معهد عبري يعترف: إسرائيل عاجزة عن تحقيق أهدافها بغزة والمجتمع منهار
المجتمع الإسرائيلي لم يتعاف بعد من الصدمة الجماعية
يعيش الإسرائيليون حالة من الضعف واليأس والتفكك جراء استمرار "الحرب في قطاع غزة" وصمود المقاومة الفلسطينية التي تكبد جيش الاحتلال خسائر باهظة في الأرواح والمعدات.
فوفقا لاستطلاع رأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، هناك "دلالات متزايدة تشير إلى تراجع واضح في قدرة إسرائيل على الصمود".
صدمة جماعية
وأشار المعهد إلى أن "المجتمع الإسرائيلي لم يتعاف بعد من الصدمة الجماعية بسبب أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 الصادمة"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ويؤكد على التأثير الكبير الذي أحدثته عملية حماس في الداخل الإسرائيلي، إذ يقول: "أدى هجومها إلى تقويض قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود بشكل كبير".
وخلص الاستطلاع إلى عدة أسباب وراء هذا التراجع؛ أولها وأكبرها تعثر قوات الجيش في معارك غزة، ثم يأتي ملف الأسرى الإسرائيليين ومصيرهم المجهول ليؤثر كذلك على الحالة النفسية للجمهور.
فيما أشار العديد من آراء المشاركين في الاستطلاع إلى الوضع الصعب الذي يواجهه الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من المستوطنات في الجنوب والشمال.
كما عبر العديد من الإسرائيليين عن قلقهم من استمرار القتال مع حزب الله في الشمال، بالإضافة إلى الخشية من الدخول في حرب مباشرة مع إيران، خاصة بعد هجومها الأخير على إسرائيل بالطائرات والصواريخ في أبريل/ نيسان 2023.
ووجه الكثير من الجمهور النقد للخطاب العام السام السائد في إسرائيل كما طال اللوم أيضا النظام السياسي القائم ولأداء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خاصة، مشككين في قدرتها على إدارة المشهد، بسبب احتدام الخلافات داخل أروقتها، وفق المعهد العبري.
ويستعرض خصائص واتجاهات ومشكلات القدرة على الصمود كما انعكست في 15 استطلاعا للرأي العام أجراها المعهد منذ بداية الحرب، مقارنة بنتائج الاستطلاع الأخير الذي أجري بين 14-16 أبريل 2024.
ويؤكد على أهمية تمتع النظم السياسية والمجتمعات بالمرونة في التعامل مع الأحداث المختلفة.
فيعرف المرونة على أنها "قدرة أي نظام على التعامل بنجاح مع اضطراب شديد أو كارثة، سواء من الطبيعة أو من صنع الإنسان، للحفاظ على استمرارية وظائفه بشكل معقول أثناء الحدث، للتعافي منه بسرعة، وحتى النمو في أعقابه".
انهيار الثقة
ومن ثم يبدأ في عرض نتائج الاستطلاع، وفحص مدى ثقة الجمهور في الجيش والشرطة والحكومة الإسرائيلية.
ويشير إلى "أن الجمهور اليهودي يواصل التعبير عن ثقة عالية ومستقرة للغاية في الجيش الإسرائيلي، تصل إلى 90 بالمئة".
لكن تلك الثقة يبدو أنها تتضاءل بشدة أمام صمود المقاومة الفلسطينية، فتشير البيانات إلى "انخفاض واضح ومستمر في نسبة المستطلعين الذين عبروا عن ثقتهم في قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق النصر في غزة، من 92 بالمئة في بداية الحرب إلى 64 بالمئة الآن".
وتابع المعهد: "امتدت حالة عدم الثقة بالجيش فيما يتعلق بحرب غزة، إلى التشكيك في قدرته على القضاء على حماس، إذ يرى 10 بالمئة فقط من الإسرائيليين أن أهداف الحرب ستتحقق بالكامل".
وينتقل للحديث عن نتائج الاستطلاع المتعلقة بالشرطة الإسرائيلية، إذ تظهر النتائج أن ثقة الجمهور بهذا الجهاز في تراجع مستمر.
ويوضح: "كانت نسبة اليهود الذين عبروا عن ثقتهم الكبيرة في الشرطة في بداية الحرب حوالي 68 بالمئة لكنها انخفضت في الاستطلاع الأخير إلى 47".
ويعود السبب في ذلك، وفقا للمعهد، إلى "ابتعاد الشرطة عن أحداث 7 أكتوبر، عندما قدمت حينها على الجبهة الجنوبية أداء بطوليا"، بحسب تعبيره.
ويضيف: "من المحتمل أن تؤدي العودة إلى الأداء الروتيني للشرطة، بما في ذلك التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات السياسية، إلى تراجع تقديرهم لدى فئات الشعب المختلفة".
وبحسب المعهد، فإن ما يعيق الصمود في المجتمع بشكل واضح هو مسألة الثقة في الحكومة، حيث سجلت نسبة الوثوق بها أرقاما منخفضة للغاية، تتراوح بين 20 و28 بالمئة فقط.
