من الثورة إلى الإعمار.. كيف وضعت قطر بصمتها في مستقبل سوريا؟

مصعب المجبل | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

تكثف دولة قطر جهودها لدعم إعادة بناء الدولة السورية، عبر تقديم برامج ومشاريع تخدم البنية التحتية، وتوسيع حزم المساعدات الإنسانية والصحية للشعب السوري.

وفي خطوة إستراتيجية وأخلاقية تجاه الشعب السوري، وجه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالبدء في تقديم إمدادات معتمدة من الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية.

وقالت وكالة الأنباء القطرية “قنا” في 13 مارس/آذار 2025 إن الخطوة "تهدف إلى معالجة النقص الحاد في إنتاج الكهرباء وتحسين أداء البنية التحتية".

دعم قطاع الكهرباء

ونقلت الوكالة عن بيان لـ"صندوق قطر للتنمية" قوله: إن "الإمدادات القطرية ستتيح توليد ما يصل إلى 400 ميغاواط من الكهرباء يوميا في المرحلة الأولى، على أن ترتفع القدرة الإنتاجية تدريجيا في محطة دير علي لتوليد الكهرباء بريف دمشق.

وأضاف البيان أنه سيتم توزيع الكهرباء على مناطق عدة في سوريا من بينها العاصمة دمشق وريفها والسويداء ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية وحلب ودير الزور.

ومحطة دير علي تبعد عن العاصمة دمشق 35 كيلو مترا، وزارها في فبراير/شباط 2025 وفد من شركة “أنسالدو” الإيطالية للطاقة من أجل توفير قطع التبديل، وصيانة المحطات فيها.

وتعد من أكبر وأحدث المحطات الكهربائية في سوريا حيث تتراوح استطاعتها بين 1400 و1500 ميغا واط وتغطي 40 بالمئة من الشبكة الكهربائية بالبلاد.

إذ إن المحطة تغذي الشبكة الكهربائية وتنقل الكهرباء إلى أكبر محطات التحويل في الديماس وعدرا بريف دمشق عن طريق شبكة نقل 400 كيلو فولط.

وقال مسؤول أميركي لوكالة رويترز البريطانية: إن صفقة الغاز من قطر حصلت على موافقة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتأمل الدولة السورية الجديدة معالجة الانقطاع المزمن للكهرباء، حيث سيسهم دعم دولة قطر في رفع عدد ساعات عملها في اليوم من 2 إلى 4 ساعات.

وبهذا يمكن عد هذا الدعم الملموس الأكثر أهمية للإدارة الجديدة في دمشق من جانب قطر، التي كانت أحد أشد وأقوى الداعمين للثورة السورية على مدار سنواتها.

إذ إنه على عكس دول عربية أخرى، لم تستأنف قطر العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في عهد رئيس النظام البائد بشار الأسد على الإطلاق.

وجاء ذلك على الرغم من منح الأسد مقعد سوريا بالجامعة العربية في 2023 وحضوره القمة العربية في مدينة جدة في مايو/أيار من العام المذكور.

وكانت قطر ثاني دولة بعد تركيا أعادت فتح سفارتها في العاصمة دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

كما أجرى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 16 يناير/كانون الثاني 2025، أول زيارة رفيعة المستوى إلى سوريا بعد سقوط الأسد، في خطوة لم يسبقه إليها أحد.

وكذلك، كان أمير قطر أول زعيم دولة يزور دمشق في 30 يناير 2025 بعد الإطاحة بالأسد، حيث التقى بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وتعهد بدعم إعادة تأهيل البنية التحتية السورية.

"دعم البنية التحتية"

وفي توضيح لدور قطر في دعم الدولة السورية الجديدة، أكد ماجد الأنصاري، مستشار رئيس مجلس الوزراء والمتحدث باسم الخارجية القطرية، أن خطوة تزويد سوريا بإمدادات كهربائية عبر الأردن جاءت استجابة لاحتياجات الشعب السوري، التي ناقشها أمير البلاد خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق.

وأشار الأنصاري، في لقاء مع "تلفزيون سوريا"، إلى أن المبادرة تركز على دعم البنية التحتية الإستراتيجية في دمشق، خاصة في قطاع الكهرباء، الذي يعد ركيزة أساسية لعودة المهجرين وتحسين الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس.

