انتخابات مجلس الشؤون الإسلامية الإثيوبي.. هل تُعيد نفوذ المسلمين بقوة للحبشة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في مشهد غير مسبوق أظهر قوة نفوذ المسلمين في إثيوبيا، أجرى “المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية” أول انتخابات ديمقراطية من نوعها في تاريخ البلاد، خلال أغسطس/آب 2025، شارك فيها 13 مليون مسلم أدلوا بأصواتهم في أكثر من 49 ألف مسجد.

الانتخابات التي وُصفت بـ"الشفافة والتاريخية" شهدت حضورا لافتا من العلماء والشباب والنساء، وأعيد فيها انتخاب الشيخ الحاج إبراهيم طوفا رئيسا للمجلس لولاية جديدة مدتها خمس سنوات، وجرى تنصيبه في 8 سبتمبر/ أيلول 2025.

وتضم تشكيلة المجلس الأعلى الجديد 195 عضوا، إلى جانب 15 عضوا تنفيذيا يمثلون مختلف مناطق إثيوبيا، ويضطلع بمسؤولية قيادة الشؤون الدينية الإسلامية في إثيوبيا خلال السنوات الخمس المقبلة.

انتخابات ديمقراطية 

وعلى مدار ثلاثة أيام وخلال الفترة من 15 إلى 17 أغسطس 2025، وتحت شعار "قضايانا شورى بيننا.. وانتخاباتنا في مساجدنا"، شهدت إثيوبيا انعقاد أول انتخابات ديمقراطية علنية شارك فيها المسلمين كافة، لانتخاب قادة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

وشكلت الانتخابات علامة فارقة في تاريخ البلاد ومسلميها؛ إذ شملت جميع أقاليم إثيوبيا، وأسفرت عن اختيار 19 من كبار العلماء والقادة، إضافة إلى 120 عضوا يمثلون مختلف المناطق لقيادة المجلس.

وبحسب لجنة الانتخابات، بلغت نسبة مشاركة العلماء والقيادات الإسلامية نحو 65 بالمئة، بينما خُصصت 35 بالمئة من المقاعد للشباب والنساء، في خطوة تعكس التعددية داخل المجتمع المسلم.

وجاءت الانتخابات بعد اعتراف الحكومة الإثيوبية بالمجلس الأعلى كهيئة مستقلة، منذ عام 2020، ضمن إصلاحات أطلقها رئيس الوزراء آبي أحمد منذ 2018، شملت السماح بافتتاح بنوك إسلامية، والمشاركة في مؤسسات الدولة.

إضافة إلى تأسيس جامعة إسلامية في إقليم الصومال الإثيوبي تستقبل طلابا من الداخل والخارج.

وحينها وصف رئيس المجلس الشيخ إبراهيم طوفا "حكومة الإصلاح"، في إشارة إلى حكومة "آبي أحمد" بأنها "قد اتخذت خطوات جريئة لمعالجة المطالب الحقيقية للمجتمع المسلم، بما في ذلك الاعتراف بالمجلس الأعلى ككيان قانوني".

وكانت آخر انتخابات جرت في 18 يوليو/ تموز 2022، انتُخب فيها الشيخ إبراهيم طوفا رئيسا للمجلس “EIASC”، والشيوخ عبد الكريم الشيخ بدر الدين، وعبد العزيز عبد الولي، وحامد موسى نوابا لرئيس المجلس، وأمينا عاما له على التوالي.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وقعت احتجاجات من مسلمين على نتائج انتخابات صورية أجرتها الحكومة للمجلس الإسلامي الأعلى، واعتدت عليهم الشرطة واعتقلت أكثر من 100 متظاهر، بينهم تسعة قادة مسلمين بارزين. بحسب موقع "صوت أميركا".

وتظاهر العديد من المسلمين الإثيوبيين ضد عملية انتخاب المجلس الإسلامي، والتي ضمت 11 عضوا تنفيذيا آنذاك، وتم اختار الأعضاء الشيخ كيار محمد أمان رئيسا لهم.

وقال المشاركون في الاحتجاجات: إن الحكومة تحاول التلاعب بنتائج انتخابات المجلس والدعوة إلى فكر إسلامي أكثر ليبرالية، يُعرف باسم "الأباش".

تهميش واضح

ويشكو المسلمون من تهميشهم، وفي 26 مايو/أيار 2023 خرجوا بمظاهرات احتجاجا على هدم الحكومة 22 مسجدا في إثيوبيا بحجة التوسع العمراني، الذي وصفته مجلة "بوليكتس تواي" في 21 يونيو/ حزيران 2023، بأنه "إسلاموفوبيا".

وزعمت الحكومة الإثيوبية أنها لا تستهدف المساجد، إلا أن العدد غير المتناسب الواضح للمساجد المهدمة، والذي وصل إلى 22، أثار غضب المجتمع المسلم، خاصة أن خطط الهدم تضمنت 300 مسجد بحجة أنها "غير قانونية".

