مخطط قيس سعيد.. هل يدشن "حديث الاغتيال" المرحلة الثانية من الانقلاب؟

12

طباعة

مشاركة

انتهت 25 أغسطس/ آب 2021، المهلة التي منحها "الدستور" للرئيس التونسي للقيام بإجراءات استثنائية، دون أن يتخذ سعيد قرارات حاسمة تغير من أوضاع البلاد الاقتصادية وتفك الجمود السياسي، وسط ترقب التونسيين.

بدلا من ذلك قرر الرئيس التونسي قيس سعيد مد قرار تعليق أعمال البرلمان "حتى إشعار آخر"، وفق ما أعلنته الرئاسة 23 أغسطس/ آب 2021.

لكنه كان قد ذهب لأكثر من ذلك، إذ تحدث سعيد عن محاولة لاغتياله، ما اعتبره مراقبون تمهيدا لحزمة جديدة من قراراته، التي تصفها المعارضة التونسية بـ"الانقلابية".

قيس سعيد، اتهم أطرافا سياسية "مرجعيتها إسلامية"، بالسعي لضرب الدولة، والقيام بمحاولات تصل إلى حد التفكير في الاغتيال والقتل وسفك الدماء.

وذلك في إشارة واضحة لاتهامه حركة "النهضة" التي تستحوذ أغلبية البرلمان والذي علق سعيد عمله منذ 25 يوليو/ تموز 2021، في قرارات شملت إقالة الحكومة وأشياء أخرى.

حديث سعيد من قصره الرئاسي بدا غريبا إذ حذر أطرافا لم يسمها بأنه "لدينا صواريخ جاهزة في منصات إطلاقها، وتكفي إشارة واحدة لضربهم في أعماق الأعماق"، وذلك بعدما قال "سأنتقل شهيدا".

مراقبون، رأوا أن حديث الرئيس التونسي يدلل على سعيه لاختلاق معركة، ويكشف حجم المأزق السياسي والاقتصادي الذي يعيشه، فيما اعتبر البعض تلك التصريحات محاولة للتهرب من انتهاك الدستور.

إلا أن آخرين ذهبوا للاعتقاد بأن هذه هي "خارطة طريق سعيد"، لتنفيذ الشق الثاني من الانقلاب بإطلاق ادعاءات عن اغتيالات وتفجيرات يمكنه بعدها القيام بحملة اعتقالات في صفوف المعارضين وأعضاء "النهضة".

من جانبها طالبت "النهضة" بالتحقيق الفوري في ادعاء سعيد، مطالبة إياه بتقديم الدليل للجهات المختصة، ومؤكدة أن ذلك "مؤشر خطير يمس الأمن القومي".

الناطق الرسمي باسم النهضة فتحي العيادي دعا النيابة التونسية 21 أغسطس/ آب 2021، للتحرك والتحري في الموضوع، والقيام بالتحقيقات اللازمة وكشفها للرأي العام.

وفي إشارة لكثرة اتهامات سعيد لـ"النهضة" قال الإعلامي بشير اليوسفي: "ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث سعيد عن اغتيال دون إثبات ولا تقديم أدلة للنيابة العمومية.

يبدو أن "حديث الاغتيالات والصواريخ" المتكرر، وما أعقبه من تمديد الإجراءات الاستثنائية بتعطيل البرلمان، بعد انتهاء مهلة الشهر التي أعطاها الدستور للرئيس لإنهاء إجراءاته الاستثنائية، مخطط لاستكمال انقلاب سعيد.

قرارات سعيد تدل على رغبة صريحة في التفرد بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تحت ذريعة عدم العودة إلى ما قبل 25 يوليو/ تموز 2021 وتطبيق إجراءاته الاستثنائية.

وثمة تسريبات جدية تشير إلى أنه يعتزم إبطال الدستور الحالي، واستبدال نظام الدولة الراهن بآخر رئاسي، وتعديل القانون الانتخابي بما يلغي القوائم لصالح الترشيحات الفردية. 

رئيس تحرير موقع "بوابة تونس" وجدان بوعبد الله أكدت أن هدف سعيد هو "تغيير النظام السياسي"، مستدلة بقول قيس القروي الناشط السياسي والمتطوع في الحملة التفسيرية لرئيس الجمهورية.

قالت: إنهم "يعترفون بأن تجميد البرلمان هدفه تغيير النظام السياسي"، واستغربت أن يقال: إن الهدف هو التخلص من النهضة.

"النهضة" ألمحت ضمنا أن هدف حديث "سعيد" عن الاغتيال هو إجهاض للديمقراطية.

رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس الحركة "علي العريض" كتب على "فيسبوك" يقول: إنه يجب التعاطي الجدي مع هذه التصريحات "حتى لا يتم التطبيع معها بسبب ما تحمله من مخاطر".

وأعرب العريض، عن خشيته من أن "تتخذ هذه التصريحات غطاء للنيل من الحريات والحقوق".

