انفراد بالأخبار.. أسرار وخفايا العلاقة بين قناة العربية والجيش الإسرائيلي
كشفت قناة إسرائيلية عن خبايا وأسرار التعاون بين جيش الاحتلال والقناة السعودية
في تطور لافت، انتقلت قناة العربية السعودية من التواطؤ مع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى التعاون معه في استقاء الأخبار، ضمن تغطيتها المنحازة لتل أبيب خلال العدوان على غزة.
ومنذ تنفيذ عملية طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تميزت تغطية قناة العربية بالانحياز للاحتلال والتسويق لمصداقية روايته، مع شيطنة حركة المقاومة الإسلامية حماس.
أداة بيد الاحتلال
لكن يتخذ الأمر اليوم شكلا أكثر تطورا، حيث كشفت القناة 11 الإسرائيلية عن خبايا وأسرار التعاون بين جيش الاحتلال والقناة الإخبارية السعودية.
وقالت خلال تقرير لها منتصف سبتمبر/أيلول 2024 إن “الجيش الإسرائيلي يمد قناة العربية بأخبار حصرية مقابل تحسينها لصورة إسرائيل في العالم العربي”.
ويُظهر هذا الكشف كيف أصبحت القناة السعودية أداة إعلامية عربية في يد جيش الاحتلال الذي يشن عدوانا مدمرا على قطاع غزة، جرى رصده في أكثر من مناسبة.
وكان من ذلك، نشر القناة اسم خليل المقدح القيادي العسكري في "كتائب شهداء الأقصى"، الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مباشرة عبر قصف مركبته في مدينة صيدا جنوبي لبنان.
إذ انفردت القناة في 21 أغسطس/آب 2024، بالكشف عن اسم المستهدف داخل المركبة المحترقة، الذي لم يكن أحد يعرف حينها هويته.
وقالت القناة 11 العبرية إن “شهود عيان كانوا موجودين في مكان الهجوم، قالوا إنهم عرفوا اسم الشخص المستهدف من قناة العربية، في الوقت الذي كان فيه الدفاع المدني يحاول إخراج الجثة من المركبة ولم يتعرفوا بعد على هوية الضحية”.
كما انفردت قناة العربية بنشر تفاصيل الهجوم الإسرائيلي الأخير على مركز البحوث العلمية بريف محافظة حماة السورية في 9 سبتمبر/أيلول 2024.
إذ استهدف الاحتلال الإسرائيلي أهم مركز لتطوير الأسلحة خصوصا الصواريخ والمسيّرات في وسط سوريا، ضمن هجوم واسع النطاق أسفر عن مقتل 18 شخصا وجرح أكثر من 37 آخرين، حسبما ذكرت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري.
وهذه التطورات أكدتها كذلك، أوريت بيرلوف، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية في مقابلة نشرتها صحيفة هآرتس في 27 أغسطس/آب 2024، قائلة: “تتعاون إسرائيل مع قناة العربية وتعمل على نقل الرسائل إليها”.
ويلاحظ مما رصدته “الاستقلال” خلال شهور العدوان، ازدياد المساحة الممنوحة للقادة السياسيين والعسكريين وحتى المحللين الإسرائيليين على شاشة العربية.
كما لاحظت أن القناة تستضيف الناطق باسم الجيش دانيال هاغاري للتعليق على استهدافات أو عمليات محورية ومركزة سواء في غزة أو لبنان، وذلك بعد تنفيذ العدوان العسكري مباشرة.
وضمن حرب المصطلحات، قالت القناة العبرية إن العربية لا تستخدم مصطلحات إخبارية كمعظم القنوات العربية.
فهي تستخدم على سبيل المثال مصطلحات من قبيل: “قتيل فلسطيني بدل شهيد، رهينة أو مختطف إسرائيلي بدلا من أسير، وحركة حماس بدلا من المقاومة الفلسطينية”.
وتختم القناة العبرية بالقول إن تقارير العربية منذ توقيع اتفاقات أبراهام التطبيعية مع دول عربية عام 2020، هي ترجمة للعلاقات الدافئة بين إسرائيل والسعودية.
