أميركا وروسيا.. هكذا تحولا من عدوين لدودين لجارين في قاعدة عسكرية بالنيجر

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

"في مفارقة عجيبة، يتشارك الجيشان الأميركي والروسي، في قاعدة جوية واحدة في دولة النيجر". فكيف حدث هذا؟، هكذا تساءل موقع RTVI الإخباري الروسي، مسلطا الضوء على أهمية نيامي الجيوسياسية. 

وتابع تساؤلاته في تقرير قائلا: "هل يعود ذلك لامتلاكها احتياطيا ضخما من اليورانيوم أم بسبب موقعها الإستراتيجي في إفريقيا، أم لأسباب أخرى؟

معركة نفوذ

استهل الموقع تقريره بالإشارة إلى الخبر الذي نشرته عدة وسائل إعلام دولية أوائل مايو/ أيار 2024، عن تشارك القوات الأميركية والروسية في قاعدة جوية واحدة في النيجر.

لافتا إلى أن النيجر، التي تمتلك موارد ضخمة من اليورانيوم، يحكمها منذ صيف عام 2023 نظام عسكري انقلب على الرئيس المنتخب محمد بازوم.

وعلى إثر ذلك، فسخت الحكومة العسكرية الانتقالية عدة اتفاقيات عسكرية مع الاتحاد الأوروبي، ثم طردت القوات الفرنسية، والآن جاء الدور على واشنطن التي تغادر قواتها العسكرية النيجر هي الأخرى.

لقد جذبت هذه الدولة انتباه المجتمع العالمي لسنوات عديدة، وعانت المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا من عدة انقلابات عسكرية بعد حصولها على الاستقلال عام 1960، لكنها ظلت حليفة للدول الغربية.

وعمدت الدول الغربية، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، إلى استغلال ثروات النيجر الطبيعية وبخاصة اليورانيوم، إذ تمتلك نيامي احتياطات غنية منه. فوفقا للرابطة النووية العالمية، تحتل النيجر المرتبة السابعة في العالم في إنتاج اليورانيوم.

لكن بحسب الموقع الروسي، فإن "المستفيد الأول من تلك الثروة الهائلة فرنسا والدول الأوروبية، حيث إن الصناعة النووية الفرنسية تعتمد بشكل كبير على اليورانيوم النيجري".

وفي عام 2021 احتلت النيجر المركز الأول في تزويد الاتحاد الأوروبي بهذه المادة الخام، حيث زودت الاتحاد الأوروبي بما يقرب من ربع اليورانيوم اللازم، بينما حلت كازاخستان في المركز الثاني، وروسيا في المركز الثالث.

وتعمل الشركة الفرنسية (أورانو) على استغلال مناجم اليورانيوم لمدة 50 عاما في البلاد، كان من المقرر تشغيل واحدة من الشركات المنجمية حتى عام 2040.

كما كان من المفترض، البدء في التعدين في منجم (إمورارين) خلال العقد الحالي، وكانت من ضمن الخطط أيضا البدء عام 2015 في تطوير أحد أكبر مواقع وجود اليورانيوم في العالم، والتي تقدر مخزوناته بنحو 200 ألف طن.

لكن يشير الموقع إلى تعثر تنفيذ هذه الخطط نتيجة الهبوط في أسعار المواد الخام، مما أدى إلى تجميد المشروعات، ومع حلول عام 2023، أُعلن أنهم خططوا لبدء التعدين التجريبي في عام 2024.

ومرة أخرى، لم ترَ تلك المشروعات النور، حيث ألغيت هذه الخطط بعد الانقلاب العسكري في عام 2023.

ويعد هذا خامس انقلاب في تاريخ النيجر المستقل، والأول منذ عام 2010.

ففي 26 يوليو/ تموز 2023، أوقفت القوات العسكرية الرئيس محمد بازوم الموالي للغرب، وأعلنت إقالته من السلطة. ثم تولى الجنرال عبد الرحمن تشياني السلطة، حيث أصبح رئيس الحكومة الانتقالية، بينما يقبع الرئيس المخلوع في منزله رهن الاعتقال.

وأثار هذا الانقلاب حفيظة الأوروبيين والأميركيين، وبعض الدول الإفريقية كذلك، حيث لم يكتفوا ببيانات إدانة كالمعتاد، بل إنهم حاولوا اتخاذ إجراءات عملية لوقف قطار الانقلابات في إفريقيا.

فقد هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي تضم اثنتي عشرة دولة، الانقلابيين بالتدخل لإعادة الرئيس إلى السلطة. 

وفرنسا هي الخاسر الأكبر في المشهد، حيث اتُّهمت من قبل المجلس العسكري في سبتمبر/ أيلول 2023 "بالتخطيط لغزو مشترك مع قوات دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".

ورغم عدم الإعلان عن مشاركة فرنسية مباشرة، قال الرئيس إيمانويل ماكرون إنه سيكون مستعدا لدعم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إذا بدأت عملا عسكريا في النيجر. وعلى هذه الخلفية، وضعت الحكومة الجديدة الجيش في حالة تأهب، كما أعلنت عن التعبئة التطوعية.

