“رضع للبيع” بالمغرب.. ما جدوى خطة أخنوش في اصطياد شبكات الجريمة؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت دعوات برلمانيين مغاربة تجاه حكومة عزيز أخنوش، لمطالبتها باتخاذ إجراءات عملية تواجه بها ظاهرة "بيع الأطفال الرضع"، خاصة بعد اعتقال شبكات متخصصة تضم عشرات الأشخاص المتهمين.

جاء ذلك على لسان عدد من البرلمانيين، ومنهم من المعارضة، نعيمة الفتحاوي، والتي توجهت بسؤال إلى وزيرة التضامن والإدماج الاقتصادي والأسرة،عواطف حيار، تدعوها للتفاعل مع ظاهرة "بيع الرضع".

"رضع للبيع"

وقالت البرلمانية عن حزب “العدالة والتنمية” المعارض، الفتحاوي، إن "تحقيقا صحفيا كشف عن وجود سماسرة يتاجرون بالرضع، عبر بيع الأطفال لأسر تريد تبنيهم بشكل سري".

وشددت على أن “هذا التحقيق أثار أسئلة مقلقة حول جدوى السياسات العمومية الموجهة لحماية الطفولة بشكل عام، ولضحايا الاتجار بالبشر بشكل خاص”، بحسب موقع "العدالة والتنمية" في 5 يوليو/تموز 2024.

وذكرت الفتحاوي أن المعطيات المتوافرة تفيد بأن معظم الأطفال يتم بيعهم لأسر خارج أرض الوطن، كما يتم "إنتاج الرضع" وعرضهم للبيع عن طريق فتح مقر الشبكة لممارسة علاقات جنسية مع نساء بمقابل مادي، وكل طفل ينتج عن تلك العلاقة فهو "مشروع للبيع".

ومن جانب الأغلبية، دعا حزب التجمع الوطني للأحرار، القائد للائتلاف الحكومي، عبر النائبين محمد شوكي والتهامي الوزاني إلى "توحيد الجهود بهدف حماية طفولة المغرب بصفتها مستقبل الوطن، وإنهاء مافيا الاتجار بالرضع حديثي الولادة".

وأكد البرلمانيان، في سؤال موجه إلى وزير الصحة، أن عددا من المدن المغربية شهدت مسألة الاتجار بالرضع، من بينها مدينة فاس (شمال)، بعدما تم أخيرا توقيف مجموعة من الأشخاص يعملون في قطاع الصحة والحراسة الأمنية.

وشددا على أن "هذا الأمر خلف صدمة واستنكارا مجتمعيا واسع النطاق"، وطالبا "بتشريع تدابير جديدة أكثر صرامة بالمستشفيات والمصحات".

وحسب القانون المغربي، فإن الراغب في كفالة أي طفل، يجب أن يرفع طلبا إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين مدعوما بعدد من الوثائق، حيث يقوم القاضي بأبحاث بواسطة لجنة تشمل النيابة العامة وممثل السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الإسلامية وممثل السلطة المحلية، ثم تستشار السلطة الحكومية المكلفة بالطفل.

كما يضاف إلى ذلك بحث بواسطة المصالح الطبية، وإذا كانت الأبحاث إيجابية يتخذ القاضي أمرا يقضي بإسناد الكفالة ويكون قابلا للاستئناف، غير أن اللوبيات تلتف عن هذه البنود القانونية لأجل تحقيق مكاسب مالية كبيرة.

ونظرا لخطورة الملف، لا توجد أرقام دقيقة لحجم الظاهرة، غير أن أكبرها يعود إلى عام 2012، حيث كشفت جمعية “الريف لحقوق الإنسان”، أن حوالي 25 ألف رضيع مغربي تم بيعه مند سنة 1975.

