رغم الاستقلال.. صحيفة إيطالية تفجر ملف الفصل العنصري في ناميبيا
تحدثت صحيفة إيطالية عن العدالة الاجتماعية الغائبة عن دولة ناميبيا الواقعة في الجنوب الغربي لقارة إفريقيا وتطل على المحيط الأطلسي، مشيرة لاستمرار ملامح الفصل العنصري بالبلاد، وتغول طبقة البيض على السمر.
صحيفة "نيغريسيا" أكدت في تقرير لها أن 48 بالمئة من الأراضي الخصبة في ناميبيا ما زالت بأيدي عدد قليل من المزارعين البيض، بينما 70 بالمئة من السكان من أصل إفريقي يحوزون فقط 35 بالمئة من الأراضي الزراعية.
وأضافت أن "التاريخ المعاصر للمستعمرة الألمانية السابقة في جنوب القارة السمراء يرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة الأراضي الصالحة للزراعة وتوزيعها خاصة على السكان الأفارقة الأصليين".
إرث استعماري
وأشارت إلى أن "ألمانيا أعلنت استعمارها لناميبيا عام 1884 خلال مؤتمر برلين المعني بتقسيم القارة الإفريقية بين القوى الاستعمارية حينها".
وإثر نهاية الحرب العالمية الأولى (1914- 1919) مباشرة، أعطت "عصبة الأمم" تفويضا لدولة جنوب إفريقيا التي كانت تحكمها أقلية بيضاء، لإدارة الأراضي الناميبية.
هذا القرار جرى تأكيده أيضا بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) من قبل الأمم المتحدة، لتلغيه لاحقا عام 1966.
وذلك بعد ضغط حركة الكفاح المسلح المعروفة باسم (المنظمة الشعبية لجنوب غرب إفريقيا)، لتعلن محكمة العدل الدولية عام 1971 عدم شرعية التفويض.
منذ ذلك الحين، طالبت مفاوضات عديدة الجار الجنوب إفريقي القوي بمغادرة ناميبيا التي كان يحتلها عسكريا بحكم الأمر الواقع.
عام 1990، حصل هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.5 مليون نسمة أخيرا على استقلاله.
وفي أزمة الصراع على الأراضي الزراعية الشاسعة أوضح تقرير "نيغريسيا" الإيطالية، أن "مسألة الأرض تصدرت باستمرار جدول الأعمال السياسي للحكومات المختلفة طيلة المراحل التاريخية المختلفة لناميبيا".
ولفتت إلى أنها "اشتركت في أمر واحد وهو الإرث الاستعماري الثقيل الذي يؤثر إلى اليوم على حقوق السكان الأصليين في الأراضي الزراعية".
الفصل العنصري
ذكرت الصحيفة أن "ألمانيا أولا، ثم جنوب إفريقيا، شجعا المستعمرين الأوروبيين والأفارقة الجنوبيين للاستحواذ على الأراضي الخصبة، واستبعاد السكان الأصليين إلى محميات بعد طردهم من أراضيهم".
أوضحت "نيغريسيا" أن هذه السياسة هدفت إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي للسكان الأفارقة، والذي لم يتحقق في الواقع".
كما سعت ألمانيا ونظام الفصل العنصري في بريتوريا بجنوب إفريقيا "إلى سيطرة المستعمر على السكان واستغلالهم كعمالة منخفضة التكلفة للمناجم ومزارع المزارعين البيض".
ولفتت الصحيفة إلى أن "هذه العملية أنتجت توزيعا غير متساو للأراضي لصالح المستوطنين البيض، خاصة منذ منتصف ستينيات القرن الـ20".
"في تلك الفترة، امتد إلى ناميبيا نظام (بانتوستان) الجنوب إفريقي ونموذج الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء جنوب إفريقيا".
"ذلك النظام حدد سبع مناطق كبيرة تعرف باسم (أوطان)، أجبر السكان الأصليون على العيش فيها"، وفق التقرير.
وأشار إلى أنه "منذ استقلالها، تبنت ناميبيا نموذجا مركزيا للدولة، بسبب النفوذ السوفييتي حينها، وألغت (البانتوستانات)، وقلصت سلطة الزعماء التقليديين لتتصاعد بذلك النزاعات بين السكان المحليين، والحكومة".
