الانتخابات بشمال شرق سوريا.. كيف تشكل اختبارا للعلاقات بين تركيا وأميركا؟
يهدف التنظيم إلى كسب الشرعية في المناطق التي يحتلها شمال شرق سوريا
تشكل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في شمال شرق سوريا نقطة توتر دبلوماسية رئيسة، قد تؤدي إلى تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا.
ويعتزم تنظيم "واي بي جي/ بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني) المصنف إرهابيا لدى تركيا تنظيم ما يسمى “الانتخابات المحلية” بمناطق سيطرته شمال شرق سوريا في 18 أغسطس/ آب 2024.
وقالت صحيفة حرييت التركية في مقال للكاتب "سيدات إرغين" إنه “جرت دعوة المنظمات الدولية لإرسال بعثات مراقبة للانتخابات المحلية، الأمرُ يعكس جدية المسألة”.
وكان من المقرر تنظيم الانتخابات في 11 يونيو/حزيران لكن الإدارة المدنية للتنظيم أعلنت عبر صفحتها على فيسبوك في السادس من نفس الشهر، تأجيلها إلى أغسطس، وسط انتقادات داخلية وخارجية بشأن عقدها.
الإدارة الذاتية
وتهدف دعوة المنظمات إلى جذب انتباه المجتمع الدولي إلى الانتخابات المقررة في المنطقة، حيث تعزز الإدارة الذاتية صورة “الحكم الديمقراطي في المنطقة”.
ويهدف التنظيم من إقامة انتخابات محلية إلى كسب الشرعية في المناطق التي يحتلها شمال شرق سوريا.
وقال الكاتب: جرى تحديث "العقد الاجتماعي"، الذي يعد دستورا للإدارة الذاتية في شمال سوريا، من خلال إضافة كلمة "ديمقراطي" إلى اسمها.
ومن الجدير بالذكر أن مفهوم "الكونفدرالية الديمقراطية" الذي يستند إليه العقد الجديد هو من تأليف زعيم منظمة “بي كا كا” عبد الله أوجلان المسجون في تركيا.
وتابع الكاتب التركي: إن الكوادر الرائدة في الإدارة الذاتية غالباً ما تكون أعضاء في هياكل تابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا. ومع ذلك، يوجد أيضًا ممثلون لمجموعات عرقية أخرى.
وأشار إلى أهمية هذا التطور الذي لم يجر التركيز عليه بما فيه الكفاية في الرأي العام التركي، وهي أن الهيكل الذاتي شرقَ الفرات قد قطع مسافة ملحوظة نحو المؤسسية.
وفي العقد الاجتماعي المتفق عليه تعد الإدارة الذاتية جزءا من “الجمهورية الديمقراطية السورية”، وبالتالي فإن الهدف هو وجود هيكل ذاتي يضمن سلامة أراضي سوريا في المستقبل.
ومن المعروف أن هذا الهيكل الذاتي سيكون له وضع خاص داخل سوريا، وعلم منفصل يرفع إلى جانب علم الجمهورية الديمقراطية السورية. وستكون اللغات الرسمية لهذا الهيكل العربية والكردية والسريانية.
وتدعي الإدارة الذاتية أنها تمثل جميع الجماعات العرقية في المنطقة، بما في ذلك الأكراد والعرب والسريانيين.
ويقول الكاتب: “دعونا نواجه الأمر، اليوم هناك إدارة تعرف نفسها بأنها الإدارة الذاتية الديمقراطية لمنطقة شمال وشرق سوريا ويجرى التعامل معها بهذه الهوية في العديد من الدوائر في المجتمع الدولي”.
وسيكون من العدل القول في هذه المرحلة إن هذه الهوية تترسخ تدريجياً في الساحة الدولية.
ولفت إلى الإدارة التي تحمل هذه الهوية تنتشر اليوم بشكل رئيس في شرق الفرات على جغرافيا تقارب ثلث أراضي سوريا.
ويمكن تعريف الإدارة الذاتية على أنها نظام يستمد جذوره من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وبين أنّ قسد تشكل وحدات حماية الشعب التي تمثل الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني في سوريا. وتعد هذه القوات العمود الفقري الرئيس للإدارة الذاتية.
