أسلحة مثيرة للجدل.. هكذا تضغط أوكرانيا لغرس ألمانيا في الوحل الروسي
مع مدى 310 أميال يمكن لصاروخ توروس الوصول إلى الأراضي الروسية
على الرغم من حاجة أوكرانيا العاجلة إلى أسلحة وذخائر لمواجهة الهجمات الروسية، إلا أن تردد ألمانيا في دعمها بدأ يثير تساؤلات حول مستقبل الدعم العسكري الأوروبي لكييف.
وفي هذا السياق، نشر مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات "أنكاسام" مقالاً للكاتب التركي "جينك تامر" ذكر فيه أن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا كشف في 25 مارس/ آذار 2024 تلقّيه "تعليقات مزعجة" من ألمانيا ردا على طلب بلاده لـ"صواريخ توروس".
تردد ألمانيا
وقال الكاتب التركي إنه على الرغم من الطلب المستمر من أوكرانيا لهذه الصواريخ طويلة المدى، تتجنب ألمانيا الامتثال لهذا الطلب بإصرار خوفًا من أن مثل هذه الخطوة قد تنقل الحرب إلى الأراضي الروسية.
وعلى الرغم من ضمانات أوكرانيا بأن الصواريخ لن توجه إلى الأراضي الروسية، إلا أن شكوك الحكومة الألمانية لا تزال قائمة.
فمع مدى 310 أميال يمكن لصاروخ توروس الوصول إلى أهداف أبعد من منطقة القتال المباشرة وربما يصل إلى الأراضي الروسية.
وتثير هجمات الطائرات بدون طيار في موسكو وحولها، والتي يعتقد أنها من تدبير أوكرانيا، الشكوك حول نوايا كييف.
فوفقا لرأي كبار الضباط في الجيش الألماني هناك مخاوف من أن وصول الصواريخ إلى الأراضي الروسية قد يجر ألمانيا أكثر إلى داخل الصراع.
وبالإضافة إلى ذلك، يعارض المستشار الألماني أولاف شولتس هذا مشيرًا إلى أنه سيجعل ألمانيا طرفًا نشطًا في الحرب وسيتطلب ذلك وجود الجنود الألمان لتدريب القوات الأوكرانية.
وفي هذا السياق، رفض البرلمان الفيدرالي الألماني أيضًا بأغلبية كبيرة مشروع قانون إرسال صواريخ توروس إلى أوكرانيا.
ولفت الكاتب النظر إلى حقيقة أن خطوة مماثلة جاءت من ألمانيا بعد الكونغرس الأمريكي تؤدي إلى التشكيك في دعم الغرب لأوكرانيا.
حيث ترغب ألمانيا في إنهاء الآثار المدمرة لإطالة أمد الحرب على الاقتصاد الأوروبي، وخاصة على نفسها.
وربما تكون ألمانيا قد أدركت الآن أنه لا توجد طريقة لوقف روسيا بالوسائل العسكرية.
ولطالما جادلت برلين بأن عبء هذه الحرب يجب أن يتم تقاسمه بالتساوي وبشكل عادل بين الولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
ووفقاً لحكومة شولتس فإن تسليح أوكرانيا أكثر ليس طريقة مؤكدة لإنهاء الحرب، بل على العكس من ذلك فإنه يؤدي إلى إطالة أمدها.
وخلال هذه العملية رفضت حكومة برلين إرسال دبابات ليوبارد -2 إلى كييف لفترة طويلة.
وبعد أن وافقت الولايات المتحدة على إرسال دبابات أبرامز الخاصة بها إلى كييف، اتخذت ألمانيا خطوة مماثلة ووافقت على إرسال دبابات ليوبارد -2.
وبالمثل، تدخلت بريطانيا في هذا الوقت لضمان إرسال ألمانيا صواريخ توروس.
واقترح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون حلاً مؤقتاً يسمح لألمانيا بإرسال صواريخ توروس إلى المملكة المتحدة.