وأشار تقرير سابق لـ"الاستقلال" إلى أن تظاهر المسلمين لم يكن سوى مجرد جرس إنذار لتنبيه السلطات وتحذيرها من ثورة غضبهم؛ حيث يشكلون 33 بالمئة من إجمالي سكان البلاد بمعدل 36 مليونا من 113، وفق الإحصاءات الرسمية، ونصف السكان وفق إحصاءات أخرى.

وقد أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أديس أبابا بيانا من 11 نقطة يدين عمليات هدم المساجد ومقتل مسلمين خلال دفاعهم عنها في 27 مايو 2023.

وطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من الحكومة ومجلس الشؤون الإسلامية للتحقيق في الهجوم على مسجدين في أديس أبابا.

كما طالب المجلس أن تتوقف حكومة إقليم أوروميا عن هدم المساجد في مدينة "شغر" وتبني بدلا مما هدمته، ووصفها بأنها "لا تحترم الإسلام والمسلمين".

ويصل الأمر في بعض المدن الإثيوبية، مثل "أكسوم" القديمة، لمنع المسيحيين الأرثوذوكس من بناء مساجد بها، بزعم أنها "مدينة مقدسة". وفق شبكة "بي بي سي" في 25 يونيو 2019.

سبب منع بناء المساجد بالنسبة للمسيحيين الأرثوذوكس الإثيوبيين، هو زعمهم أن مدينة "أكسوم" هي مدينة ملكة سبأ، و"تابوت العهد" الذي يحوي الوصايا العشر التي أرسلها الله للنبي موسى.

ورغم أن مملكة "أكسوم" عرفت بتسامحها الديني، ووصلها المسلمون للمرة الأولى في فجر الإسلام، حوالي عام 600 الميلادي هربا من الاضطهاد الديني لقبيلة قريش، ورحب الملك المسيحي بهم وسهل أول وجود إسلامي هناك.

وقد حاول المسلمون الذين يشكلون 10 بالمئة من سكان أكسوم ويبلغ عددهم 73 ألف نسمة، مقابل 85 بالمئة من المسيحيين الأرثوذوكس، القيام بحملات من أجل بناء مسجد في المدينة، وهو ما رفضه الزعماء المسيحيون بشدة.

الأهمية والدلالة

تهدف الانتخابات إلى تجديد شرعية المجلس وتعزيز مشاركة المسلمين في صنع القرار الديني والمؤسسي، لذا لم تكن مجرد ممارسة ديمقراطية، بل حملت دلالات عميقة لترسيخ قيم الشورى والمشاركة وإبراز قوة ونفوذ مسلمي إثيوبيا.

وعكس اختيار المساجد كمراكز اقتراع، رمزية كبيرة عميقة، تربط بين دور المسجد التاريخي في بناء المجتمعات الإسلامية وبين دوره اليوم في تعزيز الديمقراطية، كما قال رئيس المجلس المنتخب، إبراهيم طوفا.

وقال طوفا: إن الانتخابات في المساجد مثلت نقلة نوعية في ترسيخ قيم الشورى والمشاركة، وأعادت إلى الأذهان دور المسجد في بناء الدولة الإسلامية، كمركز للعلم والإرشاد والعدالة.

وأشار إلى أن "المسلمين تمكنوا لأول مرة من اختيار ممثليهم بحرية وديمقراطية، بعد سنوات من التهميش".

فلطالما عانى المسلمون في إثيوبيا من التهميش السياسي والديني، رغم أن أول هجرة في الإسلام كانت إلى أرض الحبشة، وظل الوجود الإسلامي محصورا في مجتمعات صغيرة، دون دعم رسمي، في ظل هيمنة الكنيسة على المشهد العام منذ القرن الرابع الميلادي.

لكن المشهد تغير اليوم، حيث يرتفع صوت الآذان في المدن، وتُقام ساحات للأعياد والإفطارات الرمضانية، في تحول يعكس انبعاثا جديدا للمجتمع المسلم في البلاد، بحسب تقارير مؤسسات إسلامية إثيوبية.

لهذا ترجع أهمية نجاح هذه التجربة الانتخابية، في أنها ستنقل المسلمين في إثيوبيا نحو مرحلة جديدة من التمثيل الفاعل والمشاركة السياسية، في بلد يتجاوز عدد سكانه 120 مليون نسمة، يشكل المسلمون أكثر من نصفهم.

وأهمية هذه الانتخابات أيضا أنها "منحت المجلس شرعية شعبية، تجعله يتجاوز حدود كونه مجرد هيئة تمثيلية، ليغدو شريكا فاعلا أمام الدولة في القضايا التي تهم المجتمع المسلم".

"فالفرق جوهري بين مجلس يُفرض من فوق، ومجلس يُنتخب بإرادة الناس"، وفق الباحث والكاتب الإثيوبي علي عمر، لمجلة "المجتمع" الكويتية في 26 أغسطس 2025.