كما أكد أن تحسين استقرار الشبكة الكهربائية سيسهم في تعزيز الاقتصاد من خلال توفير بيئة مناسبة لعودة المؤسسات الصناعية والاقتصادية إلى العمل، مما سيخلق فرص عمل واسعة.

وحول تفاصيل الإمدادات، كشف الأنصاري أن قطر ستوفر في المرحلة الأولى 400 ميغاوات من الكهرباء يوميا، مع إمكانية زيادتها تدريجيا عبر محطة دير علي.

وأكد أن هذه الخطوة تهدف إلى تحسين استدامة الشبكة الكهربائية في سوريا، مما سينعكس إيجابا على مختلف القطاعات الحيوية.

ولفت المسؤول القطري إلى أن إدارة ملف تزويد سوريا بالكهرباء ستتم عبر صندوق قطر للتنمية، بالتعاون مع وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وأوضح أن برنامج الأمم المتحدة سيشرف على تنفيذ المشروع، بينما ستظل قطر الداعم الرئيس له على المدى الطويل، مشيرا إلى أن هذا الالتزام يمثل خطوة إستراتيجية وأخلاقية تجاه الشعب السوري، ويمهد الطريق لمزيد من الجهود القطرية في إعادة بناء دولته.

ومنذ الأيام الأولى لسقوط نظام بشار الأسد البائد، لعب الهلال الأحمر القطري دورا محوريا في تقديم المساعدات الشاملة إلى سوريا سواء كانت إغاثية أو طبية وغيرها.

إذ لا تزال المساعدات تتدفق إلى سوريا عبر الجسر الجوي القطري، بتمويل من صندوق قطر للتنمية وبتنسيق مع الهلال الأحمر القطري.

 وحتى الآن، تضمنت المساعدات 13 طائرة أميرية بحمولة 33 شاحنة محملة بـ 364 طنا، وثماني طائرات وصلت عبر مطار دمشق الدولي.

كما تضمنت خمس طائرات كانت عبر الحدود (واحدة في الأردن وواحدة في لبنان وثلاث طائرات في تركيا)، كما قال مدير مكتب الهلال الأحمر القطري في تركيا وسوريا، مازن عبد الله.

وينوي الهلال الأحمر القطري توسيع عمله في سوريا ليشمل ترميم البيوت المتضررة من القصف وكذلك البنى التحتية المنهارة في عموم البلاد.

وصممت قطر عدة برامج لدعم السوريين بعد انتصار ثورتهم، من بينها مشروع إمداد الكهرباء كما تعمل على تقديم حزمة متكاملة من الدعم، تشمل المساعدات الإنسانية والصحية، فضلا عن التنسيق لضمان استمرارية تقديم المساعدات وفق الأولويات التي تحددها الحكومة السورية.

وبدا واضحا تركيز قطر بشكل خاص على دعم القطاع الصحي في سوريا، ومنها إرسال وفد طبي للهلال الأحمر القطري لإجراء عمليات نوعية في دمشق على رأسها قسطرة قلبية وإصلاح تشوهات القلب عند الأطفال، إضافة إلى تزويد المستشفيات بالمستلزمات الطبية اللازمة لهذه العمليات.

وقد جرى خلال فعاليات المؤتمر الطبي السنوي الخامس للرابطة الطبية السورية في قطر التي عقدت في فندق شيراتون الدوحة في 3 يناير 2025، إعلان تنظيم مؤتمر طبي دولي في أبريل/نيسان من العام المذكور بالدوحة، يهدف إلى دعم وإعادة بناء النظام الصحي في سوريا.

كما أجرى القائم بأعمال وزارة الصحة السورية، ماهر الشرع، مباحثات في 4 مارس 2025 مع القائم بأعمال سفارة دولة قطر في سوريا، خليفة عبد الله آل محمود الشريف، بشأن سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في المجال الصحي.

وتأتي الجهود القطرية بعدما ترك نظام بشار الأسد المخلوع، القطاع الصحي في حالة من التدهور الشديد لسنوات، حيث عانت المستشفيات والمراكز الطبية من نقص حاد في التجهيزات والكوادر المؤهلة، وتعطل العديد من الأجهزة الطبية الأساسية.

