يواجه خطر الترحيل من لبنان.. نجل القرضاوي يدفع ثمن فضحه للسيسي وابن زايد
"هذا الاعتقال قد يؤدي إلى تسليمه للموت"
على منصات التواصل، طالب مئات الناشطين السلطات اللبنانية بإطلاق سراح المعارض المصري الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي، الذي احتجزته أثناء عودته من زيارة إلى سوريا، شارك خلالها في احتفالات الثورة السورية.
ووثق عبدالرحمن (54 عاما) وهو نجل العلامة الراحل يوسف القرضاوي خلال زيارته سوريا سعادته بسقوط رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، وهاجم الأنظمة العربية الحاكمة، في تسجيل مصور من صحن الجامع الأموي، قبل أن ينتقل إلى لبنان ويجرى توقيفه، ويحذف الفيديو لاحقا.
وألقت السلطات الأمنية اللبنانية القبض عليه في 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد دخوله الأراضي اللبنانية قادما من سوريا لوجوده ضمن قائمة الأشخاص المطلوبين الصادرة عن الإنتربول.
وأوضح النائب العام التمييزي في لبنان، أن نجل القرضاوي موقوف في لبنان بموجب "بلاغ الإنتربول الصادر عن مجلس وزراء الداخلية العرب، وذلك استنادا إلى حكم غيابي صادر بحقه عن القضاء المصري بجرائم تتعلق بإذاعة أخبار كاذبة والتحريض على العنف والإرهاب".
من جانبها، نددت جهات حقوقية عديدة بالخطوة، بينها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا التي قالت في بيان إن اعتقال القرضاوي، بعد عبوره من سوريا إلى لبنان يشكل انتهاكا خطيرا لالتزامات لبنان الدولية.
وحذرت من أن تسليمه إلى مصر يعرضه لخطر جسيم على حياته وسلامته، في ظل سجل مصر الحافل بالتعذيب والمحاكمات الجائرة ضد المعارضين السياسيين.
وأكدت أن الحكم الغيابي الصادر بحق عبدالرحمن القرضاوي بالسجن خمس سنوات صدر من محكمة مصرية معروفة بتسييسها القضايا، واستخدامها القضاء كأداة للتنكيل بالمعارضين.
توقيفات سابقة
وسبق أن تعرض معارضون للنظام المصري ورافضون للانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي في يوليو/تموز 2013، بينهم وزراء سابقون وإعلاميون وفنانون، لظروف مشابهة لما تعرض لها القرضاوي.
فقد أوقفت السلطات الألمانية الصحفي أحمد منصور، في مطار برلين في يونيو/حزيران 2015، بناء على مذكرة توقيف مصرية على خلفية تهم ذات طبيعة جنائية.
ورفض النائب العام في ألمانيا الطلب المصري بتسليم منصور، وأفرجت السلطات الألمانية عنه دون توجيه أي تهمة له بعد احتجازه في سجن ببرلين.
وفي أغسطس/آب 2017، اعتقلت الشرطة الألمانية الناشط والصحفي المصري المعارض عبدالرحمن عز، في مطار شونفيلد في برلين بناء على مذكرة توقيف صادرة من الإنتربول، وذلك أثناء توجهه إلى ألمانيا في زيارة عمل قبل مواصلة رحلته إلى تركيا.
كما احتجزت السلطات الإيطالية في أغسطس/آب 2018، محمد محسوب وزير الشؤون القانونية الأسبق في عهد الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، بطلب من سلطات الانقلاب العسكري بمصر، لكنها أطلقت سراحه بعد احتجازه لنحو 20 ساعة قرب مدينة كاتانيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، اعتقل الطبيب المصري الذي يحمل الجنسية التركية عبدالباسط الإمام، من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء خلال زيارته للمغرب، وبعد انقطاع الاتصال لأكثر من 15 ساعة أرسل لأسرته أن السطات المغربية تحاول ترحيله نظرا لمذكرة مصرية.
