الحكم على الرئيس الموريتاني السابق بالسجن.. قرار عادل أم تصفية حسابات؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى بموريتانيا يصدر القضاء حكما بالسجن في حق رئيس سابق للجمهورية، حيث انقسم الشارع المحلي بين مؤيد للحكم ومنتقد له، في ظل استمرار الدولة وكبار مسؤوليها في التطبيع مع الفساد والاغتناء غير المشروع.

الحكم غير النهائي على الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز ومن معه في ملف العشرية، أصدرته المحكمة المختصة في جرائم الفساد بموريتانيا، في 4 ديسمبر/كانون أول 2023، حيث توزعت الأحكام بين السجن والغرامات والتبرئة.

ووفق موقع "الصحراء" المحلي،  حكمت المحكمة بالسجن خمس سنوات نافذة ومصادرة عائدات جريمتي غسل الأموال والإثراء غير المشروع بحق الرئيس السابق ولد عبدالعزيز، مع غرامة مالية.

كما حكمت بالسجن سنتين وستة أشهر منها ستة أشهر نافذة وغرامة مالية بحق محمد ولد الداف، رئيس منطقة "نواذيبو" الحرة السابق، وأصدرت حكما بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ وغرامة مالية في حق رجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات.

وأصدرت المحكمة حكما الحبس سنتين بينها ستة أشهر نافذة ومصادرة الممتلكات العائدة من إخفاء العائدات الإجرامية في حق المقاول يعقوب ولد العتيق.

وحكمت المحكمة بالحرمان من الحقوق المدنية ومصادرة الأملاك المتحصل عليها من الإثراء غير المشروع في حق أحمد سالم ولد إبراهيم فال، المدير السابق لشركة صوملك.

كما قررت المحكمة الحكم بمصادرة الأملاك العائدة من الإثراء غير المشروع والحرمان من الحقوق المدنية بحق صهر الرئيس السابق محمد ولد مصبوع.

ويواجه ولد عبدالعزيز (66 عاما) الذي حكم موريتانيا بين عامي 2008 و2019، متاعب قضائية منذ تولى حليفه السياسي السابق محمد ولد الغزواني الرئاسة خلفا له، حيث تم توجيه الاتهام لولد عبدالعزيز في مارس/ آذار 2021.

من جانبها، استأنفت النيابة العامة، الأحكام الصادرة في حق بعض المشمولين في ملف العشرية، وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، وذلك بعد 24 ساعة على صدور الأحكام.

وسبق للنيابة العامة أن طالبت بسجن الرئيس السابق مدة 20 عاما، و10 سنوات للوزراء المشمولين في الملف و5 سنوات للبقية.

خيبة آمال

في تعليقه على الأحكام، أكد امربيه ربو اليماني، القيادي في حركة "كفانا" الحقوقية، أن الأحكام في ملف العشرية جاءت مخيبة للآمال، وفتحت الباب أمام المفسدين للاستمرار في فسادهم.

وأوضح اليماني لـ "الاستقلال"، أنه بهذه الأحكام المتساهلة مع الفساد، سيفكر الكل في أنه لا ضير من نهب المليارات، لأنه لن يسجن إلا لمدة بسيطة جدا.

وشدد المتحدث ذاته على أن الأحكام تطبعها السياسة في الغالب، بالنظر إلى عدم تناسبها مع الفساد والنهب الواقع، منبها إلى أن تراكم الفساد وضعف المنظومة القانونية من أبرز التحديات القائمة أمام البلد للتعامل مع هذه الآفة.

من جانب آخر، قال اليماني إن الجميع يعرف أن عشرية حكم ولد عبدالعزيز كانت عشرية فاسدة، ونحن الآن محكومون من رجال ينتمون إلى نفس منطق العشرية.

لذلك، يردف الناشط الحقوقي والسياسي، "المنطق يستبعد أن تكون هذه المحاكمة بعيدة عن تصفية الحسابات، بل إن الملف في الأساس ملف سياسي ناتج عن الصراع الدائر بين ولد عبدالعزيز والرئيس ولد الغزواني، ولذلك لا يندرج في أي مسعى لمحاربة الفساد في البلاد".

