عقوبات أميركا وإهمال إيران.. هكذا تسببا بسقوط مروحية رئيسي ورفاقه

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

سلط مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان وآخرين، الضوء عن تهالك أسطول الطيران الرئاسي في هذا البلد لعدم حصولهم على قطع الغيار اللازمة.

وتحطمت طائرة هليكوبتر رئاسية في منطقة جبلية شمال غرب إيران قرب حدود أذربيجان في 19 مايو/أيار 2024، وأدت لمقتل إبراهيم رئيسي وعبداللهيان وستة آخرين من الركاب والطاقم بينهم محافظ تبريز مالك رحمتي، وإمام صلاة الجمعة في ذات المدينة محمد علي هاشم.

وقالت وكالة تسنيم شبه الرسمية، إن المروحية التي أقلت الرئيس الإيراني، كانت أميركية من طراز Bell 212، ودخلت الخدمة عام 1968 وتستخدمها عدة دول لأغراض أمنية وعسكرية ومدنية.

وأشارت الوكالة إلى أن هذه المروحية، تستطيع نقل ما يصل إلى 14 شخصا وتبلغ سرعتها 190 كلم / ساعة، وهي ثنائية المحرك والشفرة وأقصى حمولة لها 2268 كلغ وطولها نحو 13 مترا ويمكنها أن تطير إلى ارتفاع 5273 مترا وبمدى 464 كيلومترا.

ومروحية "بيل 212" بدأ إنتاجها بواسطة شركة "بيل تكسترون" في ولاية تكساس الأميركية وحلقت لأول مرة عام 1968.

وتتسع الطائرة لـ15 مسافرا (قائد طيار و14 شخصا) وتبلغ مساحتها الداخلية ستة أمتار، وهي مزودة بمحركين ويمكنها التحليق باستخدام محرك واحد في حال وقوع أي أضرار بالآخر.

وتستخدم الرئاسة الإيرانية المروحيات الأميركية من طراز Bell 212 في تنقلات الرئيس وفريقه.

طيران متهالك

وتمتلك قوات إيران الجوية والبحرية إجمالي 10 طائرات من هذا النوع، وفقا لدليل القوات الجوية العالمية لعام 2024 الصادر عن شركة FlightGlobal.

وسلم سلاح الجو الإيراني هذه المروحيات إلى الهلال الأحمر في ذات البلد بعد تهالكها وصعوبة صيانتها بسبب العقوبات الأميركية.

وقال مصدر إيراني لوكالة رويترز البريطانية إن المروحية مرتبطة بجمعية الهلال الأحمر الإيراني.

وبحسب الخبراء فإن التفاصيل القليلة المتاحة تشير إلى أن عمر المروحية التي تحطمت قد يتراوح بين 40 و50 عاما.

ومن المفترض أن تكون Bell 212 قابلة للتكيف مع جميع أنواع المواقف، بما في ذلك حمل الأشخاص، ونشر معدات مكافحة الحرائق الجوية، ونقل البضائع وتركيب الأسلحة.

وصمم النموذج الإيراني الذي تحطم بالرئيس إبراهيم رئيسي، لنقل الركاب الحكوميين. واشترت إيران مروحيات "بيل 212" قبل ما يسمى "الثورة الإسلامية" التي انطلقت عام 1979.

لكن العقوبات الأميركية التي فرضت بعد عام 1979 أعاقت قدرة طهران على تحديث الأسطول بطائرات جديدة وإصلاح القديمة منها بسبب نقص قطع الغيار.

ولهذا وبعد ساعات من الحادثة، قال وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إن الولايات المتحدة الأميركية هي المتسببة في سقوط مروحية الرئيس الإيراني، لأنها فرضت عقوبات على قطاع الطيران في إيران ومنعت إدخال قطع تحديث الطائرات. حسب وكالة الأنباء الإيرانية.

وجاء اتهام ظريف لكون الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران، يمنعها من استيراد الطائرات، وقطع الغيار والصيانة، ومن بينها المروحية أميركية الصنع التي كان يستقلها رئيسي، وهي من طراز بيل-212. 

لكن ما كان لافتا، هو تأكيد وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، أن نظام الإشارة للطائرة الهليكوبتر التي تحطمت وهي تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية لم يكن مفعلا أو أن الطائرة لم يكن لديها مثل هذا النظام.

ووفقا لوكالة الأناضول التركية، فقد كشفت موقعَ تحطم المروحية، طائرةٌ مسيرة تركية من طراز "أقينجي" شاركت في أعمال البحث بناء على طلب إيراني من السلطات التركية.

