مسرحية هزلية.. قادة مليشيات يسيطرون على برلمان نظام الأسد
الائتلاف المعارض: الانتخابات في جزء من سوريا غير نزيهة وغير شرعية
أنهى النظام السوري "مسرحية" الانتخابات البرلمانية محسومة النتائج مسبقا في مناطق نفوذه، عبر إدخال شخصيات تدين له بالولاء المطلق إلى دورة تشريعية جديدة مدتها أربع سنوات.
وحصد قادة مليشيات وأمراء حرب وأبواق إعلامية مقاعد داخل مجلس الشعب في الانتخابات التي تؤكد المعارضة السورية، ودول الاتحاد الأوروبي أنها غير شرعية وتخالف القرار الدولي 2254" الممهد للحل السياسي في البلاد.
برلمانيون وقتلة
وأجرى النظام في 15 يوليو/تموز 2024 انتخابات "مجلس الشعب" في المناطق الواقعة تحت سيطرته، إذ تنافس 1516 مرشحا على 250 مقعدا في البرلمان.
وفي 18 يوليو، أعلن القاضي جهاد مراد رسميا نتائج الانتخابات بنسبة مشاركة وقفت عند 38.16 بالمئة من أصل 19 مليون سوري يحق لهم التصويت، كما يزعم.
وما يزيد على نصف من يحق لهم التصويت، إما مهجرون قسريا إلى خارج مناطق النظام السوري أو لاجئون في دول العالم.
إذ جرت الانتخابات البرلمانية في مناطق نفوذ نظام الأسد بسوريا فقط، بينما لم تفتح صناديق اقتراع في الخارج.
وفي هذه الانتخابات، عزز "حزب البعث" الحاكم سيطرته على "مجلس الشعب" حيث أعلن أن عدد مقاعده بلغ 178، وفقا لما ورد في القوائم النهائية، مع تخصيص نحو 65 - 66 مقعدا للمستقلين.
وفي الدورتين البرلمانيتين الأخيرتين 2016 - 2020 التي أجراهما نظام الأسد كانت عملية تزكية أسماء الأعضاء واضحة نظرا لاختيار شخصيات لم تمارس العمل السياسي.
لكن، في الدورة البرلمانية الحالية 2024 جيء بـ "أسماء مخابراتية صرفة"، وبدا واضحا أن كثيرا منهم محسوب على ما بات يعرف في سوريا بـ "الموالين لإيران".
فقد ضمت الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس نظام بشار الأسد، قادة مليشيات متورطين بجرائم حرب ضد السوريين ولهم تشكيلات عسكرية على الأرض.
فضلا عن أمراء الحرب وشخصيات إعلامية تروج ليل نهار لرواية النظام في “سحق المعارضين واتهامهم بالخيانة”.
إضافة إلى شخصيات عشائرية لا تمتلك أي ثقل عشائري على الأرض بل تدين فقط بالولاء لرأس النظام بشار الأسد وتعمل على تجنيد بعض شباب العشائر في صفوف المليشيات.
وقد كان لافتا دخول قائد مليشيا "الدفاع الوطني" فراس ذياب الجهام الملقب بـ"فراس العراقية" قبة البرلمان.
ومليشيا الدفاع الوطني هي قوات رديفة لقوات النظام السوري، شكلت من عناصر مدنيين وعسكرين غير منضبطين لمساندة الأخير خلال عملياته العسكرية.
وتتهم مواقع سورية معارضة "الجهام" بارتكاب جرائم حرب في دير الزور، كما تحمله شبكات محلية المسؤولية بدعم من المخابرات عن قتل عشرات المعارضين الذين انخرطوا مبكرا في العمل الثوري في المدينة.
ويشرف الجهام على تنفيذ عمليات جباية الإتاوات من أصحاب المحال التجارية بمحافظة دير الزور وجلب المطلوبين وإجراء جولات أمنية داخل الأحياء.
كما جرى منح مقعد في البرلمان لرئيس نادي الفتوة الجديدة منذ منتصف عام 2021 "مدلول العزيز"، وهو أحد الموالين لإيران ويعد عراب تهريب النفط بين مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ومناطق نظام الأسد في دير الزور.
ويشرف مدلول على معبر مائي على ضفة نهر الفرات في المحافظة يصل بين بلدة بقرص (خاضعة لقوات الأسد) - ببلدة الشحيل (خاضعة لقسد)، حيث يتم جباية الأموال من الأهالي للتنقل بين الضفتين فضلا عن فرض إتاوات مالية على التجار لنقل البضائع.
