فوضى وانقلابات واقتصادات متعثرة.. هكذا "تستثمر" أميركا بأمن غرب إفريقيا

"الجهود الأميركية وإنفاق أكثر من 3.3 مليارات دولار على مدى عقدين عادت بنتائج عكسية"
خلال السنوات الأخيرة، ركزت الإستراتيجية الأميركية في غرب إفريقيا على “الأمن ومكافحة الإرهاب وتدريب القوات المسلحة للدول”؛ إلا أنها أتت بنتائج عكسية، بحسب صحيفة لافانغوارديا الإسبانية.
وقالت الصحيفة: إن انعدام الأمن استفحل في معظم أنحاء منطقة الساحل في غرب إفريقيا؛ وشهدت المنطقة تدهورا ملحوظا في أوضاعها المعيشية، خاصة بعد التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا سنة 2011.
هشاشة معقدة
وكانت المنطقة تواجه بالفعل هشاشة معقدة بسبب تحديات كثيرة مثل تغير المناخ، والتحولات الديموغرافية، ونواقص الحوكمة التي أعاقت التنمية العادلة والنمو الاقتصادي.
ونتيجة لهذه العوامل تحولت المنطقة إلى المركز العالمي للانقلابات والإرهاب، مع ظهور أو تجدد الصراعات داخل المجتمعات المختلفة في المنطقة، فضلا عن التمردات وتكاثر المليشيات؛ وهي ظروف أدت إلى نزوح نحو سبعة ملايين شخص.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة قد استجابت لهذه التحديات وهي من أبرز المانحين للمساعدات الإنسانية لمنطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد.
على سبيل المثال، في سنة 2024، قدَّمت الولايات المتحدة ما يقرب من 176 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى المناطق المذكورة استجابة لتدهور الأوضاع الأمنية وزيادة الاحتياجات الإنسانية في المجتمعات التي انقطعت عنها المساعدات بسبب الصراع.
ومع ذلك، فإن التزامها الرئيس يتميز في المقام الأول بالمبادرات الرامية إلى تحسين قدرات البلدان على مكافحة الإرهاب.
وتشكل هذه الاستجابة جزءا من سياسة دولية أوسع نطاقا ركزت بشكل أساسي على تدريب الجيوش المحلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن التنفيذ المتوازي لمبادرات أميركية متعددة وغير منسقة في كثير من الأحيان هو جزء من المشكلة التي تغرق فيها المنطقة حاليا.
وقد أدى هذا إلى عواقب غير مرغوب فيها تمثلت في تفاقم المشاكل الأمنية بعد أن تحولت القوات المدربة حديثا إلى جزء من الحكومات المدنية المنتخبة ديمقراطيا ولكنها غير فعالة.

ومع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، فقدت بعض قطاعات السكان كل الثقة في حكوماتها، وارتفع مستوى الدعم الشعبي للمجالس العسكرية التي تولت السلطة من خلال الانقلابات، ووصل إلى مستوى أعظم مما كان المراقبون الغربيون على استعداد للاعتراف به.
وقد انتهى الأمر بهذه المجالس العسكرية إلى التخلي عن شركائها التقليديين مثل الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد فرنسا.
وعلاوة على ذلك، ولتعزيز وصولهم إلى السلطة، عملت المجالس العسكرية بنشاط على بناء علاقات جديدة مع الدول التي وصفتها بأنهم "شركاء مخلصون"، وهي الصين وروسيا وتركيا وإيران.
ونقلت الصحيفة أن روسيا لم تتردد في استغلال هذا الفراغ الأميركي. وفي سبتمبر/ أيلول 2021، توصل المجلس العسكري في مالي إلى اتفاق أمني مع مجموعة فاغنر لنشر ألف جندي في مالي بتكلفة شهرية قدرها 10.8 ملايين دولار.
كما توصلت روسيا إلى اتفاق للأمن ومكافحة التمرد مع بوركينا فاسو في أواخر سنة 2023 واتفاق آخر مع النيجر في أوائل سنة 2024.
وتسعى روسيا إلى إبرام اتفاق آخر في تشاد بمشاركة خليفة فاغنر، فيلق إفريقيا. ووصف ممثل روسيا في مجلس الأمن الانقلابات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو بأنها رد فعل على "محاولات مواصلة فرض النماذج الاستعمارية الجديدة على الدول الإفريقية"، وأكد أن هذه الدول الثلاث "أصبحت في طليعة الدول الراغبة في مكافحة الإرهاب عبر إفريقيا".
مبادرات أميركية متعددة
وأوردت الصحيفة أن هجمات 11 سبتمبر كانت المحفز الأول لواشنطن؛ حيث بدأت منذ هذا التاريخ في زيادة اهتمامها بشأن عمليات "مكافحة الإرهاب".
وفي سنة 2002، أطلق من هنا العديد من المبادرات التي ركزت على تحسين القدرات الأمنية في تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
وفي سنة 2005، استبدلت مبادرة الأمن في القارة بشراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى، والتي كانت تهدف إلى إنشاء مؤسسات عسكرية أكثر فعالية وقادرة على منع الإرهاب والتصدي له.
وتم توسيع هذه المبادرة أيضًا لتشمل الجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وتونس.
وأوضحت الصحيفة أن الجهود الأميركية وإنفاق أكثر من 3.3 مليارات دولار على مدى عقدين من الزمن لم تؤت أكلها، وعادت بنتائج عكسية.
وفي الحقيقة، تشهد منطقة الساحل الآن صراعات مسلحة وأزمات أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.

