كارثة انفجارات لبنان.. هل تتكرر مع الجيش المصري عبر "موتورولا وتاليس"؟

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

كان الوضع في لبنان هادئا وطبيعيا في 17 سبتمبر/ أيلول 2024، حتى أشارت عقارب الساعة إلى 15.45 عصرا بالتوقيت المحلي، لتبدأ موجة انفجارات تهز الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

لم تكد تمر الموجة الأولى حتى ضربت البلاد في اليوم التالي موجة ثانية مماثلة من الانفجارات، حوالي الساعة الخامسة مساء، لتعلن وزارة الصحة اللبنانية أن إجمالي الضحايا بلغ 37 قتيلا و2931 جريحا. 

وسرعان ما أعلن أن سبب الموجات التدميرية انفجار آلاف أجهزة الاتصال "بيجر" وأجهزة الراديو المملوكة لعناصر من حزب الله اللبناني. 

بعدها شدد الحزب على أن "إسرائيل مسؤولة بشكل كامل عن الهجوم، بعد أن استهدفت أنظمة الاتصال الخاصة به". 

الضربة الإسرائيلية للعمق اللبناني بهذه الطريقة ونتيجة شبهة اختراق واسعة عبر أنظمة اتصالات، أثارت القلق حول مدى استطاعة العدو التحكم والتلاعب بالأجهزة عبر شركات تابعة أو متعاونة معه.

وأنه يمكن من خلال تلك الشركات التجسس على أفراد ومؤسسات عسكرية، أو استخدامها كسلاح عبر هجوم أو اختراق سيبراني، في حالات الحرب والاشتباك.

ومن هنا توجهت الأنظار إلى الجيش المصري، بوصفه أكبر الجيوش العربية، وأكثرها تسليحا وجاهزية. 

فبحسب تصنيف موقع Global Fire Power للعام 2024، يحتل الجيش المصري المرتبة الـ 15 عالميا والأولى عربيا. 

مع ذلك تعتمد المؤسسة العسكرية المصرية في هندسة منظومة الاتصال لديها على شركات عالمية متخصصة، مثل موتورولا الأميركية، وتاليس الفرنسية.

وهو ما يجعل التساؤلات حاضرة حول هذه الشركات ومدى ضمانة تحقيقها لأمن المعلومات لدى الجيش المصري وعدم اختراقه؟ 

وقبل كل ذلك عن العلاقات بين تلك الشركات ودولة الاحتلال؟ وإلى أي درجة يمكن أن يلحقوا ضررا بالجيش المصري حال تطورت الأمور مستقبلا؟ 

صفقة كبيرة 

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عقدت القوات المسلحة المصرية مع شركة "باريت كوميونيكيشن" الأسترالية صفقة ضخمة لتحديث أنظمة الاتصالات لديها. 

إذ عملت على توفير أجهزة راديو واتصالات متوسطة وطويلة المدى، وتوفير معدات الاتصالات اللاسلكية للتطبيقات الأرضية والمتنقلة والجوية.

وامتلاك أجهزة متقدمة للأنظمة المحمولة والمركبات، وتوفير أنظمة اتصالات لمحطات القواعد العسكرية.

فضلا عن إنتاج أجهزة الاتصال العسكري وأنظمة الإشارة، إضافة إلى إقامة أنظمة سيبرانية ضخمة لربط الوحدات والقواعد العسكرية. 

وجاءت الصفقة كجزء من برنامج ممول من الولايات المتحدة ضمن برنامج المساعدات العسكرية (المعونة الأميركية). 

ونص العقد على توريد معدات الاتصالات اللاسلكية عالية التردد (HF) وعالية التردد جدا (VHF).

ثم انقسم المشروع إلى عدة مراحل، ليشمل معدات الاتصالات اللاسلكية للتطبيقات الأرضية والمتنقلة والجوية.

وشهدت المرحلة الأولى من البرنامج، تقديم شركة "باريت" معدات Barrett PRC-2080+ VHF في أنظمة الأجهزة اللاسلكية المحمولة للجنود بقوة 5 وات وأنظمة المركبات PRC-2082+ 50 وات.

كما جرى توريد Barrett PRC-2090 كجزء من الاتصالات متوسطة إلى طويلة المدى مع أنظمة المحطة المتنقلة PRC-2091.

إضافة إلى أنظمة المحطة الأساسية PRC-2092، وهي غالبا ما توجد في منصات صواريخ الدفاع الجوي، بحسب الموقع الرسمي للشركة.

استحواذ موتورولا

بعد إتمام الصفقة الإستراتيجية ظلت الأمور على وضعها، حتى حدث تطور محوري في 15 أغسطس/ آب 2022، عندما استحوذت شركة "موتورولا سوليوشنز" الأميركية على "باريت كوميونيكيشن" الأسترالية. 

