الغرب يهاجم العراق بعد تجريمه للشذوذ الجنسي.. هل يعيده للعزلة الدولية؟

يوسف العلي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

موجة غضب غربية حادة أثارها قانون "تجريم الدعارة والشذوذ الجنسي" في العراق، وصل إلى حد التلويح بسحب شركات الاستثمار الأجنبية، الأمر الذي فتح باب التساؤل واسعا بخصوص مستقبل علاقة بغداد مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.

ففي 27 أبريل/ نيسان 2024، نجح البرلمان العراقي بحضور 170 نائبا من أصل 329، في إقرار قانون تجريم "الدعارة والشذوذ الجنسي"، والتي تصل عقوبتها إلى السجن 15 عاما، بعد أن كانت نسخته الأولى تنص على عقوبة الإعدام قبل خضوعها للتعديلات.

وأكد بيان للبرلمان أن إقرار القانون خطوة ضرورية لحماية البنية القيمية للمجتمع، ومصلحة عُليا لحفظ أبنائنا من دعوات الانحلال الخلقي والشذوذ الجنسي التي باتت تغزو دول العالم، مشيرا إلى أنه وفّر الغطاء التشريعي لردع هذه الأفعال ومن يروج لها.

ضغوط هائلة

على ضوء ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال بيان في 27 أبريل، إن "الولايات المتحدة تشعر بالقلق الشديد إزاء إقرار مجلس النواب العراقي تعديلا على التشريعات القائمة، والذي يُسمى رسميا قانون مكافحة البغاء والمثلية الجنسية، ويهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحميها الدستور".

وأضاف أن "القانون يحظر العلاقات الجنسية المثلية مع فرض غرامات باهظة والسجن وكذلك بعقاب أولئك الذين يروجون للمثلية، وإن الحد من حقوق بعض الأفراد في مجتمع ما يقوض حقوقا للجميع"، وفق تعبيره.

ولفت ميلر إلى أن "التعديل يهدد الفئات الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي، ويمكن استخدامه لعرقلة حرية الرأي والتعبير وكذلك منع عمليات المنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العراق، كما يضعف التشريع قدرة العراق على تنويع اقتصاده وجذب الاستثمار الأجنبي".

وتابع: "قد أشارت تحالفات الأعمال التجارية الدولية بالفعل إلى أن مثل هذا التمييز في العراق سيضر بالنمو التجاري والاقتصادي في البلاد".

وزاد ميلر، قائلا: "إن احترام حقوق الإنسان والاندماج السياسي والاقتصادي أمر ضروري لأمن العراق واستقراره وازدهاره. ويتعارض هذا التشريع مع هذه القيم ويقوض جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي التي تبذلها الحكومة".

من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، على حسابه بمنصة "إكس" في 27 أبريل، إن "التعديلات على قانون مكافحة الدعارة العراقي، والتي تجرم المثليين، تعد خطيرة ومثيرة للقلق".

وأردف: "لا ينبغي استهداف أي شخص بسبب هويته، ونشجع حكومة العراق على دعم حقوق الإنسان والحريات لجميع الناس دون تمييز".

بدورها، انتقدت منظمة العفو الدولية في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية في 28 أبريل "انتهاك حقوق الإنسان الأساسية"، زاعمة أن التعديلات "تشكل خطرا على العراقيين الذين يتعرضون بالفعل للمضايقات يوميا"، في بلد محافظ تمارس فيه أقليات جنسية حياتها خفية.

وعلى الصعيد ذاته، كشف عضو البرلمان العراقي، مصطفى سند، عما وصفها "ضغوطا رهيبة" مورست من قبل سفارات 16 دولة أوروبية مع السفارة الأميركية، لعرقلة تمرير ما سماه، قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي".

وذكر في تدوينة على منصة "إكس" في 27 أبريل، أن "الضغوط على المشرع العراقي وعلى القيادات العراقية، لغرض عدم تشريع التعديل الأول الخاص بقانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي".

وأردف: "لدرجة أن جرى سحب القانون من جدول الأعمال، وتأخير التصويت عليه من البرلمان بسبب زيارة رئيس الوزراء العراقي (محمد شياع السوداني) إلى واشنطن، خشية تعكير جدول الزيارة".

 وأضاف النائب العراقي أنه "جرى التصويت على التعديل من البرلمان، وهو أمر يُحسب للّوبي البرلماني الضاغط، وللرئيس (النائب الأول لرئيس البرلمان ويدير الجلسات بالإنابة) محسن المندلاوي شجاعة القرار".

عزلة مستبعدة

وعن تأثير القانون على علاقة العراق مع الغرب، قال الخبير السياسي والقانوني العراقي، علي التميمي، إن "القانون جرى التصويت عليه من البرلمان، الجهة التشريعية الوحيدة في البلد وسيكون نافذا بعد إرساله إلى رئيس الجمهورية عليه، ونشره في صحيفة الوقائع الرسمية".

وأوضح التميمي لـ"الاستقلال" أن "العراق بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة، وبالتالي له سيادته الكاملة وبإمكانه أن يشرع القوانين التي يراها مناسبة، وأن النظام السياسي في البلد هو برلماني، بالتالي ما يشرعه الأخير يؤخذ به وتسير بموجبه الحكومة".

