العدوان الإسرائيلي على غزة.. كيف قسم ألمانيا إلى معسكرات سياسية متنافرة؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

على بعد ما يقرب من 3000 كيلومتر من قطاع غزة، أنتجت عملية طوفان الأقصى حرب معسكرات سياسية وانقسامات وخلافات داخلية في ألمانيا.

وأصبحت ألمانيا أحد الفاعلين الرئيسين على الساحة الإقليمية والدولية بعد اصطفافها بشكل فاضح إلى جانب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويسلط موقع "تيليوبوليس" الألماني الضوء على الانقسام الذي أحدثته غزة في الساحة السياسية الألمانية بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس ردا على انتهاكات الاحتلال.

معسكرات سياسية

وفي هذا الصدد، يقول الموقع إن "المعسكر البرجوازي المحافظ ونظيره الليبرالي الاجتماعي يواجه بعضهما بعضا". 

ولفت إلى أن "الهجوم الإيراني على إسرائيل من شأنه أن يزيد من حدة وتعقيد المناقشة، وذلك بسبب خطر تصاعد العنف المسلح في الشرق الأوسط".

ومساء 13 أبريل 2024، أطلقت إيران من أراضيها مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه إسرائيل؛ ردا على هجوم صاروخي استهدف القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق مطلع ذات الشهر.

وتابع الموقع: "ويبقى أن نرى إلى أي مدى سيتسبب الهجوم الإيراني على إسرائيل في تعزيز أو تغيير المواقف الأساسية لمختلف المعسكرات السياسية في ألمانيا تجاه شحنات الأسلحة" إلى تل أبيب.

وأوضح أن تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران أبرز هذه القضية إلى واجهة الأحداث، لكنه أكد أن "الحرب في غزة تظل القضية الأساسية للأعمال العدائية، مع استمرار خطر التصعيد". وأشار إلى أن "المواقف الأساسية في ألمانيا تقوم على جبهات صلبة". 

فبينما يدعو البعض إلى الدفاع عن إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس، يطالب آخرون بوقف فوري لتسليم الأسلحة الألمانية في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. ويشير كل منهما إلى المسؤولية التاريخية التي تتحملها ألمانيا.

ووفق الموقع الألماني، قد أوضحت محادثة بين جريجور جيسي (حزب اليسار) وماري أغنيس ستراك زيمرمان (الحزب الديمقراطي الحر) في برنامج مايشبيرجر على قناة ARD الألمانية أخيرا "حرب المعسكرات" هذه بشكل واضح.

بالإضافة إلى اقتراحين قُدما إلى البوندستاغ (البرلمان الألماني) في 10 أبريل/ نيسان 2024؛ أحدهما من قبل كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU)، والآخر من قبل "تحالف الصحراء فاجنكنخت من أجل العقل والعدالة - Bündnis Sahra Wagenknecht"، المعروف اختصارا بـ (BSW).

المسيحي الديمقراطي

وفي طلب كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي" الذي عُنون بـ "تحمل المسؤولية التاريخية - حماية الحياة اليهودية في ألمانيا"، تؤكد كتلة الاتحاد أن هجوم حماس "يُشكل مسألة وجودية" لإسرائيل.

وبينما تقر الكتلة بأنه يجب مراعاة "العرف الوطني" و"الحالة الإنسانية" في قطاع غزة، فإن مسؤولية الدولة الألمانية تقتضي دعم حكومة بنيامين نتنياهو عسكريا بكل قوة واتخاذ "موقف واضح لصالح إسرائيل المُعتدى عليها" على الساحة الدولية، وفق تعبيرها.

وفي هذا الصدد، يؤكد الموقعون أنه "لا ينبغي أن ينشأ أي لبس في هذا الشأن". كذلك تشير إلى "خطر انتشار النيران المشتعلة، الذي يهدد بالتمدد من غزة". 

لذلك، يُطالبون الحكومة الفيدرالية بـ "مواجهة أنماط الإرهاب المماثلة لإيران وروسيا، وذلك من خلال نظام عقوبات شامل يشمل أيضا مراجعة المدفوعات لجميع المنظمات العاملة في الأراضي الفلسطينية".

ويرجح الموقع الألماني أن يكون المقصود بشكل خاص وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). في المقابل، ترى الكتلة أن "الدول العربية والإسلامية" ملزمة بتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية.

ويعقب "تيليوبوليس" الألماني على موقفها قائلا: "في حين تبدو التصريحات المسالمة لكتلة الاتحاد وكأنها تدعم الحوار الإسرائيلي العربي وتتمسك بحل الدولتين وفقا لاتفاقيات أوسلو (للسلام بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية 1993)، إلا أنها تناقض ذلك من خلال عرض أحادي الجانب".

ففي الوقت الذي ترى فيه الكتلة أن "المقاومة ضد المصالح الأمنية المشروعة لإسرائيل هي السمة المشتركة بين المعادين للسامية وكارهي" تل أبيب، يستنكر الموقع أن هذه المصالح غير واضحة بالأساس.

