الحنين للاستعمار.. هكذا تدفع فرنسا بتسهيلات جديدة لجذب كفاءات المغرب

النظام الجديد سيسهل إجراءات الحصول على موعد لتقديم طلب التأشيرة
لا تنفك فرنسا عن اتخاذ إجراءات جديدة، تهدف إلى استقدام العمالة ذات التكوين العالي، خاصة من مستعمراتها السابقة، ومنها المغرب.
وأعلنت القنصلية الفرنسية بالرباط، عن نظام جديد، يهدف إلى تبسيط وتسهيل عملية طلبات التأشيرات للطلاب المغاربة الذين أكملوا تعليمهم العالي في فرنسا أو في المدارس الفرنسية في المغرب.
ووفق موقع "أنفا نيوز"، 20 يونيو/حزيران 2024، فإن النظام الجديد يسعى إلى تسهيل حصول خريجي الجامعات الفرنسية الحاصلين على شهادات في الهندسة أو درجات أعلى مثل الدكتوراه، والمسجلين في منصة خريجي فرنسا، على تأشيرات دخول الدولة الأوروبية.
وذكر الموقع، أن "النظام الجديد سيسهل إجراءات الحصول على موعد لتقديم طلب التأشيرة ومعالجة ملفك بشكل أسرع. ستكون هناك مواعيد محددة لإرسال ملفات الطلب".
وشرحت القنصل العام لفرنسا في الرباط ساندرين ليلونج موتا، أن طلبات التأشيرة ستظل تعالج وفقا للوائح منطقة شنغن، لكن النظام الجديد سيسهم في تبسيط الإجراءات بشكل كبير.
وأوضحت في فيديو عبر منصة إكس، 17 يونيو 2024، أن هذا "لا يعني أن جميع الطلبات ستحصل تلقائيا على التأشيرات، بل إذا كان ملف الطلب كاملا ومستوفيا للشروط، فإن صاحبه سيكون قادرا على الحصول على تأشيرة تمتد من سنة إلى خمس سنوات".
وأكدت موتا أن "هذه التأشيرة ستمكن حاملها من دخول فرنسا والتنقل داخل دول الاتحاد الأوروبي وأن الطلبات يمكن تقديمها بدءا من الآن".
استغلال واضح
وفي هذا الصدد، علق الناشط السياسي الهواري سعيد شكري على قرار القنصلية بقوله، "فرنسا تتلقف سنويا مئات المتفوقين والعباقرة والمهندسين من الطلبة المغاربة دون أن تصرف عليهم حتى ريالا. إنه الاستعمار بشكله الجديد".
وترى القيادية النقابية والسياسية حليمة الشويكة، أن ما صدر عن القنصلية ليس جديدا أو غريبا، فهي مستمرة في نهجها القائم على استنزاف الطاقات والأدمغة المغربية.
وأضافت لـ"الاستقلال": "هذا أمر واقع نراه بشكل مستمر منذ عقود وليس سنوات"، مشيرة إلى أن من بين أسباب استمراره هو أن النظام التعليمي المغربي سواء ما قبل البكالوريا أو ما بعدها هو في عمومه تابع للنظام التعليمي الفرنسي.
فعلى سبيل المثال، نجد أن الأقسام التحضيرية بالمغرب هي نسخة طبق الأصل من مثالها الفرنسي، وفق تقديرها.
وتابعت: "تكون تلك الأقسام الفرنسية ملاذا للعديد من الطلبة المغاربة حين لا تسعفهم النقاط المتحصل عليها للولوج إلى نظيرتها المغربية، خاصة أنها ذات استقطاب محدود، أي من حيث عدد المقاعد المتاحة".
وواصلت القول: "نعرف العديد ممن حصل على معدل أقل من العتبة الضرورية في المغرب، ومع ذلك تمكنوا من ولوج المدارس نفسها في فرنسا وتفوقوا مقارنة مع الطلبة الفرنسيين أنفسهم".
وأشارت إلى أن الأمر يصبح أكثر خطورة من حيث الاستنزاف، عندما يتخرج الطلبة المغاربة، سواء من المدارس الفرنسية أو المغربية، فلا يجدون في سوق الشغل في المغرب الفرص التي تكافئ وتوازي شهاداتهم وكفاءاتهم.