وتابع: “كذلك الدين الرسمي للبلاد وفقا للدستور، هو الإسلام، وهناك آيات قرآنية تحرّم مثل هذه الأفعال التي جرّمها القانون، وبالتالي فهو ينسجم مع مبادئ وقيم الإسلام والنظام العام السائد”.

ورأى التميمي أن "تدخلات الدول الغربية مردودة وفق القانون الدولي، وطبقا للمواد المدرجة في ميثاق الأمم المتحدة، والتي تؤكد على استقلالية الدول وسيادتها ومنع أي دولة من التدخل في شؤون الدول الأخرى".

وأردف: "القانون الحالي شأن داخلي للعراق، ويحق للسلطات العراقية تقديم شكوى ضد كل من يتدخل من الدول الأخرى، وإذا كانت سفارة فبإمكانها طرد السفير، وعده غير مرغوب فيه، وذلك استنادا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، وهذه أدوات بيد البرلمان والحكومة العراقية".

وشدد على أن "القانون لن يتسبب في عزلة دولية للعراق، وإنما سيجعله أكثر انفتاحا على العالم، لأن الدول التي تحترم معتقداتها وأديانها تكون محترمة من الآخرين، خصوصا أن العراق لم يتدخل في شؤون دول الغرب، حتى تتدخل هذه الدول في شؤونه الداخلية وقوانينه المشرّعة".

وشدد التميمي على أن "من يلوح بسحب الاستثمارات من العراق لن يؤثر على البلد بشيء، لأن العلاقات واحترام الشعوب لا تكون عبر الجانب الاستثماري، وإنما بالحفاظ على القيم والمبادئ وعدم التدخل في شؤون الآخرين". 

من جهته، ردّ سفير العراق في بريطانيا، جعفر الصدر على تصريحات وزير الخارجية البريطاني، بالقول: يجدر بكم أن تقلقوا على الإبادة الجماعية وانتهاك الإنسانية في قطاع غزة، والخطر الحقيقي في نشر ما يخالف الطبيعة الإنسانية وكل الشرائع والأديان، رجاء احتفظوا بنصائحكم، فنحن شعب لنا آلاف السنين من الحضارة والإنسانية".

"معاول للهدم"

وعلى الصعيد ذاته، رأى الخبير القانوني العراقي عدنان الشريفي، أن "قانون مكافحة البغاء السابق كان يغطي جزءا كبيرا من هذه الجرائم، لكن ما استجد فيه بعض القضايا منها عملية الشذوذ الجنسي أو المثلية وتبادل الزوجات والتخنث".

وأكد الشريفي خلال تصريح لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 28 أبريل "وجود حاجة مجتمعية لإقرار مثل هذا القانون، فهناك انهيار في المنظومة الأخلاقية بشكل كبير، بعدما تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى معاول لهدم الأسر".

ويعرج الشريفي على مصطلح التخنث الذي عاقب القانون مرتكبه، بالقول: "هناك خلل في التعريف، فهو يحتوي على معنى فضفاض يمكن أن يلصق به أي شخص يرتدي شيئا مختلفا ويحمل شكلا معينا".

ولفت الخبير القانوني إلى أن "القانون تعرض للذكر الذي يتشبه بالأنثى، ولم يتعرض للمرأة إذا مارست الذكورة، على الرغم من أن القانون يدعي الحفاظ على الثوابت في قيم المجتمع".

وعاقب القانون بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات أو الغرامة من 5 – 10 ملايين دينار من مارس فعل التخنث، الذي عرفه القانون بـ"كل ممارسة مقصودة للتشبه بالنساء".

وفي 15 أبريل، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن دبلوماسيين من 3 دول غربية القول إنهم ضغطوا على السلطات العراقية لعدم إقرار مشروع القانون بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، وأيضا لأنه سيجعل العمل مع العراق صعبا من الناحية السياسية، في وقت تحاول فيه البلاد تخفيف عزلتها الدولية بعد سنوات من الاضطرابات.

وقال دبلوماسي بارز للوكالة، طالبا عدم كشف هويته نظرا لحساسية الأمر، إنه "سيكون من الصعب للغاية تبرير العمل الوثيق مع دولة كهذه في بلادنا"، مشيرا إلى أنهم "كانوا صريحين للغاية.. إذا تم إقرار هذا القانون بصيغته الحالية، فستكون له عواقب كارثية على علاقاتنا الثنائية والتجارية".

وتجرم أكثر من 60 دولة الشذوذ الجنسي، في حين أن هذه الممارسات قانونية في أكثر من 130 دولة، وفق بيانات “أور ورلد إن داتا”.

وحين شرّعت أوغندا في مايو/ أيار ،2023 قانونا يتضمن عقوبة الإعدام لبعض الأفعال الجنسية المثلية، أوقف البنك الدولي القروض الجديدة للدولة الواقعة في شرق إفريقيا، كما فرضت الولايات المتحدة قيودا تتعلق بالتأشيرات والسفر على مسؤولين أوغنديين.