حقيقة أزمة اللحوم في العراق.. فساد ومضاربات أم جفاف ونفوق حيوانات؟
منذ نحو شهر، يشهد العراق ارتفاعا غير مسبوق في أسعار اللحوم الحمراء المحلية، الأمر الذي دفع الجهات المعنية إلى فتح باب الاستيراد على مصراعيه، لتدارك الأزمة وخفض الأسعار قبل حلول شهر رمضان في 11 مارس/ آذار 2024.
ورغم توفر الأمطار في العامين الحالي والماضي، لكن سعر كيلو اللحوم الحمراء المحلية وصل في الأسواق إلى 25 ألف دينار (16.55 دولار) بعدما كان سعرها قبل ذلك نحو 12 ألف دينار (10 دولارات)، ما أثار علامات استفهام عديدة بشأن حقيقة الأزمة.
تبريرات وتدابير
تبرر الحكومة العراقية، ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء إلى الجفاف الذي تعيشه البلاد منذ سنوات ونفوق أعداد كبيرة من الماشية، وشح المياه والأعلاف، وكذلك إلى الارتفاع العالمي في سعر هذا المنتج، معلنة عن العديد من الإجراءات للحد من الأزمة الحالية.
وقال مدير عام دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة العراقية، وليد محمد رزوقي، إن "هناك صعودا عالميا ليس في العراق فقط، بل حتى في إيران التي تعد أرخص دولة يمكن القياس عليها، فقد وصلت أسعار اللحوم فيها إلى 20 ألف دينار عراقي (13.24 دولار) للكيلوغرام الواحد".
وأضاف رزوقي في تصريح صحفي، أن "وزارة الزراعة أعطت إجازات استيراد لنحو 65 ألف عجل، لذلك لا يوجد شح، بل ما يحصل هو ارتفاع عالمي في الأسعار، كما أن أسعار النقل في تصاعد مستمر، إذ إن أزمات الشرق الأوسط خلقت أزمة في نقل اللحوم".
وبخصوص، الأغنام فإن أعدادها جيدة، "لكن هناك عمليات احتكار ومضاربات، وأن العملية تضم حلقات متعددة تبدأ بالمربي وتاجر الجملة وتاجر التجزئة وتنتهي بالجزارين"، بحسب رزوقي.
ويشير المسؤول العراقي إلى أن "أسعار الأعلاف في انخفاض مقارنة بالعام الماضي، لكن رغم ذلك هناك ارتفاع في سعرها، كما هناك زراعة أعلاف خضراء، ويقوم بعض المزارعين بتصديرها، لذلك الأعلاف ليست المشكلة، وإنما هناك مضاربة".
وبخصوص التدابير المتخذة، أعلنت وزارة الزراعة، في 27 فبراير/ شباط 2024 عن اتخاذ 5 إجراءات لإعادة أسعار اللحوم الى معدلاتها الطبيعية، فيما أشارت الى تشجيع الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية.
وقال المتحدث باسم الوزارة محمد الخزاعي، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الوزارة تدعم استيراد اللحوم، شأنها شأن أي محصول زراعي ويدخل ضمن برنامج الروزنامة الزراعية أي فتح الحدود في حال حدوث شح وغلقها في حال حدوث فائض بالمنتج".
وأضاف أن "البلاد تعاني حالة الشح في اللحوم الحمراء وبالتالي ارتفاع أسعارها، مما أدى إلى اتخاذ الوزارة إجراءات لمعالجة الارتفاع، منها تسهيل عمليات الاستيراد".
وتابع: "كذلك، منح الإجازة وتسهيل نقل المواشي بين مختلف المحافظات، فضلاً عن السماح باستيراد المواشي من الأغنام والأبقار الحية لأغراض الذبح ولأغراض التربية"، منوهاً بأن "هذه تعد نقلة كبيرة في قرارات الوزارة".
وأشار إلى أن "الوزارة ومن بين قراراتها لمعالجة ارتفاع أسعار اللحوم، تشجيع الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية وبالتالي هذه الإجراءات ستسهم في إعادة الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية، وبالتالي القضاء على حالة الارتفاع في أسعار اللحوم الحمراء المختلفة".
أزمة مفتعلة
لكن مصادر مطلعة في وزارة الزراعة العراقية، أكدت أن موضوع رفع أسعار اللحوم المحلية أمر متعمد لفسح المجال أمام المستوردين المرتبطين بالأحزاب الحاكمة وخصوصا قوى الإطار التنسيقي الشيعي، للاستيراد من دول عدة، وبالتالي تعود إليهم هذه الأزمة بفائدة كبيرة.
وأكدت المصادر لـ"الاستقلال"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن "سعر العجل الواحد زنة 500 كيلو غرام، الذي يستورده التجار من دول أميركا الجنوبية يصل إلى العراق بسعر 100 دولار فقط، بينما يباع الكيلو الواحد حاليا بأكثر من 16 دولار".