وتهيمن قوات سوريا الديمقراطية على الوضع العسكري شرق الفرات، وتعد أيضاً الحليف الرئيس للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
ومن وجهة النظر هذه، فإن قوات سوريا الديمقراطية هي منظمة عسكرية تعمل معها القيادة المركزية الأميركية بشكل وثيق جدا على الأرض في سوريا، "حيث يخدم الإرهابيون التابعون لحزب العمال الكردستاني في مواقعها الرئيسة".
وبينما تعمل قوات سوريا الديمقراطية على السيطرة العسكرية على الأرض تحت إشراف الولايات المتحدة، تمثل الإدارة الذاتية أيضًا الهيكل المؤسسي الإداري في نفس الجغرافيا.
وتقوم الإدارة الذاتية على هيكل إداري يعتمد على مختلف المؤسسات والمجالس. وإذا أجريت الانتخابات المحلية، فإن هذا الهيكل سيكون قد تجاوز مرحلة مهمة جداً نحو الحكم الذاتي، وفق تقدير الكاتب.
توتر محتمل
واستدرك: من خلال الرسائل حادة اللهجة التي ترسلها، تحاول تركيا منذ فترة منع الانتخابات المحلية المذكورة.
وقال الرئيس رجب طيب أردوغان نهاية مايو/أيار 2024 إن “تركيا لن تسمح بإقامة دولة إرهابية للمنظمة الانفصالية جنوب حدودها في شمال سوريا والعراق”.
كذلك كانت هناك رسالة قوية في البيان الصادر عن مجلس الأمن القومي قبل يومين من تصريح أردوغان.
فبعد الإشارة إلى المنظمات المصنفة إرهابية (حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب) التي حولت الأراضي تحت سيطرتها في العراق وسوريا إلى "معاقل للإرهاب" والداعمين الذين يقفون خلفها، جرى التأكيد على أنه “لن يجرى السماح بأي أمر واقع يتعارض مع أمن تركيا”.
وقد أرسل وزير الدفاع التركي يشار غولر في تصريحاته المتتالية خلال الأيام الأخيرة رسائل مماثلة.
وقال غولر في آخر تصريح له لوكالة أسوشيتد برس الأميركية "إن الانتخابات المزعومة التي تهدد وحدة الأراضي السورية ستؤثر سلباً على السلام والهدوء في المنطقة. ومن غير الممكن قبول مثل هذا الوضع".
وكرر الخط الوارد في بيان مجلس الأمن القومي بأنه "لن يتم السماح بأي أمر واقع"، لكنه ترك المجال مفتوحاً بشأن كيفية الرد وماهيته.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أنّ هذه الرسائل تبدو موجهةً أولاً وقبل كل شيء إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويُفهم أن القضية قد جرى إثارتها من خلال القنوات الدبلوماسية لإدارة الولايات المتحدة، وأنه تم التعبير عن توقعات بمنع الانتخابات، وإلا فإن هذا الإجراء سيكون له عواقب.
في هذه المرحلة تتجه جميع الأنظار أولاً إلى الولايات المتحدة. وكان التطور اللافت للنظر هو إعلان وزارة الخارجية الأميركية نهاية مايو بوضوح أنها تعارض الانتخابات في شمال سوريا.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية: “يجب أن تكون أي انتخابات تجرى في سوريا حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما هو موضح في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
وأردفت: "لا نعتقد أن الظروف اللازمة لمثل هذه الانتخابات موجودة حالياً في شمال شرق سوريا، وأوضحنا هذا الرأي للجهات الفاعلة في تلك المنطقة".
وعلق الكاتب التركي: “يجب على الإدارة الأميركية اتخاذ قرار مع تركيا حليفها في الناتو (حلف شمال الأطلسي) وحليفها في الميدان في سوريا، وهو الامتداد الكردي لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري ووحدات حماية الشعب”.
ولفت إلى أنه من المحتمل أن الموضوع يجب أن يهم أيضاً وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، التي تعتبر الراعي لوحدات حماية الشعب من خلال القيادة المركزية، ومن المحتمل أن الكلمة الأخيرة ستكون لجو بايدن.
وبين الكاتب أنه حال إجرائها، فإن الانتخابات ستؤدي إلى تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، والتي تعاني بالفعل من مشاكل كثيرة وخطيرة.