وأحيل الإمام الصادر بحقه من المحاكم المصرية حكم بالمؤبد في 2017، إلى الشرطة القضائية للتحقيق معه وبعدها لمقر الاحتجاز، قبل أن يفرج عنه لاحقا ويعود إلى تركيا.
خطر حقيقي
وبالرغم من أن الحالات المشار لها تم توقيفها دون ترحيلها، إلا أن آخرين تم تسليمهم، فقد كان ترحيل مدير قناة أحرار 25 مسعد البربري، رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة مختار العشري، من لبنان في 3 أبريل /نيسان 2014، من أوائل حوادث ترحيل المعارضين إلى مصر.
فقد أوقفهما الأمن العام اللبناني في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، ثم سلمهما للسلطات المصرية، وظل البربري في السجن حتى تمت تبرئته في قضية غرفة عمليات رابعة، وخرج في مايو/أيار 2017، بعدما تعرض لانتهاكات على يد الأجهزة الأمنية.
وسلمت السلطات الإسبانية في 3 يونيو/حزيران 2018، الداعية الإسلامي المصري علاء سعيد، إلى مصر، وهو إمام أحد المساجد في مدريد، بعد احتجازه لمدة شهر ونصف داخل سجن الترحيلات الخاص بالمهاجرين غير الشرعيين، إثر صدور قرار بترحيله، بعد اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.
كما رحلت تركيا، في 18 يناير/ كانون الثاني 2019، الشاب المصري محمد عبدالحفيظ إلى القاهرة، المحكوم عليه بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
وعبدالحفيظ هو أحد الشباب المعارضين الذين فروا من بطش الأجهزة الأمنية بعد الانقلاب العسكري في 2013، ليستقر في الصومال، قبل أن يتجه إلى إسطنبول في محاولة للبحث عن مكان أكثر أمانا.
وكان تحقيق أجراه موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قد كشف أن نظام السيسي، يحاول استغلال (الإنتربول) لاستهداف المعارضين باستخدام أنظمة التنبيه الحمراء الخاصة بالجهاز، التي تسمح للدول الأعضاء بطلب اعتقال "مجرمين مزعومين" فروا إلى الخارج.
وقدم التقرير نصائح قانونية لتجنب الإيقاف والترحيل، منها التحرك القانوني الاستباقي، من خلال طلب نسخة من ملف "الإنتربول" الشخصي، والطعن في النشرات الحمراء، وتقديم طلب لإلغاء النشرات الحمراء إلى لجنة الرقابة إذا كان الدافع وراءه سياسياً.
ونصح التقرير باختيار بلد الإقامة بعناية، حيث يفضل الإقامة في دول تتمتع بأنظمة قانونية قوية ومستقلة، والحصول على حماية قانونية دولية من خلال وضع اللاجئ، والتقدم بطلب للحصول عليه فوراً في البلد المضيف، إذ يوفر حماية من الترحيل القسري بموجب اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
وأعرب ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، "فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #عبدالرحمن_يوسف_القرضاوي، #لبنان #سوريا، عن تضامنهم ودعمهم الكامل لعبدالرحمن، مستنكرين اعتقاله.
دعم وتضامن
وتفاعلا مع الأحداث، دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القرة داغي، لإطلاق سراح عبدالرحمن القرضاوي فورا.
وعد هذا التصرف الذي وصفه بأنه "غير المسؤول" انتهاكا صارخا لأبسط القيم الأخلاقية والإنسانية، ورآه يثير تساؤلات خطيرة حول معايير العدالة التي تعتمدها السلطات اللبنانية.
وذكر داغي، بأن في الوقت الذي يُترك فيه مجرمو الحرب من أتباع السفاح بشار الأسد يسرحون ويمرحون في لبنان بلا رادع أو محاسبة، نجد أن الصوت الحر والكرامة الإنسانية تُستهدف بكل تعسف وظلم.
