من باب دولة فلسطين.. هل يحافظ حزب المحافظين على الحكم عبر أصوات المسلمين؟
“توقعات بأن حزب المحافظين يتجه نحو أسوأ هزيمة له في تاريخه”
تنافس شديد على “الصوت المسلم” بين الحزبين الكبيرين "المحافظين" و"العمال" في بريطانيا، عقب حل البرلمان في 30 مايو/أيار 2024، وتبكير الانتخابات التشريعية في 4 يوليو/تموز 2024 بدلا من نهاية العام.
ويسعى حزب "العمال" للاستفادة من سخط الرأي العام على حزب "المحافظين" الذي تولى رئاسة الوزراء، خمس مرات منذ عام 2016، وتسبب في سلسلة من الفضائح والمشاكل الاقتصادية، وخسر في الانتخابات المحلية.
فيما بدأ حزب المحافظين يتحرك بطريقة أخرى لاكتساب ثقة المسلمين الذين أغضبهم موقف رئيس حزب العمال، كير ستارمر، بالوقوف مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وهددوا بعدم انتخابه.
استقطاب الصوت
نائبة زعيم حزب العمال، أنجيلا راينر، ظهرت في لقاء غير عادي مع الجالية المسلمة وهي تدعوهم للتصويت لحزبها في الانتخابات المقبلة، بعد أن ذكرت التقارير أن حزب العمال “خسر ثقة المسلمين بشكل كبير” بسبب موقفه من العدوان على غزة.
وتعهدت راينر للمسلمين خلال زيارتها لأحد المراكز الإسلامية بأن حزبها "سيعترف بدولة فلسطين إذا فاز في انتخابات يوليو 2024"، بحسب صحيفة "تلغراف" البريطانية 28 مايو/أيار 2024.
تزامن هذا التحرك من حزب المحافظين، المتهم من جانب مسلمي بريطانيا بتأجيج الإسلاموفوبيا ودعم إسرائيل، مع لعب "الصوت المسلم" دورا مهما في فوز العمال و"إسقاط" المحافظين، في الانتخابات البلدية
وبعدما بات منصب رئيس الوزراء من حزب المحافظين، ريشي سوناك، في خطر حيث أظهرت نتائج الانتخابات المحلية في 11 بلدية جرت فيها الانتخابات في 4 مايو 2024، فوز حزب العمال بـ8 بلديات و185 مقعدا.
فيما خسر المحافظون 468 مقعدا و8 مجالس بلديات على الأقل، وتعمقت أزمتهم مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.
وفي الانتخابات البرلمانية السابقة (عام 2019) صوت مسلمو بريطانيا عقابيا ضد حزب "المحافظين" الحاكم بسبب سياساته الداعمة للإسلاموفوبيا، وعلاقة أعضائه مع الاحتلال الإسرائيلي، واختاروا نواب حزب العمال والمستقلين.
وأبهرت قوة مجموعة ضغط تسمى "الصوت المسلم" أو “صوت المسلمين” في الحملات الانتخابية، الحزبين الكبيرين المتنافسين (المحافظين والعمال) لدورها في توجيه أصوات مسلمي المملكة المتحدة في صناديق الانتخابات.
وجاء صعود حزب العمال في الانتخابات الفرعية ثم البلدية التي جرت في بريطانيا خلال أبريل ومايو 2024، على حساب حزب المحافظين، بفضل "الصوت المسلم" ليدفع المحافظين للتودد إليهم ومحاولة جذبهم للتصويت له بادعاء أنه سيدعم قضية فلسطين.
ونشأت "صوت المسلمين" في بريطانيا، على غرار عملية "الصوت الأسود" (Operation Black Vote) في أميركا، وهدفها هو زيادة نسبة المشاركة بين المسلمين البريطانيين في الانتخابات، لكن مع توجيههم لانتخاب من يهتم بمصالح المسلمين.
وتؤيد مجموعة "صوت المسلمين" كلا من "رابطة مسلمي بريطانيا"، و"المجلس الإسلامي في إسكتلندا"، و"مجلس مسلمي ويلز"، ومنظمة "مشاركة المسلمين في التنمية"، ومنظمات مجتمع مدني إسلامية أخرى.
وتصف جماعة "الصوت المسلم" نفسها عبر موقعها، بأنهم "مؤيدون للديمقراطية ومناهضون للإبادة الجماعية"، و"المسلمون وكل من يدافع عن العدالة متفقون على أن الطبقة السياسية الحالية لا تمثلنا".
