عودة مقلقة.. ماذا وراء تجدد هجمات تنظيم القاعدة في اليمن؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أعاد الهجوم الانتحاري على المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، تنظيم القاعدة في اليمن إلى الواجهة مجددا، وذلك بعد فتور استمر نحو عام على آخر عمليات نفذها التنظيم في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا)، استهدفت ثكنات عسكرية.

وفي 16 أغسطس/ آب 2024، قتل نحو 16 عنصرا وأصيب 20 آخرون من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، في تفجير انتحاري بسيارة مفخخة استهدف ثكنة عسكرية بمحافظة أبين بجنوب البلاد، تبنّاه تنظيم القاعدة، وفق ما أفاد به متحدث عسكري لوكالة "فرانس برس".

"بصمات الحوثي"

على وقع هجوم القاعدة الأعنف في اليمن منذ نحو عام، قال وزير الداخلية اليمني، إبراهيم حيدان، إن "العملية الإرهابية التي استشهد على إثرها 16 فردا وإصابة عدد آخر من منتسبي اللواء الثالث بمحافظة أبين، لن تزيدنا إلا إصرارا على استئصال شأفة الإرهاب وتنظيماته بمختلف مسمياتها الحوثية والقاعدية والداعشية".

ونقلت وكالة “سبأ نت” عن الوزير اليمني، قوله إن "العملية تحمل بصمات مليشيات الحوثي وبالتخادم مع تنظيم القاعدة، لكنها لن تزيد قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية بتشكيلاتها كافة إلا تماسكا وإصرارا على اجتثاث الإرهاب".

وشدد الوزير حيدان على "أهمية تماسك المجتمع اليمني إزاء الإرهاب المصدر له من راعية الشر بالمنطقة إيران"، داعيا "المجتمع الإقليمي والدولي، إلى إدانة جميع أشكال الإرهاب التي تستهدف اليمن والوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية".

وتبنّى العملية "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، ونقل مركز "سايت" الذي يرصد وسائل إعلام التنظيمات المسلحة ومقرّه الولايات المتحدة في 16 أغسطس، بيانا عن التنظيم قوله إن "مهاجما فجّر سيارة مفخخة في الموقع العسكري".

وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك تحدث منتصف مايو 2024، عن وجود "تقارير عدة للحكومة اليمنية توضح مدى التعاون والتنسيق بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية مثل "القاعدة وتنظيم الدولة في عمليات الاغتيالات والاختطاف وغيرها من الأعمال الإرهابية".

وتساءل ابن مبارك حينها، "لماذا تحدث جميع الأعمال الإرهابية في المناطق المحررة فقط، لا في المناطق الخاضعة للانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني؟".

وطالما اتهمت الحكومة الشرعية في اليمن، مليشيا الحوثي بالتنسيق والتخادم مع "القاعدة" لشن عمليات ضدها، فقد شهدت عدن وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة أحداثا أمنية تخللتها عمليات اغتيال طالت قادة عسكريين وسياسيين وإعلاميين من قبل مجهولين.

"وتؤكد الحكومة اليمنية استخدام الحوثيين للقاعدة ضد مناهضي مشروعهم، مثل توفير ملاذ آمن لتحركاتهم في البيضاء وشبوة وأبين، وإطلاق عناصره من سجون صنعاء الذين احتجزوا فيه قبل سيطرتهم عليها بعد الاتفاق على تنفيذ عمليات تستهدف الشرعية"، حسبما نقل الصحفي اليمني، توفيق الشنواح، بمقال في صحيفة " إندبندنت عربي" في 17 أغسطس.

عودة محتملة

وبخصوص توقيت تصعيد القاعدة لهجماتها في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، قال الخبير في شون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، إن "تنظيم القاعدة في اليمن كان يصنف أميركيا حتى عام 2009 إلى 2012 بأنه أحد أقوى التنظيمات"، متوقعا أن "تشهد المرحلة المقبلة عودة التنظيم إلى ما كان عليه سابقا".

وأوضح أبو هنية لـ"الاستقلال" أنه "بعد ثورات الربيع العربي وإنشاء تنظيم القاعدة تشكيل أنصار الشريعة، سيطروا على مساحات واسعة في اليمن، ولكن مع انهيار الوضع في البلاد وسيطرة الحوثيين أصبحت الأمور ملتبسة في وضع التنظيم، إضافة إلى ظهور تنظيم الدولة".

ولفت إلى أن "الأمور كانت مختلطة في اليمن خلال تلك المرحلة، وكان انشغال الأميركيين والقوات اليمنية من أولوياتهم دائما مواجهة تنظيم القاعدة، لأنه يمثل للولايات المتحدة الأميركية الفرع الأكثر نشاطا من باقي فرع القاعدة، لكنه ضعف خلال السنوات الماضية".

وأكد أبو هنية أن "التطورات الأخيرة والهجوم الذي نفذته القاعدة باليمن واستهدفت قوات المجلس التنسيقي الجنوبي، تشير إلى احتمالية تعافي التنظيم ودخوله في مرحلة جديدة".

ورأى الخبير أن "الحوثيين اليوم منشغلون في تثبيت شرعيتهم من خلال المواجهة الخارجية بزعم إسناد (جبهة غزة)".

وعن العلاقة بين الحوثيين والقاعدة، قال أبو هنية: "شاهدنا هناك نوعا من الصلة بين الطرفين، وذلك من خلال البيان الذي أصدره التنظيم يستنكر فيه الهجمات على اليمن من التحالف الأميركي البريطاني وتستهدف جماعة الحوثي".

