باحث سوداني: هكذا يمكن إنهاء صراع الفشقة لصالح أديس أبابا والخرطوم
في حوار له مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية، فتح باحث سوداني معروف العديد من الملفات الشائكة، وكشف عن مآلات بعض القضايا الهامة والأزمات مع دول الجوار.
الباحث آدم بابكير، تحدث عن ماهية النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة "الفشقة" الحدودية الخصبة، كما تطرق في حواره إلى الوضع الحالي في إقليم "تيغراي"، والمواجهات القائمة مع جيش الحكومة الاتحادية في أديس أبابا.
وناقش بابكير، وهو الباحث المتخصص في النزاعات الحدودية والهجرة بجامعة "القضارف" السودانية، تحديات استصلاح الأراضي السودانية على الحدود الإثيوبية.
وأكد أن مثلث "الفشقة" في الاتفاقيات الرسمية كما في الخرائط المسجلة، يتبع السودان، ومع ذلك، استقر مزارعون إثيوبيون تحميهم مليشيات محلية منذ 1996 ببعض الحقول على امتداد 260 كيلومترا مربعا من الأراضي الخصبة.
ولفت إلى أن ذلك الوضع ظل قائما حتى شن رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، عملية عسكرية منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2020، لاستعادة هذه الأراضي.
وأشار إلى أن الحكومة السودانية أعلنت منذ ذلك الحين عودة مئات المزارعين إلى أراضيهم مع استمرار عمليات القتال.
وبحسب منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" غير الحكومية، قتل عشرات الجنود والمدنيين، في الوقت الذي تواصل فيه المليشيات الإثيوبية ترويع السودانيين.
وخطفت هذه المليشيات في 23 يوليو/ تموز 2021، ثلاثة أطفال سودانيين قبل أن يطلبوا فدية، في عملية أصبحت معتادة وتؤدي في بعض الأحيان إلى اغتيالات.
هجوم الفشقة
في رده على تساؤلات القسم الإفريقي بالصحيفة حول أسباب شن الجيش السوداني هجوما مسلحا على منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا، يقول بابكير: "كانت هناك مشاكل أمنية على الحدود، منذ سنوات".
ويضيف: "ويرجع ذلك أساسا إلى قيام مليشيات (الشفتا) الإثيوبية باختطاف المزارعين ومربي المواشي والتجار السودانيين والمطالبة بفدية أو قتلهم".
وألمح إلى أنه "في ديسمبر/ كانون الأول 2020، قتل هؤلاء المسلحين ثلاثة أو 4 جنود سودانيين آخرين".
ويجزم أن تلك الأحداث تجري "رغم أن مثلث الفشقة، محل النزاع، يقع في الجانب السوداني، وفقا لاتفاقية ترسيم الحدود لعام 1902".
الباحث السوداني، يوضح أنه "سمح فقط لـ52 مزارعا إثيوبيا بالبقاء، بعد التعديلات التي وقعها وزير الخارجية السوداني عام 1972".
ويؤكد أنه "جرى احترام هذه التسوية حتى عام 1996، في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير".
ويذكر أنه لاحقا "أجبر بعض كبار المزارعين الإثيوبيين بمساعدة المليشيات، السودانيين على الفرار من أراضيهم بعد نهبهم أو قتلهم أو إبعادهم عنوة".
"استقر هؤلاء المزارعون الإثيوبيون في مناطق معينة من الفشقة، مستغلين انشغال القوات المسلحة السودانية في صراعات أخرى"، وفق تقدير بابكير.
الذي أشار إلى تفاقم أزمة الفشقة خاصة في ظل صراعات شمال وجنوب السودان الذي انفصل عام 2011.
"منذ ذلك الحين، لم يتوصل البلدان إلى اتفاق أبدا، على الرغم من الاجتماعات العديدة المكرسة للنزاع الحدودي"، يؤكد الباحث.
ويوضح أنه "لذلك ظهر الهجوم العسكري باعتباره الحل الوحيد لحماية السودانيين من مليشيات (الشفتا)".
ويلفت إلى أن "انسحاب هذه المليشيات للقتال في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، جعل من مهمة القوات السودانية ممكنة".