وبالتالي أصبحت أجهزة ومعدات وأنظمة الشركة الأسترالية التي أقامت جزءا من منظومة اتصالات الجيش المصري في يد الشركة الأميركية "موتورولا".

وهنا جاءت الإشكالية حيث إن "موتورولا" الأميركية، متورطة في تعاون وثيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومتداخلة في بناء منظومة الاتصالات داخل المستوطنات. 

فمثلا منذ عام 2023، أصبحت "موتورولا" هي المورد الوحيد لشبكة الجيل الرابع للهاتف الخلوي للجيش الإسرائيلي.

وكانت الشركة في العام 2014، قد تعاقدت مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتكون المورد الوحيد لمشروع "Military Cellular" لإنشاء شبكة خلوية توفر حلا للاتصالات الخلوية المشفرة.

كما تعد "موتورولا سوليوشنز" مطورا وموردا لأجهزة الهواتف الذكية العسكرية الإسرائيلية. 

وبدأ الجيش الإسرائيلي في استخدام الهاتف الذكي العسكري موتورولا Lex M20 في عام 2016.

حيث يوفر إمكانيات محادثة مشفرة ونظام مراسلة مشفر للنصوص والرسائل الصوتية والصور ومقاطع الفيديو وبيانات موقع GPS. 

وهو قادر على التواصل مع أنظمة الاتصالات العسكرية الأخرى باستخدام البنية التحتية G4. 

الاستخبارات والمستوطنات 

الأخطر أن الشركة الأميركية لها علاقة مباشرة بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد”، وبينهما تعاون وثيق في مجموعة من القطاعات.

ففي أغسطس/آب 2022، أعلنت "موتورولا" أنها ستنشئ وتشغل وتصون نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمجمع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "كريات هاموديعين" في النقب. 

وبناء عليه يستضيف المجمع عمليات الاستخبارات العسكرية ببنيته الجديدة؛ حيث يضم حوالي 12 ألف جندي وضابط من وحدات الاستخبارات والسايبر والتكنولوجيا، بالإضافة إلى وحدات المقر الرئيس لقسم الاستخبارات.

أما ما يخص خدمات المستوطنات، فقد حصلت شركة موتورولا عام 2022، على مبلغ 63 ألف شيكل (الدولار = 3,78 شيكلا) من الحكومة الإسرائيلية لتأمين أنظمة حماية مكتب جديد لهيئة السكان والهجرة في مستوطنة بيتار عيليت في الضفة الغربية المحتلة.

قبلها في أبريل/ نيسان 2021، فازت شركة موتورولا بمناقصة من بلدية مستوطنة أرييل لتوريد وتركيب وصيانة أنظمة أمنية تكنولوجية بقيمة 300 ألف شيكل. 

وكانت في عام 2018، قد فازت بمناقصة لتوفير تدابير أمنية مادية وتكنولوجية لبلدية مستوطنة أرييل.

كذلك تعد "موتورولا" من الشركات العالمية القليلة التي تحظى بثقة شرطة الاحتلال ووزارة الأمن القومي الإسرائيلية.

فهي المورد الوحيد لنظام الاتصالات الوطني "نيتسان" الخاص بشرطة إسرائيل والذي طورته الأخيرة بالتعاون مع الشركة عام 2008.

وجرى تطويره كنظام اتصالات وطني لشرطة إسرائيل في سائر أنحاء الأراضي المحتلة. 

هذا التوغل والتقاطع الوثيق بين "موتورولا" وإسرائيل، يجعل من استحواذ الأولى على إعداد أنظمة اتصالات للجيش المصري، محل شبهة وخطورة على الأمن القومي المصري. 

تاليس الفرنسية

وعلى نفس النسق، تمضي شركة "تاليس" الفرنسية للصناعات الدفاعية، حيث تحظى بوضعية خاصة في مصر منذ عقود، تحديدا داخل أروقة وزارة الدفاع. 

وقد بدأ التعاون بين "تاليس" والجيش المصري منذ عام 1973، لكن حدثت طفرة عام 1982، عندما أسهمت في إنشاء شركة العربية للبصريات وهي إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية.

بعدها أصبح لها 6 مكاتب في مصر بإجمالي 850 موظفا وفقا لموقعها الإلكتروني.

وأهم ما يميز "تاليس" أنها تتمتع بشراكة طويلة مع القوات المسلحة المصرية، حيث تورد أنظمة إلكترونية لمنصات مختلفة في جميع المجالات العسكرية، البرية والبحرية والجوية والفضائية.

ومنذ عام 2000، طورت تاليس تعاونا إستراتيجيا مع وزارة الإنتاج الحربي تشمل نقل التكنولوجيا والتصنيع المحلي للأنظمة المتعلقة بالدفاع الجوي.

كما تورّد تاليس حلول الدفاع بما في ذلك الإلكترونيات على متن طائرات ميراج 2000، ورادارات المراقبة، والأنظمة البصرية الإلكترونية والاتصالات التكتيكية الآمنة.