وتقول هذه المجموعة إن لديها "الآلاف" من المتطوعين المستعدين لدعم الحملات السياسية المحلية المستقلة في الدوائر الانتخابية التي تضم عددا كبيرا من الناخبين المسلمين وأعضاء البرلمان.
وأنهم سيعاقبون هؤلاء النواب الذين رفضوا التصويت لصالح وقف إطلاق النار في غزة، برفض التصويت لهم.
وتقول عبر موقعها على الإنترنت، إنها "ستُمكن البريطانيين من دعم مرشح مؤيد لفلسطين ومؤيد للسلام" في الانتخابات، ولن تدعم أي نائب رفض التصويت على “وقف إطلاق النار في غزة” في مجلس العموم.
لذا تشير تقارير بريطانية أن حزب المحافظين يسعى إلى اللعب على وتر غزة والتلويح بأنه سيعترف بدولة فلسطينية لو فاز مجددا في الانتخابات حتى يكسب هذه الأصوات المسلمة الضخمة الغاضبة من موقف “العمال”.
ويخشى كلا الحزبين من انصراف المسلمين والمعادين للعدوان الإسرائيلي على غزة عنهما في الانتخابات وخسارتهما المزيد من المقاعد لصالح "المستقلين" الذين يؤيدون حقوق مسلمي بريطانيا، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
لذا حرصت نائبة زعيم حزب العمال راينر خلال لقائها مع الجالية المسلمة أثناء حملتها الانتخابية على مقعدها أن تقول لهم إن حزبها سيدعم دولة فلسطينية، كمؤشر على سعي المحافظين للحصول على دعم الصوت المسلم.
بل إن راينر قالت لهم "لو كانت استقالتي من الحكومة والبرلمان ستؤدي لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة لفعلت".
"راينر" أطلقت عدة تصريحات لإرضاء المسلمين والبريطانيين الغاضبين من دعم بلادهم للإبادة الإسرائيلية في غزة، ويعزفون عن الانتخابات أو يختارون المستقلين.
وأفادت خلال لقائها الجالية المسلمة بأن حزب العمال "يدعم" أيضا المحكمة الجنائية الدولية، التي تسعى لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وقالت لهم: "أعدكم أنه إذا وصل حزب العمال إلى السلطة فسنعترف بدولة فلسطين"، لكن استدركت: "لا يوجد شيء يمكن الاعتراف به في الوقت الحالي للأسف، لقد تم تدميرها".
وأضافت: "علينا أن نعيد بناء فلسطين، علينا أن نعيد بناء غزة، وهذا يتطلب أكثر من مجرد الاعتراف بها"، وفق موقع "جويش نيوز" في 29 مايو 2024.
لكن مسلمين قالوا إن هذا لن يخدعهم، وهي "حيل انتخابية"، مشيرين لتصريحات رئيس الوزراء سوناك، من حزب المحافظين، المعادية بشدة للمسلمين والداعمة للاحتلال.
وصدرت عن سوناك تصريحات عدائية ضد المسلمين البريطانيين، واتهم المنظمات الإسلامية البريطانية بـ"ترويج التطرف"، وتعهد بالتخلص منها.
وتوجه تهم كثيرة لحزب المحافظين بأنه حزب "غير صديق" للمسلمين في بريطانيا، وهناك اتهامات بأنه يغطي على تنامي معاداة الإسلام داخل صفوفه.
وفي 24 يوليو 2023 كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن حزب المحافظين أجل تطبيق الخطط التي تستهدف معالجة الإسلاموفوبيا ضد المسلمين والأشكال الأخرى من الممارسات التمييزية داخل صفوف الحزب.
وأكدت أن المراجعة داخل الحزب أظهرت أنه كانت هناك 212 شكوى مرتبطة بـ137 حادثة في الأشهر الثلاث السابقة ليونيو 2023.
وعلق مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" في 25 يوليو 2023 للكاتب بيتر أوبورون على فشل حزب المحافظين في مواجهة مشكلة الإسلاموفوبيا، قائلا إن "الحزب أصبح مجموعة من المتعصبين".
وشدد على أنه "حزب يحتقر حكم القانون وشعبوي يغازل اليمين المتطرف، ولا يأبه في العادة للأقليات وبخاصة المسلمين المعادين لهم بعمق وأصبح حزب المتعصبين".