ويحظى مدلول بدعم من كتائب الحسين الشيعية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني التي تتخذ من بلدة محكان بريف دير الزور الشرقي مقرا لها.
أما خليفة محمد حمد الفائز بمقعد لأول مرة، فهو أحد أبرز الموالين لإيران في دير الزور ويشرف على تهريب المخدرات والآثار، ويعد هو وشقيقه فرحان، من رجال طهران شرق سوريا.
وأكد ناشطون من دير الزور، أن إيران هي من أدخلت خليفة إلى البرلمان كونه يخدم مصالحها ويقدم لها خدمات كبيرة في ريف البوكمال عند الحدود السورية العراقية.
كما حصل "جهاد بركات" قائد مليشيا "مغاوير البعث" في اللاذقية منذ عام 2015 على مقعد في البرلمان.
وسبق أن دعا "جهاد بركات" في أبريل/نيسان 2020 في منشور له على فيسبوك إلى إبادة أهالي المعارضين في محافظة درعا، وذلك مقابل كل قتيل من قوات النظام يسقط على يد فصائل المعارضة.
ومن أبرز الأسماء التي جرى التجديد لها "عمار بديع الأسد"، الذي حصل على المركز الأول في محافظة اللاذقية ويشغل منصب رئيس فرع اللاذقية لنقابة المهندسين.
كما شغل رئيس "لجنة الشؤون العربية والخارجية" في برلمان الأسد منذ الدور التشريعي الأول عام 2012 وحتى الدور الثالث.
اللافت أن صفحات وحسابات موالية للنظام بدأت نشر تبريكات وتهنئة لبركات وعمار الأسد، قبل إعلان النتائج رسميا.
كما فاز مجاهد فؤاد إسماعيل وهو قائد مركز ريف دمشق لمليشيا "كتائب البعث" بمقعد في البرلمان.
وتشكلت "كتائب البعث" عام 2012 من مدنيين وعسكريين سابقين وهي عبارة قوة عسكرية محلية رديفة لقوات الأسد شاركت في قمع الثورة وفي عمليات قتل السوريين وتهجيرهم من مدنهم.
ونجح أيضا "غزوان السلموني" من مواليد مدينة سلمية بريف حماة، والذي تولى مهمة قائد مركز مليشيا الدفاع الوطني بمنطقة الصبورة بريف دمشق.
كما منح "عصام سباهي" مقعدا في البرلمان وهو قائد مركز مليشيا كتائب البعث في حماة ونائب قائد لواء البعث في سوريا.
أذرع وأبواق
وأيضا منح نظام الأسد "حسن شعبان بري"، وهو شيخ عشيرة الجيس، مقعدا في تأكيد على مواصلة آل بري في محافظة حلب بدعم مليشيات الأسد بالعناصر حيث تتهم هذه العائلة بقمع الثورة في حلب.
كما نال محمد صابر حمشو مقعدا في البرلمان، وهو رجل أعمال دمشقي ويعد ذراع ماهر الأسد (شقيق بشار) الاقتصادية.
ومحمد حمشو يخضع للعقوبات الأميركية والأوروبية، نتيجة تورطه في أعمال تجارية لصالح نظام الأسد وتبييض الأموال.
ومنح خالد زبيدي الذراع الاقتصادية القريب من بشار الأسد مقعدا في البرلمان للمرة الأولى، وهو مدرج على قائمة العقوبات الأميركية، منذ 17 يونيو/حزيران 2020، بموجب قانون “قيصر”.
وكان اسم زبيدي ضمن الحزمة الأولى من عقوبات القانون الأميركي المذكور، والذي خصصته واشنطن لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع نظام الأسد.
وكان لافتا في هذا الانتخابات البرلمانية، إقدام النظام على توزيع المرشحين الموالين له على محافظات غير تلك التي ينحدرون منها لضمان فوزهم.
فقد وردت أسماء في قائمة الفائزين كأعضاء في البرلمان ممثلين لمحافظة دمشق وهم من محافظات حمص واللاذقية وطرطوس وغيرها.
مثل منح الإعلامية رائدة وقاف مقعدا في محافظة دمشق وهي من حمص.
وتولت وقاف منصب إدارة قناة سوريا دراما بين عامي 2015 و 2018، واتهمت خلال تلك الفترة بتورطها بالكثير من قضايا الفساد لاسيما تلقيها الرشا من أصحاب الإعلانات على شاشة التلفزيون من أجل زيادة نشر إعلاناتهم.