وترى أن "هناك شركات متغولة تستغل المهندسين، مقابل أجور زهيدة، مما لا يكون أمامهم من خيار سوى البحث عن فرص عمل أفضل خارج البلاد، وهو ما يعني استنزافا حقيقيا للدولة، خاصة أنها استثمرت مبالغ مهمة في تكوينهم".
من جانبه، لا يرى خالد الصمدي، كاتب الدولة الأسبق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أن إعلان السفارة الفرنسية "بريء" من مشروع "استقطاب الكفاءات المغربية خريجة التعليم الفرنسي العالي بشكل عام".
وقال الصمدي لموقع "هسبريس" المحلي، 20 يونيو 2024، إن علاقة فرنسا بالدول المستعمرة في السابق، على غرار المغرب والجزائر، "تطبعها إستراتيجية قديمة معروفة، تهمّ بالأساس استقطاب أجود الكفاءات، سواء التي تدرس بفرنسا، أو حتى بأراضي الدول المغاربية".
ورأى الخبير في قضايا التربية والتكوين أن فرنسا تعاني من "نقص كبير في اليد العاملة كما هو الحال في الدول الأوروبية، وهو ما يدفعها للبحث عن إستراتيجيات جديدة لسد هذا النقص، واستقطاب الكفاءات".
وشدد الصمدي أن تسهيلات الفيزا للطلبة المغاربة تدخل "ضمن هذه الإستراتيجيات التي تصل أيضا إلى العديد من الوكالات الفرنسية المنتشرة بالمملكة، وتشجّع الحاصلين على الباكالوريا على الذهاب إلى فرنسا".
ولفت إلى "وجود أشكال جديدة من الهجرة لدى الكفاءات المغربية، وهي العمل عن بعد لفائدة شركات أجنبية من داخل الأراضي المغربية".
وبين أن "حلول المغرب لمواجهة هذا الأمر تكون عبر توفير ظروف وتحفيزات لفائدة الطلبة المغاربة، خاصة على مستوى المنح والأجور".
هجرة الأدمغة
ومع نهاية عام 2023، كشف تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية عن ارتفاع حجم هجرة الأدمغة المغربية إلى فرنسا.
وأصبح المغرب يحتل المركز الثاني لأعلى دول تشهد هجرة الكفاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة للحد من هذه الظاهرة المقلقة.
وحسب التقرير، فإن شركات فرنسية تقبل أخيرا على استقطاب مهندسي الحاسوب المغاربة، بالإضافة إلى اليد العاملة المؤهلة في مجالات تركيب الألياف البصرية، والميكانيك.
وأوضح التقرير ذاته، أن الشركات الفرنسية استقطبت نحو 1900 عامل وموظف بعقود دائمة سنة 2022، مقارنة بـ 300 فقط في سنة 2013، مما يشكل تزايد هجرة الأدمغة المغربية نحو فرنسا.
وأشارت "لوموند" إلى أنه يجرى تسهيل الهجرة المهنية من قبل المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII) بالدار البيضاء، بعد تجميع ملفات طلبات التأشيرة وتقديمها إلى القنصلية.
ومن بين اليد العاملة المؤهلة، التي تمر عبر المكتب، نجد أن 65 بالمئة هم مهندسو الكمبيوتر، إضافة إلى التقنيين في القطاع الصناعي ومنهم عمال الميكانيك الذين أصبحوا مطلوبين من طرف شركات صناعة السيارات.
كما سبق لوزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي، أن كشف أن ما بين 3700 مهندس وطبيب يهاجرون سنويا إلى الخارج.

ويتعلق الأمر بـ 700 طبيب وما بين 2000 و3000 مهندس. وذكر الوزير أن سنة 2018 وحدها عرفت مغادرة 603 أطباء للمغرب، وهو ما يشكل نسبة 30 بالمئة من عدد خريجي كليات الطب والصيدلة.
كما رصد تقرير رسمي سابق ارتفاع الأطباء المغاربة الممارسين بالخارج، حيث يتراوح عددهم ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب، وهو ما يعني إحصائيا أن طبيبا واحدا من كل ثلاثة يمارس المهنة خارج البلد.
