المصرية بشأن قانون الإجراءات الجنائية الجديد، تؤكد أن مواده "تتعارض مع التزامات مصر الدولي".

أكدوا أن القانون بصياغته الحالية "سيكون له آثار ضارة على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، وسوف تمنعهم من ممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، سواء عبر الإنترنت أو غير ذلك".

وقدّم مقررو الأمم المتحدة 7 تساؤلات استنكارية لمصر حول "مدى توافق تعديلات قانون الإجراءات الجنائية مع التزامات مصر بموجب القانون الدولي".

خاصة "المبادئ والمعايير الخاصة بالحماية من الحرمان التعسفي من الحرية والحق في الإجراءات القانونية الواجبة وضمانات المحاكمة العادلة، المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

وتساءلوا عن التدابير التي اتخذتها الحكومة "للوقاية من الاستعمال التعسفي للحبس الاحتياطي، بما في ذلك ممارسة التدوير، وضمان عدم استخدام الحبس الاحتياطي كأداة ضد الأصوات الناقدة كوسيلة للتضييق على المعارضة المشروعة والسلمية".

كما طالبوا بتوضيح "مدى توافق توسيع صلاحيات النيابة مع التزامات مصر الدولية وقانون ومعايير حقوق الإنسان"، و"كيفية إصلاح قانون مكافحة الإرهاب المصري لضمان احترامه مبدأ المشروعية القانونية وتجنب سوء تطبيقه بشكل واسع على أفعال لا تعد إرهابا بطبيعتها".

وقد تعرّض "الإجراءات الجنائية" أيضا لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين، التي أعدت ورقة، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات، ولكن تم تجاهلها.

وقالت نقابات المحامين والصحفيين المصريتان في بيان سابق: إن قانون الإجراءات الجنائية الحالي "يمكّن مسؤولي النيابة العامة والقضاة من إبقاء الناس محبوسين احتياطيا لأشهر أو سنوات، من دون جلسات استماع مناسبة أو أدلة على ارتكاب مخالفات".

أيضا عارضت منظمات "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، و"لجنة الحقوقيين الدولية" 2 أكتوبر/تشرين أول 2024، القانون وحذرت: "إذا اعتُمد سيقوّض حماية حقوق المحاكمة العادلة التي أُضعفت أصلا في مصر، ويزيد تمكين موظفي الأمن المنتهِكين".

وقالوا: إن القانون "لا يفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيكون له تأثير كارثي على حقوق المتهمين قبل المحاكمة وأثنائها".

كما "يفتقر، مثله مثل قانون العقوبات، إلى تعريفات وعقوبات كافية لجرائم منهجية منتشرة بشدة، مثل التعذيب والاختفاء القسري".

"ولا يعالج القانون أيضا إساءة استخدام الحبس الاحتياطي من قبل السلطات، ما يديم استخدامه التعسفي أداة عقابية".