رغم التحسن الاقتصادي والأمني.. لماذا مدد بايدن حالة الطوارئ بالعراق؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، تمديد حالة الطوارئ الوطنية في العراق، سخط القوى السياسية الموالية لإيران، حيث عدوها خطوة جائرة، تمثل خرقا للأعراف الدبلوماسية والدولية بين بغداد وواشنطن.

ومنذ 20 عاما، دأب رؤساء الولايات المتحدة على تمديد حالة الطوارئ في العراق، لكن السخط جاء بعد تمديد الأمر لعام إضافي رغم تصريحات مسؤولين أميركيين تشيد بالتحسن الاقتصادي والأمني الذي تشهده بغداد.

"تهديد للأمن"

وفي 30 مايو/أيار 2024، قال بايدن، إن "العوائق التي تعترض إعادة الإعمار المنظم للعراق واستعادة السلام والأمن والحفاظ عليهما وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية، لا تزال تشكل تهديدا غير اعتيادي للأمن القومي والسياسة الخارجية لبغداد وواشنطن أيضا".

وأوضح بايدن في رسالة وجهها إلى الكونغرس الأميركي، ونشرها البيت الأبيض، أنه "لذلك فإن حالة الطوارئ الوطنية الخاصة باستقرار العراق ستبقى سارية المفعول بعد 22 مايو 2024 لعام إضافي".

ويأتي تمديد بايدن الجديد استكمالا للقرار رقم (13303) الخاص بالعراق، الذي صدر عقب الاحتلال الأميركي للبلاد في مايو 2003، بتوقيع من رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج دبليو بوش.

كما يأتي القرار وفق قانون قديم شُرّع عام 1977، الذي يخوّل الرئيس الأميركي في إصدار أوامر تخص هذه التجارة، وكل ما يتعلق بأي تهديد للأمن القومي للولايات المتحدة.

وبحسب قانون الطوارئ الوطني الأميركي المُشرّع عام 1977، فإن عدم تجديد العمل بالأمر التنفيذي خلال فترة 90 يوما من تاريخ التجديد السابق، يعني أنه سيصبح لاغيا.

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي تصريح من الحكومة العراقية، انتقد نواب في البرلمان من قوى الإطار التنسيقي الشيعي الذي انبثقت عنه حكومة محمد شياع السوداني، تمديد حالة الطوارئ الوطنية.

وقال النائب عن الإطار الشيعي علي الزبيدي، إنه "لا يوجد أي مسوغ أو سبب يدعو إلى الاستمرار بتمديد القرار الذي يتحمل العراق تبعاته على الصعيد الخارجي".

وأضاف الزبيدي خلال تصريح لوكالة "المعلومة" العراقية في 22 مايو، إنه "رغم السياسة المتزنة التي يمضي بها العراق من ناحية السياسة الخارجية إلا أن واشنطن تستمر في فرض القرارات الجائرة ضد البلد".

ولفت إلى أن "مثل هذه القرارات لا تتخذ ضد دولة لديها علاقات دبلوماسية مع أغلب دول العالم، فضلا عن الاستقرار الذي يعيشه البلد الآن"، مبينا أن "مضمون القرار يعد خرقا للأعراف الدبلوماسية والدولية بين العراق والولايات المتحدة".

وطالب الزبيدي "الحكومة العراقية بالتحرك السياسي والدبلوماسي لرفع هذا القرار الذي يخلف تداعيات كبيرة على البلد"، مشددا على أنه "لا توجد أي أهمية أو فائدة من تمديد حالة الطوارئ، بالنظر للسيطرة الأمنية والتطور الاقتصادي والاستثماري الحالي".

"حماية للأموال"

وعن دلالات تمديد حالة الطوارئ، قال الخبير العراقي في الشؤون الأميركية، عقيل عباس، إن "قرار البيت الأبيض هذا، ينطلق من موجبات اقتصادية ومالية، وليس له جانب عسكري أو أمني".

ونقلت صحيفة "المدى" العراقية عن عباس في 22 مايو، قوله إن “الولايات المتحدة تحمي الأموال العراقية من الحجز بموجب هذا القرار”.

إذ إن هناك عددا غير معروف من الشركات والجهات التي قاضت العراق حول العالم على خلفية غزو الكويت عام 1990، وفي حال إلغاء هذا القرار بالحماية، فإن أموال البلاد في الخارج تتعرض للحجز، وفق تقديره.

وأوضح أن: “تمديد هذا القرار اقتصادي مالي وليس عسكريا أو أمنيا، وهو يحمي العراق من أحكام قضائية صادرة من محاكم في دول عدة ضد العراق وبعضها لا نعرفه حتى الآن”.

وأرجع ذلك إلى أن الدولة العراقية لم تعمل على حصر القضايا المرفوعة على خلفية غزو الكويت، "فشركات كثيرة تضررت حينها ورفعت قضايا في دول مختلفة".

ولفت إلى أنه “في حال عدم تمديد القرار الأميركي فستحجز أموال عراقية كثيرة، وسيكون من الصعب على العراق نقل أموال النفط إلى البنك المركزي”.

ووصف الولايات المتحدة اليوم بأنها “حامية الأموال العراقية”، كونها تذهب إلى بنك أميركي في نيويورك ثم تنقل إلى البلاد.

