لماذا تغري "خطة ماتي" الجزائر وتقلق إسبانيا؟.. صحيفة إسبانية تجيب
“إيطاليا كانت واحدة من الدول القليلة التي بقيت إلى جانب الجزائر”
في خضم أزمتي إقليم الصحراء الغربية والغاز المدفوعة بالحرب في أوكرانيا، تحرك جميع الجهات الفاعلة بيادقها، سواء في أوروبا أو شمال إفريقيا، بحثا عن خدمة مصالحها.
وبينما تبحث إيطاليا عن الغاز وتعزيز مكانتها في شمال إفريقيا، تملك الجزائر حساباتها الخاصة التي تثير قلق حلفائها السابقين في أوروبا، على رأسهم إسبانيا.
ونهاية يناير/ كانون الثاني 2024، أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن "خطة ماتي" وهي خطة استثمارية تتجاوز قيمتها الأولية 5.5 مليارات يورو، بما في ذلك الضمانات العامة لمشروعات الاستثمار.
عقيدة سياسية
وقالت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية إن “الخطة التي صممتها حكومة ميلوني والمتعلقة بسياساتها الشاملة تجاه إفريقيا، تستعيد اسم السياسي الذي يكرّم الجزائريون ذكراه، في احتفالات مرور 70 سنة على بداية حرب الاستقلال التي أنهت الاستعمار الفرنسي”.
ولفتت إلى أنه "وُضِع لهذا السياسي تمثال في أحد أرقى أحياء الجزائر العاصمة، كتب عليه: إنريكو ماتي، شخصية إيطالية، كان صديقا للثورة الجزائرية، مقتنع بقيم الحرية ودافع عنها، وناضل من أجل استقلال الشعب الجزائري واسترجاع سيادته".
وأضافت الصحيفة أن "ماتي كان مؤيدا قويا لاستقلال الجزائر، مما أثار عداوة الأميركيين والفرنسيين له، وكان مناصرا سابقا للمقاومة الإيطالية ضد الفاشية، وقد دعا إلى تحرير الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية وعارض هيمنة الشركات الأنجلوأميركية متعددة الجنسيات في استغلال النفط بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وتجدر الإشارة إلى أن ظروف وفاته عام 1962، جراء حادث تحطم طائرة مفترض في بلدة بإقليم لومبارديا، غذت منذ ذلك الحين النظريات والشكوك حول السبب -قنبلة مخبأة في الطائرة- وتورط وكالة المخابرات المركزية أو المخابرات الفرنسية أو المافيا الصقلية في وفاته.
وعده مجلس الأمن القومي الأميركي "مصدر إزعاج وعائق" في تقرير سري كتب بعد أربع سنوات من وفاته.
ويتذكر الوزير الجزائري السابق والسفير السابق في مدريد، عبد العزيز رحابي، في حديث مع صحيفة "الإندبندينتي" أن "العديد من المعلومات اليوم تشير إلى أن ماتي قُتل على يد المخابرات الفرنسية خلال حرب التحرير الجزائرية".
وأضاف، في نوع من المقارنة مع إسبانيا: "لقد كانت لدينا دائما علاقات جيدة جدا مع إيطاليا، ويعد ماتي خير مثال على ذلك، لقد ساعدنا في قضية الغاز مع فرنسا وفي المناقشات مع باريس من أجل الاستقلال. ماتي جزء من العقيدة السياسية للجزائر، ومن ذاكرتها الجماعية، نحن هنا نبني علاقات على أساس الثقة المتبادلة".
ونوهت الصحيفة إلى أن "الجزائر سبق أن فرضت قيودا على التجارة من وإلى إسبانيا، وهو فراغ استغلته جهات فاعلة أخرى في الاتحاد الأوروبي، وبعد أن بنت مدريد علاقات متينة مع الجزائر في ثمانينيات القرن العشرين بفضل إمدادات الغاز، أصبح من الصعب في الوقت الراهن استعادة هذه الأرض المفقودة".
واستطردت: “في الحقيقة، تعدّ إيطاليا إحدى الدول التي استفادت أكثر من غيرها من الأعمال الانتقامية ضد إسبانيا بعد التغيير التاريخي لموقف بيدرو سانشيز في نزاع الصحراء الغربية”.
