عبر "ممر زنغزور".. كيف وجهت روسيا "ضربة" إلى حليفتها الأبرز إيران؟
مسؤولون روس أكدوا دعم موسكو لحق باكو في إنشاء ممر زنغزور
رغم العلاقات الثنائية التاريخية بين روسيا وإيران، وتحالفهما الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، فقد برز خلاف بينهما عقب زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى أذربيجان، وإعلان موسكو دعم إنشاء ممر زنغزور الذي يربط الأخيرة بنخجوان عبر أرمينيا.
وكان بوتين قد تحدث أثناء الزيارة في 18 و19 أغسطس/آب 2024، عن حق باكو في امتلاك ممر بري يربطها بمنطقة نخجوان، فيما انتقد وزير خارجيته، سيرغي لافروف، سياسة أرمينيا الرافضة لتنفيذ اتفاق المعابر والممرات لعام 2020.
ويقع ممر زنغزور في جنوب القوقاز، ويمر عبر منطقة سونيك بجنوب أرمينيا، ويهدف إلى ربط جمهورية أذربيجان بمنطقة نخجوان ذات الحكم الذاتي التابعة لها، وذلك عبر الأراضي الأرمينية.
ويعمل ممر زنغزور الواصل بين أذربيجان وتركيا مرورا بأرمينيا وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم، على إزالة العقبات التي كانت لسنوات أمام التعاون الإقليمي في المنطقة.
وسيوفر الممر رابطا جديدا بين أنقرة وباكو، حيث يعبر أراضي ولاية زنغزور الأرمينية التي تفصل بين البر الرئيس لأذربيجان وجمهورية نخجوان الأذربيجانية ذاتية الحكم المحاذية لتركيا.
ويعني هذا أن الموافقة الروسية تلبي حاجات كل من تركيا وأذربيجان، كما أن أرمينيا لا تمانع إنشاء الممر الذي كان نقطة رئيسة في اتفاق وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ توصلت إليه موسكو بين باكو ويريفان في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
غضب إيراني
وسارعت إيران إلى استدعاء السفير الروسي ليكسي ديدوف، وأبلغه مساعد وزير الخارجية الإيراني، مجتبی دمیرجی لو، "دعم طهران السلام والاستقرار الإقليميين ومعارضتها أي تغييرات في الحدود المعترف بها دوليا والوضع الجيوسياسي الراهن".
وقال بيان للخارجية الإيرانية في 3 سبتمبر/أيلول إن "الدبلوماسيين تبادلا وجهات النظر حول الأحداث الجارية في القوقاز، وأشارا إلى احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية والمصالح المتبادلة للدول" الذي يعد "الضامن للسلام المستدام والتعاون الإقليمي".
في السياق، عد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أي تغيير في الحدود القائمة “أمرا غير مقبول على الإطلاق”.
كتب في تغريدة على منصة “إكس” أن "أي تهديد يوجه ضد سلامة أراضي دول الجوار أو تغيير جيوسياسي قرب حدودنا يشكل خطا أحمر بالنسبة لإيران".
ورغم أن الممر لا يمر في إيران، بل يربط الأراضي الأذرية ببعضها برا عبر أرمينيا، ترى طهران أن الأمر متعلق بـ"تغييرات جيوسياسية في القوقاز، ويهدد بتغيير الحدود المعترف بها دوليا في المنطقة".
وتعد منطقة الممر المساحة الحدودية الوحيدة بين إيران، وحليفتها أرمينيا، ويتخوف كلا البلدين من فقدان السيطرة عليها، إلى جانب تقويض مصالح طهران.
من جهته، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوری الإيراني (البرلمان) إبراهيم عزيزي، إن "إنشاء هذا الممر (زنغزور) هو خط أحمر بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن أي تغيير أو إجراء فيه سيواجه برد جدي وحازم من إيران".
ونقلت وكالة "إيرنا" الإيرانية في 7 سبتمبر، عن عزيزي، قوله إن "القضايا المتعلقة بالتطورات الجيوسياسية في ممر زنغزور ليست في مصلحة دول المنطقة، وإيران تعارض هذه القضية بشدة".