ويقول الموقع إن "هذه المصالح الأمنية لم تُفسر أو توضح بشكل صريح من قبل نتنياهو، بل إن سياسة الاستيطان في الضفة الغربية التي يدعمها أعضاء حزب الليكود الحاكم تتعارض بشكل مباشر مع تلك المصالح ومع اتفاقيات أوسلو، بل يرى البعض أنها تشكل خطرا على الأمن القومي لإسرائيل".

وأشار إلى أن نتنياهو نفسه هاجم اتفاقية أوسلو ووصفها بأنها "خطيئة لا يمكن تكرارها".

تحالف الصحراء

في مقابل هذا الموقف، قدمت كتلة تحالف الصحراء فاجنكنخت من أجل العقل والعدالة (BSW) في نفس اليوم طلبا معارضا، يحمل عنوان "لا أسلحة للحرب في غزة - وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل".

تتحدث هذه الكتلة في سياق حرب غزة، عن "انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي"، كما أنها تعارض الاتحاد في ادعائه بأن العمليات العسكرية "مغطاة بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس".

وورد في طلب الكتلة: "لقد أدى القصف الإسرائيلي للمدنيين والتدمير المنهجي للبنية التحتية المدنية مثل المستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى إعاقة إسرائيل لمساعدات إنسانية كافية، إلى كارثة إنسانية في قطاع غزة".

وأشار الموقع إلى بعض الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل، مثل قتل الصحفي "المُعرف بوضوح" من وكالة رويترز البريطانية عصام عبد الله على الحدود اللبنانية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكذلك الهجوم على ممثلي منظمة "المطبخ المركزي العالمي - World Central Kitchen" مطلع أبريل/نيسان 2024 مما أدى إلى مقتل 7 من موظفيها. وبين الموقع أن هذه المؤسسة غير حكومية ويُفترض أن العاملين فيها مُعرفون بوضوح كذلك. 

كذلك لفت إلى اتهام جنوب إفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (ICJ)، وهو ما أشارت إليه كتل تحالف الصحراء أيضا.

وفي سياق محاججة الكتلة، برز أيضا دور ألمانيا؛ التي كانت موضوع دعوى أخرى من قبل نيكاراجوا.

وتتهم الدولة الواقعة في أميركا الوسطى ألمانيا بالمشاركة في الإبادة الجماعية المذكورة من خلال دعمها إسرائيل وسحب التمويل من الأونروا. 

وفي المقابل، يُنكر ممثلو جمهورية ألمانيا الاتحادية القانونيون هذا الاتهام، ويؤكدون أن الحكومة تدعم إسرائيل بشكل أساسي بمعدات عسكرية غير مميتة وأنها تسعى جاهدة لمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية لقطاع غزة بعيدا عن تمويل الأونروا.

مورد رئيس للأسلحة

وفي هذا الصدد، يوضح الموقع أن "ألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة الأميركية". 

ففي عام 2023، صدّرت الحكومة الألمانية أسلحة بقيمة 326.5 مليون يورو، وهو عشرة أضعاف الكمية التي صُدّرت في العام السابق.

وحول تفاصيل الأسلحة، نقل الموقع عن صحيفة "شبيغل" الألمانية أن هذه الصادرات "من ضمنها أسلحة حربية بقيمة 20.1 مليون يورو، بما في ذلك 3000 سلاح محمول مضاد للدبابات و500 ألف طلقة ذخيرة لرشاشات، مسدسات رشاشة أو أسلحة نارية أخرى أوتوماتيكية أو نصف أوتوماتيكية". 

ولفت الموقع إلى أنه "قد تمت الموافقة على الجزء الأكبر من هذه الصادرات بعد الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر 2023".

وأشار إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة طالب، أخيرا، بوقف فوري لجميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.

وقد دعمت 28 دولة القرار، بينما صوتت ألمانيا والولايات المتحدة ضده. كما طالبت 250 منظمة غير حكومية، بما فيها العفو الدولية وأوكسفام، أخيرا بهذا الوقف.

بالإضافة إلى ذلك، أفاد الموقع الألماني بأن مجموعة من الفلسطينيين قدمت أخيرا طلبا عاجلا أمام المحكمة الإدارية في برلين لوقف تصدير المزيد من شحنات الأسلحة إلى قطاع غزة من قبل الحكومة الألمانية.

وفي هذا السياق، يذكر أنه في أكتوبر 2022، أضيفت فقرة إلى المادة 130 من قانون العقوبات الألماني، بناء على طلب كتلة الحكومة، والتي تجرم "الموافقة العلنية والإنكار والتقليل الخطير من أهمية الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب".

وفي هذه النقطة، عقبت كتلة تحالف الصحراء في طلبها: "من غير الواضح كيف ينبغي تفسير القانون في هذه الحالة".

كذلك انتقدت أن "إسرائيل ترفض الاعتراف بالقرار الذي اعتمده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 25 مارس/ آذار 2024 لوقف الأعمال القتالية فورا في قطاع غزة وتطبيقه".