لاعب حاسم
وفي تلك الفترة، وقعت روما عقود غاز جديدة وعززت علاقاتها التجارية في قطاعات مثل الزراعة أو الجيش أو السيارات.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، افتتح مصنع الإنتاج الجديد لشركة فيات في مدينة وهران، غرب الجزائر.
كما بدأت العلاقات الثنائية تتحسن خلال ولاية ماريو دراجي، في خضم أزمة الجزائر مع إسبانيا.
وأوضحت الصحيفة أن خطة ماتي، التي لم تطوّر بعد هي عبارة عن شعار تلك الإيماءات الموجهة إلى الجنرالات الجزائريين.
وتنطوي هذه الإستراتيجية، بشكل عام، على استثمار أولي بقيمة 5,5 مليارات يورو لتحسين البنية الأساسية في إفريقيا، وهو ما من شأنه أن يؤدي على المدى الطويل إلى تزويد سكان القارة بالموارد التي يبحثون عنها عندما يهاجرون.
وتاريخيا، تتمتع إيطاليا والجزائر بعلاقات جيدة، والتي ركزت بشكل أساسي، على الغاز، وخير دليل على ذلك هو تحوّل الجزائر بسرعة إلى المورد الأول للغاز لإيطاليا، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث إنها كانت شراكة مربحة للحكومة الجزائرية.
وتزود الجزائر 34 بالمئة من إجمالي واردات روما من الغاز، وهو ما يفوق بكثير واردات روسيا.
من جانبه، رأى الخبير في شؤون العالم العربي بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، ألدو ليجا، في حديث مع “الإندبندينتي”، أن “الجزائر تعد لاعبا حاسما بالنسبة لأمن الطاقة في إيطاليا”.
وأضاف "وبالمثل، تعد روما حاسمة بالنسبة لاستقرار الجزائر، حيث يعد الدخل من قطاع المحروقات الركيزة الأساسية للنظام السياسي الجزائري".
بوابة جديدة
وتعد إسبانيا أحد المشترين الرئيسين الآخرين للغاز الجزائري، الذي ظلت إمداداته دون تغيير حتى خلال عامين من الأزمة الدبلوماسية التي أطلقها تحالف سانشيز مع الأطروحات المغربية في المستعمرة الإسبانية السابقة.
واستطرد ليجا: "حاليا، تجلب الأزمة الجديدة التي نشأت مع فرنسا - بعد اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسيادة المغربية على الصحراء - عوامل جديدة لمعادلة الجزائر وجوارها الأوروبي".
ويرى مدير مبادرة شمال إفريقيا بالمجلس الأطلسي، كريم مزران، أنه "لا يوجد أي جدل في البيان القائل إن إيطاليا هي اليوم الشريك الرئيس للجزائر في الاتحاد الأوروبي".
وواصل: "لقد حافظت ميلوني على مسافة متساوية، لا لصالح المغرب ولا لصالح الجزائر، ولا ضد أي منهما".
ويرى مزران أن "عدم انجراف الجزائر تحت فلك روسيا أو كتلة عربية أكثر تطرفا هو إنجاز إيطالي".
وأضاف أن "الخطة يمكن أن تساعد في التقارب بين الجزائر والمغرب".
وتابع: “لهذا الغرض، من الضروري ألا تشعر الجزائر بالعزلة عن الدول الغربية، وقد كانت زيارة ميلوني الشخصية إلى الجزائر في يناير/ كانون الثاني 2023 مهمة في هذا السياق، على غرار الزيارة اللاحقة التي أدتها للبلاد”.
وقالت الصحيفة: “عموما، نما الانسجام الجيد على جذور تاريخ مشترك محترم ومحفوظ في الجزائر العاصمة، ولا يزال العديد من قادة البلاد يتذكرون أن إيطاليا كانت واحدة من الدول القليلة التي بقيت إلى جانبهم في الحرب الأهلية الدموية في التسعينيات، والتي لا تزال ذكراها تفسر الكثير عن الجزائريين”.
من جانبه، اعترف يحيى زبير، وهو محلل من أصل جزائري يعيش في فرنسا وله علاقات جيدة مع المؤسسة الجزائرية، بأن "الأمر لا يقتصر على ماتي، فروما محبوبة للغاية من قبل السلطات، لأن الإيطاليين كانوا متوازنين في علاقاتهم مع الجزائر".