وقال داغي، إن هذا التصرف لا يُعد إساءة فقط لشخص عبدالرحمن القرضاوي، بل هو إساءة لكل القيم الإنسانية وللشعبين اللبناني والمصري، اللذين تربطهما روابط الأخوة والتاريخ المشترك.
من جانبه، استنكر الصحفي أحمد يوسف، اعتقال الحكومة في لبنان القرضاوي بوشاية من نظام هش يخشى من الكلمة، بينما لم تتعقب شبيحة النظام السوري الذين هربوا إلى أراضيها بعد سقوط النظام، وجواسيس الاحتلال يمرحون في بلادها، متسائلا: “أي عار أصاب هذه الحكومة بما فعلت؟”
بدوره، انتقد إبراهيم مجاهد، التنسيق العربي في قمع الرأي الآخر، مؤكدا أن القرضاوي مازال معتقلا وسيتم استجوابه وربما تسليمه لمصر كما فعل المغرب مع العديد من المعارضين المصريين والفلسطينيين.
وكتب الناشط الحقوقي الفلسطيني بلال نزار ريان: “الحرية لعبدالرحمن والخزي والعار لمن حرّض عليه أنظمة القمع والتطبيع.”
ورأى حسن جاركس أن هذا الاعتقال قد يؤدي إلى تسليمه للموت.
تكذيب ووعيد
وتكذيبا لأنباء إطلاق سراح عبدالرحمن القرضاوي ووعيدا بملاحقة السلطات اللبنانية وفضحا للأخطاء القانونية التي وقعت بها، قال الأكاديمي محمد مختار الشنقيطي، إنه لا يزال معتقلا لدى الأمن اللبناني، ولم يُسمح لمحاميه بزيارته حتى الآن بحجة عطلة نهاية الأسبوع.
وتوقع وجود مماطلات مفتعلة في موضوعه ستستمر بذرائع واهية، إلا إذا تكثَّف التحرك السياسي والإعلامي والحقوقي في دعمه، قائلا: "لا تخذلوا هذا الحرَّ الشريف أيها الأحرار الشرفاء".
وأوضح الشنقيطي، أن أهم عبرة من محنة القرضاوي هي أنك حين تستبيح أخاك بلسانك، وتنسى سابقته وفضله، بسبب خلافات جزئية في الاجتهاد الفكري والتقدير السياسي، فأنت لا تنتهك عِرضه فقط بذلك، بل تُهدر حصانته أيضا، مما يجعل استباحة الظلمة له أسهل، وجرأتهم عليه أيسر.
وأكد ماجد الدرويش، أن الإشاعة التي صدرت عن مصدر في الجماعة الإسلامية بأن الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي قد أكمل طريق سفره غير صحيحة، فالرجل مازال موقوفا حتى الآن.
وأضاف: "نعيد القول والتحذير بأنه في حال سلمت السلطات اللبنانية ابن شيخنا القرضاوي إلى السلطات المصرية فإننا سوف نلاحقها قضائيا".
وقال الحقوقي هيثم أبو خليل، إن "خبر خروج عبدالرحمن يوسف من الاحتجاز في لبنان غير صحيح! وبالتالي خبر أنه في طريقه إلى تركيا غير صحيح!"، راجيا التدقيق قبل النقل والنشر.
وأوضح ياسر مدير منظمة اللاجئين في مصر نور خليل، أن السلطات اللبنانية وقعت في إجراءات غير قانونية، ومنها احتجاز عبدالرحمن بدون عرضه على جهة قضائية لأكثر من 24 ساعة، لأنه لم يرتكب أي جريمة في مواجهة للدولة اللبنانية أو على الأراضي اللبنانية.
وأكد أن استمرار احتجاز عبدالرحمن دون العرض الفوري على جهة قضائية تتخذ القرار هو باطل قانونا، مذكرا بأن المادة 9 من اتفاقية مناهضة التعذيب واللي لبنان موقع عليها بتنص على أنه لا يجوز توقيف شخص أو تقوم بتسليمه لدولة قد يتعرض فيها للتعذيب.
