انصياعا لبرنامج صندوق النقد.. هل يسمح عسكر باكستان بانحسار نفوذهم؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع سعي الحكومة الباكستانية لمزيد من التمويل من صندوق النقد الدولي، وسط احتجاجات شعبية، في الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، تتوجه الأنظار إلى جنرالات الجيش الذين يتمتعون بملكيات واسعة يُطالبون حاليا بخصخصتها.

ومنذ 10 مايو/أيار 2024، تستمر الاحتجاجات في الإقليم على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وفواتير الخدمات العامة.

وخلال 3 أيام فقط من انطلاقها، أسفرت الاحتجاجات عن مقتل ما لا يقل عن شخصين، من بينهم ضابط شرطة، وإصابة 100 آخرين.

استقرار هش

في هذا السياق، استعرضت مجلة “فورين بوليسي” جهود الحكومة الباكستانية لحل الأزمة الاقتصادية عبر السعي للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي، وموقف الجيش من هذه الجهود.

وقالت المجلة الأميركية: "لقد حققت باكستان قدرا من الاستقرار الاقتصادي، لكنها تحتاج إلى إصلاحات هيكلية، وليس مجرد خطة إنقاذ".

وأوضحت أن "الضغوط الاقتصادية هي التي تسببت في الاحتجاجات العنيفة في كشمير"، مشيرة إلى أن الاحتجاجات لم تكن لتأتي في وقت أسوأ من هذا بالنسبة للحكومة الباكستانية.

ففي 13 مايو/أيار 2024، وصل وفد رفيع المستوى من صندوق النقد الدولي إلى "إسلام أباد" لمناقشة إمكانية تقديم حزمة مساعدات جديدة تشتد حاجة باكستان إليها.

وأتت زيارة صندوق النقد الدولي بعد أيام من إصدار الصندوق تقريرا يشير إلى مخاوف بشأن قدرة باكستان على تنفيذ سياسات التقشف والإصلاحات الاقتصادية.

وأشارت المجلة إلى أن "بعض هذه السياسات -بما في ذلك رفع أسعار الكهرباء وسحب الدعم- هي بالضبط ما كان المتظاهرون في كشمير يحتشدون ضده".

وحققت باكستان، التي كادت أن تعجز عن سداد ديونها العام الماضي 2023، قدرا من الاستقرار الاقتصادي في الأشهر الأخيرة، حيث جلبت حزمة صندوق النقد الدولي في العام الماضي 2024 تمويلا كانت في أمسّ الحاجة إليه.

وانخفض معدل التضخم إلى النصف، من 38 بالمئة في مايو/أيار 2023 إلى ما يزيد قليلا على 17 بالمئة في شهر أبريل/نيسان 2024.

وقد أدت تدابير مراقبة الواردات إلى تخفيف عجز الحساب الخارجي، وزيادة اهتمام المستثمرين الأجانب، بحسب التقرير.

واستدرك التقرير: "ومع ذلك، لا يزال الاقتصاد يعاني من أزمة، كما أنه مثقل بديون ضخمة، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 2 بالمئة فقط خلال السنة المالية الحالية، التي تنتهي في 30 يونيو/حزيران 2024".

أزمة قاسية

وذكرت "فورين بوليسي" أن الأزمة الاقتصادية تضرب عامة الناس بشدة، ولا يظهر هذا في احتجاجات كشمير فحسب، بل أيضا في تظاهر المزارعين ضد "قرار غريب" اتخذته الحكومة الباكستانية أخيرا.

فقد قررت الحكومة أن تستورد القمح على الرغم من الحصاد الوفير، الأمر الذي أغضب المزارعين بتقدير أنه سيزيد القمح في الأسواق وبالتالي سينخفض سعره.

"وفوق كل هذا، تلوح في الأفق مسألة الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، ولكنها بعيدة المنال"، وفق المجلة.

وأوضحت أن "الاقتصاد الباكستاني يعاني منذ عقود من قيود بنيوية خطيرة".

"فهناك قطاع زراعي كبير ولكنه غير فعّال، وهناك اعتماد مفرط على مادة واحدة للتصدير، وهي المنسوجات التي تكافح من أجل المنافسة عالميا".

"كما تعتمد باكستان على الواردات الهيدروكربونية باهظة الثمن، وتعاني من عدم كفاية الإيرادات الضريبية، هذا فضلا عن أن مؤسساتها العامة مثقلة بالديون".

وهذا يعني -بحسب فورين بوليسي- أن الاقتصاد الباكستاني ضعيف حتى في أفضل أوقاته.

