لماذا يخشى ملالي إيران من مقاطعة شعبية واسعة لانتخابات البرلمان؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

يجتهد نظام الملالي في تحفيز الإيرانيين وجرهم إلى صناديق الاقتراع، بعد استشعاره أن أكثرية الشارع ستحجم عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة.

وتجرى في الأول من مارس/ آذار 2024 انتخابات البرلمان الإيراني ومجلس خبراء القيادة وهي الهيئة المكلفة باختيار "المرشد"، المنصب الأعلى بالجمهورية. 

مقاطعة مرتقبة

وفي الانتخابات، يتجه الإيرانيون لاختيار في اقتراع من دورة واحدة، أعضاء "مجلس الشورى الإسلامي" (البرلمان) البالغ عددهم 290  للسنوات الأربع المقبلة. 

وعليهم أيضا اختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة الـ88 لمدة ثماني سنوات.

وبعد النظر في طلبات الترشيح مدة أشهر، تمت الموافقة على عدد قياسي من المرشحين بلغ 15 ألفا و200 مرشح للانتخابات التشريعية، من جانب مجلس  صيانة الدستور.

إلا أن المعسكر الإصلاحي أقل تمثيلا مما كان عليه في عام 2020. فقد تمت الموافقة على ترشيح 20 إلى 30 فقط من مرشحيه وهو عدد غير كاف لتشكيل لوائح انتخابية وفق ما يفيد مسؤولون.

وأعلنت جبهة الإصلاحات، الائتلاف الرئيس للأحزاب الإصلاحية، أنها ستغيب عن "هذه الانتخابات المجردة من أي معنى وغير المجدية في إدارة البلاد".

وتأتي هذه الانتخابات في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية على جيوب الإيرانيين. وكذلك بعد أكثر من سنة على حركة احتجاجية واسعة هزت البلاد في نهاية 2022 على خلفية مقتل الفتاة مهسا أميني.

وأميني (22 عاما) قتلت في 16 سبتمبر من العام المذكور عقب اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق بطهران، بزعم انتهاكها القواعد المتعلقة بارتداء الحجاب.

ويعد القادة الإيرانيون التصويت "واجبا وطنيا" لأنه يمثل التزاما بثورة 1979 وقيمها، بالمقابل فإن الخارج ينظر إليها على أنها ستكون "بمثابة الاستفتاء على شعبية النظام الإيراني".

ولهذا يشدد المسؤولون الإيرانيون على أهمية التوجه لصناديق الاقتراع، حتى إن المرشد علي خامنئي قال في 18 فبراير: "يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات. من المهم اختيار أفضل شخص، لكن الأولوية هي مشاركة الناس".

لكن الإيرانيين في هذه المرحلة يظهرون كغير مبالين تجاه الانتخابات، والتي تأتي عقب حملة قمع دموية ضد الاحتجاجات التي تلت مقتل "أميني".

كما تتجلى خيبة أمل الإيرانيين من الحكومات المتعاقبة التي لم تغير الواقع الاقتصادي والسياسي في البلاد الذي يتحكم به "المرشد".

ولذلك فإنه في عام 2024، لا يتوقع الإيرانيون أن يقوم برلمان غير فعال "بإظهار المبادرة أو الثبات الأخلاقي المطلوب لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وتقليص الحريات المدنية"، كما قال كوروش زياباري، الصحفي الإيراني الذي يدرس في جامعة كولومبيا، لصحيفة "إيران برايمر".

وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة "عصر إيرانيان" كلام خامنئي حول الشروط اللازم توافرها في المرشحين، ومنها: "الالتزام" و"الثورية".

وقد علق موقع "إيران إنترناشونال" على ذلك بقوله: "هذه عناوين فضفاضة؛ حيث تعني أن يكون الشخص ملتزما بأيديولوجية النظام وثوريا".

وقال: "كما هو واضح لا يمكن أن تُقاس هذه المفاهيم بالحساب أو بالإحصاء والأرقام، وإنما تخضع فقط لتقييم مؤسسة مجلس صيانة الدستور، الذي يشرف عليه خامنئي، ويتكفل بدراسة ملفات جميع المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية ومجلس خبراء القيادة".

وأضاف الموقع: "ما يعني بالمحصلة أن كل من يريد تولي منصب عبر الانتخابات لا بد أن ينال رضا المرشد مباشرة".