ويفسر تلك الفجوة بين الثقة الكبيرة في الجيش الإسرائيلي مقارنة بالجهات والشخصيات الأخرى، بـ "الارتباط العاطفي لدى الجمهور بالأول وحاجته إلى الإيمان به، أكثر من المراقبة الرصينة لقدراته".
فجوة كبيرة
ويحذر من أن "الفجوة الهائلة بين أرقام الثقة المنخفضة في الحكومة والثقة العالية في الجيش الإسرائيلي تشكل مشكلة بشكل خاص وتسهم بشكل مباشر في الحد من القدرة على الصمود المجتمعي".
وتابع: "وهي تعكس الانتقادات العامة لعمل الحكومة، سواء فيما يتعلق بمسؤوليتها عن الإخفاقات التي أدت إلى أحداث 7 أكتوبر، ولكن ليس أقل من ذلك فيما يتعلق بسلوكها منذ ذلك الحين، بما يشمل المجالات المدنية".
وأثار الاستطلاع قلقا كبيرا لدى المعهد العبري، فيما يتعلق "بدعم الجمهور اليهودي لهدف الحرب؛ وهو الإطاحة بنظام حماس في غزة".
فبينما أيد 84 بالمئة، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، الحرب في القطاع، انخفضت النسبة إلى 67 بالمئة في آخر استطلاع منتصف مارس/ آذار 2024.
ورأى المعهد أن "التأييد الشعبي لأهداف الحرب يعبر، بين أمور أخرى، عن استعداد المجتمع الإسرائيلي للالتفاف حول هدف مشترك، على الرغم من تكاليفها الباهظة، وهي الظاهرة التي تعكس التضامن".
ويوضح أن نسبة التضامن في المجتمع الإسرائيلي تبلغ أقل من 10 بالمئة فقط مقارنة بـ 35 في بداية الحرب.
وينبه إلى أن إطالة أمد الصراع ليس في صالح إسرائيل فيقول: "يجب أن نلاحظ أنه على الرغم من أن معدل الدعم لقضية الحرب لا يزال مرتفعا، فمن الواضح أنه مع استمرارها، فإن عددا أقل من الإسرائيليين يعبرون عن الدعم لأهدافها".
وفسر ذلك بـ "خيبة الأمل من الأداء العسكري والخوف من عدم إمكانية تطبيق الهدف المحدد".
قلق متزايد
ويبدو أن روح اليأس باتت تسيطر على الإسرائيليين، ففي بداية الحرب، أعرب أكثر من 80 بالمئة من المشاركين عن تفاؤلهم بقدرة المجتمع على التعافي من الأزمة والنمو، بينما وصلت النسبة الآن إلى 65 بالمئة فقط.
ويرجح المعهد أن "يواصل الرقم الانخفاض طالما استمرت الحرب بشكلها الحالي".
في المقابل، ارتفعت نسبة "الانزعاج من الوضع الاجتماعي داخل إسرائيل" بعد الحرب، فكانت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، 56 بالمئة، ووصلت حاليا إلى 64 بالمئة.
ونقل الاستطلاع مشاعر الخوف لدى الإسرائيليين، حيث قال: "في الاستطلاع الأخير، لم يكن هناك تحسن حقيقي في شعور المشاركين بالأمان الشخصي".
وأرجع ذلك إلى "الهجوم الإيراني واسع النطاق على إسرائيل الذي وقع قبل أيام قليلة من إجراء الاستطلاع وخلق شعورا بالتهديد بين العديد من الإسرائيليين".
وخلص المعهد إلى أن الاستطلاع يشير إلى استمرار الثقة "العالية" في الجيش الإسرائيلي، لكنه رأى أن "تراجع الثقة بشكل كبير في قدرته على الفوز وتحقيق أهداف الحرب المعلنة يثير القلق".
واستطرد معددا الجوانب السلبية التي كشفها الاستطلاع، فذكر أنه كشف عن “الثقة المنخفضة للغاية والمستمرة في أداء الحكومة”.
وذلك إضافة إلى التراجع في دعم أهداف الحرب، حيث بات يُنظر إليها اليوم على أنها بعيدة المنال تماما، وأخيرا الانخفاض المستمر في مفهوم التضامن المجتمعي والشعور بالتفاؤل والأمل.
والأكثر خطورة من كل تلك النقاط، بحسب المعهد، هو أن "الخلافات السياسية أصبحت قضية مركزية، لا تقل عن الحرب نفسها، وتؤثر بشكل كبير على الخطاب، حتى فيما يتعلق بالقضية الحساسة المتمثلة في مصير المختطفين".
وشكك في قدرة الحكومة الحالية على إدارة الحرب، قائلا: "يبدو أكثر فأكثر أن الحسابات السياسية الضيقة هي التي توجهها".
وشدد على أن "الحكومة باتت تضر بشكل مباشر وشديد القدرة الوطنية على الصمود خلال هذه الفترة الصعبة التي تتطلب الاستعداد لليوم التالي" للحرب.