وهي الجريمة التي عوقبت على أثرها شخصيات وراهبات في إسبانيا، بحسب مقال نشرته قبل سنوات صحيفة “أوجوردوي لو ماروك”، التي أكدت أن الأطفال المغاربة الذين تم بيعهم في تلك الفترة كانوا ضمن 300 ألف طفل تم بيعه بين سنتي 1939 و1980 بإسبانيا.

واقعة فاس

الرأي العام تفاعل مع واقعة مدينة فاس، حيث أعلنت النيابة العامة عن تفكيك شبكة "الاتجار بالرضع حديثي الولادة" بالمدينة.

وقالت النيابة العامة عبر بيان صدر في فبراير/شباط 2024، إنه تم إيقاف نحو 30 شخصا في إطار ممارسات "الابتزاز والتهديد والتلاعب في عملية الاستفادة من الخدمات الطبية العمومية والاتجار بالأطفال الضحايا الذين لم ترد معلومات عن أعدادهم".

وفي 12 يونيو/حزيران 2024، أسدلت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم المال لدى محكمة الاستئناف بفاس الستار عن ملف شبكة الاتجار في الرضع، بتوزيع حوالي 20 سنة سجنا على المتهمين المتابعين في الملف.

وأدانت المحكمة متهمَيْن بـ3 سنوات حبسا نافذا لكل منهما، في حين قضت بسنتين حبسا نافذا في حق متهم واحد، وأدانت متهمين بسنة حبسا، فيما قضت المحكمة ذاتها بإدانة ثلاثة متهمين بـ6 أشهر حبسا نافذا.

وأدانت المحكمة 18 حارس أمن خاص ومستخدمَيْن وطبيب، وكلهم تمت متابعتهم في حالة اعتقال بـ4 أشهر حبسا نافذا، وأدانت طبيبا متابعا في حالة سراح بشهرين حبسا نافذا.

وفي تفاعلها مع الحدث، أكدت منظمة "ماتقيش (لا تلمس) ولدي" المعنية بحقوق الأطفال، ضرورة "تسليط الضوء على ملف التخلي عن الرضع من طرف الأمهات العازبات، والذي تطور إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة، تتمثل في بيعهم مقابل مبالغ مالية وعن طريق وسطاء".

 وحذرت المنظمة في بيان، من استغلال المآسي الإنسانية والاجتماعية من بعض الأشخاص للاتجار بها، عادة ذلك “تمثلا خطيرا لظاهرة الاتجار بالبشر لفائدة عائلات مجهولة لأطفال يواجهون مصيرا مجهولا”.

وشددت المنظمة على ضرورة البحث عن الرضع حديثي الولادة الذين تم بيعهم وإيجادهم، خوفا عليهم من واقع أشد خطورة والمتعلق بشبكات الاتجار بالأعضاء.

وعبرت المنظمة عن قلقها من جرائم الاتجار بالمآسي الإنسانية والاجتماعية للبشر، مستنكرة جريمة الاتجار برضع الأمهات العازبات حديثي الولادة داخل المؤسسة الصحية بفاس.

من جانبه، حذر ، رئيس المجلس العلمي المحلي لمنطقة “الصخيرات تمارة”، لحسن سكنفل، من خطورة الضلوع في جرائم بيع الرضع.

وشدد سكنفل لموقع "العمق المغربي" في 16 يوليو 2024، على أن "هذا الأمر لا يجوز، سواء أكان الأطفال نتاج زواج أو علاقة غير شرعية".

وأبرز أن "الآباء لا يملكون أبناءهم وهم ليسوا سلعة، وإنما هبة من الله، ويجوز في المقابل التكفل بهم من طرف أسر أخرى قادرة على ذلك ماديا ونفسيا وتربويا، مادام الآباء البيولوجيون لا يستطيعون ذلك لظروف مادية أو اجتماعية".

وأكد سكنفل أن "كل مولود إلا وله الحق في أن يحيا حياة كريمة في ظل أسرة ترعاه وتعتني به حتى يبلغ أشده، ويصبح قادرا على العناية بنفسه، حتى وإن ولد خارج مؤسسة الزواج".