في الوقت نفسه- يضيف الباحث- "هناك حديث عن علاقة القاعدة بإيران، لأن سيف العدل موجود في الأراضي الإيرانية، بعد توليه زعامة التنظيم خلفا لزعيمها السابق أيمن الظواهري- الذي لايزال اللغط قائما بخصوص مقتله- لكن هذا على الأقل حسبت التقييمات الأميركية".

وبحسب أبو هنية، فإنه "رغم كل الاختلافات المذهبية والأيديولوجية، لكن هناك أولوية للقاعدة وهي مواجهة الولايات المتحدة بشكل أساسي، وهذا مشترك مع الحوثيين وإيران، فهم أيضا في مواجهة شبة مباشرة مع الأميركيين، وهذا أوجد نوعا من التواصل بين الطرفين".

وأشار إلى أن "هناك حديثا كان يطرح عن وجود خلافات وانقسام بين أجنحة تنظيم القاعدة، فبعضهم يؤيد هذا التحالف مع إيران، وهذا الجدل القديم منذ عهد زعيمها السابق أسامة بن لادن، ولكن يبدو اليوم مع وجود العدو المشترك، حدث نوع من التنسيق العملياتي بشكل واضح".

ورأى الخبير أن "العملية الأخيرة في أبين، والتي تعد هذه المحافظة إحدى مراكز القوى التاريخية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، جاءت بعد تراجع هجمات الأخير خلال المدة السابقة، وبعد عمليات نفذتها القوات الأميركية واليمنية، إضافة إلى ظهور تنظيم الدولة".

واستدرك أبو هنية، قائلا: "يبقى تنظيم القاعدة موجودا في جنوب اليمن ولديه حضور، لكنه ضعف كثيرا عما كان عليه خلال المراحل السابقة بعد الثور اليمنية، ثم سيطرة الحوثيين على اليمن عام 2014".

وأردف أبو هنية، قائلا: "مع تراجع القاعدة في اليمن، لكنه من الممكن أن يعود بسهولة، لوجود ظروف سياسية يمر بها البلد، وتراجع الحرب على الإرهاب، ووجود قضية فلسطين، وأن التنظيم شعاره الأساسي هنا نقاتل وعيوننا على القدس".

وخلص إلى أن "هذا يفسح المجال للتعاون بين التنظيم والحوثيين، وعودة القاعدة سواء في الجنوب، وتحديدا في محافظة أبين كونه يتمتع بنوع من القوة، وله خلايا نائمة، لذلك ربما نشهد خلال المرحلة المقبلة نوعا من العودة إلى ما كان عليه تنظيم القاعدة في السابق". 

تنامي وتراجع

ويستغل تنظيم "القاعدة" الفوضى في اليمن للتمدّد فيها، وذلك بعدما استعاد "المجلس الانتقالي" في 18 سبتمبر/ أيلول 2022، السيطرة بشكل كامل على معسكر "عمران" الإستراتيجي، الذي يُعد أكبر معاقل التنظيم شرقي مديرية مودية بأبين.

وفي 11 مارس/ آذار 2023، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وفاة زعيمه خالد بن عمر باطرفي، في بيان له، حسبما ذكر موقع مركز "سايت". وقال الموقع إن التنظيم لم يكشف سبب وفاته، وإنه عين سعد بن عاطف العولقي قائدا جديدا له.

وتولى باطرفي قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في أوائل عام 2020، بعد مقتل سلفه قاسم الريمي، فيما قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إنها عملية لمكافحة الإرهاب في اليمن.

وأشار المركز إلى أن المسؤول الشرعي في التنظيم، إبراهيم القوصي، أكد في تسجيل مصوّر مقتل باطرفي زعيم التنظيم منذ فبراير 2023، معلنا أن "سعد بن عاطف العولقي هو الزعيم الجديد للتنظيم في جزيرة العرب"، الذي تصنفه الولايات المتحدة إرهابيا.

وكان باطرفي، وهو سعودي مولود في الرياض في أوائل الأربعينيات من عمره، قد تولى قيادة التنظيم في فبراير 2020، بعد مقتل قائده قاسم الريمي في هجوم بطائرة أميركية مسيرة، علما أن سلف الأخير ناصر الوحيشي قتل بقصف مسيّرة أميركية مسيرة باليمن في يونيو/حزيران 2015.

وقبل توليه قيادة التنظيم، كان باطرفي يعمل قاضيا شرعيا ومتحدثا رسميا باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وصنفته الولايات المتحدة في 2018 "إرهابيا عالميا"، وعرضت مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عنه.

أما خلفه العولقي، فهو يمني معروف أيضا باسم سعد محمد عاطف، عضو في مجلس شورى التنظيم، وعلى قائمة "برنامج المكافآت من أجل العدالة" الأميركي. وعرضت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى ستة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.

وتقول الخارجية الأميركية إن العولقي "دعا علنا إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها".

وتنامى حضور تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي تأسس في 2009، وتنظيم الدولة المنبثق عنه، في غمرة الفوضى التي تسببت بها الحرب بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثيين المدعومة من إيران بعد سيطرة الأخيرة على العاصمة صنعاء، وانقلابها على الشرعية.

لكن الضربات التي شنها التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، خصوصا بين مارس 2015 وأبريل 2022، وكذلك الولايات المتحدة، أضعفت القاعدة وتنظيم الدولة في البلاد.