علاوة على ذلك، فإنه يتلقى ضربات مدمرة من الصدمات الخارجية، كما كان الحال على مدى السنوات القليلة الماضية، بعد اختناق سلاسل التوريد جراء جائحة كورونا، وحرب روسيا في أوكرانيا.

وأضافت المجلة أنه "في غياب الإصلاحات اللازمة لمعالجة نقاط الضعف البنيوية، فإن التكتيكات المعتادة التي تتبعها باكستان أثناء الأزمات الاقتصادية -خاصة السعي إلى عمليات الإنقاذ وغيرها من المساعدات- لن تجلب سوى راحة مؤقتة قبل وقوع الكارثة التالية".

واليوم، تتضمن إستراتيجية الحكومة الباكستانية آلية استثمار جديدة تهدف إلى جذب رؤوس الأموال من دول الخليج العربي وخارجها، وذلك بتأثير كبير من قائد الجيش الباكستاني القوي.

ومع ذلك، تصر إسلام أباد على أنها ملتزمة بالإصلاح الاقتصادي.

موقف الجيش

وبحسب فورين بوليسي، فإن الجيش يدعم الحكومة الحالية بشكل كامل، ومن المرجح أن يكون له دور كبير في بدء عملية خصخصة شركة الطيران الوطنية الباكستانية التي عانت من ضائقة مالية في وقت سابق من هذا العام، وهي نقطة رئيسة في أجندة الإصلاح.

وتعد الخصخصة أحد المطالب الرئيسة لصندوق النقد الدولي كي يمنح باكستان حزمة إنقاذ أخرى، حيث تسعى الحكومة للحصول على حزمة إنقاذ جديدة تبلغ من 6-8 مليارات دولار.

والجدير بالذكر أن الحكومات الباكستانية السابقة تراجعت عن خططها الإصلاحية لأسباب سياسية؛ نظرا لجماعات المصالح القوية التي تقاومها، بدءا من جماعات الضغط الزراعية إلى البيروقراطيات الراسخة.

وفي المقابل، ترى المجلة الأميركية أن وزير المالية الباكستاني، محمد أورنجزيب، يقدّم بعض الأمل.

وتشير في ذلك إلى أنه مصرفي وليس سياسيا، مما يشير إلى أنه لن يكون عرضة لهذه الضغوط السياسية.

واستدركت المجلة: "لكن يبدو أن الحكومة تعمل بالفعل على تقويض أورنجزيب، إذ تحرمه من سلطات رئيسة، بينما تمنح المزيد من السلطة لوزير المالية السابق ووزير الخارجية الحالي، إسحاق دار".

وتابعت أنه "في مواجهة الغضب الشعبي فضلا عن رفض الباكستانيين الذين يقولون إن الانتخابات التي جرت، في فبراير/شباط 2024، كانت مزورة، فقد تخلُص الحكومة إلى أنها تفتقر إلى رأس المال السياسي اللازم لمتابعة الإصلاحات".

"علاوة على ذلك، فقد يغير الجيش -الذي يحتفظ بملكيات واسعة في العديد من القطاعات- مساره في نهاية المطاف، إذا خشي أن تؤدي التغييرات إلى تعريض مصالحه الاقتصادية للخطر"، وفق فورين بوليسي.

لكن يؤكد التقرير أن "إسلام أباد إذا فشلت مرة أخرى في إجراء الإصلاحات، فلن يكون ذلك مجرد فرصة أخرى ضائعة فحسب".

وأوضح أن "هذه المرة بشكل خاص مخاطرها مرتفعة، حيث تشهد باكستان مشكلة متفاقمة تتمثل في هجرة الأدمغة، هذا مع تزايد أعداد الأشخاص الذين يغادرون للعمل في الخارج".

وهذا بدوره يقوض أحد الأصول الرئيسة للاقتصاد، وهو عدد السكان الكبير، بحسب المجلة.

أضف إلى ذلك أن "باكستان تواجه تهديدا إرهابيا متزايدا يستهدف بشكل دوري الاستثمارات الأجنبية في البلاد".

"وفي المستقبل، يمكن أن يؤدي تفاقم آثار تغير المناخ إلى إحداث دمار في الاقتصاد الباكستاني، بما في ذلك قطاع الزراعة الضعيف"، وفق المجلة الأميركية.

وختمت بالتحذير من أن "باكستان قد تصل إلى مرحلة تصبح فيها تكلفة تغليب المكاسب السياسية المؤقتة على السياسات الاقتصادية الرشيدة باهظة جدا، على الاقتصاد، وعلى البلاد بشكل عام".