فرحات بن قدارة يستقيل.. ماذا وراء سقوط ذراع الإمارات النفطي بليبيا؟
استخدم بن قدارة جواز سفره الإماراتي في معاملات خاصة بمؤسسة النفط الليبية
في خطوة لافتة، قدم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا فرحات بن قدارة، في 16 يناير/ كانون الثاني 2025، استقالته لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
وقد وافق الأخير على الاستقالة، التي أُرجع سببها المعلن لظروف صحية طارئة، حالت دون تمكن بن قدارة من أداء مهامه ومسؤولياته بالشكل الأمثل.
وأضافت الحكومة الليبية في بيان أن الدبيبة كلف مسعود سليمان موسى، عضو مجلس إدارة المؤسسة، بتولي مهام رئيس مجلس الإدارة مؤقتا.
وكان بن قدارة قبل تقديم استقالته يواجه دعوى قضائية بسبب امتلاكه جواز سفر إماراتيا.
يُذكر أن قطاع النفط يُعد المورد الأساسي للاقتصاد الليبي، ويُنتظر أن تتخذ الحكومة قرارات مهمة في الفترة المقبلة لتأمين استمرارية إدارة هذا القطاع الحيوي بما يخدم مصلحة البلاد.
معركة الطعون
وشهدت الفترة الأخيرة من حكم بن قدارة للمؤسسة الوطنية للنفط، تزايد الدعاوى القضائية ضده، بعد أن قام وزير النفط والغاز السابق في حكومة طرابلس، محمد عون، بإقامة دعوى أمام محكمة طرابلس الابتدائية للطعن في شرعية تعيين بن قدارة رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط.
ويعتقد عون أن هذا التعيين غير قانوني بسبب جنسية بن قدارة الإماراتية.
ويضاف هذا الطعن القانوني ضد بن قدارة إلى الطعن الذي رفعه مستشار قسم التسويق الدولي بالمؤسسة الوطنية للنفط مسعود عاشور شريحة.
الذي طعن أمام محكمة استئناف طرابلس خلال عام 2023، عبر شركة إتقان للمحاماة الليبية في قرار نقله إلى شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو) التابعة للمؤسسة في بنغازي.
وفي دفاعها، زعمت المؤسسة الوطنية للنفط التي مثلها قسم الشؤون القانونية بالولاية أن قرار نقل “شريحة” كان بسبب مشاكل في العلاقات الداخلية.
ولكن عندما حكمت محكمة استئناف طرابلس لصالح شريحة في أكتوبر 2024، بررت قرارها على أساس أن الإجراء الذي اتخذه بن قدارة لا يمكن تطبيقه لأن تفويض رئيس المؤسسة الوطنية للنفط غير قانوني.
وكان محامو المدعي قد أحضروا أمام المحكمة وثائق تثبت أن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط سجل شركة "INTLBA Ltd" التابعة لمؤسسة النفط الليبية، في المملكة المتحدة باستخدام جواز سفر إماراتي.
وهذا يشكل "انتهاكا لقانون الجنسية الليبية رقم 24 لسنة 2010 الذي ينص على أن أي شخص يحصل على جنسية أجنبية دون اتباع أحكام هذا القانون يفقد جنسيته الليبية تلقائيا"، وفقا للدفاع.
استهداف الدبيبة
في أعقاب قرار محكمة استئناف طرابلس، أرسل المجلس الأعلى للدولة أيضا رسالة في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إلى وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني وأجهزة المخابرات ومؤسسة التحقيق المالي العام وديوان المحاسبة، يطلب منهم فتح تحقيق مالي وإداري مع بن قدارة، ومن ناحية أخرى، يواصل الأخير التأكيد على أن الاتهامات الموجهة إليه كاذبة وأنه يحتفظ بدعم رئيس الوزراء.
ومنذ صدور حكم محكمة الاستئناف، لم يشكك أي ممثل سياسي في شرعية بن قدارة كرئيس للمؤسسة الوطنية للنفط.
بينما سعى عون من خلال استهداف بن قدارة إلي زعزعة نفوذ رئيس الوزراء الدبيبة الذي تورط أيضا في هذه القضية، لكنه أيضا خلال ذلك النزاع وجه ضربة إلى أحد أهم رجال الإمارات في ليبيا، فرحات بن قدارة.
دور الإمارات
وبطبيعة الحال، لم تغب مؤسسة النفط الليبية عن عين الإمارات، التي دعمت حفتر، وكانت تداخلاتها من الأسباب الرئيسة لإشعال ليبيا حتى الآن.
وفي 22 مايو/أيار 2020، وكانت مؤسسة النفط، قد كالت الاتهامات للحكومة الإماراتية، بأنها هي من أعطت التعليمات لمليشيات حفتر بإيقاف الإنتاج.
ورأت المؤسسة في بيانها أن موقف أبوظبي مخيب للآمال بشكل كبير، خاصة بعد تصريحات كبار مسؤوليها الداعمة للجهود الدولية لاستئناف إنتاج النفط في ليبيا.
