وسط تنافس روسي وفرنسي.. كيف سيقود ديبي الابن تشاد بعد فوزه بالانتخابات؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

أقر المجلس الدستوري التشادي في 16 من مايو/أيار 2024، فوز رئيس السلطة الانتقالية “محمد إدريس ديبي” برئاسة البلاد بعد حصوله على نسبة 61 بالمئة من الأصوات في انتخابات أجريت في 6 من الشهر ذاته.

ورفض المجلس طلب المرشح “سوكسيه ماسرا”، رئيس وزراء ديبي ومنافسه الذي فاز بالمركز الثاني، بإلغاء الانتخابات وإعادة تنظيمها من جديد لعدم توفر أدلة على الاتهامات بالتزوير أو المخالفات.

وفي تطرقه إلى التحديات والسياسات المستقبلية المحتملة للرئيس المنتخب خصوصا في ظل الوضعين الداخلي والإقليمي الراهنين، أكد معهد دراسات إيطالي أن على الحكومة التشادية الجديدة تحقيق توازن دقيق بين الاحتياجات المختلفة للبلاد.

وأضاف "معهد الدراسات السياسية الدولية" أن إنجامينا أمام حتمية تقييم علاقاتها بالجهات الفاعلة الخارجية في ظل موجة الاستياء الشعبي من فرنسا وتراجع نفوذها في المنطقة لصالح روسيا.

نهاية الفترة الانتقالية

أشار المعهد الإيطالي إلى أن انتخاب محمد إدريس ديبي، الذي ترأس مؤقتا البلاد منذ أبريل 2021 على أثر مقتل أبيه إدريس ديبي في قتال ضد متمردين، يفتح رسميا مرحلة جديدة لتشاد.

 ولفت إلى وجود خشية شديدة من أن يظل "التحول نحو النظام الديمقراطي مجرد حبر على الورق كما حدث في التسعينيات" في إشارة إلى حقبة ديبي الأب الذي قاد انقلابا أطاح بسلفه حسين حبري في ديسمبر 1990 واستولى على السلطة قبل أن ينتّخب رئيسا في عام 1996.

 وذكر أن حاشيته الضيقة كانت قد سيطرت على الجزء الأكبر من الموارد التي تم استخدامها لتعزيز قدرات الجيش وإثراء النخبة في حين لم يُحرز تقدما كبيرا من حيث جودة الخدمات العامة والتعليم والرعاية الصحية والفرص المتاحة للشباب. 

ومن الناحية السياسية، كان إدريس ديبي دائمًا قريبًا من المصالح الغربية وخاصة الفرنسية على الرغم من بعض لحظات التوتر وقام أيضا بتطوير علاقات اقتصادية ودبلوماسية مهمة مع الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج.

وبعد سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا واضطراب الأوضاع الأمنية في مالي، أسهم الرئيس المقتول بدور كبير في الجهود الدولية لمكافحة التطرف في المنطقة وقام باستضافة مقر قوات مهمة برخان الفرنسية. 

وفي مقابل هذا الدعم، غض الحلفاء الغربيون، بحسب المعهد الايطالي، الطرف عن عدم إحراز تقدم في تحسين الظروف المعيشية للسكان وكذلك عن المناخ السياسي القمعي المتزايد والتوزيع غير العادل للثروة.

 كما ألغى دستور 2018 الجديد دور رئيس الوزراء وقلل من استقلال السلطة القضائية ما أدى إلى سيطرة إدريس ديبي وحلفائه بشكل شبه كامل على الدولة في سياق اتسم بتوترات سياسية واقتصادية.

وبالإضافة إلى تذبذب عائدات النفط، أدى العديد من العوامل الإقليمية إلى مزيد من زعزعة الاستقرار على غرار تزايد نشاط جماعة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد.

 إلى جانب الوضع غير المستقر في ليبيا أين وفرت المليشيات التي يقودها خليفة حفتر الحماية لجبهة التغيير والوفاق في تشاد المعارضة لديبي.

هذا بالإضافة إلى الأزمات في إفريقيا الوسطى والسودان وما تسببت فيه من موجات من اللاجئين إلى تشاد، فضلا عن عامل تزايد الوجود الروسي في البلدين.

وقد تفجرت التوترات بمقتل إدريس ديبي في عام 2021 وما تلاها من عملية انتقالية سياسية مضطربة.

