خارجية تركيا.. هذا ما أحدثه هاكان فيدان في عام واحد
“السنة الأولى لفيدان في وزارة الخارجية لم تكن هادئة تماما”
قبل عام، وبالتحديد في 3 يونيو/حزيران 2023، اختير رئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، وزيرا للخارجية في الحكومة الجديدة للرئيس رجب طيب أردوغان، خلفا لمولود تشاووش أوغلو.
وسلط موقع بريطاني الضوء على العام الذي قضاه فيدان في منصبه الجديد، وكيف أحدث خلاله تحولا في وزارة الخارجية التركية.
وأشار موقع "ميدل إيست آي" إلى أنه أواخر يونيو/ حزيران 2024، هيمن فيدان على الصفحات الأولى لبعض الصحف التركية، عندما اتهم قبرص الرومية بالتحول إلى قاعدة عسكرية للعمليات الإسرائيلية في غزة.
وخلال مقابلة له مع قناة "خبر تورك"، قال فيدان: "بعد 7 أكتوبر، والعمليات الأولى التي شنتها إسرائيل، نرى دائما من خلال التقارير الاستخباراتية أن الشطر الجنوبي الرومي بقبرص تحول لقاعدة تستخدمها بعض الدول، خاصة في العمليات ضد غزة".
وأضاف أن بلاده "طرحت هذا الموضوع مع الأوروبيين"، مشيرا إلى أنهم أعلنوا "الجزيرة قاعدة لوجستية من أجل التغطية على أهدافها العسكرية"
وشدد فيدان على أنه "على الجهات الإقليمية الفاعلة أن تدرك ذلك، فهناك عسكرة خطيرة هناك يجب منعها".
نهج مختلف
وقال الموقع البريطاني إن "الكشف عن هذه المعلومات في حد ذاتها لم يكن بمثابة صدمة، حيث وثقت العديد من المواقع الإخبارية المستقلة هذا الادعاء منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وأوضح: "لكن المفاجأة هي أن تلك التصريحات صدرت عن فيدان الذي يتجنب الأضواء".
وأضاف أن "فيدان، كسياسي يحسب خطواته جيدا، يلتزم إلى حد كبير بالنص، وخطاباته عادة ما تكتفي بالتأكيد على الموقف الرسمي التركي".
ورأى الموقع أن “هذا النهج الذي يتبعه فيدان يتناقض كلية مع نهج سلفه، تشاووش أوغلو، الذي كان يحب خلال السنوات التسع التي قضاها في منصبه أن يهيمن على الأجندة الإخبارية بتصريحاته المثيرة للجدل”.
واستطرد: "الأسلوب الصدامي لتشاووش أوغلو كثيرا ما أثار استياء زملائه، كما أنه عادة ما كان يتعارك كلاميا مع الدبلوماسيين الزائرين من الخارج، في محاولة لكسب نقاط أمام الجمهور الوطني التركي".
في المقابل، "برز فيدان كنوع مختلف من السياسيين، وربما يكون أحد العوامل في ذلك هو دوره الذي دام 13 عاما كرئيس للاستخبارات التركية".
وأضاف التقرير أن "منذ تسلمه المنصب، أظهر فيدان مستوى من التحفظ والحذر أكثر من جميع زملائه في مجلس الوزراء".
وتساءل "ميدل إيست آي": "في ضوء هذا، فماذا تعني هذه الفورة الأخيرة التي ظهرت في تصريحات فيدان حول قبرص؟".
وأجاب بأن التصريحات الأخيرة تشير إلى أن فيدان "ربما يستخدم التصريحات الجدلية أيضا لتوضيح نقاط في السياسة الخارجية، ولنقل رسائل لأطراف أخرى من خلال النزاعات العلنية".
إعادة البناء
وقال الموقع إن "السنة الأولى لفيدان في وزارة الخارجية لم تكن هادئة تماما".
وأضاف أن "جهود فيدان الخارجية جعلته يتوسط في صفقة قادت إلى منح السويد عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما حاول وضع تركيا كوسيط فعال ضمن الجهود المبذولة في سياق الحرب الدائرة في غزة".
واستدرك: "لكن التحولات التي أحدثها فيدان وراء الكواليس لم تحظ باهتمام كبير".