عقوبات مفروضة

ومن المعلوم فنيا بحسب الخبراء في مجال الطيران، أن لكل قطعة في الطائرة أو المروحية "سجل حياة" أي مدة انتهاء صلاحية لقطعها، سواء كانت الطائرة تستخدم أو حتى متوقفة، وبالتالي هذه القطع يجب تغييرها كل مدة.

وفي عام 2021 أصدرت هيئة النقل الكندية تحذيرا بشأن طراز "بيل 212" من الطائرات، وأوقفت العمل بها في البلاد لحين فحص مسامير ربط شفرات المروحية التي قالت إنها تعاني من خلل ويجب استبدال غيرها بها والتأكد من عملها بشكل سليم.

وتشير المعطيات إلى أن السلطات الإيرانية بقيت متشددة بشأن تحديث أسطولها من الطيران خاصة القديمة.

وتعاني إيران من نقص في الطائرات المدنية منذ تسعينيات القرن العشرين، لعدم قدرتها على شراء طائرات جديدة أو قطع غيار من الشركات الغربية بفعل العقوبات. 

وللتعويض، لجأت إيران إلى استئجار طائرات قديمة أو شراء قطع غيار عبر وسطاء. ومع ذلك، فإن الحالة الفنية لأسطولها تدهورت بشكل مطرد مع مرور الوقت.

ونتيجة لذلك، أصبح الأسطول الإيراني قديما وغير جدير بالثقة على نحو متزايد، إذ يبلغ متوسط ​​عمر الطائرات الإيرانية الآن أكثر من 25 عاما، والعديد منها بحاجة إلى إصلاحات كبيرة.

وخلال تلك الفترة، أتيحت لإيران فرصة لتحديث أسطولها من الطائرات ولم تنجح، في أعقاب الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 مع القوى العالمية.

إذ جرى رفع العقوبات الأميركية وطلبت شركات الطيران الإيرانية شراء أكثر من 300 طائرة، بما في ذلك طائرات حديثة من بوينج وإيرباص.

ومع ذلك، تم تسليم ثلاث طائرات إيرباص و11 طائرة من طراز ATR فقط إلى إيران قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات المعوقة.

كما لم تسفر جهود طهران اللاحقة للحصول على طائرات ركاب صينية تحتوي على تكنولوجيا أميركية عن أي نتيجة؛ بسبب رفض بكين انتهاك العقوبات.

إلا أنه في نهاية عام 2022 أكدت سلطات الطيران الإيرانية شراء أربع طائرات من طراز إيرباص A340، ذات هيكل عريض وطويلة المدى وبأربعة محركات.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدث باسم منظمة الطيران المدني الإيرانية حسن خوشخو، قوله إن طائرة إيرباص A340 "المصنوعة في فرنسا" وصلت إلى إيران.

وجاء هذا الإعلان بعد أيام من تقارير عن إقلاع أربع طائرات من طراز A340-300 من مطار جوهانسبرج الدولي في جنوب إفريقيا وهبوطها في العاصمة الإيرانية طهران.

وأشارت التقارير وقتها إلى أن أوزبكستان هي مسار رحلتهم الأصلي لكنهم وصلوا إلى طهران.

ويعتقد مراقبو الطيران أن طائرات إيرباص 340 الأربع ربما جرى استيرادها من خلال معاملات سرية من قبل شركات الطيران الإيرانية المحلية للتحايل على العقوبات.

وفي يوليو/تموز 2023، قال رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية محمد محمدي بخش، إن إيران تحتاج حاليا إلى 550 طائرة، لكن لديها 180 فقط وتخدم سكانا يبلغ عددهم 85 مليون نسمة.

وتلك الطائرات لا حركة لها، لأنه لا يمكن استيراد قطع الغيار بشكل قانوني أو لأنه من غير العملي صيانتها.

ويؤكد الخبراء أن أكثر من نصف أسطول طائرات الركاب الإيراني متوقف عن الطيران بسبب تقادم الطائرة ونقص قطع الغيار والمحركات فيها.

وأمام هذه الحالة ما كان لطهران سوى الاستمرار في استخدام الطائرات القديمة التي عفا عليها الزمن.

"حلول عشوائية"

وضمن هذا السياق، يقول محلل الطيران لموقع "بوليتكو" الأميركي ريتشارد أبو العافية، إن إيران "ليس لديها أي شيء على الإطلاق لتقدمه في مجال الطيران، باستثناء بعض الدروس حول كيفية الحفاظ على أسطول قديم مدعوم بقطع غيار بديلة وحلول عشوائية".

وعانت صناعة الطيران الإيرانية من سنوات من الإهمال ونقص الاستثمار والعقوبات القاسية التي جعلت من المستحيل تقريبا شراء طائرات جديدة.