مستقبل غامض

وثمة شكوك عديدة تحوم حول مستقبل تشاد خصوصا في ظل وضع داخلي يتسم بوجود مشاكل عالقة تتعلق بالعدالة الاجتماعية خاصة بالنسبة للشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى لكنهم على هامش النظام السياسي في البلاد وهو ما ينذر بوقوع توترات جديدة.

في هذا السياق، أشار المعهد الإيطالي إلى الدور المهم الذي لعبته هذه الفئة الراغبة في تغيير الوضع الراهن خلال الانقلابات التي أطاحت بحكومات مقربة من الغرب في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وصعود أنظمة عسكرية متعاطفة ومنفتحة على روسيا.

وتحدث كذلك عن عامل الانقسامات العرقية الداخلية خاصة في بلد عاش عقودا من الحرب بين الشمال والجنوب وبه أقليات مهمة مرتبطة بنشاط الجماعات المسلحة في ليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى. 

وزاد بأن التغيرات التي حدثت في منطقة الساحل على المستوى الجيوسياسي خاصة بعد بسط روسيا "لنفوذها في المعاقل التقليدية الموالية لفرنسا مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى، قد تؤدي بدورها إلى إعادة النظر في السياسات الدولية للحكومة المنتخبة حديثا". 

وكان الرئيس المنتخب حديثا قد أدى زيارة إلى موسكو في يناير/كانون الثاني، بينما قامت حكومته في إبريل/نيسان بتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة، هددت فيها بإلغاء الاتفاقية حول وجود القوات الأميركية على أراضي البلاد.

وهو ما يشير إلى رغبة إنجامينا في الابتعاد عن حليفتها التاريخية و القوة الاستعمارية السابقة التي بات نفوذها محل معارضة متزايدة من السكان.

كما أردف المعهد أن منطقة الساحل تواجه اليوم تغيرات تاريخية من المحتمل أن تدفع تشاد، التي تقع في مركزها جغرافيًا وسياسيًا أيضا، إلى إعادة تعديل بعض سياساتها. 

ويرى أن التغيرات التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر قد أكدت فشل الإستراتيجية الغربية المناهضة للحركات الجهادية والقائمة على الدعم العسكري لأنظمة سياسية تعد صديقة مقابل المساعدة في الحد من الهجرة عبر الصحراء وإطلاق اليد في قمع المعارضة الداخلية. 

وقال إن هذه الإستراتيجية تجاهلت المشاكل الكبرى المتمثلة في الظلم الاجتماعي وانعدام الفرص أمام الشباب الأمر الذي أدى إلى تآكل شرعية حكومات كانت دمى في يد الغرب". 

وبحسب قوله "بوسع محمد ديبي أن يستغل الفرصة التي أتاحتها الفترة الانتقالية والاهتمام الذي أبدته القوى الأخرى تجاه نظامه للقطع مع سياسات والده بغية تهدئة الرأي العام المحلي".

ولفت إلى أن تشاد تحتاج إلى الدعم والاستثمارات الاقتصادية، لذلك الانفصال التام عن الغرب قد يؤدي إلى المجازفة بتقليصه بشكل خطير في سياق اجتماعي بالغ الصعوبة". 

وأكد أن الحكومة الجديدة مطالبة بالسعي إلى إيجاد التوازن بين هذه الاحتياجات المختلفة مع احتمال أن تقيم علاقات مع بلدان أخرى بشكل أكبر مقارنة بالماضي الذي كانت فيه بمثابة إقطاعية فرنسية".

وفي ظل قلق الرأي العام الغربي من النفوذ المتزايد لدول مثل الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج، استنكر عدم نجاح السياسات الغربية في السنوات الخمس عشرة الماضية في تغيير هذا التوجه.

 لا سيما أنها قامت بالتركيز على سياسات الهجرة ومكافحة الإرهاب على حساب حقوق مواطني دول الساحل. 

ولهذه الأسباب، يستنتج المعهد الايطالي أن اتخاذ مسافات من فرنسا وإلى حد ما حلفائها الذين باتوا موضع استياء من الرأي العام المحلي، من شأنه أن يعطي شرعية جديدة للمؤسسات التي تواجه صعوبات شديدة.