 "فقدان الأمل"

وأمام ذلك، أصبح الناخبون الإيرانيون يشعرون بالإحباط تجاه القادة المحافظين والإصلاحيين على حد سواء.

وعلى الرغم من التفويضات الشعبية، لم يتمكن الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) والوسطي حسن روحاني (2013-2021) من التغلب على مقاومة المتشددين الراسخة. 

وقال سينا ​​آزودي، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، لصحيفة "إيران برايمر" ، إن كلا الرئيسين "فشلا في إحداث تغييرات ذات معنى خلال فترة ولايتهما" .

وقد أصبح الجمهور أكثر خيبة أمل بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2021، حينما مهد مجلس صيانة الدستور، وهو (لجنة غير منتخبة مكونة من 12 فقيها وعالما إسلاميا) الطريق لانتصار المتشدد إبراهيم رئيسي من خلال منع أي منافسين جديين.

وكانت نسبة المشاركة، التي بلغت 48.8 بالمئة فقط، هي الأدنى في الانتخابات الرئاسية في تاريخ إيران. 

وأوضح آزودي أن النتيجة "أظهرت أن الانتخابات في إيران فقدت معناها، كما أن المحاولات الفاشلة لإنعاش الاقتصاد والقمع المتتالي للاحتجاجات في 2017 و2019 و2022 قضت على أي ذرة من الشرعية كانت تتمتع بها الحكومة".

وكما حدث في عام 2021، فشلت انتخابات 2024 في جذب الاهتمام العام جزئيا بسبب عدم وجود تنوع في المرشحين.

إذ تمتع المحافظون والمتشددون ــ الذين سيطروا بالفعل على السلطة التشريعية والسلطة القضائية والرئاسة ــ بميزة لا يمكن التغلب عليها لأن مجلس صيانة الدستور منع تقريبا كل الإصلاحيين والوسطيين البارزين من كلا العرقين.

ومع ذلك، يواصل المقربون من المرشد، حث الناس على الإقبال يوم الاقتراع.

من جانبه، علق رئيس المكتب الأيديولوجي السياسي لخامنئي، علي سعيدي، على نوايا الإيرانيين بعدم المشاركة في الانتخابات.

وقال سعيدي إن "البعض يقولون إنهم لن يشاركوا في الانتخابات بسبب المشاكل المعيشية، والمشاركة في الانتخابات ستعزز موقف خامنئي والنظام".

ومحاولة نظام الملالي تمرير الانتخابات بمشاركة مقبولة أو جيدة هربا من النسبة الضعيفة المتوقعة سلفا، يبدو أنه يردها للاستهلاك الخارجي وتوفير مزيد من انتقاد الغرب لسياساته المتفردة.

وخاصة أن طهران تتعرض لضغوط خارجية كبيرة وعقوبات اقتصادية غير قادرة على الافتكاك منها طالما تنشر مليشياتها في عدد من دول الشرق الأوسط وتضخ عليها مليارات الدولارات يكون المواطن الإيراني هو المتضرر الأول مما يدفع حتميا الإيراني لرمي الانتخابات وراء ظهره والتفكير بطريقة جديدة للتعامل مع سياسات النظام الإيراني، وفق مراقبين.

وهذا ما يلفت إليه المتحدث باسم الحكومة السابقة علي ربيعي، في مقاله له  بصحيفة "اعتماد" الإصلاحية، بقوله: إن الأمل هو العامل الرئيس في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، الذي تعيشه إيران؛ إذ إنه المحدد الأول في كل سلوك نراه اليوم بين الإيرانيين.

وأشار الكاتب إلى الانتخابات، وقال إن فقدان الأمل في أن تخلق هذه الانتخابات تغييرا لصالحهم، هو الذي جعلهم لا يرغبون بالمشاركة فيها.

كما لفت إلى ظاهرة الهجرة المتزايدة، وقال إن فقدان الأمل في مستقبل جيد وتحسن الظروف الاقتصادية هو أيضا من العوامل الرئيسة التي تحدد مصير الشخص الذي يقرر الهجرة من البلد وتركه للأبد.