ومن الصحيح القول: إن المنطقة موطن لقوس من عدم الاستقرار، أو حزام من الانقلابات، يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، مع الصراعات المسلحة والأزمات متعددة الأبعاد.
وعلى رأس هذه البلدان المضطربة، نجد بوركينا فاسو، وتشاد، وغينيا كوناكري، ومالي، والنيجر، والسودان... والتي تعد جزءا من هذا القوس.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، تعرضت المنطقة لصدمة غير متوقعة عندما أعلنت المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر عن نيتها الخروج من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) وإنشاء تحالف منافس لدول الساحل، وسط اتهامات بأن الكتلة الإقليمية كانت تحت تأثير قوى أجنبية وتشكل تهديدا لسيادة الدول الثلاث غير الساحلية.
وقد أثر ذلك على السياسة الأميركية في المنطقة.
وبشكل عام، على الرغم من أن الجهود الأميركية كانت تهدف إلى مكافحة العنف والتطرف في غرب إفريقيا، إلا أن منطقة الساحل تعد الآن “مركز الإرهاب العالمي”، بحسب الصحيفة.
ومنذ سنة 2022، ارتفعت أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعات المسلحة في نطاق 50 كيلومترًا من حدود الدول الساحلية بنسبة 250 بالمئة.
حزام انقلابي
علاوة على ذلك، يمكن الحديث عن حزام انقلابي ساحلي؛ حيث إنه منذ سنة 2020، نجحت الانقلابات في بوركينا فاسو، وتشاد، وغينيا، ومالي (مرتين)، والنيجر، وفشلت في بنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، وغينيا بيساو، والنيجر، وسيراليون، وغيرها.
وقد أدى هذا إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي وزيادة اهتمام الولايات المتحدة بهشاشة النظام الدستوري في غرب إفريقيا.
ولقد كانت هذه الموجة من الانقلابات مدفوعة بعوامل متعددة. في الواقع، كانت الدول الإفريقية تعاني من عواقب جائحة كوفيد-19 والتعافي البطيء بعد الوباء، والصدمات الناجمة عن تغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي المتزايد، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف النمو العالمي، وارتفاع أسعار الفائدة.
وتعرف جميع الدول المتضررة من الانقلابات في غرب إفريقيا أيضا بمؤسساتها الضعيفة، وتصنف ضمن البلدان الأقل نموا.
ورغم هذه القواسم المشتركة، فإن الانقلابات الأخيرة في إفريقيا اتخذت أشكالا متنوعة للغاية.
ويمكن تمييز نمط انقلابي معيّن: القيام بانقلاب، ووعد بالانتقال ولكن إطالة أمده قدر الإمكان، وفي نهاية المطاف إجراء انتخابات مع مخططي الانقلاب أنفسهم كمرشحين، مثلما حدث في تشاد في مايو/ أيار 2024.

ويعد التعدين مهما في غرب إفريقيا، على سبيل المثال، تمتلك غينيا كوناكري أكبر احتياطيات من البوكسيت في العالم.
وفي سنة 2020 ضخت نصف إنتاج خام الألومنيوم المصدر في العالم.
وتعد غينيا كوناكري وموريتانيا أيضا من بين أكبر منتجي خام الحديد في العالم، كما تعد النيجر من منتجي اليورانيوم في العالم.
وقد اكتسب الليثيوم أيضا اهتماما متزايدا، مع وجود منجم عامل في مالي، ومن المقرر إطلاق منجم آخر قريبا في غانا، واستكشافه في ساحل العاج.
في الأثناء، تشعر واشنطن بالقلق بشأن سلاسل التوريد العالمية، خاصة تلك الخاصة بالمعادن الحيوية والإستراتيجية.
وتحديدا، لأنها تخضع لسيطرة الصين وغيرها من الخصوم. لذلك، لن يتوقف الاهتمام الأميركي عن النمو بشأن المنطقة، على الرغم من سياستها غير المجدية بالنفع.