مساندة في المرحلة

على صعيد الأمن، زار اللواء الركن محمد مسفر الشهواني نائب قائد قوة الأمن الداخلي القطرية "لخويا" دمشق في 10 فبراير 2025 وعقد اجتماعا مع وزير الداخلية السوري علي عبد الرحمن كده.

وجرى خلال اللقاء، بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأوجه التعاون وتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين في المجالات الأمنية.

ومن أبرز مخرجات الاجتماع مناقشة خطط التدريب المشترك بين الأجهزة الأمنية السورية والقوات القطرية، مع إمكانية إرسال خبراء قطريين للإشراف على عمليات التأهيل.

وبحث إمكانية تزويد الأجهزة السورية بمعدات وتقنيات حديثة لتعزيز قدرتها على ضبط الأمن والاستجابة للأزمات، وتأكيد أهمية التعاون الأمني الإقليمي في مواجهة التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة.

وبعد حل الجيش وأجهزة الأمن التابعة لنظام بشار الأسد البائد، يؤكد مراقبون أن الدولة السورية الجديدة بحاجة لإرساء بنية تحتية أمنية حديثة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة وتدريب الكوادر الأمنية على أساليب حديثة في حفظ النظام، ومكافحة الإرهاب، وإدارة الأزمات.

إذ تعد قطر من أولى الدول التي مدت يدها لمساندة الدولة السورية الجديدة لتزويدها بالخبرات المطلوبة في المجال الأمني.

وفي إطار تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين الجانبين، استقبلت مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية بقوة الأمن الداخلي "لخويا"  في فبراير 2025 مجموعات من عناصر الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" للمشاركة في برنامج تدريبي خاص تشرف عليه تلك المجموعة.

تضمن البرنامج مجموعة من الدورات التدريبية والتمارين الميدانية، التي تهدف إلى تطوير مهارات الدفاع المدني السوري في التعامل مع الكوارث والأزمات الإنسانية، ويشمل تدريبات ميدانية مكثفة لتحسين مهارات الفريق في عمليات البحث والإنقاذ والتعامل مع الحالات الطارئة.

وجاء ذلك التدريب، بموجب اتفاقية تعاون وقعتها منظمة الدفاع المدني السوري في 20 يناير 2025 مع فريق البحث والإنقاذ الدولي التابع لـ "لخويا" ضمن مراسم في العاصمة دمشق.

وكانت قطر إلى جانب تركيا، من الدول المساهمة بشكل كبير في تشغيل مطار دمشق الدولي وتوفير بيئة آمنة للطيران الدولي إلى سوريا.

إذ زار وفد من دولة قطر سوريا بعد أسبوعين من سقوط الأسد، وأجرى جولة تفقدية في مطار دمشق، وقدم بعض الملاحظات التقنية ووعدوا بتقديم الدعم السريع لتشغيل المطار بصورة آمنة ومطابقة للمعايير الدولية في حركة الملاحة الجوية.

وتعد الخطوط الجوية القطرية من أولى الشركات التي سيرت رحلات مدنية إلى مطار دمشق.

وسياسيا، تواصل قطر دعم الدولة السورية الجديدة في المحافل الدولية، وحث المجتمع الدولي على رفع العقوبات عن سوريا بأسرع وقت ممكن حتى لا تكون حاجزا أمام دخول المساعدات بمختلف أشكالها، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في 25 ديسمبر 2024.

وقد نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي غربي مطلع على الخطة المتعلقة بإمدادات الغاز القطري إلى سوريا، أن ذلك يأتي في إطار جهود تبذلها الدوحة لمتابعة الدعم السياسي من دول خليجية منها السعودية وقطر بتقديم دعم مادي ملموس لتعزيز موقف الحكام الجدد للبلاد.

وأضاف الدبلوماسي "إنهم حريصون للغاية على منح شيء ما في النهاية حتى وإن لم يصنع فرقا ضخما".

ودرست قطر خططا مع الدولة السورية الجديدة لتوفير أموال لزيادة أجور القطاع العام، بعد الرفع المؤقت لبعض القيود والعقوبات الأميركية في يناير 2025.

إلا أن وكالة رويترز قالت في فبراير 2025: إن قطر تحجم عن تقديم تمويل لحكام سوريا الجدد لزيادة رواتب القطاع العام بسبب الغموض الذي يكتنف مسألة انتهاك التحويلات المالية للعقوبات الأميركية.