ويرى البعض أن النهضة أفشلت مخطط سعيد حين سحبت أعضاءها من الشوارع في اليوم الثاني للانقلاب، وتفادت السيناريو المصري.

عقب نزول أعضاء النهضة ومعارضي انقلاب سعيد 26 يوليو/ تموز 2021 أمام البرلمان، انسحبوا في اليوم التالي، بتعليمات الحزب، وسط تفسيرات متضاربة يشير أرجحها السعي لإفشال خطة الانقلاب بافتعال معارك بين المعارضين والجيش والشرطة.

وهنا يحضر السؤال: "هل يستهدف سعيد بحديث الاغتيالات تمديد الإجراءات الاستثنائية وتوريط النهضة مجددا، ليبدأ مخطط التصعيد وتنفيذ الشق الثاني من انقلابه؟

دور أبوظبي

حين يأتي الحديث عن الدور الخارجي في أزمة انقلاب تونس، يشير التونسيون والعرب إلى الإمارات وفرنسا.

إذ إن إجراءات سعيد الاستثنائية حظيت بدعم فرنسي وإماراتي قوي، عبر تصريحات رسمية من الرئيس الفرنسي وحكومة الإمارات.

عقب تمديد سعيد هذه الإجراءات الاستثنائية، عادت وزارة خارجية فرنسا لتعلن رسميا 24 أغسطس/ آب 2021 دعمه في هذه الإجراءات.

عماد الدائمي الرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية التونسية انتقد تمديد الرئيس قيس سعيد للإجراءات الاستثنائية، وتحدث عن "انقلاب برعاية خارجية"، دون ذكر دول بعينها.

"المجلس العربي للديمقراطية" برئاسة الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، استنكر 24 أغسطس/ آب 2021 مد سعيد الإجراءات الاستثنائية لأجل غير مسمى، ملمحا لدور دول معادية للربيع العربي، والتي تأتي على رأسها الإمارات.

تحدث المجلس عن "تدخل خارجي مفضوح في الوضع التونسي من طرف دول وقوى إقليمية ظلت لسنوات طويلة تستهدف آخر قلاع الربيع العربي وتعمل لتخريب المسار التحرري الديمقراطي عبر المؤامرات والبروباغندا الإعلامية وضخ المال الفاسد".

منذ قرارات سعيد تجميد عمل البرلمان، وإقالة الحكومة في 25 يوليو/ تموز 2021، وما تلى ذلك من عمليات توقيف، لشخصيات سياسية، وإقالة المسؤولين؛ ولا تتوقف اتهامات تونسيين وناشطين سياسيين للإمارات بالضلوع في الانقلاب.

أول من اتهم أبوظبي علنا كان راشد الغنوشي، رئيس البرلمان المعطل، وزعيم حركة النهضة، حين وجه في حديث لصحيفة "التايمز" البريطانية، 31 يوليو/ تموز 2021 أصابع الاتهام للإمارات، مؤكدا أنها تقف وراء انقلاب الرئيس سعيد على الدستور.

ونقلت عن الغنوشي قوله: إن "أبوظبي مصممة على إنهاء الربيع العربي، الذي انطلق من تونس عام 2011".

وقال: "الإمارات تعتبر الديمقراطية الإسلامية تهديدا لسلطتها، وأخذت على عاتقها أن تموت فكرة الربيع العربي التي بدأت في تونس مثلما انطلقت منها".

وعقب لقائه الرئيس التونسي 7 أغسطس/ آب 2021، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش: إن بلاده "تتفهم القرارات التاريخية للرئيس وتدعمها".

سبق هذا اتصالات بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، بالرئيس التونسي 21 يوليو/ تموز 2021، قبل قراراته بـ4 أيام.

وقالت صحيفة "الجارديان" 27 يوليو/ تموز 2021: إن "سماسرة النفوذ في العالم العربي يراقبون تونس عن كثب بعد انقلاب قيس سعيد".

وأكدت أنهم "يرغبون في التأثير على ما سيحدث بعد ذلك، لأن الوضع في تونس يتجه نحو الاصطفاف مع الدول البوليسية العربية بقيادة الإمارات والسعودية ومصر".

وتحت عنوان "الإمارات أكبر الفائزين من الانقلاب في تونس"، قال موقع "Mondafrique" الاستقصائي الفرنسي: إنه "بعد إخفاق حليفها قائد الانقلاب الليبي خليفة حفتر سعت الإمارات لتعزيز نفوذها في تونس".

اعتبر الموقع الفرنسي أن ما يقلق أبوظبي أن الحدود التونسية الليبية تخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية، بمساعدة خبراء أتراك، وهذا الوضع لا يرضي الإمارات. 

ولهذا السبب، سعت منذ رحيل زين العابدين بن علي في 2011 إلى تعزيز مواقعها في تونس، إذ أصبح مستقبل ليبيا على المحك جزئيا، كما يقول الموقع الفرنسي.