أيضا يدعم سوناك وحزبه المحافظين إسرائيل بالسلاح والمعدات وسخر الجيش البريطاني لخدمتها بما في ذلك طائرات تجسس وأخرى حربية، ما يطرح شكوكا حول التعهدات بالاعتراف بدولة فلسطينية.
وكشف تقرير لموقع “ديكلاسيفايد يو كي” الاستقصائي البريطاني 29 مايو 2024، أن الجيش البريطاني أرسل 60 طائرة شحن ضخمة يمكنها حمل أسلحة وأكثر من 100 جندي، إلى إسرائيل، منذ بدء إبادة غزة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وعندما سُئلت وزارة الدفاع عن ذلك أجابت أن "الغرض من الرحلات هو نقل الوزراء وكبار المسؤولين الذين يقومون باتصالات دبلوماسية مع إسرائيل!".
"العمال" ينزل المنافسة
وضمن التنافس على أصوات المسلمين، نزل حزب العمال الحلبة للمنافسة مع "المحافظين" وبدأ يصدر تصريحات تحاول تخفيف مواقف رئيس الحزب ستارمر الداعمة لإسرائيل، والتي أغضبت المسلمين وأطيافا بريطانية مختلفة.
لكن حزب العمال يتخوف من مجموعة "صوت المسلمين"، التي تؤيدها رابطة مسلمي بريطانيا، والمجلس الإسلامي في إسكتلندا، ومجلس مسلمي ويلز، ومنظمة مشاركة المسلمين والتنمية، ومنظمات مجتمع مدني إسلامية أخرى.
وهددت هذه المجموعة بعدم التصويت له بسبب دعمه الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
وظهرت أدلة في الانتخابات المحلية التي أجريت في أبريل 2024 على أن الناخبين المسلمين بدأوا في التخلي عن حزب العمال بسبب أسلوبه في دعم العدوان الإسرائيلي.
وكان زعيم حزب العمال ستارمر، أظهر دعمه إبادة غزة، حين سألت قناة "LBC" البريطانية في 11 أكتوبر 2023 عما إذا كان يرى أن "إسرائيل على حق في قطع المياه والكهرباء عن غزة".
فرد قائلا: "أعتقد أن إسرائيل لديها هذا الحق"، ما أثار انتقادات شديدة ضده.
ومع أنه تراجع جزئيا عن هذا الموقف في وقت لاحق، فقد أثار غضب العديد من نوابه ومؤيديه والمسلمين مرة أخرى عندما رفض دعم الدعوات لوقف العدوان على غزة.
وانعكست هذه التصريحات على استطلاع للرأي نشرته "منظمة تعداد المسلمين" في 17 أكتوبر 2023، أظهر انخفاضا بنسبة 66 بالمئة في دعم المسلمين لحزب العمال وهو ما قد يعني خسارة محتملة لـ1.5 مليون ناخب للحزب.
وقالت صحيفة "ستاندرد" البريطانية التي نشرت الاستطلاع في 26 أكتوبر 2023 إن حزب العمال يواجه انخفاضا كبيرا في عدد الناخبين المسلمين في صناديق الاقتراع بسبب موقف رئيسه ستارمر من غزة.
ووصف أحد كبار أعضاء البرلمان من حزب العمال، المسلمين، بأنهم "ذوو أهمية جغرافية"، لأن الكثيرين منهم يعيشون في "دوائر انتخابية أساسية مستهدفة في كل من الجنوب والشمال الغربي للبلاد".
وحين اعترفت إسبانيا والنرويج وأيرلندا بفلسطين، علق مكتب "ستارمر" على ذلك بتأكيد على أن "هدفه الأساسي" يظل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين، دون أن يذكر أي اعتراف بالدولة الفلسطينية.
واستقال 23 عضوا مسلما من مجلس مستشاري حزب العمال بسبب موقف ستارمر، ووقع 250 عضوا من المسلمين على رسالة تطالب الحزب بدعم" وقف إطلاق النار في غزة"، بحسب صحيفة "ستاندرد".
وفي عام 2014، كانت سياسة حزب العمال تحت زعامة إد ميليباند هي الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، وهو موقف رفضه ستارمر.
وأخبر رئيس العمال قادة يهودا، في يناير 2023 أن الاعتراف بفلسطين لن يكون فوريا (حال فوز الحزب في الانتخابات)، بل كجزء من "عملية سلام واسعة".
لذا قال الكاتب جيسون كاولي في مقال نشرته صحيفة "صاندي تايمز" في 4 فبراير 2024 “إن ”ستارمر لديه مشكلة فلسطينية، وستزداد سوءا مع اقتراب الانتخابات العامة".
