بعد تغيرات سوريا ولبنان.. هل بات الانفصال خيار حلفاء إيران بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تحوّل مفاجئ، يطرح حلفاء إيران خيار إعلان "دولة العراق الشيعية"، وذلك بانفصال مدن المكوّن الشيعي عن باقي الجغرافيا العراقية التي تضم السنة والأكراد والتركمان وغيرهم، بعدما كانوا يرفضون بشدة أي محاولة لإقامة إقليم سني، أو انفصال الإقليم الكردي عن البلاد.

ومنذ عام 2013 يطالب السنة في العراق بإقامة إقليم بسبب ما يصفونه بـ"الإقصاء والظلم والطائفية"، التي يعاملون بها من حكومات ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، فيما أجرى الكرد عام 2017 استفتاء "حق تقرير المصير" الذي وُوجِه داخليا وإقليميا.

ووجه حينها حلفاء إيران ممن يطالبون اليوم بإقامة "دولة شيعية"، اتهامات للطرفين السني والكردي بمحاولات تقسيم العراق، الأمر الذي أثار اليوم تساؤلات عن أسباب تحول موقفهم المفاجئ وطرحهم موضوع "استقلال" المكون الشيعي بعيدا عن باقي المكونات.

"دولة شيعية"

ورغم أن الدستور العراقي لعام 2005، يمنع إقامة دول، وإنما يقتصر على إنشاء الأقاليم فقط، بدأت قوى سياسية شيعية تطرح ضرورة إعلان الاستقلال في تسع محافظات ذات غالبية شيعية في وسط البلاد وجنوبها، والانفراد بالثروة النفطية فيها، وحرمان باقي المدن منها.

وتنص المادة 119 الدستورية، بأن "كل محافظة أو أكثر يحق لها تكوين إقليم، بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين، أولا: طلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة، ثانيا: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".

وخلال مقابلة تلفزيونية في 4 مارس/آذار 2025، دعا النائب حسين مؤنس رئيس كتلة "حقوق" البرلمانية التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقي، إلى إعلان الشيعة الاستقلال عن العراق بدولة جديدة. 

وقال: إن "الشيعة متمسكون حتى اليوم بالحاكمية الشيعية، رغم أن هذا يعرضّهم للابتزاز من باقي المكونات، من أجل تثبيت فلان أو علان رئيسا للوزراء، وبعدها تخلق لذات الشخص مشكلات مع الكتل الشيعية الداعمة له طيلة مدة حكمه".

وبناء على موضوع "الابتزاز" الذي تحدث عنه، دعا النائب مؤنس، إلى أن “يكون لدى الشيعة صيغة أخرى غير الحاكمية”، التي تعني سيطرة هذه الطائفة على السلطة بحكم الأغلبية وعلى مبدأ ولي الفقيه.

وهو أن "نخيّر الآخرين بين الاستقلال الشيعي أو الفيدرالية، وبين الحاكمية الشيعية، وهذا يمنحنا مجالات للتفاوض مع الآخرين".

وشدد مؤنس على "ضرورة الذهاب إلى الاستقلال بتسع محافظات من العراق (ذات غالبية شيعية)، وليس الأقاليم، إذا بقي الشيعة يتعرضون للابتزاز بسبب الحاكمية"، وفق قوله.

وقبلها، قال زعيم ائتلاف "دولة القانون" القيادي بالإطار التنسيقي الشيعي، نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية في 28 فبراير/ شباط 2025: إن "الشيعة سينفردون بالنفط إذا أجبروا على تقسيم العراق".

وبمثل هذا الطرح، كتب المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي، سلام عادل، أنه "لن يجد الشيعة مخرجا من المحاصصة والفيدرالية المتعالية، غير الذهاب باتجاه حق تقرير المصير المكفول في ميثاق الأمم المتحدة، على أرضهم التاريخية المرتبطة بالمقدسات".

وقال خلال مقال نشره موقع "إنفو بلس" العراقي في 6 مارس، إنه “يمكن تفعيل ذلك من خلال استخدام ورقة الاستفتاء الشعبي على إقامة جمهورية العراق الشيعية، يسير معها بالتوازي تأييد استفتاء انفصال الأكراد لسنة 2017”.

ويترافق مع ذلك "دعم توجهات السنة بالذهاب أيضا إلى دولة وليس مجرد إقليم، ويكون الجميع أحرارا بطبيعة حكمهم على أوطانهم الجديدة"، وفق قوله.

"أقل الخسائر"

وعن توقيت طرح مشروع الانفصال الشيعي حاليا، قال مصدر سياسي عراقي: إن "القوى الشيعية سعت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إلى تثبيت حق إقامة أقاليم في الدستور الجديد للبلاد". 

وقال المصدر لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته: إنه "عندما سألنا القوى الشيعية عن أسباب حرصهم على إقامة أقاليم رغم أنهم أمسكوا بزمام حكم العراق بالكامل، أكدوا لنا تخوفهم من المستقبل".

وأوضح أن "المجلس الإسلامي العراقي، بقيادة عبد العزيز الحكيم (يرأسه همام حمودي حاليا)، أكد في حينها لأطراف سياسية أن الشيعة في العراق يبقون أقلية في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا، وهذا يهدد وضعهم في حكم البلد مستقبلا".