وقال مسؤول مكتب "ميدل إيست آي" في تركيا، رجب صويلو، إن "موظفي وزارة الخارجية، الذين تحدثت معهم قبل تسلم فيدان منصبه، كانوا سعداء لأن وزيرهم الجديد رجل دولة".
وأشار صويلو إلى أن "فيدان عمل مع العديد من الدبلوماسيين لسنوات في ملفات مختلفة، وبالتالي فهم يعلمون أنه يجيد التعامل مع القضايا الحاسمة".
فيما أشار الموقع إلى أن "فيدان من بُناة المؤسسات، كما أنه معروف بالتغيير التدريجي الفعال في الوكالات الحكومية، مثل جهاز الاستخبارات، الذي أصبح قوة إقليمية، بعد سلسلة من الإصلاحات الكبرى".
وتحدث العديد من الصحفيين، في بداية تسلم فيدان لوزارة الخارجية، عن أنه يعطي الأولوية للمسائل الأمنية قبل كل شيء.
وبحسب "ميدل إيست آي"، فإن فيدان بدأ فترة وجوده في منصبه بإصدار تحذير صارم للدبلوماسيين من الزواج من أجانب.
وفي العام 2023، شكلت حالات الزواج بين الدبلوماسيين الأتراك وأجانب أكثر من 20 بالمئة من حالات الزواج لموظفي الوزارة، ومثل هذه العلاقات "تشكل خطرا أمنيا على تركيا".
تغييرات كبيرة
وفي وقت سابق من عام 2024، أجرى فيدان تغييرات كبيرة في الوزارة، من خلال زيادة عدد الإدارات العامة، ودمج ملفات مثل إيران والعراق، وإنشاء "إدارة شؤون الاستخبارات والأمن".
كما قسّم الملفات الكبيرة في إفريقيا عبر استحداث مناصب "مدير عام" لجنوب وغرب وشرق إفريقيا، وتعيين مدير عام منفصل لأميركا اللاتينية.
كذلك، عيّن سفيرا لآسيا الوسطى و"منظمة الدول التركية"، مما يؤكد أهمية محور تركيا الآسيوي في السنوات المقبلة، وفق الموقع البريطاني.
وتضمنت تحركاته أيضا جعل وزارة الخارجية رسميا الهيئة التنسيقية المسؤولة عن العلاقات الخارجية للبلاد في كل المجالات، بما في ذلك السياسات الدفاعية وصناعة الدفاع.
علاوة على ذلك، عزز فيدان منصب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية التركية، محاكيا في ذلك وزارة الخارجية الأميركية.
وحوّل "المديرية العامة للمعلومات" نحو منهجية إستراتيجية في التواصل تهدف إلى الوصول إلى جمهور أوسع من خلال عدة قنوات.
بعد ذلك، قاد فيدان إنشاء "مؤسسة تعزيز منظومة الشؤون الخارجية"، في خطوة انتقدتها المعارضة؛ لأنها أنشأت هيئة لا تخضع لسلطة البرلمان.
ومع ذلك، تسعى المؤسسة إلى إنشاء مصادر إيرادات إضافية للوزارة، من خلال تشغيل خدمات التأشيرات التي يديرها القطاع الخاص في الخارج، واستخدام هذه الأموال لتلبية الاحتياجات اللوجستية للوزارة.
وبحسب الموقع، فإن وزارة الخارجية التركية تمتلك ثالث أكبر شبكة دبلوماسية في العالم، لكن ميزانيتها لعام 2024 تبلغ حوالي 900 مليون دولار.
وتهدف المؤسسة إلى سد بعض فجوات التمويل والتركيز على مواصلة التدريب والتعليم للسلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى تشجيع السفراء المتقاعدين على المساهمة في صنع السياسة الخارجية.
وأفاد "ميدل إيست آي" بأن "فيدان يخطط أيضا لبناء مبنى جديد تماما للوزارة، لنقل الموظفين من المجمع القديم الذي لم يعد عمليا، والذي كان من المفترض أن يكون مقرا مؤقتا للوزارة منذ سنوات عديدة".
وختم الموقع: "خلاصة القول، يريد وزير الخارجية التركي تكرار ما فعله في جهاز الاستخبارات، وهو تحويل وتحديث وإعادة بناء مؤسسة جمهورية عتيقة، لتكون صالحة للقرن الحادي والعشرين".