ومن ثم أُعلن انتهاء التعاون العسكري وانسحاب القوات من النيجر، ونتيجة لذلك، كان من المفترض أن يغادر 1400 جندي فرنسي النيجر بحلول نهاية عام 2023.

ويشير التقرير الروسي إلى أن "الوحدة الفرنسية كانت موجودة في النيجر في المقام الأول لمحاربة الجماعات الجهادية في غرب إفريقيا".

طرد أميركا

وفي عام 2015، وقعت الحكومة النيجرية اتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة، ألزمت البلدين بـ"العمل معا في الحرب ضد الإرهاب".

واستقرت القوات الأميركية في البداية في القاعدة الجوية 101، لكن بعد الانقلاب العسكري، نُقل جزء من القوات إلى القاعدة الجوية 201 في مدينة "أغاديز".

وتم الشروع في بناء قاعدة “أغاديز” عام 2017، وبلغت تكلفتها 110 ملايين دولار، ومنذ عام 2018، استُخدمت القاعدة لمحاربة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، باستخدام طائرات عسكرية بدون طيار.

وأردف الموقع: "وكحال باريس، خسرت واشنطن نيامي". 

فبعد رحيل الفرنسيين، لم يصمد الأميركيون أيضا طويلا. ففي مارس/ آذار 2024، أعلنت سلطات النيجر إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، وجاء البيان بعد يوم من زيارة وفد أميركي رفيع المستوى يرغب في إعادة الاتصالات مع النيجر، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل.

وقال المتحدث باسم المجلس العسكري أمادو عبدرمان للتلفزيون الوطني إن وفد واشنطن لم يلتزم بالبروتوكول الدبلوماسي، مضيفا أن حكومة النيجر تدين الموقف المتعالي لرئيس الوفد الأميركي، المصحوب بالتهديد بالانتقام، تجاه حكومة وشعب النيجر.

وبناء عليه، طالبت سلطات النيجر الولايات المتحدة الأميركية بسحب وحدتها العسكرية من البلاد، وقوامها نحو ألف جندي.

وشهدت المفاوضات توترا بين الجانبين حيث اتهمت سلطات الدولة الإفريقية الولايات المتحدة بمحاولة ممارسة الضغط على إقامة علاقات مع موسكو وطهران ومنافسين آخرين لواشنطن.

وفي النهاية، رضخت أميركا لرغبة النيجر وأعلنت انسحابها، حيث لم يكن من الممكن حل مشكلة وجود الوحدة الأميركية، لكنها في الوقت ذاته قالت إن ذلك الانسحاب سيستغرق عدة أشهر"، وفق الموقع الروسي.

الاتجاه شرقا 

ونتيجة لما سبق، يقول الموقع إن "المجلس العسكري لم ينتظر كثيرا حتى يعلن التوجه شرقا إلى روسيا، فبعد شهر من خرق الاتفاق مع الولايات المتحدة، وصل مائة مدرب عسكري من موسكو إلى النيجر".

ففي ديسمبر 2023، وقع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف ووزير دفاع النيجر الحالي ساليفو مودي، اتفاقية لتعزيز التعاون في قطاع الدفاع، وعلى هذه الخلفية، تخلى المجلس العسكري عن اتفاقيتين دفاعيتين مع الاتحاد الأوروبي.

ويشير الموقع الروسي إلى أن رئيس النيجر الحالي عبد الرحمن تشياني كان من بين الذين هنأوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إعادة انتخابه بعد انتخابات مارس/ آذار 2024. وفي ذات الشهر، أجرى الطرفان محادثة هاتفية، ناقشا خلالها الوضع في منطقة الساحل، وتنسيق إجراءات مكافحة الإرهاب، وهي ذاتها القضايا التي سبق أن تناولها الغرب في النيجر.

ومنذ الثاني من مايو/ أيار 2024، تمركز الجيش الروسي على أراضي القاعدة الجوية 101 بالقرب من مطار "ديوري هاماني" الدولي في العاصمة نيامي، وذلك على الرغم أن الأميركيين لا يزالون يوجدون في ذات القاعدة.

وينقل الموقع عن رويترز قولها: "تستخدم الوحدة الروسية مكانا منفصلا، ​​لكن الوضع ليس جيدا جدا".

وتضيف رويترز: "تجد القوات الأميركية والروسية نفسها على مقربة من بعضها البعض في وقت يتصاعد فيه التنافس العسكري والدبلوماسي بين البلدين بشأن الصراع في أوكرانيا".

وصرح مصدر لرويترز أن نحو 60 عسكريا روسيا يوجدون هناك، لكن المصدر لم يتمكن من إعطاء رقم أكثر دقة.

وفيما بعد، أكد هذه المعلومات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قائلا: "الروس في مجمع منفصل، ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو معداتنا، ينصب تركيزي دائما على سلامة وأمن قواتنا، وسوف نستمر في مراقبة هذا".

وأضاف وزير الدفاع الأميركي في مؤتمر صحفي: "في الوقت الحالي، لا أرى مشكلة خطيرة تتعلق بحماية قواتنا".

وفي النهاية، يشير الموقع الروسي إلى أنه "حتى الآن لم يكتمل انسحاب القوات الأميركية، ولا يُعرف إلى أين يمكن أن تتجه الأمور في ظل هذه الأجواء".