وأشار المصدر إلى أنهم "يحاولون ترجمة تخوف الطبقة السياسية الشيعية منذ ذلك الحين، بالانحسار إلى محافظاتهم فقط، في حال حصل أي تغيير للنظام السياسي في العراق، وإنهاء حكم حلفاء إيران، بعدما تراجع دور حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا".

ولفت إلى أن "الطرح الحالي من قيادات شيعية مرتبطة بإيران، يدل على أنه ثمة توجه جديد وممنهج للتلويح بهذا الخيار، في حال جرى إضعافهم في العراق، أو إبعادهم عن السلطة في البلاد".

وعلى الصعيد ذاته، قال النائب السابق والسياسي العراقي، مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 5 مارس: إن "حديث المالكي عن تقسيم العراق، هو نتاج تفكك الهلال الشيعي في المنطقة".

وأردف: "كان الأمر مستحيلا عندما طالب السنة بإنشاء إقليم لهم عام 2014؛ لأن المنطقة السُنية كانت حلقة وصل بين نصف الهلال الشيعي الواصل من إيران إلى العراق، والنصف الآخر مع سوريا ولبنان".

وتأتي هذه الطروحات، بعدما دعت الولايات المتحدة الأميركية، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024.

الشيء نفسه أكده رئيس البرلمان، محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر، بالقول: "إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد لرئيس الوزراء العراقي (محمد شياع السوداني) ضرورة حصر السلاح بيد الدولة". مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".

"فشل في الحكم"

وعلق الكاتب والسياسي العراقي، ليث شبّر، على الأطروحات بالقول، "ليكن في علم الطائفيين والمتطرفين من الشيعة، أن الخيرات والثروات الوطنية الموجودة في مناطقنا التي تسكنها الأغلبية السنية هي أضعاف ما هو موجود في محافظات الوسط والجنوب (غالبية شيعية)".

وأضاف خلال سلسلة تغريدات على منصة "إكس" في 7 مارس، أن “الحديث عن إقليم شيعي أو دولة شيعية، طعنة في خاصرة كل عراقي شيعي”، مبينا أن "قانون تجريم الطائفية هو الحل الوحيد لمثل هذه الأصوات الانفصالية".

ورأى شبّر أن “الشيعي بالعموم أقل الناس كفاءة في الإدارة والعمل وبلا شك السبب ليس في شيعيته، وإنما البيئة التي نشأ فيها والتربية الروزخونية (البكاء واللطم) التي ترعرع فيها، فهي تعادي مشروع الدولة والانصياع للأوامر والتعليمات، وتعظم من التمرد والتملص”.

وتابع السياسي الشيعي الذي يصف نفسه بأنه ليبرالي، قائلا: "أعرف جيدا أن كثيرا من أبناء الطائفة الشيعية سيهاجموننا ولكن هذا نتاج تجربة حياة عشتها متنقلا في جميع أرجاء وطني من السليمانية إلى البصرة، ونتاج عمل إداري وسياسي وتعليمي جاوز الـ30 عاما".

ووجه خطابه إلى أصحاب الطرح الجديد، بالقول: "إنك بدعوتك إلى دولة شيعية من المحافظات التسعة، أثبت بلا أدنى شك بأنك غير قادر على إدارة العراق، وأنك غير كفء لتبقى في المشهد السياسي، وأنك تنفذ أجندة إسرائيلية- إيرانية لتقسيم البلاد".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي، إن "الذي يتوقع أن البصرة (غالبية شيعية) تمتلك أكثر احتياط نفطي في العراق فهو واهم جدا، فهناك كميات هائلة من النفط في محافظات صلاح الدين والموصل وكركوك والأنبار (غالبية سنية)".

وتابع: “فضلا عن أن الغاز والكبريت والفوسفات والحديد ويقال حتى اليورانيوم يتمركز ثقله في الأنبار إضافة إلى الموصل”، مبينا أن "الجماعة (الشيعية) لا يعلمون ماذا يحاك لهم في الخفاء، ويعتقدون أن إعلان الاستقلال سيزيد من ثرواتهم".

وأردف: "هنا لا مانع من تذكيرهم، أن أكثر الذين اعترضوا على دعوات استفتاء كردستان ورفض فكرة الإقليم السني هم قادة الشيعة، والآن يردد بعضهم فكرة الاستقلال وليس الإقليم، وهذه دعوات مخالفة للدستور".

من جانبه، قال الباحث العراقي، أحمد الساعدي، عبر “إكس” في 6 مارس، إن "الإقليم الشيعي" هو الورقة الأخيرة لإيران وحلفائها في مشروع تقسيم العراق، بعد إدراكهم حتمية التغيير الجاري.

وفي السياق ذاته، قال الكاتب سجاد تقي كاظم، خلال مقال نشره موقع "صوت كردستان" العراقي في 8 مارس: إن "فشل الإسلاميين الشيعة في حكم العراق وراء دعوتهم للتقسيم".

وعدد عدة أمور وراء فشلهم تتمثل في “سرقاتهم وعمالتهم لإيران وإهمالهم المتعمد لأي نهوض صناعي وزراعي وخدمي وتعليمي وصحي وتفشي المخدرات المهربة من طهران”.

كما أكد أنهم فشلوا في إقامة علاقات حسنة مع القوى الدولية المؤثرة"، مشيرا إلى أن “مخاوفهم من فقدان الحكم يدفعهم لتقسيم العراق”.