وأضاف خليل، أن بناء على ذلك فإن القرار القانوني السليم من المدعي العام هو الإفراج عن عبدالرحمن ورفض أي محاولات تسليم لأي مكان قد يتعرض فيه للتعذيب.
مشيرا إلى أن النشطاء في مصر يواجهون اتهامات بنشر أخبار كاذبة والتحريض في سبيل الانتقام منهم، والذي لم تسلم منه عائلة عبدالرحمن مثل آلاف المصريين.
وأشار الإعلامي سامي كمال الدين، إلى عدم صدور تصريح رسمي من الدولة اللبنانية عن الشاعر عبدالرحمن يوسف القرضاوي، محذرا من أن في هذا تهديد لحياته وأمنه الشخصي ومصدر قلق لأسرته.
ولفت إلى أن عبدالرحمن عبر عن رأيه، وهو حق تكفله له دساتير دول العالم المختلفة، ويكفله الدستور اللبناني أيضا، وهذا الرأي لم يكن من داخل الأراضي اللبنانية!
وقال كمال الدين، إن الإفراج عن عبدالرحمن القرضاوي وعودته سالما إلى أسرته هو أبسط حقوقه التي يجب أن يحصل عليها فورا، ولا أعرف سند مذكرة وزراء الداخلية العرب ضد شاعر كتب قصيدة أو قال رأيا لم يعجبهم..!
وأضاف أن الأمة التي تفتش في عقول الناس وتصادر أفكارهم وتمنعهم من حرية التعبير هي أمة بائسة لم تصل إلى تقدم الأمم وتطورها ورقيها الحضاري، داعيا للإفراج عن عبدالرحمن لأن هذا حقه في الحرية والحياة.
شاعر الثورة
وعن عبدالرحمن القرضاوي ودوره في الثورة المصرية، قال الناشط مراد علي: "يحق لكل شخص أن يختلف مع عبدالرحمن يوسف في آرائه، لكن لا يمكن لأحد أن يشكك في وطنيته أو ينكر دوره البارز في التمهيد لثورة يناير بأشعاره ونشاطه، أو يماري في عروبته ودفاعه المستميت عن غزة وسوريا".
وأضاف أن عبدالرحمن بلا شك، يعدّ من أبرز شعراء عصره؛ حيث تتسم قصائده بعمق المعاني وجمال الأسلوب، مستطردا: “أما من يتطاولون عليه، مثل عمرو أديب وأحمد موسى ومصطفى بكري، فربما لا يستطيعون حتى قراءة أبياته دون الوقوع في أخطاء، ناهيك عن استيعاب معانيها الراقية.”
وأعرب وزير خارجية تونس السابق رفيق عبدالسلام، تضامن مع عبدالرحمن، الذي نافح عن الثورة المصرية والثورات العربية شعرا ونثرا بلسانه وقلمه، مؤكدا عدم وجود ما يبرر اعتقاله في لبنان، خاصة أنه يحمل جواز سفر تركيا، وهذا يعد انتهاكا سياسيا وقانونيا للقوانين والأعراف.
وقال إن من حق الشاعر عبدالرحمن أن يعبر عن رأيه ويفصح عن تحليله السياسي في أي بلد من العالم، متسائلا: “ما هي الجريمة التي ارتكبها حينما قال من صحن الجامع الأموي بدمشق، إن التغيير قادم للعالم العربي، وهل يشك أحد في ذلك؟”
وقال الفنان المعارض هشام عبدالله، عن عبدالرحمن القرضاوي: "رجل سلاحه الوحيد الكلمه!! والكلمة نور!!
وقلعة يعتصم بها النبل البشرى!!"، متسائلا: "ماذا جنى ليحاسب على كلمته الحرة.. اخرجوا الشاعر المحب لأمّته ".