وألمح أن هذا من أسباب مشكلة "العمال" معاودة جذب أصوات المسلمين ومناهضي العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأوضح كاولي أن "دعم زعيم العمال الثابت للحرب الإسرائيلية في غزة، وتردده المستمر في الدعوة لوقف إطلاق النار، أدى لتقسيم النواب، وأنعش اليسار المتشدد، وأغضب الناخبين المسلمين الذين يدعمون تقليديا حزب العمال".
ولا تعتقد القيادة أن غياب أو انشقاق المسلمين في الانتخابات سيؤثر على حظوظ العمال، مع أن الاستطلاعات كشفت عكس ذلك حال تخلف المسلمين عن دعم العمال في انتخابات يوليو 2024.
الصفعات تتوالى
قبل أن يقوم سوناك بحل البرلمان في 30 مايو 2024 تمهيدا لإجراء انتخابات عامة في 4 يوليو 2024، تلقي "صفعة كبيرة".
77 نائبا برلمانيا من أعضاء حزبه قرروا القفز من القارب الغارق، وأعلنوا عدم نيتهم الترشح للانتخابات القادمة ليضعوا سوناك في مأزق كبير قبيل الانتخابات، وسط توقعات أن الحزب يتجه نحو أسوأ هزيمة له في تاريخه.
وأعلن نحو 129 نائبا أنهم لن يترشحوا لإعادة انتخابهم، من بينهم 77 محافظا، وهو ما يمثل خروجا غير مسبوق لبرلماني الحزب الحاكم الذين يدركون تضاؤل حظوظهم في الفوز بمقاعد البرلمان البالغ عددها 650.
وبعد 14 عاما في المعارضة، أصبح لدى حزب العمال فرصة لاستعادة السلطة ورئاسة وزراء بريطانيا بقيادة زعيمه ستارمر، بحسب استطلاعات الرأي.
وتفيد الاستطلاعات أن حزب العمال يحصل في المتوسط على 45 بالمئة من نوايا التصويت، مقابل 23 بالمئة لحزب المحافظين، ما يشير إلى أن حزب العمال سيحقق فوزا كبيرا.
وكان من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية البريطانية في أكتوبر أو نوفمبر 2024، لكن سوناك، عجل بها وقرر تنظيمها في يوليو 2024، ما طرح تساؤلات عن السبب.
محللون يرون أنه بجانب محاولة حزب المحافظين استغلال الأزمة التي نشبت بين تيارات بريطانية، بينهم مسلمو المملكة المتحدة، وبين حزب العمال عقب دعم زعيمه لإسرائيل بصورة فجة في العدوان على غزة، هناك أسباب أخرى.
مجلة "بوليتيكو" الأميركية، رصدت هذه الأسباب في تحليل نشرته في 22 مايو 2024، مشيرة إلى أن تبكير الانتخابات جاء مدفوعا بـ"بوادر تحسن الاقتصاد ونجاح الحكومة في تمرير خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا".
وأوضحت أن هذه "أمور إيجابية" من منظور "سوناك وحزبه، جعلته يعجل بالانتخابات لاستغلال هذا التحسن في جذب الناخبين، وقبل أن تسوء الأوضاع.
"بوليتيكو" أشارت إلى أن إستراتيجية سوناك بشأن تبكير الانتخابات "قد تكون مع ذلك محفوفة بالمخاطر"، حيث يتخلف حزب المحافظين بفارق 20 نقطة عن حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي.
ووفق بيانات استطلاعات الرأي التي نشرتها "بوليتيكو"، يؤيد 44 بالمئة من الناخبين في المملكة المتحدة حزب العمال، فيما تصل نسبة التأييد لحزب المحافظين نحو 23 بالمئة في مايو 2024.
المصادر
- Watch: Labour’s Angela Rayner bids to win back Muslim voters with Gaza promises
- Moment Angela Rayner begs Muslim voters not to oust her and vows Labour will 'recognise state of Palestine' after election
- UK election: Why Rishi Sunak pulled the trigger
- 60 BRITISH WAR PLANES HAVE LANDED IN ISRAEL SINCE GAZA BOMBING BEGAN
- Labour facing a huge drop in Muslim voters at polls, survey suggests
- Keir Starmer has a Palestinian problem, but is he even listening?
- ‘Labour will recognise Palestine but there’s nothing to recognise now’