وتجهز الشركة طائرات رافال المقاتلة المصرية فرنسية الصنع، بأنظمة ذات قدرة متعددة المستشعرات.

وقد طلبت الحكومة المصرية بالفعل 54 طائرة رافال منذ العام 2015.

وطورت تاليس شراكة قوية مع هيئة الطيران المدني المصرية وهي الآن واحدة من المزودين الرئيسين لأنظمة ومعدات مراقبة الحركة الجوية في البلاد كما تغطي أنظمة رادارتها غالبية أراضي مصر.

كذلك تتولى تاليس تزويد مصر بالقمر الصناعي للاتصالات نايل سات، والذي يوفر خدمات البث التلفزيوني والإذاعي والنطاق العريض لشمال إفريقيا والشرق الأوسط.

بيانات المصريين 

وإضافة إلى ذلك، هناك تعاون خاص بين تاليس والنظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي.

 ففي 25 نوفمبر 2021، كشف موقع "سيرفيلانس ديسكلوز" الفرنسي، عن تسريبات تتصل بالعلاقات العسكرية الاستخباراتية بين باريس والقاهرة.

وأعلن أن نظاما سيبرانيا ضخما للمراقبة أقامته 3 شركات فرنسية بموافقة من السلطات الفرنسية ساعد النظام المصري في أعمال القمع غير المسبوقة للمجتمع.

وأوردت أن نظام السيسي يعتقل ما يقرب من 65 ألف شخص، وتسبب في إخفاء 3 آلاف آخرين بفضل قاعدة البيانات الضخمة التي وفرتها الشركات الفرنسية.

وأوضح الموقع أن الشركات الثلاث هي "نيكسا تكنولوجيز"، و"إيكروم سنريز" التابعة لشركة تاليس.

والثالثة هي "داسو سيستيم"، الفرع التكنولوجي لشركة صناعة الأسلحة الفرنسية للوزن الثقيل والمصنع لطائرة رافال.

على صعيد مواز فإن شركة "تاليس" الفرنسية محل ثقة واعتماد الحكومة المصرية ومن قبلها الجيش، لها علاقة متقدمة بإسرائيل. 

ففي يوليو/ تموز 2023، استحوذت تاليس على أسهم شركة "إمبيريا" الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني ونظم المعلومات في صفقة بلغت 3.6 مليارات دولار.

وفي 21 مايو 2024 استحوذت أيضا على شركة جيت سات الإسرائيلية للأقمار الصناعية.

بعدها في يونيو/حزيران 2024، كشف تحقيق استقصائي أجراه موقع "ديسكلوز" الفرنسي عن وثائق سرية تظهر أن شركة "تاليس" الفرنسية الرائدة في مجال الصناعة العسكرية، زودت إسرائيل بمعدات اتصال خاصة بالطائرات المسيرة.

وهذه المعدات المذكورة استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لقصف أهداف في قطاع غزة، بحسب التحقيق.

نموذج العراق 

وعن خطورة "تاليس" كشف موقع "هاف بوست" البريطاني في 18 سبتمبر 2024 أن الشركة الفرنسية ما هي إلا غطاء أوروبي لنفوذ إسرائيل في العراق.

واستند الموقع إلى وثائق ومخاطبات رسمية عراقية صادرة من جهاز المخابرات الوطني العراقي إلى وزارة الداخلية - مكتب الوزير، بتاريخ 3 سبتمبر 2024.

وفي الفقرة الثالثة منه يؤكد على أن شركة "تاليس" تمتلك مقرا ثابتا في إسرائيل، وجرى تثبيت عنوانها في الكتاب. كما أورد أن لـ "تاليس" اهتمامات خاصة في العراق.

 فمنذ عام 2015 تسيطر بشكل كامل على الرادارات المدنية والعسكرية من خلال عقودها مع وزارة النقل.

كذلك عقودها مع وزارة الدفاع لتزويد الدفاع الجوي العراقي بالرادارات العسكرية. 

وكان آخر هذه المشاريع هو مركز المراقبة الذي افتتحه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وأورد الموقع المحلي أنه لم يكن اهتمام "تاليس" بهذا المجال مجرد صدفة، بل يأتي في إطار فرض سيطرة إسرائيلية على الأجواء العراقية. 

إذ تقيد "تاليس" قدرة العراق على السيطرة على أجوائه، كون بغداد تعتمد على معداتها وأنظمتها في كشف حركة الطيران.

ومن خلال هذه المعدات أو عبر الخبراء التابعين لـ "تاليس" الموجودين في الدفاع الجوي والملاحة الجوية، يمكن للشركة التلاعب بكشف الطيران المعادي تنفيذا لرغبات إسرائيل.

وهو ما يسمح لها بتنفيذ طلعاتها الجوية واستهداف الشخصيات والمقرات العراقية حسب رغبتها، في نموذج قد ينطبق بشكل أو بآخر على الجيش المصري.