وبينت أن القناة السعودية تعمل على تهيئة الرأي العام لاتفاقات مستقبلية ربما تشمل التطبيع نفسه، مضيفة : “لا يسع المرء هنا إلا أن يتساءل، كيف ستؤثر نتائج الحرب على مصير التحالفات والعلاقات من داخل العالم الإسلامي مع إسرائيل؟”
انحياز للعدو
وكان خط العربية التحريري في التعامل مع طوفان الأقصى واضحا، فقط بعد مرور أسبوعين على العملية عندما أجرت مقابلة مع رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل لقيت احتفاء إسرائيليا وغضبا عربيا.
واحتفت صحيفة هآرتس العبرية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بمقابلة الصحفية المصرية في قناة العربية رشا نبيل مع خالد مشعل "حيث طرحت عليه أسئلة عن 7 أكتوبر لم يجرؤ عليها أي صحفي عربي حتى الآن"، وفق وصفها.
وعلى سبيل المثال، طرحت نبيل أسئلة من قبيل: كيف تطلب من الغرب والعالم دعم القضية الفلسطينية عندما يكون التركيز الآن على ما فعلته حماس بالمدنيين الإسرائيليين؟
وتجاهلت نبيل هنا أن أغلب الإسرائيليين هم في الواقع مسلحون أو جنود احتياط، كما أنهم مستوطنون يعيشون في أراض مصنفة وفقا للقانون الدولي على أنها محتلة.
كما سألت الصحفية مشعل: “يقول الغرب إن الحرب هي رد إسرائيلي على ما فعلته حماس في 7 أكتوبر والمجتمع الدولي يسمح لها بالرد بما يسميه بالدفاع عن النفس. هل هناك أي فرصة للاعتذار عما حدث للمدنيين الإسرائيليين؟”
وتقول هآرتس: "اهتمت شبكات التلفزيون العربية ببث مقاطع من العملية التي صدم بها زعيم حماس في غزة (رئيس المكتب السياسي الحالي للحركة)، يحيى السنوار، إسرائيل، لكن قناة العربية وتحديدا رشا نبيل تجرأت وتناولت الأمر من المنظور الإسرائيلي".
وأضافت الصحفية في كلامها لخالد مشعل: "لقد شاهد العالم الغربي على شاشات تلفزيونه هجوما غير مشروع لحماس على المدنيين الإسرائيليين، أنتم المسؤولون عن صورة الحركة حول العالم، والآن تتم مقارنتكم بداعش (تنظيم الدولة)”.
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف القناة السعودية عن هذا النوع من الطرح رغم الانتقادات العربية الكبيرة على وسائل التواصل.
وبعدها، قالت صحيفة معاريف العبرية إن "قناة العربية لا تبث كلمات متعاطفة مع إسرائيل وتحاول إظهار عدم تأييدها لكنها تنتقد حماس وتعمل ضدها منذ بداية الحرب وتحلم باليوم التالي لها".
وأشارت خلال تقرير مطول عن تغطية العدوان في 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى أن قناة العربية تعبر عن رغبتها بانتهاء حركة حماس.
وتساوقت قناة العربية وغيرها من وسائل الإعلام السعودية مع رواية الاحتلال الإسرائيلي في الزعم بأن حركة حماس تقود المعركة من قلب مستشفى الشفاء وتختبئ بين المدنيين.
وظهر المحلل العسكري لقناة العربية توفيق قهوجي وهو يقول إن مركز عمليات حماس يقبع في مستشفى الشفاء، كما وصف الحركة بـ"تنظيم الدولة" وهو ما احتفت به وسائل إعلام عبرية.
ما السبب؟
ويعلق الصحفي الفلسطيني ياسر محمد بالقول إن قناة العربية تحارب المقاومة في غزة منذ ما قبل طوفان الأقصى، “وكان من الطبيعي أن تواصل هجومها عليها بعد العملية”.