واستدل سكنفل في هذا السياق بالآية الكريمة من سورة فاطر “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ“، وما جاء في السنة من قصة الغامدية التي أقرت وهي متزوجة بأن حملها من زنى، فأجل النبي صلى الله عليه وسلم تنفيذ حكم الشرع عليها حتى تضع حملها وتفطمه، فلما فطمته جاءت به إلى النبي يمشي على رجليه فقال للصحابة من يتكفل بهذا.

واسترسل المتحدث ذاته، "وفي ذلك إشارة إلى أن المجتمع مسؤول عن رعاية هؤلاء الأطفال، ولا يجوز بحال نعتهم بما يجرحهم في شعورهم ولا النظر إليهم أنهم خارج المجتمع، لأن آباءهم من ذلك المجتمع"، بحسب تعبيره.

 

قراءة قانونية

ويرى المحامي عبدالسلام الخالدي، أن "المشرع المغربي -وكتوجه عام- لا يُعرف الجريمة بل يكتفي بوصف فعلها المادي أو الركن المادي الذي تتحقق به والصور التي يتخذها هذا الفعل الجرمي".

ولذلك، يردف الخالدي لـ"الاستقلال"، "لم يميز القانون الجنائي في جريمة اختطاف الأطفال بين الرضيع والفطيم، حيث رأى في فصله 472 أن اختطاف طفل يقل عمره عن 12 سنة جناية، وتكون مشددة وتصل عقوبتها إلى المؤبد إذا قرنت بطلب فدية من والديه".

وأضاف: "وقد تناول المشرع كل ما يتعلق بهذه الجريمة مفردا لها الفصول من 471 إلى 479 بعد إدخال مجموعة من التعديلات على مجموعة القانون الجنائي في اتجاه تشديد العقوبة وسد الفراغ الذي كان يعرفه النص القديم".

وبخصوص أسباب ظاهرة اختطاف وبيع الرضع، قال الخالدي إن "الأسباب متعددة، وترتبط بالإشكالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تعاني منها عدد من الدول".

واسترسل، "فالدوافع الاقتصادية المقصودة، هي من قبيل الابتزاز وطلب الفدية، أو الاستغلال في جرائم منظمة كالاتجار في المخدرات وبيع الأعضاء البشرية، أو شبكات الاتجار الجنسي..".

وأردف المحامي والناشط السياسي، "لكن بعض جرائم الاختطاف للأطفال تجد خلفيتها الثقافية في بعض الأحيان في معتقدات مرتبطة بالسحر أو الشعوذة، أو بالاستغلال في عمليات التسول بالأماكن العامة، أو بالانتقام بين الأقارب، أو بالحاجة إلى تبني أطفال دون سلوك الخطوات القانونية خوفا من نظرة المجتمع...".

ونبه الخالدي إلى أن "القانون وحده لا يمكن أن يجيب عن الظاهرة ويعالجها إلا في حدود مقدرة أو نسبية".

واستطرد: "لذلك لابد من أن تكون لدينا مسؤولية جماعية في التصدي لبواعث مثل هاته الجرائم، من خلال مقاربة تشمل جوانب الظاهرة، وتضع التشريعات والمؤسسات والبرامج التي تنمي الوعي بخطورتها، وتمكن القضاء وأجهزة الأمن من التصدي الفاعل لها".

وذكر الخالدي أن "ظاهرة الأطفال المشردين، وانهيار القيم والتفكك الأسري، والهدر المدرسي والعلاقات خارج مؤسسة الزواج، والجهل والبطالة والفقر وغيرها، تشكل في مجموعها بيئة خصبة لمثل هاته الجرائم".

وخلص إلى أن “اختطاف وبيع الأطفال الرضع، هي من الجرائم التي باتت تأخذ أبعادا دولية، ولذلك يحتاج التشريع الجنائي المغربي إلى الإحاطة بها وملء كل فراغ بهذا الخصوص”.