كما سبق أن وضع النظام السوري اسم وقاف ضمن قائمة وفدها إلى اللجنة الدستورية السورية المكلفة من الأمم المتحدة بصياغة دستور جديد للبلاد بالتشارك مع المعارضة والمجتمع المدني.
و للمفارقة فإن العملية الانتخابية شهدت العديد من الانتهاكات والتجاوزات، مثل السماح للأشخاص بالتصويت عدة مرات، وشراء أصوات الناخبين من قبل المرشحين، عبر دفع الأموال على مقربة من أبواب مراكز الاقتراع.
وهذه رابع انتخابات تجرى في سوريا بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، التي خلفت أكثر من نصف مليون قتيل على يد نظام الأسد ومليشياته.
وفي وقت ما يزال فيه أكثر من نصف الشعب السوري البالغ عدده 23 مليون نسمة، مهجرين داخليا ولاجئين في الخارج.
وكذلك في ظل غياب أي معارضة فعلية في مناطق نفوذ الأسد ما يجعل هذه الانتخابات "غير شرعية" في غياب أي تسوية سياسية ورفض النظام الانخراط في الحل السياسي.
كما تعاني مناطق سيطرة النظام السوري من أزمة معيشية خانقة في ظل غلاء مستمر بالأسعار وبطالة وتراجع القدرة الشرائية لأدنى مستوياتها مع انهيار الليرة أمام الدولار والعملات الأجنبية، وفشل حكومات الأسد في تحسين أوضاع الناس.
وتأتي هذه الانتخابات في ظل استمرار تغول الأجهزة الأمنية والجيش مع تفشي الفساد وسيطرة المحسوبيات، ورفض نظام الأسد تمرير الحل السياسي.
"غير شرعية"
وضمن هذا السياق، وصف رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة بدر جاموس في 16 يوليو 2024 مجلس الشعب بأنه "مسلوب الإرادة".
وجاء ذلك بعد أيام من تأكيد هادي البحرة رئيس الائتلاف الوطني المعارض، أبرز مكونات المعارضة في المنفى، أن أي انتخابات "تجري في جزء محدود من جغرافية سوريا، ولا تشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، هي غير حرة وغير نزيهة وغير شرعية".
من جانبها أكدت مسؤولة الشؤون السياسية في بعثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، لاورا ديكس، رفض بلادها لانتخابات "مجلس الشعب" بسوريا، وشددت على أنها "تخالف أبسط المعايير الدولية، والقرار 2254".
وفي تغريدة نشرها حساب المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، قال: "في حين تشكل الانتخابات الحرة والنزيهة جزءا لا يتجزأ من حل النزاع وإحلال السلام في سوريا، إلا أن الظروف ليست مهيأة بعد".
وأضاف شنيك أن ألمانيا “تدعم التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو إلى إجراء انتخابات بعد اعتماد دستور جديد”.
وشدد على أن “إجراء الانتخابات في أجزاء من الأراضي السورية في هذا الوقت لن يؤدي إلى دفع العملية السياسية إلى الأمام، بل إلى ترسيخ الوضع الراهن المتمثل في الصراع والانقسام الذي طال أمده”.
ودعا جميع الأطراف إلى "الامتناع عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تهدد احتمالات التوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا والانتقال إلى السلطة كما يدعو إليه القرار 2254".
والقرار رقم 2254 صادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015 و"ينص على تطبيق الحل السياسي بسوريا عبر أربع سلال: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
إلا أن نظام الأسد يرفض إلى هذا اليوم تطبيق الحل السياسي، ويعمل على القفز عليه عبر عمليات التطبيع مع الدول العربية ودول إقليمية.
المصادر
- مقاطعة شعبية وتسعيرة الصوت بـ100 ألف ليرة.. انتخابات برلمانية تعكس واقع سوريا
- "عمار الأسد وجهاد بركات".. موالون يستبقون إعلان النتائج بالتبريكات والتهنئة
- ضابط بـ"النظام" يدعو لـ إبادة أهالي درعا كباراً وصغاراً
- من هي “رائدة الوقاف” أميرة الحرب والفساد التي عينت نائبة في الاتحاد الدولي للصحفيين؟
- قائد ميليشيا الدفاع “فراس العراقية” يقتحم مركزاً امتحانياً في دير الزور