وقتها قال رئيس المؤسسة (آنذاك) مصطفى صنع الله في تصريح لوسائل إعلام محلية، إنه يجب أن تكون هناك عواقب لأفعال الإمارات التي تقوض قواعد النظام الدولي وتدمر ليبيا، مضيفا أن تلك الدولة تشكل تهديدا خطيرا للأمن الليبي والدولي.
وهو ما أكد عليه وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني (حينئذ) آنذاك فتحي باشاغا، قائلا إن "الابتزاز السياسي على حساب المواطن الليبي بقفل إمدادات النفط جريمة إضافية تسجل على طغمة فاسدة لا تعرف إلا القمع والاستبداد، ولا تؤمن بالديمقراطية والمدنية والسلام".
ورغم تلك الاعتراضات، لم تتوقف يد الإمارات عن العبث، وسعت بكل قوة للإطاحة بخصمها رئيس المؤسسة السابق مصطفى صنع الله، الذي كان رافضا لدورها وتدخلاتها.
وفي 27 يونيو 2022، نجحت ضغوطاتها في تغيير صنع الله، وتعيين فرحات بن قدارة مكانه، بحسب ما أكدته وكالة الأنباء الفرنسية.
وكشفت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية جزءا من كواليس تعيين "بن قدارة"، قائلة: "جاءت فرصة عزل صنع الله عقب إغلاق قبائل تابعة لحفتر، حقول النفط والموانئ في شرق ليبيا أبريل 2022، وإعلان المؤسسة الرسمية حالة القوة القاهرة".
وقتها طالبت العشائر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، بالتنحي، وذلك بعدما انخفض إنتاج ليبيا من النفط خلال الإغلاق إلى أقل من 600 ألف برميل يوميا.
وذكرت الوكالة الأميركية أن حفتر يدرك أنه لا يمكنه إغلاق النفط لأوقات طويلة، لأن ذلك من شأنه أن يفجر في وجهه غضبا شعبيا، وضغوطا دولية.
ولذلك سارع للاتفاق مع حكومة الدبيبة على فتح المنشآت النفطية، مقابل تعيين أحد الموالين له على رأسها، وبالفعل جاء فرحات بن قدارة.
حرب النفط
ويرى المراقب للصراع الليبي المتجذر والذي أودى بالبلاد إلى معسكرين شرقي وغربي، أن النفط كان اللاعب الأساسي في قلب الأزمة.
وفي 11 مايو/أيار 2022، نشر مركز "أورسام" التركي للدراسات، ورقة بحثية أورد فيها أن "الصراع النفطي" أصبح في قلب الأزمات السياسية والاجتماعية التي شهدتها ليبيا بعد نهاية نظام معمر القذافي وحتى الآن.
وأوضح المركز التركي أن قرابة 80 بالمئة من احتياطيات النفط الليبية تقع في المنطقة الشرقية.
وأورد أن معمر القذافي تعمد خلال سنوات حكمه نقل شركة النفط الوطنية من بنغازي في شرق البلاد إلى العاصمة طرابلس ما قضى على التفوق الإستراتيجي للمناطق الشرقية، لكنه في الوقت ذاته خلق مشكلة مزمنة على أساس النفط.
وتابع “أورسام”: “مع ذلك لعبت بنغازي دورا رائدا في الثورة ضد القذافي عام 2011 مع رياح الربيع العربي، وكانت المقر الرئيس للعديد من شركات النفط ولهذا طالبت بعائداته”.
لذلك لم يمتنع خليفة حفتر، الذي اكتشف هذه النقطة الحساسة، عن استخدام هذا الوضع كورقة سياسية رابحة، وحصل من خلالها على دعم القبائل هناك.
وأضاف المركز التركي أن ليبيا لديها أكبر احتياطيات نفط في إفريقيا وهي أكبر مورد للنفط في أوروبا.
ويرى أن الاحتياطيات الحالية وحجم الرواسب غير المستكشفة تثير شهية البلدان الأجنبية فضلا عن الجهات الفاعلة المحلية، للوجود بقوة في ليبيا من خلال مؤسسة النفط.
وجرى تدشين المؤسسة الوطنية للنفط بموجب القانون رقم 24 لعام 1970 لتحل محل المؤسسة الليبية العامة للبترول.
والتي أنشئت بموجب القانون رقم 13 لسنة 1968، حيث أنيط بها مسؤولية إدارة قطاع النفط في البلاد.
وأعيد تنظيمها فيما بعد بموجب قرار الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام سابقا رقم 10 لسنة 1979 لتعمل على تحقيق أهداف خطة التحول في المجالات النفطية.
وذلك من خلال دعم الاقتصاد القومي عن طريق تنمية وتطوير الاحتياطيات النفطية واستغلالها بشكل أمثل وإدارتها واستثمارها لتحقيق أفضل العوائد.
وبحسب القانون، أعطيت المؤسسة خاصية أنه يجوز لها أن تشترك مع الهيئات والمؤسسات والجهات الأخرى التي تزاول أعمالا شبيهة بأعمالها.
لكن بعد الثورة الليبية عام 2011، أصبحت المؤسسة رسميا تابعة لوزارة النفط والغاز ومقرها الرئيس في طرابلس وفق قرار اتخذته الحكومة الليبية في مايو 2013.