وعلل المتحدث ذاته تحليله بالقول، إنه "عندما تم الإعلان عن لجنة التحقيق البرلمانية الخاصة بهذا الموضوع، كنا نتوقع استرجاع ممتلكات الشعب المنهوبة، وأن يشمل الملف جميع المفسدين، وكنا نتوقع عملا جادا على هذا المستوى، لكن مع الوقت، اتضح أنه لا يمكن محاربة الفساد بالمفسدين، ولا يمكن محاربة رجال العشرية برجال من العشرية نفسها".

وعلى هذا الأساس، يرى الناشط الحقوقي والسياسي أن الملف جاء على مقاس عبدالعزيز، بغية تحقيق أهداف سياسية من لدن السلطة الحاكمة.

وزاد، وقد لاحظ المتابعون أن الملف لم يكن ملفا قانونيا، بل ظهر أنه نتاج خلافات خاصة بين الرئيسين، السابق والحالي، أو خلاف على الحكم وإدارة الدولة، أو على تقسيم الثروات والمنهوبات.

وأضاف اليماني، وعلى هذا الأساس فإن الشعب الموريتاني هو الضحية الأولى لهذه المحاكمة، لأن الفساد مستمر، ولم تأت المحاكمة من أجل تحقيق مأمول الشعب في القطع مع هذه الآفة.

فيما اعتبر المحامي سيدي المختار ولد سيدي، في تصريح صحفي أدلى به للمنابر المحلية، أن الأحكام الصادرة من طرف القاضي في حق ولد عبدالعزيز ومن معه كانت "مخففة".

حكم سياسي

من جانب آخر، يرى المحامي محمد المامي مولاي علي، أن الحكم على ولد عبدالعزيز كان حكما سياسيا بامتياز.

وأضاف مولاي علي لـ"الاستقلال"، وهذا الأمر ناتج عن سببين؛ أولهما أن المحكمة تجاوزت النص القانوي والدستوري الصريح في مادته 93، التي تجعل محكمة العدل السامية هي المختصة وحدها في محاكمة رئيس الجمهورية، وتنص على امتناع مساءلة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يقوم بها خلال ممارسة مهامه.

والسبب الثاني، وفق المحامي، وعلى افتراض تجاوزنا المادة المذكورة، فإن الجرائم التي تمت إدانته بها، لن تجد لها في الملف وسيلة إثبات قاطعة، ولا حتى وقائع يمكن أن تكيف بها.

وعليه، يردف مولاي علي، نعتبر أن هذا الحكم كان خاطئا فيما ذهب إليه من تجاوز المادة 93 الدستور، ومن إدانته للرئيس دون الاستناد إلى وقائع يمكن تكييفها تكييفا جنائيا، ودون الاستناد إلى وسائل إثبات يمكن الركون إليها.

واعتبر الفاعل القانوني أن هذا الحكم سيكون له أثر خطير على مؤسسة رئاسة الجمهورية، لأنه يقوض الحصانة الموضوعية الممنوحة لها، والتي بها يمكن للرئيس أن يقوم بالمهام المنوطة به دستوريا، بوصفه يجسد الدولة وضامن السير المطرد للمؤسسات.

في السياق ذاته، قال منسق هيئة دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز محمدن ولد اشدو، إن الحكم سياسي"، مؤكدا أن هيئة الدفاع ستستأنفه.

وأضاف في تصريحات صحفية، أن هذا الحكم يثبت أن محاكمة ولد عبدالعزيز "سياسية" الهدف منها منعه من ممارسة السياسة وحرمانه من حقوقه المدنية".

أما الناشط السياسي جعفر مولاي الزين أحمدو، فيرى أن المحاكمة هي صراع بين ولد عبدالعزيز وولد الغزواني، وأنها نتاج سعي كل طرف إلى استبعاد الطرف الآخر من المشهد السياسي.