ويرى في حديث مع “الاستقلال” أن العربية تأتمر بأمر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، “ومن هنا يمكن فهم سياسة المملكة في التعامل مع الملف الفلسطيني، حيث لا تريد أي مستقبل لحركة حماس في غزة”.
ويوضح أنه “على عكس الإمارات التي لا تريد أي دور لحماس والسلطة الفلسطينية معا، فإن السعودية تدعم تثبيت أركان حكم رام الله في الضفة وغزة، ومن هنا ستكون انطلاقتها نحو التطبيع”.
ويعتقد أن طوفان الأقصى أثرت على عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهو ما دفع الرياض لبث سمومها وتشويه المقاومة في غزة لأن مخططها لم ينجح حتى الآن.
وفيما يخص التطور الأخير بشأن التعاون مع جيش الاحتلال، قال محمد إن “من يتابع وسائل الإعلام العبرية، يعرف كم الرضا والاحتفاء بقناة العربية، وهذه مكافأة لهم على أدوارهم”.
ويرى أن ما يجري يعد تطورا خطيرا لا يصل فقط إلى كون العربية أداة تلميع لجيش الاحتلال، ولكن “يصل إلى حد العمالة والتواطؤ والمشاركة عبر الإعلام، حيث يخبر العدو القناة بالجريمة قبل أو خلال تنفيذها أو بعدها مباشرة”.
وعن هذا الأمر، كتب الفلسطيني عمر إبحيص على فيسبوك: “احتمال من اثنين لا ثالث لهما، إما أن ضابطا في الجيش الإسرائيلي رئيس تحرير قناة العربية أو أن رئيس تحريرها ضابط في الجيش في تل أبيب ! سرعة معرفة أسماء المستهدفين ونتيجة استهدافهم لا تدع مجالا للشك”.
فيما قال الناشط السياسي اليمني عبد الشافي النبهاني على منصة إكس إن “العربية كانت ولا تزال تمارس دورا مشبوها وتعمل وفق أجندة تتقاطع مع أجندة الاحتلال الإسرائيلي وجهاز المخابرات الصهيوني في استهداف مقاومة الشعب الفلسطيني لاستعادة أراضيه المحتلة وطرد الاحتلال”.
وفي 27 أغسطس، قالت صحيفة هآرتس العبرية، إن قناة العربية تعمل كمنصة بديلة، بعيدا عن الأصوات المعادية لإسرائيل في المنطقة، وأبرز ما كان لافتا فيها أخيرا، استضافتها للناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، الذي يتجاهل المشاهد العربي متابعته.
وقالت الصحيفة؛ إن العربية ومقرها حاليا الرياض، فجرت في 19 يونيو/حزيران غضب المشاهدين العرب، حين استضافت هاغاري من المنطقة الشمالية، ليهاجم حزب الله على شاشتها، لدرجة قال البعض؛ إنها قناة "عبرية صهيونية" فضلا عن تساؤل البعض ما إذا كانت محطة إسرائيلية بالفعل.
ورأت بأن هذا جزء من القصة الأوسع للقناة، التي تنافس على تشكيل السردية والوعي الجمعي في دول الخليج، وتاريخ صعودها يعكس جهود الأسرة الملكية السعودية؛ لجعلها واحدة من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا في العالم العربي.
ورغم أن القناة بدأت ضمن مجموعة إم بي سي السعودية، إلا أنها انتقلت من دبي عام 2021 إلى العاصمة الرياض، ضمن خطط ابن سلمان الجديدة لمنافسة الإمارات.
وتقول أوريت بيرلوف، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، إن “الأمر ليس بدافع حب إسرائيل أو الرغبة في إظهار أنها تحقق انتصارات، بل بدافع كراهية مطلقة للإسلام السياسي”.
ورأت هآرتس أنه مع صعود ابن سلمان إلى السلطة، "أصبحت القناة بمنزلة منبره الإعلامي الذي يعمل على إكسابه الشرعية كقائد يريد أن يوحد العالم العربي ضد العدو الإيراني"، وفق تعبيرها.