ومن جانبها سترسل المملكة المتحدة المزيد من صواريخ ستورم شادو كروز إلى أوكرانيا.
ويتزايد الجدل في السياسة الداخلية الألمانية حول هذه القضية مع مرور الوقت. حيث تقترح وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا باربوك من حزب الخضر أن الحوار مع المملكة المتحدة هو "خيار".
بينما يدعو زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ المعارض فريدريش ميرتز إلى إرسال صواريخ توروس إلى أوكرانيا على الفور.
وضاعفت ألمانيا مساعدتها العسكرية لكييف هذا العام إلى حوالي 8 مليارات يورو، ووافق البوندستاغ على ذلك في 2 فبراير/ شباط 2024.
وبالإضافة إلى الدعم العسكري الألماني لأوكرانيا يستمر الدعم المالي أيضاً. فبدءا من نهاية عام 2023 تم إعلان أن ألمانيا قدمت لأوكرانيا ما يقرب من 15 مليار يورو كمساعدات.
ضعف الدفاع الألماني
وفي السياق، يشير الكاتب التركي إلى تصريح وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، الذي قال فيه إن "أي شخص سئم من دعم أوكرانيا يجب أن يفكر في العواقب على أوروبا".
بينما تساءل رولف موتزينيتش زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في البوندستاغ "ألم يحن الوقت ليس فقط لمناقشة كيفية شن الحرب، ولكن أيضا للتفكير في كيفية تجميد الحرب ثم إنهائها؟"
وبالإضافة إلى هذه النقاشات السياسية يُلاحَظ أن إنتاج صواريخ توروس قد وصل إلى نقطة التوقف.
وبينما تستمر الجهود لإعادة تشغيل الإنتاج، يتم التركيز على نقص أو عدم وجود طلبات من الحكومة أو من الخارج.
وأشار الكاتب إلى أنه إذا لم تتمكن الحكومة الألمانية من التوصل إلى توافق في الآراء سياسيا بشأن مستقبل الدعم العسكري لأوكرانيا، فيمكن القول إن صناعة الدفاع في البلاد ستواجه صعوبات كبيرة.
فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، كانت ألمانيا تسعى لتحديث منتجات صناعة الدفاع التي تم إهمالها لعقود وتعزيز جيشها.
ولكن خلال هذه العملية واجهت حكومة برلين أيضا انسدادات كبيرة في عملية صنع القرار السياسي. فألمانيا تعارض الانقسام الواضح بين الغرب وروسيا.
ولفت الكاتب النظر إلى أنّ الحرب في أوكرانيا كانت بمثابة محفز للكشف عن واقع عسكري بالغ الأهمية يخص ألمانيا.
ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية اتخذت ألمانيا خطوات لتقليص حجم جيشها، وهذا الإجراء كان جزءا من مساعيها لتبني سياسة خارجية تقوم على السلام والتعاون الدولي.
ومع ذلك، أدت الأحداث الأخيرة في أوكرانيا إلى تسليط الضوء على أن ألمانيا في ظل هذه السياسة لم تعد مجهزة بالشكل الكافي للمشاركة في نزاع مسلح على نطاق واسع.
ما يشير إلى وجود فجوة بين القدرات العسكرية الحالية لألمانيا والمتطلبات المحتملة للدفاع والأمن في سياق النظام العالمي. وهذا يبرز كمشكلة أمنية وطنية كبيرة.
وحقيقة أن غالبية دبابات ليوبارد-2 ليست في حالة صالحة للاستخدام وتحتاج إلى تحديث وكذلك توقف إنتاج صواريخ توروس تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي يواجهها الجيش الألماني.
وهذا الوضع قد يؤدي إلى انهيارات خطيرة في دعم ألمانيا العسكري لأوكرانيا. ومهما كانت النتيجة ستظل نظرة برلين إلى أوكرانيا حذرة.