أحاديث الاغتيال

يوم 19 أغسطس/ آب 2021 سخر الرئيس سعيد من خصومه الذين يطالبونه بخارطة طريق ورد عليهم قائلا: "من يريد خارطة طريق فليذهب إلى كتب الجغرافيا وينظر إلى المواقع الجغرافية".

وفي اليوم التالي بدأ يشيع أنه يتعرض لمحاولة اغتيال، وحرص على ارتداء ثوب الشهادة بقوله: "لا أخاف المـوت وإن مت سأموت شهيدا".

وتحدث سعيد عن تعرضه لمحاولات اغتيال، في 2020، ثم في يناير/ كانون الثاني 2021، مشيرا إلى إرسال ظرف مشبوه به مسحوق أدى لتسمم مديرة مكتبه.

ذلك الموقف وصفته تقارير صحفية بأنه مسرحية، ومحاولة اغتيال "وهمية" تزامنت مع فضيحة إرسال الإمارات "لقاحات سرية" للرئاسة التونسية، بينما يعاني التونسيون من جائحة "كورونا".

وفي 15 يونيو/ حزيران 2021، اتهم قيس سعيد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية، أطرافا لم يذكرها بالسعي لإزاحته من الحكم بأي وسيلة ولو بالاغتيال.

وزعم أن "هذه الأطراف حاولت الاستعانة بجهات أجنبية لتنفيذ مخططاتها"، وتولت صحف الإمارات الترويج لحديثه واتهمت جماعة الإخوان المسلمين.

محاولة أخرى، تحدث عنها المذيع المصري المقرب من جهات أمنية أحمد موسي، مع الصحفي التونسي فؤاد العجرودي، 4 أغسطس/ آب 2021، إذ زعم محاولة اغتيال سعيد عبر صواريخ أدخلتها "النهضة" إلى تونس.

الصحفي المؤيد للنائبة عبير موسي المعروفة بعدائها الشديد لحركة النهضة وقربها من أبوظبي،  ذكر محاولة اغتيال أخرى زعم أنها كانت 28 يناير/ كانون الثاني 2021.

وادعى محاولة اغتيال الرئيس التونسي عبر "4 عناصر إسرائيلية بجوازات سفر زورتها السلطات التركية بهدف اغتيال الرئيس بالتنسيق مع حركة النهضة".

أيضا خاض في الأمر، الإعلامي التونسي سعيد الخزامي 16 أغسطس/ آب 2021 وكتب عبر "فيسبوك" عن سيناريو وهمي تشارك فيه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تحت مسمى "استرداد الحكم في تونس" واغتيال سعيد.

مأزق "الفصل 80"

تقضي الفقرة الثالثة من الفصل (80) من الدستور التي اعتمد عليها سعيد لتنفيذ الشق الأول من انقلابه بأن تستمر هذه الإجراءات 30 يوما.

وتنص على أنه "بعد مضي 30 يوما على سريان هذه التدابير، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه".

يدرك سعيد أنه لا توجد محكمة دستورية بالبلاد لأنها معطلة منذ عام 2015 لرفضه التصديق على قانونها ضمن خلافه مع البرلمان الذي تسيطر النهضة على أغلب مقاعده.

كما أنه مد تجميد عمل البرلمان المفترض أن يوافق على هذا التمديد لأجل غير مسمى، ما يصعب من عملية تمديد انقلابه ثلاثين يوما أخرى، ويضع سعيد في مأزق.

ربما يلجأ لفكرة تجميع 30 نائبا مؤيدا له كي يمدد إجراءاته الاستثنائية لإكمال انقلابه بهدوء، معتمدا على الحزب "الدستوري الحر" الذي تقوده عبير موسي المدعوم إماراتيا وله 17 مقعدا، مع أحزاب أخرى صغيرة.

على العكس، ربما يغامر سعيد بعناده، في دفع "النهضة" ومعارضيه في البرلمان لاستعمال الفصل (88) من الدستور التونسي، التي تتيح للبرلمان عزل الرئيس في حال مخالفته الدستور.

ينص الفصل (88) على أنه "يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه".

وتملك حركة "النهضة"، وحزب "نداء تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، وغيرهم من الرافضين لانقلاب الرئيس أغلبية الثلثين وبالتالي يمكنهم إقالة سعيد.

مع هذا تبقى مشكلة، إذ إن الفصل (88) ينص على أن تبت المحكمة الدستورية في الأمر بأغلبية الثلثين من أعضائها، بينما المحكمة غير موجودة ولم يجر تشكيلها حتى الآن.

استخدام النهضة الفصل (88) لعزل قيس سعيد، ربما يدخل تونس في نفق مظلم ربما يتبعه تدخل الجيش الذي يدعم سعيد حاليا.

ربما لهذا حذرت وكالة بلومبيرج الأميركية، 20 أغسطس/ آب 2021 من تحول تونس إلى السيناريو اللبناني، بمعنى الفوضى السياسية التي سيتبعها شلل اقتصادي.

وقالت: إن استيلاء الرئيس، قيس سعيد، على السلطة الديمقراطية الهشة في تونس دفعها إلى حافة الهاوية.