وذكر أحمدو لـ "الاستقلال"، أن سبب هذا القول، هو أن الرجلين كانا شريكين بالأمس في تدبير أمور الدولة، مما يعني وجود قواعد تحكم هذه اللعبة القائمة بينهما، وهي في المحصلة لا تخدم الشعب إطلاقا.

ورأى المتحدث ذاته، أن الإجابة عن بعض الأسئلة القائمة يمكن أن تجعلنا نفهم هذه الأبعاد الخفية في القضية، ومنها السؤال عن من يحاكم من؟ من الذي ضغط لتتم هذه المحاكمات؟ ما هو الهدف من هذه المحاكمات؟ وأخيرا من الذي استفاد من نتائجها، الشعب أم أطراف أخرى؟

سابقة موريتانية

بخلاف كل الأصوات التي تقول إن المحاكمة سياسية، يرى الصحفي والكاتب المتخصص في القضايا المغاربية، محمد عبدالله لحبيب، أن الأحكام الصادرة عن المحكمة المختصة بمحاربة الفساد، تؤكد أن الملف مضى إلى نهايته، وصدرت الأحكام بشأنه، رغم كل التشكيك الذي صاحبه عند نشأته برلمانيا، وواكبه إلى أن انتهى في يد القضاء وقال كلمته فيه.

وأوضح لحبيب في مقال رأي نشره عبر موقع "الأخبار" المحلي، في 6 ديسمبر 2023، أن "هذه الأحكام هي على كل حال واجبة السماع، نافذة المفعول بذلّ عزيز أو بذل ذليل".

واعتبر الكاتب أن المحاكمة وما سبقها من تداول في الملف، وضعت رجل القضاء الموريتاني، والأجهزة المكلفة بمحاربة الفساد على سكة جديدة لم تطأها الأقدام من قبل في بلدنا، وفي منطقتنا عموما، وهو ما يعني خبرة متراكمة، وجرأة استثنائية، كما يعني في ذات الوقت ردعا استثنائيا.

وأردف، كما ترسل هذه الأحكام "رسالة إلى من يحاولون التلاعب بالمال العام، أو المتربحين بطرق غير قانونية أن يد العدالة ستطالكم في يوم من الأيام".

وذكر لحبيب على أن الأحكام أبانت عن رادع جديد للمرة الأولى، ويتعلق بالحكم على متهم بمصادرة الأموال بموجب الإثراء من غير سبب، مشددا على أن هذا الأمر يشكل سابقة وزلزالا من الحجم المدمر على المتلاعبين بإجراءات التسيير المختلفة، الذين يزعمون أنهم "لا يتركون أثرا".

وذكر الكاتب الصحفي أن سؤال "من أين لك هذا"، أصبح بالإمكان طرحه، وأن يرتب على إجابته أثر قضائي فوري، ما لم تكن الإجابة صريحة غير مغمغمة ولا ملتوية.

وشدد لحبيب أن الأحكام في ملف العشرية كانت نابعة من حقائق واجهها القضاة، ورأوا عليها الأدلة المادية التي تسند أحكامهم، وهو ما يبين عدم ارتهان القضاة لأي أحكام مسبقة من الرأي العام، ومن ذلك تبرئة الرئيس السابق من بعض التهم الموجهة إليه.

وخلص الكاتب إلى أنه "مهما يمكن القول عن استقلال القضاء في كثير من بلدان العالم الثالث، ومنها بلادنا، إلا أن قضاءنا استطاع أن يختط لنفسه مساحة سيّجها بكثير من المهنية، وغير قليل من الجرأة، والاتكاء على الضمانات التي يمنحها القانون".

من جانبه، أكد الكاتب الصحفي الحبيب الأسود، أن الأحكام الصادرة في حق ولد عبدالعزيز، أعلنت نهاية الرجل سياسيا، كما تمثل اغتيالا معنويا ونهاية تراجيدية لمسيرة ضابط انقلابي، ورئيس حاول أن يحمي نفسه بترشيح وزير دفاعه محمد ولد الشيخ الغزواني للسباق الرئاسي بدلا عنه.