وتكلف هجرة هذه الكفاءات الدولة المغربية خسائر مالية مهمة سنويا، وذلك بالإضافة إلى الخصاص في الموارد البشرية خاصة في المهن الأساسية والحيوية كالصحة.
وتقدر بعض التقارير أن المغرب يخسر سنويا ما بين 0.10 و0.25 بالمئة من الناتج الداخلي الخام بسبب هجرة الأطباء وحدهم، فضلا عن باقي التخصصات.
وتحتسب التقارير الدولية كلفة هجرة الأدمغة، حيث تنفق الدولة سنويا على تعليم هؤلاء وتكوينهم إلى حين تخرجهم، ووقتها يهاجرون خارج أرض الوطن بحثا عن فرص حياة أفضل.
وهو ما يضيع على المغرب الاستفادة من كل تلك النفقات التي يصرفها على تعليم هؤلاء، سواء كانوا أطباء أو مهندسين أو غيرهم من باقي الأدمغة المغربية التي فضلت الاستقرار خارج أرض الوطن.
مسؤولية الحكومة
من جانب آخر، يواجه مهندسو الوظيفة العمومية في المغرب حالة احتقان بسبب أزمة حوار مع الحكومة، والذين خاضوا سلسلة من الاحتجاجات، منها تنظيم وقفة أمام البرلمان في 24 أبريل/نيسان 2024.
واتهم المهندسون الحكومة بإقصاء ملفهم المطلبي من الحوار الاجتماعي الحالي، محذرين من "الهجرة نحو الخارج".
ورصد المهندسون المغاربة وجود تجاهل وإقصاء لملفهم المطلبي منذ بداية الحوار الاجتماعي الحالي، بعدما كانوا يعولون على هذه المحطة للتداول حول النظام الأساسي لهذه الفئة والرفع من أجورهم في القطاع العام.
وسبق أن هدد الاتحاد عينه، في يناير/ كانون الثاني 2024، بخوض برنامج نضالي في حالة عدم تلبية مطالب المهندسين وفتح حوار معهم من قبل الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية.
ومطالب المهندسين المغاربة بالقطاع العام، هي إقرار النظام الأساسي، ورفع الأجور، وتنظيم ممارسة المهنة الهندسية وقضايا أخرى.
ويغادر أكثر من 600 مهندس مغربي في التكنولوجيا والمعلوميات المملكة كل سنة، حسب تقرير لصحيفة "ليزيكو" الاقتصادية.
ويعادل هذا الرقم جميع خريجي أربع مدارس عليا للهندسة في المغرب خلال عام واحد، أما الذين يمكثون في البلاد فينتظرون الفرصة المناسبة للرحيل بحثا عن آفاق أخرى لاستثمار خبرتهم، مما يضع مسؤولية كبيرة على عاتق المسؤولين الحكوميين.
وفي هذا الصدد، ترى حليمة الشويكة، أن أول ما يجب فعله لمواجهة هذا النزيف، هو إصلاح المنظومة التعليمية لتتمكن من استيعاب الطاقات المعرفية والعلمية وحتى يجد كل الطلاب أماكنهم ومقاعدهم للدراسة في أريحية وأجواء مناسبة للتحصيل العلمي.
واسترسلت في حديثها لـ"الاستقلال": بعد ذلك يجب أن يجرى تطوير سوق الشغل، بحيث لا يتم السماح للشركات المتغولة العابرة للقارات بأن تستنزف وتستغل طاقاتنا، سواء بالعمل في المغرب "عن بعد" لصالح شركات خارج المملكة أو عبر شركات مغربية.
وشددت المتحدثة ذاتها، أنه يجب أن يكون هناك تدخل للدولة في هذا الإطار، بحيث لا يتم استغلال الخريجين، بل يجب ضمان فرص عمل تحترم الكفاءة التي يتوفرون عليها، وبالمقابل المادي المناسب.
وخلصت إلى أن الإبقاء على الكفاءات الجاهزة وعالية التكوين في البلاد، فيه خدمة كبيرة للوطن، كما أنه يفوت الفرصة أمام فرنسا وغيرها من الدول التي تستغلها.