في الذكرى السبعين لثورة الجزائر.. هكذا تتشابه حرب الاستقلال مع "طوفان الأقصى"
في 1 نوفمبر 2024، احتفل الجزائريون بالذكرى السبعين لثورتهم المجيدة
تكاد تتطابق حالة الشعب الفلسطيني الذي يواجه إبادة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شكلا وموضوعا مع الشعب الجزائري وهو يخوض غمار حرب الاستقلال التي أنهت الاحتلال الفرنسي الطويل.
ففي 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، احتفل الجزائريون بالذكرى السبعين لثورتهم المجيدة التي بدأت في مثل هذا اليوم عام 1954.
فما هو الهجوم "القسنطيني" الذي حدث خلال سنوات ثورة الجزائر؟ وما علاقته بهجوم "طوفان الأقصى" على المحتل الإسرائيلي؟ ومن هو قائد هجوم الجزائر زيغود يوسف؟ الذي تتشابه قصته مع قصة القائد الفلسطيني يحيى السنوار.
بدايات الثورة
فعندما بدأ الشعب الجزائري الثورة، كان الجيش الفرنسي المحتل للجزائر تعداده يصل إلى 460 ألف مقاتل.
ويتكون من وحدات متعددة تشمل قوات الكوماندوز والمظليين والمرتزقة متعددي الجنسيات، وقوات حفظ الأمن، وقوات الاحتياط، والقوات الإضافية من السكان الأصليين، أو من أطلق عليهم اسم الحركيين.
إضافة إلى مليشيات المستوطنين الفرنسيين في الجزائر، الذين يشبهون تماما المستوطنين الصهاينة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واجه هذه القوة الفرنسية الغاشمة، قوة جزائرية لا تكاد تصل إلى 30 ألف مقاتل، مسلحين بأضعف الأسلحة من البنادق والمسدسات، وبلا عتاد يذكر.
وقد شملت العديد من التنظيمات الثائرة أهمها قوات جيش التحرير الوطني التابعة للفرع العسكري من جبهة التحرير الوطني.
أما أحداث الثورة فقد بدأت بـ 1200 ثائر، وبما يقارب 400 قطعة سلاح، حيث أطلقت أول رصاصة من جبال الأوراس شرق الجزائر.
حينها ردت فرنسا بحل جميع الحركات والأحزاب الجزائرية، واغتيال قادة الثورة، على رأسهم ديدوش مراد وأحمد زبانة وباجي مختار.
وهو ما أدى إلى اشتعال الغضب وبدء الترتيب من قبل الثوار الجزائريين، للإقدام على حدث انتقامي فارق، يؤلم فرنسا ويقودهم نحو التحرير.
ممهدات الهجوم القسنطيني
يعد الهجوم "القسنطيني" أو هجمات "الشمال القسنطيني" إحدى العلامات الفارقة في تاريخ الثورة الجزائرية، ويتشابه معه تماما هجوم "طوفان الأقصى" الفلسطيني يوم 7 أكتوبر 2023.
وكانت ممهدات الهجوم أنه بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية، اضطرت باريس إلى تعيين حاكم جديد لها في مستعمرتها الأهم في إفريقيا، وهو القائد العسكري جاك سوستال.
كانت مهمته الأساسية تكمن في القضاء الكامل على الثورة بقسوة، واستخدم كل الوسائل الممكنة من خلال تطبيق فكرة الإدماج السياسي والإداري للجزائريين في فرنسا.
فقد كانت كل إصلاحاته تحمل في طياتها فكرة الإلحاق ومحق الهوية الجزائرية العربية والإسلامية.
حتى إنه قال في تصريحاته "إن الجزائر تؤلف جزءا لا يتجزأ من فرنسا" لكن واجه سوستال صعوبات شتى في تحقيق فكرته الإدماجية.