وأضاف الأسود في مقال رأي نشره عبر موقع "العرب" اللندني، 06 ديسمبر 2023، أن ولد عبدالعزيز وجد نفسه أول ضحايا هذا الاختيار الذي مضى فيه، بسبب ما عُرف بأزمة مرجعية الحزب الحاكم بعد محاولته العودة إلى الساحة السياسية من بوابة الحزب الحاكم.

وذكر الكاتب أن هذه العودة رفضتها أغلبية أعضاء اللجنة القيادية لإدارة الحزب، التي أعلنت ولاءها وانحيازها لولد الشيخ الغزواني بصفته الرئيس المباشر، مما يعني وفق الأسود، أن ولد عبدالعزيز "فقد أي إمكانية لاستئناف نشاطه السياسي".

تفاعل مجتمعي

عدد من الناشطين الموريتانيين تفاعلوا مع القرار القضائي الصادر في حق الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، مشيدين به، فيما انبرى آخرون لإبراز دلالاته السياسية، وانتقاد فساد السلطة السياسية القائمة حاليا في البلاد.

وفي هذا الإطار، قال الصحفي عيسى الطالب عمار، إنه بعد الأحكام الصادرة من محكمة الفساد، لم تعد هناك حاجة لمحكمة العدل سامية لمحاكمة الرؤساء والوزراء الأول، بل أصبح من اختصاص القضاء العادي محاكمتهم.

وأضاف عمار في تدوينة على فيسبوك، في 4 ديسمبر، "وبالتالي إما أن يهرب غزواني للخارج، بعد مأموريته الثانية، وإما أن يهيئ نفسه للمحاكمة، وليبتلع معه المادة 93 من الدستور".

 

وانتقد الناشط والمدون عبدالرحمن ودادي، الحكم على عبدالعزيز، حيث رأى أنه مخفف.

وقال ودادي في تدوينة على فيسبوك، في 4 ديسمبر، "باع الميناء وعقد صفقة بولي هوندونغ التي فرطت في الثروة السمكية، وأفسد البلاد والعباد، ولوث منصب الرئيس، وترك ديونا ب 5 مليارات دولار، والنتيجة خمس سنوات كأي لص ماعز أو تلفونات؟!".

 

واعتبر ودادي في تدوينة أخرى، أن "استئناف النيابة للأحكام في ملف العشرية هو الأمل الأخير في حفظ سمعة القانون والعدل في هذه البلاد"، مشددا أن "موريتانيا بأكملها شاهدت بأم العين كيف يتم إغماض العين عن الجرائم الكبرى والتنكيل بصغار اللصوص".

أما الناشط السياسي الطالب عبدالودود، فوصف المحاكمة بأنها "مجرد تصفية حسابات سياسية مكشوفة، الهدف منها إبعاد صديق الأمس عن المشهد المزري اليوم".

وأضاف عبدالودود في تدوينة على فيسبوك، في 4 ديسمبر، "المضحك في المسرحية هو أن العصابة عيّنت معظم رموز العشرية التي كان الرجل الثاني فيها ولد الغزواني نفسه".

 

واسترسل "المضحك أكثر هو أن الفساد الذي شهدت موريتانيا في أربع سنوات مع غزواني وشلته من لصوص العشرية، وما تم صرفه فاق كل ما تم نهبه في أكثر من 60 سنة من عمر لمراغة المسكونة؟!".

وأضاف الناشط السياسي: "مصاريف الدولة على رحلات الكائن الفضائي ولد الغزواني وحدها تكفي لبناء مستشفيات وتشييد مصانع وخلق فرص عمل للشباب. المصاريف على لوبيات المحامين والقضاة تكفي لبناء مدارس وتعبيد طرق..".

وتابع: "قلناها منذ سنوات والواقع يشهد بذلك يوما بعد يوم: لا يمكن تنظيف النجاسة بالنجاسة، ولا يستطيع اللصوص محاكمة اللصوص".