ويشدد على أن "الجيش السوداني شن عمليات لاستعادة الأرض دون اشتباكات مباشرة مع الجنود الإثيوبيين".
عودة تأخرت
وبشأن تأخر عودة المزارعين السودانيين إلى أراضيهم التي تركوها منذ العام 1996، ورغم مرور 8 أشهر من عملية الجيش السوداني، يقول: إن "هذا مرتبط بالفعل بانعدام الأمن السائد بالقرب من أراضيهم".
ويوضح أنه "في منطقة الفشقة الكبرى (شرق المثلث)، على سبيل المثال، هناك منطقة سكنية تسمى (برخات) لا تزال تحت سيطرة الحكومة الإثيوبية".
"بسبب وجود المدنيين الإثيوبيين، لم تتمكن القوات المسلحة السودانية من القيام بعمليات عسكرية هناك لطرد المليشيات الإثيوبية"، يؤكد بابكير.
ويلمح إلى أنه "في منطقة الفشقة الصغرى (رأس المثلث إلى الغرب)، ظلت مناطق (كوتور عانت) و(خور حمر) تحت إدارة الإثيوبيين".
الباحث السوداني يبين أنه "بالتوازي مع الأعمال العسكرية المنفذة على الأرض، تتواصل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق بين هذين البلدين".
ويعتقد أن السودان وإثيوبيا "يحوزان على علاقات قوية للغاية تتجلى حاليا في استقبال اللاجئين التيغراي على الأراضي السودانية".
وعبر ما يقرب من 60 ألف إثيوبي الحدود منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فيما وصل من أقلية "الكمانتس" ثلاثة آلاف فرد 26 يوليو/ تموز 2021، بحسب سلطات الخرطوم.
خسائر البلدين
وعن الخسائر المتوقعة للبلدين بسبب الصراع الحدودي في الفشقة، يجزم الباحث السوداني بأن "الطرفين سيتأثران من تبعات هذا الصراع".
ويقول: "من المرجح بقاء العديد من العمال الإثيوبيين في منازلهم بلا عمل، بعدما كانوا يأتون دائما لمساعدة المزارعين السودانيين خلال موسم الأمطار".
ويؤكد أن "هذا الصراع سيؤثر على الاقتصاد السوداني، ولذلك بمجرد توقيع السلام، يمكن أن تعود هذه الهجرات الموسمية للمزارعين مرة أخرى".
بابكير، يشدد على أن "إثيوبيا ليست عدوا للسودان، والعكس صحيح، وأن العدو هو الفقر، إذ تؤثر التوترات الحدودية بشكل منهجي على السكان هناك".
ويرى أنه "على العكس من ذلك، يجب تطوير مشاريع مشتركة في هذه المناطق كي يدرك كل طرف أنه يحتاج إلى الآخر ويتوقف عن إلحاق الضرر به".
ما الحل؟
وفي رؤيته للوسائل التي تمكن الخرطوم من وضع حد لجرائم مليشيا "الشفتا"، يقول: نحن بحاجة إلى تغيير ثقافتهم ورفع مستوى الوعي".
ويلفت إلى أن "التعليم ضروري هنا، وكذلك تدريس اللغات الخاصة بنا حتى يفهم السودانيون والإثيوبيون بعضهم البعض".
"(الأمهرية) اللغة الرسمية لإثيوبيا، ليست مدرجة في المناهج الدراسية في المدارس في ولاية القضارف السودانية الحدودية"، وفق قول بابكير.
ويتابع: "كما يمكن للمشاريع المشتركة أن تضع حدا لأنشطة "الشفتا".
ويعرب عن قلقه ويستدرك: "لكن رغم ما ذكرت، فإن بعض المزارعين في المجتمعات الحدودية يضغطون على حكومتي منطقة (أمهرة) و(تيغراي) لعدم اتخاذ إجراءات ضد (الشفتا)".
ويجزم بأنهم "يريدون الاستمرار في استغلال الأراضي السودانية الأكثر خصوبة من التربة الصخرية عبر الحدود".
ويشير إلى أنه "يمكن أن يكتفي هؤلاء الفلاحون الإثيوبيون بأن يزرعوا الحقول السودانية من خلال الاستثمار وفق القانون السوداني، كما تستثمر دول الخليج في السودان".