بعدها لجأ إلى تفعيل قانون الطوارئ واستعان بضباط من ذوي الخبرة في حرب العصابات من أمثال الجنرال "بارلنج" والعقيدين "ديكورنو وبيجا" للحد من روح المقاومة الشعبية، وهزيمة الثورة.
أحداث الهجوم القسنطيني
اتخذت قيادة المنطقة العسكرية الثانية لجيش التحرير الوطني الجناح العسكري لـ"جبهة التحرير الوطنية" المفجرة للثورة قرارها بشن هجمات كبيرة على مواقع جيش فرنسا ومصالحها الاقتصادية.
وبنت خطتها على اختيار تاريخ وتوقيت يصعب توقعهما، وكان مهندس الهجمات المناضل الجزائري زيغوت يوسف، وهو الشخصية الجزائرية المماثلة لشخصية يحيى السنوار، في فلسطين.
وتولى زيغوت قيادة المنطقة الثانية خلفا لقائده ديدوش مراد الذي استشهد في 17 يناير 1955 وكان القرار صعبا لأنهم كانوا يعلمون كيفية انتقام فرنسا.
بعد تخطيط سري مكثف وقع الاختيار على يوم 20 أغسطس/ آب 1955، الذي صادف يوم سبت، لتنفيذ عمليات هجومية تكون ساعتها الصفر منتصف النهار.
وذلك عكس كل التوقعات التي تعودت على عمليات مماثلة ليلا أو قبيل الفجر. وإلى جانب التوقيت المميز لقتال المستعمر ومباغتته في وضح النهار، شارك في العمليات مقاومون مسلحون ببنادق صيد ومواطنون مسلحون بفؤوس وعصي وبنزين وآلات حادة.
وبالفعل هاجم المقاومون الثكنات العسكرية بكل قوة، وأتلفوا أعمدة الكهرباء وأحرقوا مزارع ومخازن الحبوب وتمكنوا من احتلال عدة مدن وقرى في هذا اليوم، منها "سكيكدة وجيجل وميلة وعنابة وقالمة ونصف من سطيف وبجاية".
وقتل في ذلك اليوم من الفرنسيين 125 سواء من الجنود النظاميين والمرتزقة أو المستوطنين المقيمين في تلك المدن.
انتقام وحشي
وجاء الرد الفرنسي على الهجمات وحشيا وقاسيا إلى أبعد الحدود، إذ أنزلت فرنسا جام غضبها على العزل والأبرياء من المدنيين.
وقد أرسلت الحكومة المركزية في باريس 17 طائرة عسكرية إلى محافظة سكيكدة وحدها لقصف القرى والمناطق التي حدثت بها الهجمات.
ويتداول المؤرخون الجزائريون تصريحات فرنسية شهيرة عن ذلك اليوم، تقول "إن الجزائريين نظموا الهجمات في 20 من الشهر وسنقتل منهم 20 ألفا".
ودون الكاتب الجزائري "محمد سيف" في كتابه "محاضرات في تاريخ الجزائر المعاصر، الصادر عام 2022، أنه من أشكال التنكيل الفرنسي بالجزائريين حينها القتل الجماعي للمواطنين، والذبح والحرق والسلب والنهب.
وقصف المدن بالطائرات وانتهاك الأعراض وبقر بطون الحوامل والتمثيل بالبشر وسحق الأطفال والنساء المكبلين بالدبابات ودفن الناس أحياء.
وقد وثق المؤرخ الجزائري، أحسن بومالي، في كتابه عن "إستراتيجية الثورة في مرحلتها الأولى، أن حصيلة الانتقام الفرنسي، كانت استشهاد ما بين 12 ألفا إلى 14 ألف جزائري.
استشهاد زيغود يوسف
وأضاف بومالي في كتابه: "فجرت الحصيلة الدموية الثقيلة التي خلفتها هجمات الشمال القسنطيني خلافات بين قادة الثورة الجزائرية ما دفعهم للإسراع إلى تنظيم مؤتمر الصومام لمراجعة وتقييم أداء الثورة".
