مصرف ليبيا المركزي يمر بمرحلة تقييم مالي.. هل ينجح في الاختبار؟

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

تعمل ليبيا منذ سنوات على إقناع المجتمع الدولي بتحسن الوضع الاقتصادي المتدهور أملا في طمأنة المستثمرين الأجانب والبنوك وجلبهم للعمل في البلد الممزق بالصراعات والانقسامات. 

وتعد المرحلة الحالية حاسمة بالنسبة للاقتصاد الليبي، فخلال خمسة أشهر (حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024)، سيدرس فرع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمجموعة العمل المالي تقرير مصرف ليبيا المركزي حول نظمه والتزاماته المالية. 

ومجموعة العمل المالي منظمة حكومية دولية مقرها في باريس. أما فرع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)، فقد تأسس بالاتفاق بين حكومات 14 دولة عربية تشكل الأعضاء المؤسسين، ويقع مقرها الرئيس في العاصمة البحرينية المنامة. 

وتستخدم المجموعة وفرعها في الرقابة والتأكد من مدى التزام الدول بالمعايير الدولية وتطبيق قواعد الحوكمة، من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والفساد.

أهمية التقييم 

وفي 24 يونيو/ حزيران 2024، نشرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية تقريرا أفاد بأن مصرف ليبيا المركزي يترقب صدور تقرير التزاماته المالية.

إذ يجري الفرع الإقليمي لمجموعة العمل المالي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دراسة للتقرير المقدم من مصرف ليبيا المركزي لتقييم مدى التزامه المالي. 

وقالت المجلة الفرنسية إنه رغم إحراز بعض التقدم في هذا الشأن، إلا أنه لا تزال هناك بعض العقبات.

ففي حالة ليبيا، سيتعين على المجموعة تقييم التقرير الذي أعدته وحدة المعلومات المالية التابعة لمصرف ليبيا المركزي، لتحديد مدى استيفاء الدولة للمعايير الأساسية التي تتطلبها الهيئة الحكومية الدولية. 

وتتعلق المعايير بشكل أساسي بقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة، والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة.

ويعد تقييم مجموعة العمل المالي حاسما بالنسبة للمصرف المركزي برئاسة محافظه الصديق عمر الكبير، الذي يسعى لانضمام بلاده إلى “MENAFATF”، خاصة وأن الوضع الحالي سيئ بالنسبة للبلاد.

فإلى جانب فلسطين وسوريا واليمن والسودان، استبعدت ليبيا خلال السنوات الماضية من تقييم مجموعة (MENAFATF)، نظرا للأوضاع السياسية والأمنية فيها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يسعى المصرف المركزي الليبي إلى تجاوز ذلك التقييم؟ وما الذي سيعود بالفائدة على الدولة المقسمة والتي خاضت حربا أهلية طاحنة منذ عام 2014.

والإجابة تكمن بحسب "أفريكا إنتيليجنس" في أن ليبيا تأمل منذ سبع سنوات في تغيير هذا الوضع وإدراجها في مجموعة التقييم المتبادل، التابعة لـ MENAFATF. 

ففي عام 2017، قدم طلب ليبيا خلال اجتماع عام ولكنه رفض، حيث رأت "مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" أن التقييمات لا تزال صعبة التنفيذ. 

وينطوي هذا الأمر على مخاطر كبيرة بالنسبة لمصرف ليبيا المركزي، حيث تراقب الأسواق المالية آراء مجموعة العمل المالي عن كثب، وتساعد في طمأنة المستثمرين الأجانب والبنوك على حد سواء.

تقدم محدود

ومع ذلك هناك بعض المؤشرات الدالة على نجاح مصرف ليبيا المركزي في تطبيق قواعد الامتثال.

لكن تقرير صندوق النقد الدولي الذي اطلع عليه المستثمرون الدوليون يشير إلى إحراز تقدم محدود في مسار الشفافية وتطبيق قواعد حسن السلوك. 

وفي 10 مايو/ أيار 2024، ناقش صندوق النقد الدولي خلال زيارة فريقه برئاسة "ديمتري غير سينسون" إلى تونس الإجراء الذي اتخذه مصرف ليبيا المركزي.

وأشار تقريرهم إلى أن “هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان الامتثال للقواعد وتعزيز القطاع المصرفي”، خاصة مع المخاوف المستمرة من قضايا الاختلاس.

إذ أشار الخبراء إلى أن مصرف ليبيا المركزي عزز الإطار الإشرافي "لا سيما من خلال إصدار توجيهات تسمح للبنوك بزيادة رؤوس أموالها، وتعزيز وحدة المعلومات المالية والشمول المالي من خلال تحسين المدفوعات الإلكترونية". 

ومع ذلك، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مستوى الفساد في البلاد لا يزال مثيرًا للقلق وأن إدارة السلطات النقدية لا تزال غامضة. وتبدو الجهود المبذولة لمكافحة غسيل الأموال غير مرضية.

ففي ظل انقسام البلاد بين حكومتين متنافستين، أطلق مصرف ليبيا المركزي في أوائل عام 2022 برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (UNSMIL) عملية لدمج المصرفين المركزيين الغربي والشرقي. 