وأخيرا، جاء في طلب كتلة الصحراء أن "المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه إسرائيل لا تلزمها بدعم الحرب في غزة، التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بشكل أساسي، دون قيد أو شرط".

والموقفان السابقان هما أقصى اليمين واليسار في الطيف السياسي الألماني فيما يتعلق بسياق الحرب في غزة، وهنا يتساءل الموقع: "كيف تبدو مواقف الأحزاب الأخرى؟ وما هو رأي الفاعل الأهم في هذه القضية حول مسار الحكومة؛ الشعب الألماني؟".

بخصوص الرأي العام، أشار الموقع إلى أنه في نهاية مارس/آذار، أعطى استطلاع "ZDF-Polit Barometer" مؤشرا على الاتجاه الذي قد يتخذه ميزان الرأي العام. 

وفقا لهذا الاستطلاع، يرى أغلبية الشعب الألماني أن تصرفات إسرائيل في قطاع غزة "غير مبررة".

أحزاب متفرقة

وفقا للموقع الألماني، فإن "الأحزاب الألمانية الحاكمة تقدر الوضع في غزة حاليا بشكل مشابه لنتائج استطلاع الرأي المذكور أعلاه". 

وتابع: "رغم البيان الحكومي المشترك الذي صدر، في 10 أكتوبر 2023، كرد فعل مباشر على هجوم حماس والذي أكد فيه تضامن ألمانيا الكامل مع إسرائيل في دفاعها عن (مصالحها الأمنية المشروعة)، كانت هناك تقييمات مختلفة في الفترات الفاصلة اللاحقة".

كان تحالف حزب الخضر قد أكد في برنامجه الحزبي الخاص بالسياسة الأمنية "الأمان، السلام، نزع السلاح" على عدم تصدير السلع العسكرية إلى مناطق الحروب والأزمات، لكنه صدر لاحقا إلى السعودية وأوكرانيا، وأخيرا إسرائيل.

على الرغم من ذلك، يدعو الخضر الآن أيضا إلى "وقف فوري لإطلاق النار"، يليه "وقف دائم للحرب" في قطاع غزة.

أما بخصوص الحزب الديمقراطي الاجتماعي، فقد كُشف، في يناير/كانون الثاني 2024، عن خلاف داخلي في الحزب حول قضية غزة.

إذ وقفت مجموعة من 20 نائبا، بقيادة رالف شتيغنر، ضد المسار الذي انتهجه زميلهم في الحزب والمستشار الفيدرالي أولاف شولتز، وطالبوا بـ "وقف فوري لإطلاق النار".

وأوضح موقع "تيليوبوليس" أنه "في منتصف مارس/ آذار 2024، انضم شولتز أخيرا إلى هذه المطالب".

وأعرب رئيس الحزب لارس كلينجبيل، في نهاية مارس 2024، عن "شكوك كبيرة" حول احترام إسرائيل للقانون الدولي. 

ومع ذلك، يقول الموقع إنه لا يدري ما إن كان هناك نقاشات حول "إيقاف توريد الأسلحة إلى إسرائيل".

أشار إلى أن "امتناع ألمانيا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة، في أكتوبر 2023، لاقى انتقادات من رئيس حزب الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، والأمين العام للحزب بيجان دجير-ساراي".

إذ وصف الأخير قرار وزارة الخارجية الألمانية بأنه "مخيب للآمال وغير مفهوم". 

لكن في المقابل، أوضحت الناطقة باسم الحزب للسياسة الدفاعية، ستراك-زيمرمان، في الحوار المشار إليه في بداية التقرير، مع جريجور جيسي أن "ألمانيا لا تقدم أسلحة فتاكة لإسرائيل". 

"وبالتالي، لا يبدو أن وقف الإمدادات العسكرية لإسرائيل موضوع قيد النقاش"، وفق الموقع الألماني.

وأفاد بأن "موقف اليسار، فيما يتعلق بأزمة غزة، يتطابق مع موقف رفاقه السابقين في تحالف الصحراء". 

وأشار إلى أن اليسار قدم، في 23 مارس 2024، في البوندستاغ طلبا لـ"وقف فوري لإطلاق النار". 

كذلك طالب الحزب بـ"إنهاء توريد الأسلحة من ألمانيا إلى إسرائيل" و"توسيع المساعدات الإنسانية إلى غزة".

وفي هذا الصدد، يقول الموقع الألماني إن "المواقف داخل حزب البديل من أجل ألمانيا تبدو متفاوتة بشكل خاص". 

وأوضح: "تقليديا، يميل الحزب إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل، وغالبا ما يربط ذلك بموقفه المناهض للإسلاموية"، وفق وصفه. 

وأردف: "فبعد هجوم حماس مباشرة، أثار تعليق من الرئيس المشارك لكتلة الحزب، تينو شروبالا، الذي دعا في 11 أكتوبر 2023، إلى "التركيز على خفض التصعيد لتجنب انتشار النيران"، جدلا داخل الحزب". 

وبدا هذا الموقف وكأنه يتعارض مع الخط العام للحزب الذي يؤكد على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس والقتال ضد الإرهاب الإسلاموي"، وفق الموقع.