في هذا الإطار، بينت الصحيفة الإيطالية أن "الفصل (100) من دستور ناميبيا، ينص على ضم ملكية (الأوطان) القديمة للدولة، وفقا لمبدأ أكده قانون الأراضي الجديد لعام 2002".
وذلك "مع الاعتراف بحقوق الزعماء التقليديين في توزيع ما يصل إلى عشرين هكتارا من الأراضي على المزارعين الأفراد".
رغم الاستقلال
"نيغريسيا" الإيطالية جزمت بأن "الاستقلال لم يسهم في حل مشاكل التوزيع غير المتكافئ للأراضي بسبب عدم اعتراف الحكومة الجديدة بحقوق السكان الأصليين".
وشددت على أن "هناك مسألتين مفتوحتين فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي واستخدامها، وكلاهما مرتبطتان بالماضي الاستعماري الذي يصعب تجاوزه".
"المسألة الأولى: عرقية متعلقة بسكان (سان)، أكثر المجموعات تعرضا للعقوبات، ونظرا لعدم امتلاكهم أراضي يطلبون إذن زعماء أعراق أخرى لاستخدام الأراضي الصالحة للزراعة، ما يضعهم في وضع من التبعية والتمييز".
"سان" كانوا أول من سكنوا جنوب إفريقيا، وعاشوا لأكثر من 20 ألف سنة.
"نيغريسيا" أشار إلى أن مؤشرات سكان "سان" من متوسط العمر المتوقع إلى التعليم أقل بكثير من المعدل في ناميبيا.
ويعادل مؤشر التنمية البشرية لديهم معدلات بلدان شديدة الفقر مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، في حين تعد ناميبيا ذات نمو بشري متوسط.
أما المسألة الثانية بحسب الصحيفة: تتمثل في "استحواذ أقل من خمسة آلاف من المزارعين البيض على 48 بالمئة من الأراضي، في حين يعتمد 70 بالمئة من السكان من أصل إفريقي على 35 بالمئة من الأراضي الزراعية".
ولفتت إلى "تخصيص 17 بالمئة من الأراضي الأخرى للمحميات الطبيعية".
"نتيجة لهذا التوزيع غير المتكافئ للأراضي، جرى تأسيس حزب سياسي يحمل اسم (حركة الأشخاص الذين لا يملكون أرضا) عام 2018 للمطالبة بمراجعة جذرية وتوزيع عادل للأراضي لصالح السكان الأصليين".
وترى الصحيفة أن "هذا الهدف بعيد المنال"، مشيرة لوجود "حساسية أكبر داخل البلد لهذه المسألة الحاسمة".
تأكد ذلك على سبيل المثال بحسب الصحيفة مع انعقاد "المؤتمر الوطني الثاني للأرض"، عام 2018 طيلة خمس أيام بحضور 800 مشارك، خصصت له الحكومة ميزانية مليون دولار.
ومن خلال مشاركتها في المؤتمر، حذرت منظمات المجتمع المدني من عواقب مسألتين مهمتين، الأولى، خطورة وضعية الأراضي الحضرية والوضع السكني غير المستقر لحوالي مليون شخص.
أو ما اعتبرته المنظمات "اكتظاظا سكانيا يعادل 40 بالمئة من إجمالي عدد السكان بشكل كبير في العاصمة ويندهويك".
وتعلقت المسألة الثانية: بتملك الأجانب الأغنياء لأفضل الأراضي لا سيما بعد أن ضم رجل الأعمال الروسي رشيد سرداروف قبل ذلك المؤتمر قطعة أرض جديدة إلى الثلاثة التي يمتلكها، بحسب مصادر محلية.
وفي اعتراف منها بارتكاب الإبادة الجماعية ضد شعبي "الهيريرو " و"الناما" خلال الحقبة الاستعمارية، خصصت الحكومة الألمانية في مايو/ أيار 2021، دعما ماليا بأكثر من مليار يورو سيجري دفعها على مدى 30 عاما.
تقرير الصحيفة الإيطالية توقع استخدام ذلك الدعم لحل مسألة حصول الشعوب الأصلية والفقراء الجدد في المدن المتحضرة على أراضي.
وأعربت عن أملها في أن "يقلل ذلك من التفاوتات الاجتماعية والعرقية الكبيرة في ناميبيا".