وكشفت المصادر المطلعة في وزارة الزراعة أن "كبار تجار المواشي في العراق خصوصا في محافظات واسط وكربلاء والنجف، غالبيتهم مرتبطون بقوات الحشد الشعبي والقوى السياسية الشيعية الموالية لإيران، وتحديدا برئيس منظمة بدر هادي العامري".
وأوضحت أن "الأزمة الحالية وما سبقها من أزمات تخص ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء لا تخلو من أمر متعمّد، وذلك من أجل فتح الاستيراد على مصراعيه بشكل أكبر، خصوصا أن وزير الزراعة الحالي عباس المالكي ينتمي إلى قوى الإطار التنسيقي".
وأكدت المصادر أن "هؤلاء التجار المستوردين للمواشي يجري تسهيل معاملاتهم في افتتاح أماكن لتربية واستيراد العجول بشكل كبير، رغم أن البعض منها لا يطابق المواصفات، لكن معظمهم واجهات لجهات سياسية ومليشياوية نافذة في الدولة".
من جهته، قال أبو مصطفى أحد أصحاب محال الجزارة في بغداد، إن "قوة من الأمن الاقتصادي اقتادته إلى مقرها للتحقيق معه بخصوص ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وأجبرونا على خفضها رغم أنها مرتفعة من المصدر الرئيس، وهم كبار تجار المواشي في البلاد".
وأوضح أبو مصطفى لـ"الاستقلال" أنه "منذ شهر كان هناك تعمّد بعدم إدخال المواشي إلى العاصمة بغداد وبقية المحافظات، والآن بعد فتح الاستيراد جرى اتخاذ قرار بالسماح بدخولها، إضافة وجود حملة إعلامية قوية لدعم اللحوم المستوردة على حساب المحلية".
ورأى صاحب محل الجزارة في بغداد أن "الأمر مبيّت مسبقا لتقاسم الفائدة من هذه الأزمة بين المسؤولين في وزارة الزرعة والأحزاب والتجار الذين يرتبطون بهم بشكل مباشر أو غير مباشر".
وأشار أبو مصطفى إلى أن "وسائل الإعلام التابعة لهذه الأحزاب قامت بشيطنة أصحاب محال الجزارة وإبعاد التجار والجهات الحكومية عن المسؤولية المباشرة عما يحصل في كل مرة".
"عمليات التهريب"
وفي السياق ذاته، يرجع الخبير الاقتصادي العراقي، عمر الحلبوسي، أسباب ارتفاع أسعار اللحوم الحالية إلى "تزايد عمليات تهريب الأغنام من العراق نحو دول مجاورة، والذي أدى إلى تراجع كمية المعروض من الأغنام في السوق المحلية".
وأضاف الحلبوسي خلال تصريح لوكالة "شفق نيوز" في 12 فبراير، أن "الشعب العراقي كذلك، يستهلك اللحوم بشكل كبير، وقد استغل التجار هذا الاستهلاك من أجل تحقيق أرباح كبيرة من خلال رفع أسعار اللحوم".
وتابع الخبير الاقتصادي، قائلا: "كما أن غياب الردع الحكومي للتجار وضبط الأسعار هو الآخر سبب من أسباب ارتفاع أسعار اللحوم".
وتسبب تصاعد أسعار اللحوم الحمراء، وفق الخبير الاقتصادي، بـ"عزوف المواطنين عن شرائه بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن العراقي، وتراجع قيمة الدينار العراقي الذي أدى إلى حدوث حالة من الركود الاقتصادي في الأسواق العراقية".
وبلغت نسبة التضخم السنوية في العراق 4.5 بالمئة مع ارتفاع ملحوظ لمستوى التضخم في الشهر الأخير من سنة 2023.
وذلك على الرغم من رفع المركزي لسعر الفائدة وطرح السندات التي من شأنها أن تكبح جماح التضخم، بحسب رئيس مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات والاستشارات الاقتصادية، منار العبيدي.
وأوضح العبيدي خلال تدوينة على "فيسبوك" في 13 فبراير، أن "عوامل خارجية وأخرى داخلية ساهمت وستساهم في ارتفاع نسب التضخم وتحديداً في المواد الغذائية".
وتابع: "يلاحظ أن أغلب المحافظات شهدت ارتفاعا كبيرا بأسعار اللحوم والأسماك خلال 2023 بنسب تفوق الـ20 بالمئة، ومن المتوقع استمرار هذا الارتفاع لأسباب تتعلق بشح اللحوم، بالإضافة الى ارتفاع أسعار النقل عالميا وأيضا لقلة المعروض من اللحوم في هذه الفترة من السنة".