وأوضح أن ممر زنغزور مزيف ووهمي ويبدو أن هناك مساعي لتقليص قوة إيران العسكرية والسياسية في المنطقة من خلال إنشائه.
وأضاف: "نحذر الذين يتبعون هذه الأوهام من أن تداعيات مثل هذا القرار ستكون ثقيلة ومكلفة عليهم".
وأكد عزيزي ضرورة متابعة هذه القضية عبر الدبلوماسية من الخارجية الإيرانية، مشيرا إلى أن "إيران تتصرف بعقلانية وذكاء ولم ولن تسعى أبدا إلى خلق التوتر في المنطقة، ولكن إذا تم المساس بسلامة أراضينا فإنها ستقف بقوة ولن تسمح لأي دولة بانتهاك سيادتنا الأرضية".
انقلاب جيوسياسي
وفي 10 سبتمبر، شنت الصحافة الإيرانية هجوما حادا على روسيا، ورأت أنها ليست حليفة إستراتيجية لإيران.
كما أكدت أن موسكو تستعمل الجمهورية الإسلامية ورقة للعب على الطاولة مع الغرب.
ونقلت صحيفة "آرمان ملي" الإيرانية عن الكاتب والدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي في 10 سبتمبر، قوله إن الأحداث في السنوات القليلة أثبتت أن "موسكو ليست حليفا إستراتيجيا لطهران"، مشددا على ضرورة أن تفهم إيران هذه الحقيقة.
واستشهد فرجي بعدد من الملفات، مثل دعم روسيا للدول العربية في قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى) التي تقول الإمارات إنها تابعة لها وإن إيران تحتلها.
كما استشهد بعدم تنفيذها عقدا بقيمة 40 مليار دولار مع إيران، وإبرامها اتفاق بحر قزوين مع أربع دول من دون مراعاة المصالح الإيرانية، وأن هذه الأحداث لا يمكن أن تقع بين حليفين إستراتيجيين.
من جهته، قال السفير الإيراني السابق في روسيا، نعمت الله إيزدي، خلال تصريح لصحيفة "ستاره صبح" في 10 سبتمبر، إن "طهران تعرضت لضربة من قبل الروس، ولا ينبغي بعد الآن الوثوق بهم والاعتماد عليهم".
وأشار إلى أن إيران تعرّضت مرات عديدة لضربات نتيجة الأطماع الروسية، وأن روسيا تستخدم طهران دائمًا وسيطا في معادلاتها الدولية.
وأردف: “كلّما مارس الغربيون ضغوطًا على الكرملين، لعبت موسكو بالورقة الإيرانية خلف الطاولة”، على حد تعبيره.
وعلى الصعيد ذاته، علق الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، قائلا: "زنغزور هو هجوم استباقي من قبل بوتين لمنع احتمالية تشكيل قنوات اتصال بين الدولتين الجديدتين، حكومة إيران والولايات المتحدة".
ونقلت وكالة أنباء "عصر إيران" الإيرانية عن بيشه في 5 سبتمبر، قوله إن “ما حدث قبل 20 عاما بشأن حقوق إيران في بحر قزوين هو نفسه ما يحدث الآن”.
ولفت إلى أنه (بوتين) يعلم أن الرسالة الرئيسة للانتخابات (الرئاسية الإيرانية الأخيرة) هي تخفيف التوترات مع الغرب وإنهاء الاعتماد على الشرق.
من جانبها، نقلت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية عن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، في 5 سبتمبر، قوله: “سلوك المسؤولين الروس تجاه ممر زنغزور والجزر الإيرانية الثلاث غير مقبول على الإطلاق”.
وبين أن هذا السلوك "يتناقض بشكل واضح مع تصريحاتهم عن الصداقة والعلاقات الإستراتيجية مع إيران، يجب عليهم توضيح هذه الالتباسات".
وفقا لشبكة "شرق" الإيرانية، فإن عضو مجلس النواب السابق علي مطهري، قال في 5 سبتمبر، إنه "يجب على الحكومة الرابعة عشرة أن تكون حساسة بشأن إنشاء ممر زنغزور في أرمينيا الذي أبدت روسيا أخيرا رغبتها فيه أيضا".