وفي أغسطس/آب 2023، أُعلن عن دمجهما، لكن إدارة المصرف الشرقي لا تزال غامضة.

وهو ما كشفه تحقيق استقصائي أجرته "ذا سنتري" الأميركية، وهي منظمة تحقيقية وسياسية تسعى إلى مكافحة الشبكات الإجرامية متعددة الجنسيات.

عمليات غامضة

إذ أصدرت تحقيقا في 8 نوفمبر 2023، ذكرت فيه أن سلطات شرق ليبيا، بقيادة اللواء الانقلابي خليفة حفتر، تواصل طباعة الأوراق النقدية دون موافقة مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي. 

وخلصت إلى أن إصدار هذه الأوراق النقدية الجديدة يمثل خطرا كبيرا لوقوع قضايا اختلاس، والتي لا يزال من الصعب تحديد مصدرها. 

ووصلت الأوراق النقدية الجديدة بالفعل إلى السوق الليبية بالإضافة إلى تلك التي طلبها المصرف المركزي في الشرق.

ووافق المصرف الأخير على طباعة 18 مليار دينار ليبي (حوالي 3.7 مليار دولار) حتى عام 2020، وفقا لفريق خبراء الأمم المتحدة، الذي اطلعت المنظمة الأميركية على تقريره. 

وعقبت أنه يمكن أن يحدث المزيد من الاختلاس من خلال استخدام طلبات الاعتماد، التي يستخدمها رجال الأعمال الليبيون للحصول على العملات الأجنبية لتمويل وارداتهم. 

وبينت أن تمويل بعض العمليات المالية لا يزال غامضا، إذ تمول بعض طلبات الاعتماد من قبل المصارف في الشرق دون أن يمكن تتبعها.

ويستخدمها مصرف ليبيا المركزي برئاسة الصديق الكبير لتمويل رجال الأعمال في الغرب أو لتشكيل تكتلات جديدة.

وفيما أبطأ مصرف ليبيا المركزي إلى حد كبير في دفع طلبات الاعتماد منذ بداية عام 2024، فقد حصل نادي الأهلي الرياضي لكرة القدم في طرابلس على موافقة المصرف لتحويل العملات الأجنبية إلى الخارج في الربع الأول.

وهو ما مكن النادي من صرف (2,093,485) دينار (431,769 دولارا) للمدفوعات في الخارج. 

ويدير النادي أسامة عبد المجيد اطليش، الرئيس الحالي لهيئة أمن المرافق والمنشآت والمقرب جدًا من رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي التابع لحكومة طرابلس. 

كما بات الككلي شخصية رئيسة في طرابلس، كونه أيضا قائد مليشيا "الأمن المركزي" القوية.

وجاء تمويل طلب اعتماد النادي الأهلي في وقت سعى فيه محافظ المصرف المركزي الصديق عمر الكبير للتقرب من الككلي، الذي يعد دعمه أساسيا لرئيس وزراء حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة. 

نبذة تاريخية 

وبإلقاء نبذة عن تاريخ مصرف ليبيا المركزي، فقد تأسس عام 1955 تحت اسم المصرف الوطني الليبي بموجب القانون رقم 30 لسنة 1955.

وبدأ مصرف ليبيا المركزي نشاطه الفعلي في 1 أبريل/ نيسان 1956، وحل بذلك محل لجنة النقد الليبية التي أنشئت في عام 1951.

ثم تغير اسمه إلى مصرف ليبيا بموجب قانون البنوك لسنة 1963. وتكمن مهامه ووظائفه الأساسية في إصدار العملة الوطنية (الورقية والمعدنية). 

وكذلك الإشراف على الجهاز المصرفي وضمان استقراره، وتمثيل ليبيا في المؤسسات المالية الدولية، وإدارة احتياطيات النقد الأجنبي، إضافة إلى مكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

يوجد للمصرف حاليا فرع رئيس في العاصمة طرابلس وآخر في بنغازي، بالإضافة إلى عدد من المكاتب في مختلف أنحاء ليبيا.

أما فيما يخص هيكلته فيتكون من مجلس إدارة ومحافظ وعدد من الإدارات العامة.

ومن اختصاصاته الرئيسة أنه يصدر تقارير دورية عن النشاط الاقتصادي والمالي في ليبيا للجهات الدولية. 

يقود المصرف حاليا، الصديق عمر الكبير، الذي يشغل منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي منذ 20 أغسطس 2023.

ويُشار إلى أنه جرى توحيد المصرف المركزي الليبي بعد انقسام دام قرابة 9 أعوام، وذلك في نفس يوم تعيين المحافظ الحالي.

ويعد الصديق الكبير شخصية مالية بارزة في ليبيا، حيث شغل سابقا منصب نائب محافظ المصرف المركزي، كما شغل مناصب إدارية عليا في عدد من المصارف الليبية.

وتعد التدخلات السياسية أخطر التحديات التي تواجه الصديق والمصرف المركزي الليبي عموما، إذ يتعرض المصرف لضغوطات من قبل مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا.

وتعيق هذه الضغوطات استقلالية المصرف وتؤثر على حيادية قراراته، وتتسبب في إشكاليات ضخمة للاقتصاد الليبي على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية.