دعوى قضائية جماعية تعصف بجسر السلاح الممتد بين أميركا وإسرائيل.. كيف؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يسعى مواطنون أميركيون للضغط على إدارة الرئيس جو بايدن ونواب الكونغرس، لوقف دعمهم المطلق للكيان الصهيوني.

طالبوا تارة بـ"وقف عنف الحكومة الأميركية" التي تدعم الإبادة في غزة بسلاح أميركي، وتارة أخرى بـ "رفض التواطؤ والقتل باسمنا".

هذه المرة، تحرك أكثر من 500 من سكان ولاية كاليفورنيا، ورفعوا "دعوى قضائية جماعية"، ضد نائبين من الكونغرس يمثلانهم، لتصويتهما لصالح استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، مطالبين بمعاقبتهما لتورطهما في قتل الفلسطينيين.

قالوا في دعواهم: "نحن مضطرون، مع استمرار الإبادة الجماعية في غزة واستمرار استخدام الأسلحة الأميركية فيها، لبذل كل ما في وسعنا لوقف استخدام أموال دافعي الضرائب لإرسال المزيد من الأسلحة لإسرائيل".

وأما التهم الموجهة للنائبين فهي انتهاكهما: "قانون المساعدات الخارجية"، و"قانون مراقبة تصدير الأسلحة"، و"قانون جرائم الحرب الأميركي"، و"قانون ليهي"، و"قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية والعديد من المعاهدات".

القصة أثارت جدلا كبيرا في أميركا، ويتوقع أن يكون لها تداعيات مستقبلية على الدعم الأميركي العسكري للاحتلال، لكن الأكثر أهمية أنها تحمل "رسالة شعبية" موجهة من المواطنين الأميركيين لحكوماتهم ونوابهم بوقف المشاركة في جرائم الإبادة الإسرائيلية.

تفاصيل القضية

الدعوى القضائية الجماعية التي رفعها سكان ولاية كاليفورنيا يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2024 كانت موجهة ضد النائبين "جاريد هوفمان" و"مايك تومسون"، بسبب تصويتهما لصالح استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل.

موقع "كومن دريمز" الأميركي اليساري، وصف ما فعله المدّعون، الذين يعيشون في 10 مقاطعات شمال كاليفورنيا، ودعمتهم "مجموعة دافعي الضرائب ضد الإبادة الجماعية"، بأنه "تكتيك قانوني غير مسبوق".

وأوضح أن المواطنين الأميركيين، عاقبوا هوفمان وثومبسون لتصويتهما لصالح "قانون المخصصات الأمنية التكميلية لإسرائيل" في الكونغرس، والذي خصص حزمة تمويل 26.28 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، في أبريل/نيسان 2024.

وأنهما فعلا هذا، رغم علمهما بمقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني بهذه الأسلحة، وتأكيد المنظمات الإغاثية و"أطباء بلا حدود" أن الجيش الإسرائيلي يقوم بتطهير عرقي ضد الفلسطينيين بالقصف والقتل والنزوح والحصار.

وأشار المدعون إلى أن هوفمان وتومبسون صوتا أيضا عمدا لصالح حزمة التمويل، بعد أشهر من إصدار محكمة العدل الدولية حكما أوليا في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي خلصت إلى أن "تصرفات إسرائيل هددت حق الفلسطينيين في الحماية من الإبادة الجماعية".

كما جاء تصويت النائبين لصالح صفقات سلاح لإسرائيل، بعد أسابيع من إصدار فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقريرا موسعاً أكد أن "إسرائيل ترتكب أعمال إبادة جماعية في غزة".

إساءة استخدام السلطة

أما الحجة القانونية في القضية ضد النائبين فهي أن تصويت هوفمان وتومسون لصالح إعطاء مليارات الدولارات للجيش الإسرائيلي، "يعد إساءة استخدام سلطة المشرعين في الضرائب والإنفاق".

وأنهما بذلك "أجبرا ناخبيهما على التواطؤ في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين بشكل غير قانوني".

وقد نشرت "روتس أكشن"، وهي مجموعة تقدمية تعادي دونالد ترامب تفاصيل القضية، وآراء بعض ممن شاركوا في رفع الدعوى، ممن قالوا إنهم "وثقوا في نوابهم وأعطوهم أصواتهم، ولكنهم خانوا الأمانة".

قالوا إن النائبين صوتا لصالح إرسال المزيد من الأسلحة الهجومية "المدفوعة من أموال دافعي الضرائب الأميركيين" إلى إسرائيل.

وحين رد النائب "هوفمان" مبررا تصويته لصالح صفقات السلاح لإسرائيل بأنه فعل هذا لأنه "يعارض معاداة السامية"، رد عليه نورمان سولومون، مؤسس "روتس أكشن"، وهو يهودي أميركي، ساخرا ووصف تفسيره بأنه "منطق مثير للاشمئزاز وللغضب ومقزز".

وخلال المؤتمر الصحفي نفسه، قالت ماريا بركات، وهي أميركية من أصل فلسطيني-لبناني ومدعية من مقاطعة سونوما، إنه من المهم أن يشعر المئات من سكان كاليفورنيا بقدرتهم على اتخاذ إجراءات ذات مغزى، مثل هذه الدعوى القضائية ضد النائبين.

ووصفت "بركات" هذه الدعوى الجماعية بأنها "ليست سوى بداية لممارسة الشعب لقوته ضد عنف الحكومة الأميركية، ورفضنا التواطؤ".

دعاوى أخرى

وهذه ليست الدعوى القضائية الأولي ضد مسؤولين أميركيين بتهم دعم الإبادة الإسرائيلية في غزة، فقد رفعت عائلات فلسطينية قضية ضد وزارة الخارجية الأميركية بسبب الدعم الأميركي للجيش الإسرائيلي يوم 17 ديسمبر 2024، بحسب وكالة "رويترز".

الأسر الفلسطينية، التي رفعت الدعوى القضائية، اتهمت الخارجية الأميركية بـ "قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، والتسبب في أزمة إنسانية غير مسبوقة في غزة"، بسبب دعم واشنطن للجيش الإسرائيلي في حربه في غزة، وفق أوراق القضية.

أكدوا في دعواهم أمام محكمة مقاطعة كولومبيا أن وزارة الخارجية تحت قيادة الوزير أنتوني بلينكن "تحايلت عمداً على قانون حقوق الإنسان الأميركي لمواصلة تمويل ودعم الوحدات العسكرية الإسرائيلية المتهمة بارتكاب فظائع في غزة والضفة الغربية المحتلة".

واستندت الدعوى إلى "قوانين ليهي" التي تحظر تقديم المساعدات العسكرية الأميركية للأفراد أو وحدات عسكرية ترتكب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ولم يتم تقديمها للعدالة.

أكدوا أن "الفشل المتعمد لوزارة الخارجية في تطبيق قانون ليهي، صادم بشكل خاص في مواجهة التصعيد غير المسبوق للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الإنسان منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".

ورفع هذه الدعوى خمسة فلسطينيين من غزة والضفة الغربية والولايات المتحدة، أبرزهم مدرس من غزة، نزح سبع مرات خلال الحرب الحالية، وقتل الجيش الإسرائيلي عشرين فرداً من أفراد أسرته بأسلحة أميركية، بحسب الدعوى.

وفي 20 ديسمبر 2024، رفع أيضا 9 من الأميركيين العالقين في غزة دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة لتركهم "محاصرين في منطقة حرب"، مؤكدين حقهم في العودة إلى أميركا مثل غيرهم، بحسب موقع "إنترسيبت".

رفعوا دعوى قضائية ضد إدارة بايدن في محاولة لإجبار الحكومة على مساعدة العائلات على المغادرة، وساندهم مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية الذي اتهم الحكومة الأميركية بانتهاك الحقوق المدنية لهؤلاء الأميركيين الفلسطينيين بالتخلي عنهم في منطقة حرب.

وأكدت الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الفيدرالية أن الحكومة الأميركية قامت على الفور بإجلاء مواطنين أميركيين آخرين وأقاربهم المباشرين في مواقف مماثلة وخطيرة، لكنها لم تفعل ذلك مع الأميركيين في غزة رغم ادعاءات الحفاظ عليهم.

أيضا في يناير/ كانون الثاني 2024، رفع مركز الحقوق الدستورية دعوى قضائية ضد بايدن وأعضاء حكومته نيابة عن العديد من الجماعات والأفراد الفلسطينيين، متهما إياهم بالفشل في منع الإبادة الجماعية في غزة، لكن تم رفض القضية في يوليو/ تموز 2024.

وفي مارس/آذار 2024، قبل شهر من التصويت، حث نواب ديمقراطيون الرئيس جو بايدن على تطبيق القسم 620I، من قانون المساعدات الخارجية لعام 1961، والذي يحظر على الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية لأي دولة تمنع المساعدات الإنسانية الأميركية.

وفي أكتوبر 2024، هددت الإدارة الأميركية بقطع المساعدات العسكرية، خلال شهر واحد، إذا لم تثبت إسرائيل أنها تسمح بدخول كميات كافية من الغذاء والمياه والأدوية وغيرها من الإغاثة إلى أهالي القطاع.

لكن وزارة الخارجية الأميركية لم تنفذ تهديدها على الرغم من أن الأمم المتحدة توصلت إلى أن الظروف لم تتحسن.

أين مذكرة الأمن القومي؟

أهمية تحرك الأميركيين شعبيا عبر منظمات وجمعيات لرفع دعاوى جماعية ضد حكومتهم ونوابهم، أنها تأتي ردا على تلاعب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن بمذكرة الأمن القومي وعدم عقاب إسرائيل على خرقها، بحجب السلاح عنها.

فقد خط الوزيران سوياً رسالة مؤرخة بتاريخ 13 أكتوبر 2024 نصت على أن "الولايات المتحدة تعتقد بأن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية للفلسطينيين"، وتهدد الرسالة بوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل "بموجب القانون الأميركي ومذكرة الأمن القومي ذات الصلة بتوريد الأسلحة".

لكن "مذكرة الأمن القومي" التي تمنع نقل أسلحة إلى إسرائيل بموجب قانون المساعدات الخارجية حال انتهاكها القوانين الأميركية والدولية في شأن قتل مدنيين وأبرياء بسلاح أميركي لم يتم تنفيذها.

وتلاعب بلينكن بعد مهلة الـ 30 يوما وأعلن أن إسرائيل استجابت رغم تكذيب منظمات أميركية ودولية ونواب له.

وتُلزم “مذكرة الأمن القومي” والتي أصدرها بايدن في 8 فبراير/شباط 2024، وزارة الخارجية بتقديم تقرير إلى الكونغرس بشأن ضمانات استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية بما لا ينتهك القوانين الأميركية ولا الدولية.

وتنص على ضرورة "تعزيز الامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون النزاعات المسلحة"، في عمليات بيع السلاح الأميركي، و"تعزيز احترام حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي وسيادة القانون في العالم"، خلال بيع الأسلحة الأميركية للخارج.

وتفرض هذه المذكرة على الولايات المتحدة حظر تصدير الأسلحة "إذا ما وجدت أنها ستستخدم في "الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية، أو الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف"، وفق البيت الأبيض.

"بما في ذلك الهجمات الموجهة ضد أهداف مدنية، أو أعمال العنف القائمة على النوع الاجتماعي أو العنف الخطير ضد الأطفال".

وكان من المفترض تطبيق هذه المذكرة على صفقات السلاح التي نقلتها أميركا لإسرائيل بعد تصاعد الانتقادات لأميركا من الداخل والخارج بأنها تشارك في الإبادة الجماعية بغزة، إلا أن هذا لم يحدث، ما جعلها شريكة في الجرائم.

ومن بين التشريعات الأخرى ذات الصلة التي يمكن لأميركا الاستعانة بها لعقاب إسرائيل ولا تستعملها، المادة "620 آي" 620I، من قانون المساعدات الخارجية، وقانون ليهي.

وكلاهما يمنع الحكومة الأميركية من تقديم المساعدات العسكرية أو بيع الأسلحة إلى البلدان التي تقيد المساعدات الإنسانية أو تنتهك حقوق الإنسان.

ونشرت مجلة "بروبابليكا" الأميركية في 24 سبتمبر/أيلول 2024 تقريرا كتبه الصحفي الاستقصائي، الحائز على جوائز بريت مورفي، كشف فيه أن بلينكن "كذب عمدا على الكونغرس الأميركي في مايو 2024.

واتهمته المجلة بأنه "ارتكب جريمة السماح باستمرار تجويع وقصف الفلسطينيين الأبرياء، وهذا يثبت أن بلينكن لا يمكن الوثوق به في تولي السلطة السياسية بأي شكل من الأشكال"، ودعت إلى تنحيته فورا عن منصبه وعزله أو إقالته.

أيضا اتهمت صحيفة "كارنت أفيرز" في 11 أكتوبر 2024 بلينكن بأنه "كذب على الكونغرس، وحرض على ارتكاب إسرائيل جريمة حرب وقالت إنه حان الوقت لطرده من الخارجية الأميركية.

قالت إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) قدمت مذكرة من 17 صفحة إلى مكتب بلينكن تتضمن تقييمها للأزمة الإنسانية في غزة.

وأكدت فيها "تدخل إسرائيل في جهود الإغاثة، وقتل عمال الإغاثة، وتدمير المنشآت الزراعية، وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، ورفض إدخال الشاحنات المحملة بالطعام والدواء بشكل روتيني".