وقد تكررت الحوادث وتراجعت معايير سلامة النقل الجوي بشكل مطرد؛ مما أدى إلى قلق العديد من الإيرانيين الذين يختارون السفر مع شركات الطيران المحلية في البلاد أو ليس لديهم خيار آخر لأن شركات الطيران الدولية لا تخدم الخطوط الداخلية.

ويقدر خبير الطيران المقيم في لندن أليكس ماشيراس أن ما يقرب من 2000 إيراني فقدوا أرواحهم في حوادث طائرات منذ عام 1979، في حين قدرت شبكة سلامة الطيران أن الحوادث التي شملت شركات الطيران الإيرانية أدت إلى 1755 ضحية في السنوات الـ 44 الماضية، وفق ما قال لمنتدى الخليج العربي في منتصف مارس 2023.

وكان آخر حادث تحطم إيراني من هذا النوع من المروحيات في عام 2018، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.

وفي عام 2015، قالت تقارير إن طائرة هليكوبتر يعتقد أنها من طراز AB-212 تحطمت بالقرب من مدينة كاشان التاريخية في إيران، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.

ويعتقد "ماشيراس" أن متوسط ​​عمر الطائرات التي تشغلها الخطوط الجوية الإيرانية هو 28 عاما، مما يجعل أسطول الطيران في البلاد واحدا من أكثر الأساطيل تصلبا وتفتقد إلى الأمان في العالم.

وعلى الرغم من أنه كان من الممكن دائما تهريب قطع الغيار إلى إيران في انتهاك للعقوبات الدولية، إلا أن التكاليف الباهظة بالفعل للقيام بذلك ارتفعت بشكل كبير وسط انخفاض قيمة التومان (العملة المحلية) مقابل الدولار الأميركي، ومع استمرار الاقتصاد الإيراني في التدهور.

وأمام هذه المشاكل الكبيرة التي يعاني منها قطاع الطيران الإيراني، فإن إنعاش صناعة الطيران المهجورة في البلاد لم تولها إدارة إبراهيم رئيسي أي أهمية كما لم تصدر عنها أي إشارة علنية إلى أنها تنوي تحديث أسطول النقل الجوي أو إنقاذه من أزمته المستمرة منذ عقود. 

وهنا يشير تقرير منتدى الخليج العربي، إلى أنه في عهد الرئيس السابق حسن روحاني (2013 - 2021) وعقب إبرام الاتفاق النووي سعت طهران لإجراء تحديثات في قطاع الطيران وشراء عشرات الطائرات الجديدة من شركتي بوينغ وإيرباص، إلا أن الجناح المتشدد في إيران رفض صرف الأموال في هذا القطاع.

وتذرع هؤلاء وفق المنتدى بأن ذلك من شأنه إهدار رأس مال البلاد على سلع فاخرة زائدة عن الحاجة، وبدلا من ذلك، زعموا أن أي أموال فائضة يجب أن تذهب نحو أولويات أعلى - لا سيما الطيران العسكري الإيراني، الذي عانى أيضا من عدم التحديث منذ عام 1979، وكذلك نحو قضايا غير متعلقة بالطيران مثل تمويل المليشيات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وحافظت إيران على تحليق أساطيلها من الطيران المدني والعسكري أثناء عزلتها منذ عام 1979 من خلال مزيج من الأجزاء المهربة والهندسة العكسية، وفقا لمحللين غربيين وأشخاص تحدثوا عن التجارة في أعقاب الاتفاق النووي الذي تخلت عنه واشنطن لاحقا.

وقد قدمت شركة خدمات وتجديد طائرات الهليكوبتر المملوكة للدولة، والمعروفة على نطاق واسع باسم PANHA، نماذج محلية قال محللون غربيون إنها تعتمد على طائرات Bell المعاد تصميمها، على الرغم من أن النوع 212 ليس واحدا من هذه النماذج، وفق ما نقلت وكالة رويترز في تقرير لها نشرته بعد ساعات من مقتل رئيسي.

في المقابل، منعت العقوبات الأميركية الشركات الإيرانية، بما في ذلك شركتا الطيران الرائدتان في البلاد إيران إير وخطوط ماهان الجوية، من شراء طائرات إيرباص A340 لتعزيز أسطولها القديم.

وجرى فرض العقوبات الأميركية على شركات الطيران الإيرانية، بما في ذلك طيران ماهان، وإيران إير، وساها إيرلاينز، وطيران قشم، وقشم فارس.

ويقول محللون في الشرق الأوسط وسلامة الطيران إن هناك فرصة ضئيلة لأن تلجأ إيران إلى مساعدة خارجية في التحقيق بحادثة تحطم مروحية رئيسي كون المسألة حساسة سياسيا.