وأضاف عمر أن "ما يميز هذه التجربة أن المقاعد قُسمت بين 5 فئات، وهم العلماء والمثقفون والنساء والشباب وعموم الشعب، ما يعكس توسعا في القاعدة الانتخابية، وتحولا نوعيا في بنية المجلس".

وهو ما يعني أن القيادة لم تعد حكرا على المشايخ وحدهم، بل أصبحت تعددية تمثل فئات المجتمع المسلم. وفق الكاتب الإثيوبي.

أهمية هذه الانتخابات التاريخية أيضا أنها ستعطي المجلس الإسلامي قوة مؤسسية دينية لريادة منظمات المجتمع المدني التي تعدّ من أهم محاضن التربية الديمقراطية وتداول السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية في المجتمع الإثيوبي"، وفق رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، ياسين أحمد، في حديثه لمجلة "المجتمع".

وترجع أهمية الانتخابات أيضا أنها وحدت المسلمين بعدما أثيرت خلافات مذهبية بين بعضهم ونفخت فيها السلطات الإثيوبية.

فقد ذكر موقع “الراصد” الإثيوبي في 28 مايو/أيار 2025، أن هذا الحراك الانتخابي يأتي في ظل سياق ديني وسياسي معقد، على خلفية ما يُعرف بـ"اجتماع فندق الشيراتون"، الذي فجر جدلا واسعا.

وبعد تصريحات مفتي ديار الحبشة السابق، الشيخ عمر إدريس، والذي اتهم جهات بمحاولة فرض تكتلات مذهبية، خاصة بين التيار السلفي (المعروف محليا بالطريقة الوهابية)، والتيار الصوفي (الفرقة الأشعرية)، وهو التيار السائد بين مسلمي إثيوبيا.

ويرى أنصار المفتي عمر، الذي لعب دورا بارزا في الحصول على الاعتراف الرسمي بالمجلس الأعلى والمؤسسات الإسلامية كالبنوك والجامعات، أن ما يشهده المشهد اليوم هو تراجع عن مسار التوحيد والتوافق، وفق "الراصد".

لكن الموقع الإثيوبي وصف الانتخابات بأنها "حدث غير مسبوق في تاريخ المسلمين الإثيوبيين، إذ تُجرى للمرة الأولى عبر صناديق الاقتراع، ويشارك فيها المسلمون من مختلف الأقاليم لاختيار ممثليهم بأنفسهم، في مشهد غير مألوف يُنبئ بتحول عميق في علاقة الدولة بالمجتمع المسلم".

المجلس الأعلى

وتأسس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (EIASC) عام 1976 بقرار رسمي من الحكومة الإثيوبية، ليكون الممثل الشرعي الوحيد للمسلمين في إثيوبيا.

وهو إحدى المؤسسات الدينية السبع الأعضاء في المجلس المشترك بين الأديان في إثيوبيا (IRCE).

وجاء تأسيسه بعد سنوات طويلة من غياب كيان موحد يعبر عن المسلمين؛ حيث كانت الأنشطة الإسلامية تُدار بشكل متفرق من خلال الجمعيات المحلية والمساجد، وعُرف محليا باسم "المجلس الإسلامي الأعلى" (Majlis)

ويُعد المجلس أعلى هيئة تمثل المسلمين في البلاد، ونال منتصف عام 2020 اعترافا رسميا من الحكومة الإثيوبية، ليشرف على تنظيم شؤون المسلمين في كل أقاليمها التي تتكون من 12 إقليما ومدينتين إداريتين، هما العاصمة أديس أبابا، ومدينة دري داوا.

ووافق مجلس النواب الإثيوبي، في 11 يونيو 2020، على مشروع قانون لإنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية (EIASC، المعروف أيضا باسم المجلس)، وهي خطوة ذات آثار إيجابية شاملة على المجتمع الإسلامي الإثيوبي.

ويقوم هذا المجلس بعدة أدوار رئيسة، منها، التمثيل الديني والسياسي؛ حيث يمثل المسلمين أمام الدولة، في القضايا الدينية والتعليمية والاجتماعية.

كما يدير شؤون المساجد والتعليم ويشرف على المساجد والمدارس الدينية (الكتاتيب والمعاهد الإسلامية) ويضع المناهج الإسلامية بالتنسيق مع وزارة التعليم.

وللمجلس أدوار أخرى، منها نشر الثقافة الإسلامية، وإقامة المناسبات الدينية (رمضان، المولد النبوي، الأعياد), وتعزيز السلم الأهلي ومحاربة التطرف, وتنظيم شؤون الحج والعمرة للمسلمين الإثيوبيين، وإدارة الأوقاف الإسلامية والمساعدات الخيرية.

ويعدّ المجلس حلقة الوصل الرسمية بين الحكومة الإثيوبية والجاليات والمنظمات الإسلامية في الداخل والخارج.

فقد أنشئ في الأصل كمؤسسة شبه حكومية، ويخضع لإشراف الدولة بشكل مباشر، لذا اتُهم المجلس أحيانا بأنه أداة في يد الحكومة لضبط والتحكم في المسلمين، خاصة في فترة الأنظمة السابقة.