وتناول الكاتب ظواهر اجتماعية أخرى، كالإدمان والانتحار والطلاق وعدم إنجاب الأطفال، وقال: إن الأمل أيضا يلعب هنا الدور المحوري في تحديد سلوك الأفراد وقراراتهم في هذه القضايا المصيرية.

"تعاون مع الأكاذيب"

ولا يستبعد خبراء أن تصل نسبة الامتناع عن التصويت إلى أعلى مستوى لها منذ قيام "الجمهورية الإسلامية" قبل 45 عاما. علما أن 61 مليون إيراني مدعوون  إلى الاقتراع.

وخلال الانتخابات التشريعية السابقة في 2020، بلغت نسبة المشاركة 42,57 بالمئة وفق الأرقام الرسمية.

ولهذا دعا خامنئي أخيرا: "الشخصيات المؤثرة" إلى "تشجيع" السكان على التصويت. وعلقت ملصقات كبيرة تظهره وهو يدلي بصوته في صندوق الاقتراع.

وأظهرت نتائج أحد استطلاعات الرأي القليلة التي نشرت في الأسابيع الأخيرة أن أكثر من نصف الإيرانيين لا يبالون بالاقتراع.

ويدعو المعارضون في إيران والشتات الإيراني منذ أسابيع إلى مقاطعة الانتخابات.

وانطلقت الحملة الانتخابية بشكل خجول في إيران مع تعليق عدد محدود من ملصقات المرشحين في شوارع طهران.

وأثارت وعود إبراهيم رئيسي، المرشح لمجلس خبراء القيادة في إيران عن محافظة خراسان، بمتابعة مشاكل المواطنين موجة سخرية حيث هو من يتولى رئاسة الجمهورية.

وقال رئيسي، في فيديو حملته الانتخابية إنه في حالة فوزه في الانتخابات،"سأعمل مع مسؤولي المحافظة على متابعة حل مشاكل المدن والقرى".

وهناك غياب للمنافسة الفعلية مع الاصلاحيين والمعتدلين، إذ ستقتصر المواجهة بين المحافظين والمحافظين المتشددين. 

ولهذا فقد أسف زعيم التيار الإصلاحي الرئيس السابق محمد خاتمي (197-2005) لكون إيران "بعيدة جدا عن انتخابات حرة وتنافسية"، محذرا من عدد "المستائين الذي يرتفع يوما بعد يوم".

كما أعلن مقاطعة الانتخابات ثلاثة سجناء سياسيين وهم: عالم الاجتماع سعيد مدني، والناشط الإعلامي حسين رزاق، والسياسي الإصلاحي مصطفى تاج زاده.

وفي يوليو/ تموز 2023، حذرت فائزة هاشمي، النائبة السابقة وابنة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، الإصلاحيين من المشاركة في انتخابات 2024. 

وكتبت في رسالة من سجن إيفين سيئ السمعة، حيث كانت تقضي عقوبة بالسجن بتهمة تشجيع الاحتجاجات المناهضة للحكومة: "إن أي نوع من الحضور في الانتخابات المقبلة هو تعاون مع الأكاذيب والنفاق" .

كما أنه في 24 يناير/ كانون الثاني 2024، حذر الرئيس السابق حسن روحاني من أن رفض المجلس "المتحيز سياسيا" لترشحه لعضوية مجلس الخبراء "سيقوض ثقة الأمم في النظام".

ورأى روحاني الذي تلقى ضربة كبيرة في مسيرته السياسية عند استبعاده، أن النخبة الحاكمة تسعى إلى "تقليص المشاركة الشعبية في الانتخابات... بهدف إملاء مصير الشعب من خلال قراراتها".

وستجعل عزوف المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمان المقبل يواجه مجموعة هائلة من التحديات، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية، والعزلة الدولية، والاستياء المتزايد في الداخل. 

وضمن هذه الجزئية قال هادي سيماتي، الأستاذ السابق في جامعة طهران، لصحيفة "إيران برايمر إن "التأثير التراكمي للعقوبات الأميركية، وتقلب أسعار النفط، وسوء الإدارة، والفساد المستشري، أثر على جميع طبقات المجتمع" .

وختم قائلا إن "الطبقة الوسطى، التي كانت قوية في السابق، آخذة في التقلص في الوقت الذي تكافح فيه الأسر للتعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة" حيث بلغ التضخم السنوي بإيران 38.4 بالمئة في يناير 2024.