وبحسب البرلماني الإيراني السابق، فإن "روسيا لم تكن قط تفكر في مصالح إيران، خاصة اليوم وهي مشغولة بقضية أوكرانيا. هذا الممر يغلق الطريق الإيراني إلى أوروبا عبر أرمينيا".
وآخر ما تريده روسيا اليوم هو توتر علاقتها مع إيران التي يتهمها الغرب بدعم موسكو بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية في خضم حربها في أوكرانيا.
تأييد روسي
وعلى وقع الجدل الكبير والغضب الإيراني، أكد الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي، سيرغي شويغو، في 11 سبتمبر، التزام بلاده بالتوافقات السابقة مع طهران حول منطقة زنغزور، مشيرا إلى أن "سياسة موسكو لم تتغير في هذا الخصوص".
وخلال لقائه نظيره الإيراني، علي أكبر أحمديان، على هامش اجتماع "بريكس" في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، قال شويغو إن “موسكو تؤكد دعمها لوحدة أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وفق ما نقلت وكالة "مهر" الإيرانية.
واحتفت وكالات إيرانية بتصريحات شويغو، رغم أنها لم تفصح بشكل صريح عن تراجع بلاده عن دعم إنشاء ممر زنغرور الذي أقره الرئيس الروسي ووزارة الخارجية، كونه جرى تضمينه في الوثيقة الثلاثية لإعلان وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا برعاية روسيا عام 2020.
ونصت الوثيقة الموقعة بين روسيا وأذربيجان وأرمينيا على إنشاء ممرين تحت حماية روسية.
ويوجد "ممر لاتشين” كطريق لاتصال أرمينيا بإقليم ناغورنو كراباخ، و"ممر زنغزور" لاتصال أذربيجان بنخجوان عبر سيونيك جنوب أرمينيا.
وعبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن موقف بلاده من “ممر زنغزور” خلال مقابلة مع القناة الأولى الروسية في 4 سبتمبر، قائلا: "نحن نؤيد إبرام معاهدة سلام بسرعة بين باكو ويريفان (عاصمة أرمينيا) وإزالة عوائق الاتصال".
ووصف لافروف الحكومة الأرمينية بأنها عائق أمام هذا الأمر، بالقول: “للأسف هي التي تعرقل الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء نيكول باشينيان بشأن الارتباطات من منطقة سونيك في أرمينيا”.
وأضاف أنه: "بسبب إغلاق أرمينيا لميناء زنغزور، أصبح الاتصال في المنطقة صعبا للغاية".
وقد تزايدت الحساسية تجاه هذا الموقف الروسي بعد تصريحات للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت فيها: "ممر زنغزور هو الطريق الذي يمكن أن يربط الأراضي الرئيسة لأذربيجان بنخجوان من خلال سونيك في أرمينيا".
وردا على سؤال صحفي عن موقف إيران، أجابت زاخاروفا، قائلة: "لقد رأينا قلق الجانب الإيراني بشأن ممر زنغزرو، ويجب عليكم الاتصال بطهران للتوضيح".
وتابعت: “نحن نسير على أساس أن يكون الحل مقبولا لدى أرمينيا وأذربيجان وجيران المنطقة”.
وأوضحت أنَّ "فتح ممر زنغزرو هو تطبيق للبند التاسع من اتفاقية السلام التي عقدت في موسكو خلال نوفمبر 2020".
ويسمح الوضع الحالي لإيران بالوصول إلى دول الشمال: جورجيا وروسيا ودول أوروبية أخرى عبر أرمينيا، وأن تفعيل الممر يسد الطريق عليها ويعزلها، فضلا عن منح روسيا سيطرة أمنية مطلقة على منطقة جنوب القوقاز.
المصادر
- صحف إيران: طهران تعرضت لـ"ضربة" من قبل روسيا
- روسيا تؤكد على التزامها بالتوافقات السابقة مع ايران فيما يخص ممر زنغزور
- رئيس لجنة الأمن القومي: إنشاء ممر زنغزور خط احمر بالنسبة لايران
- ممر زنغزور.. كلمة سر تفتح أبواب التعاون الإقليمي
- ممر زنغزور... موسكو ضد طهران
- نهاية الحرب بين أرمينيا وأذربيجان.. الرابحون والخاسرون