وبحسب تقرير نشرته قناة "الحرة" الأميركية في 18 أبريل/نيسان 2024، فإن الأمر التنفيذي رقم (13303) يهدف إلى حماية صندوق تنمية العراق وبعض الممتلكات الأخرى التي للأخير مصلحة فيها.

ووفقا لما جاء في نص الأمر التنفيذي فإن الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش رأى أن "هناك تهديدا بالحجز أو اتخاذ إجراءات قضائية أخرى ضد صندوق تنمية العراق والنفط والمنتجات النفطية العراقية والعائدات التي تنشأ عنها".

وجاء في الأمر التنفيذي أيضا أن هذا الوضع "يشكل تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي جرى إعلان حالة الطوارئ الوطنية للتعامل مع هذا التهديد".

وينص الأمر على أن أي حجز أو حكم أو مرسوم أو أي إجراء قضائي آخر ضد صندوق تنمية العراق أو النفط والمنتجات النفطية العراقية والعائدات والالتزامات التي تتعلق ببيعها أو تسويقها، يعد لاغيا وباطلا.

ويمنع الأمر التنفيذي جميع المواطنين الأميركيين والمقيمين داخل الولايات المتحدة وكذلك أي كيان منظم بموجب قوانين الولايات المتحدة من رفع دعاوى قضائية ضد الأموال العراقية، بحسب القناة الأميركية.

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، جرى إنشاء صندوق تنمية العراق، وقبل ذلك كانت توضع أموال مبيعات النفط العراقي في حساب تديره الأمم المتحدة ضمن ما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء الذي جاء نتيجة عقوبات اقتصادية فرضت على البلد بعد غزوه الكويت.

"نتيجة للفوضى"

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، عبد المنعم الأعسم، إن "هناك عدم رضا واسع مع القرار وبعض الأطراف تتعامل معه بوصفه صدمة كبيرة في هذا الوقت الذي تتطلع فيه جماعات معارضة للوجود العسكري الأميركي إلى إنهائه في أقرب مدة".

وأوضح الأعسم خلال مقابلة تلفزيونية في 21 مايو، أن "قرار بايدن جعل الأوضاع في العراق تحت الضوء، حيث يشير عبره إلى أن الوضع القائم في البلد وتلكؤ عملية الإعمار والإصلاح في الجانب المالي والاقتصادي واستشراء الفساد والمشكلات الأمنية، أمور تهدد الأمن القومي الأميركي".

ولفت إلى أن "بايدن وضع هذا الأمر في إطار الصراع بالمنطقة، وذلك لأن دور العراق لم يكن موضع رضا لدى الإدارة الأميركية وخاصة ما يتعلق بنشاط الجماعات والفصائل التي تدخل في إطار الحكومة".

وتابع: "هذه الجماعات تتعامل بشكل مستقل عن الحكومة وتستخدم الأراضي العراقية لضرب المواقع الأميركية أو الإسرائيلية وتحول العراق إلى معبر بين إيران ولبنان واليمن. وهناك ضعف عراقي في موضوع السيادة والحدود، وأشير هنا إلى الاتجار بالبشر والمخدرات".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد الياسري، إن "تمديد حالة الطوارئ الوطنية جاء بناءً على تقارير قدمتها ممثلة الأمم المتحدة لدى العراق (التي انتهت فترة عملها)، جينين بلاسخارت، خلال جلسات مجلس الأمن طوال الفترة السابقة".

وأضاف الياسري، خلال تصريح لصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 22 مايو، أن "الفوضى وتكميم الأفواه وانعدام الحريات وانتشار الفساد وتهريب الدولار والانفلات الأمني وتفشّي السلاح المنفلت، مهّدت لأن يُنظر إلى العراق على أنه يفتقر إلى الاستقرار والأمن، فضلاً عن استمرار حالات النزوح بعد انتهاء الحرب مع تنظيم الدولة".

وأشار إلى أن "هدف الولايات المتحدة من القرار هو الحدّ من نفوذ الفصائل المسلحة، وخاصة بعد مشاركة هذه الأخيرة في مجلس النواب وحصولها على مناصب في الحكومة العراقية".

ولفت الياسري إلى أن القرار جاء أيضا "كذريعة للحفاظ على بقاء القوات الأميركية أطول مدّة ممكنة على أرض العراق"، لكنه أكد أنه "لن يؤثر على الحكومة ونشاطاتها، ولا حتى على علاقاتها الخارجية".

وكان البرلمان قد صوّت في 5 يناير/ كانون الثاني 2020، على قرار بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، بعد يومين من إقدام واشنطن على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بضربة جوية قرب مطار بغداد.

وبحسب الدستور العراقي، فإن القرارات التي تصدر من البرلمان لا تُعدّ ملزمة للحكومة، بينما القانون الذي يُشرّعه يكون على الأخيرة لزاما تطبيقه، وربما تكون رئاسة الوزراء هي من أعدته وأرسلته إلى مجلس النواب من أجل مناقشته وإقراره.

وخلال جلسة للبرلمان العراقي عُقدت في 10 فبراير/شباط 2024، أخفق النواب في تشريع قانون يُخرج القوات الأميركية من البلاد، رغم إعلان قوى الإطار التنسيقي قبل يومين من انعقادها، جمعهم تواقيع أكثر من 100 نائب من أجل تشريعه، لكن لم يحضر منهم سوى 77 نائبا، من أصل 183.