وأتبع: "بعد سنة من تلك الهجمات، اجتمع قادة الثورة في وادي الصومام وهناك دافع زيغود يوسف بقوة عن الهجمات عادا إياها خففت الحصار على الثورة كما تمت ترقيته في المؤتمر إلى رتبة عقيد".
ومع ذلك ظلت فرنسا تسعى إلى قتل زيغود يوسف بكل الطرق الممكنة، بصفته مهندس الهجمات وقائد الجيش الذي بدأ حرب التحرير.
وفي 23 سبتمبر/ أيلول 1956، خلال إحدى جولات زيغود في زمام المدن الجزائرية الشمالية، لتنظيم الوحدات العسكرية، أغارت عليه القوات الفرنسية بعد كشفها لهويته لتتمكن من قتله.
وقال عنه أحسن تليلاني "رئيس مؤسسة زيغود يوسف"، في 2 نوفمبر 2024 خلال الاحتفال بالثورة: "كان زيغود صاحب نظرة متكاملة للثورة وقدرة جيدة على قراءة الأحداث الداخلية والخارجية لذلك قرر انتفاضة شاملة في المنطقة التي يقودها حتى يكون لها ما بعدها محليا وعالميا وكان هذا سببا رئيسا لاستقلال الجزائر بعد سنوات".
مكاسب إستراتيجية
وبحسب مقال الكاتب الجزائري "ناصر جابي" في صحيفة القدس العربي، في 27 أكتوبر 2024، فإن هذه الهجمات تحديدا كانت بمثابة الانطلاقة الثانية لثورة التحرير.
حيث أسقطت دعاية الاستعمار التي كانت ترفض عد اندلاع الكفاح المسلح "ثورة" وتصر على وصف المقاومين الأوائل بأنهم "أقلية خارجة عن القانون". كما كسرت حاجز الخوف من قوة فرنسا الطاغية، وغيرت قناعات الناس وأثبتت أن الشعب الجزائري مصمم على نيل الاستقلال.
وكان وقع الهجمات وصداها بداية لتدويل القضية الجزائرية عالميا وحطم إلى الأبد فكرة دمج الجزائريين بفرنسا والقضاء على شخصيتهم الإسلامية العربية. وبعدها أصبح ممثلو الثورة يحضرون المؤتمرات الدولية بصفة أساسية ما عُد نصرا دبلوماسيا مكن قيادة الثورة من البناء عليه فيما بعد.
وأكمل بأن الفلسطينيين الذين يمرون بمحنة قاسية هذه الأيام وهم يتعرضون إلى حرب إبادة إسرائيلية، أجزم أنهم في حاجة إلى التعرف أكثر على تاريخ الحالة الجزائرية، تحديدا هجمات الشمال القسنطيني.
لأنها قد تكون مفيدة لهم وهم يمرون بفترة صعبة من تاريخهم الوطني، حتى إن اختلفت المعطيات بين الحالتين.
ثم اختتم بأن الصراع لن يحسمه جيل واحد، مهما بذل من جهود، ومهما كانت تضحياته.
فالصراع لا يقتصر على البعد العسكري مهما كانت أهميته، بل يشمل المستويات السياسية والثقافية والروحية وغيرها من المستويات التي يمكن تجنيدها في هذا الصراع المصيري.
المصادر
- لماذا عملية طوفان الأقصى على خطى ثورة التحرير الجزائرية..قيادي بحماس يكتب
- «الطوفان» والجزائر وفييتنام: تفاؤل العقل والإرادة
- فلسطين في ذكرى أول نوفمبر الجزائري
- هجمات الشمال القسنطيني.. درس جزائري لن تنساه فرنسا
- أعاد الحياة للثورة الجزائرية وقاد أكبر هجوم لها وتمنى الموت قبل الاستقلال.. القائد الثوري زيغود يوسف