انضمام تركيا لدعوى "الإبادة" ضد إسرائيل بالعدل الدولية.. الخلفيات والدلالات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عدها مراقبون تطورا دبلوماسيا وقانونيا كبيرا، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مطلع مايو/ أيار 2024، انضمام بلاده إلى دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

وعقب هذا الإعلان تكاثرت أسئلة عن مدى قدرة تركيا على الانضمام لدعوى كهذه؟ وهل نظام محكمة العدل الدولية يسمح لها بذلك؟ وما تداعيات هذه الخطوة على العدوان الإسرائيلي المتواصل في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وسط تواطؤ غربي بقيادة أميركا.

ماذا حدث؟

في مؤتمر صحفي مع نظيرته الإندونيسية ريتنو مارسودي بأنقرة، قال فيدان إن "إسرائيل تواصل جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وعلى المجتمع الدولي إيقاف هذه الجرائم".

وأشار إلى أنه لمس خلال مباحثاته الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض مع الدول التي تعترف بفلسطين -خاصة ضمن منظمة التعاون الإسلامي ودول الجامعة العربية- أن بعضها مستعد لاتخاذ موقف بشأن دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، مشيرا إلى أن نيكاراغوا وكولومبيا اتخذتا موقفا ملموسا بشأن القضية.

وأضاف: "قدمنا ​​نتائج تقييماتنا اليوم إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، وأود أن أعلنها هنا لأول مرة أنه وفقا للقرار السياسي المتخذ قررنا في تركيا الانضمام إلى الدعوى المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية".

وأردف متسائلا: "بينما تظهر مقابر جماعية في الأماكن التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي في غزة، ويتم استهداف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال والمرضى وكبار السن، فماذا ينتظر المجتمع الدولي أكثر من ذلك؟".

وأكد أنه "من الواضح أنه يجب الآن إدراج التدابير القسرية على جدول الأعمال. ولن يقبل الفلسطينيون، ولا تركيا، ولا غيرها من الدول الساعية إلى العدالة والقانون، ولا المجتمع الدولي، الجهود التي تبذلها إسرائيل لإخضاع الشعب الفلسطيني وطرده من أراضيه".

وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2024، اتخذت محكمة العدل الدولية قرارا مؤقتا، بناء على الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا بشأن انتهاكات إسرائيل لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، في قطاع غزة.

وبحسب نص القرار، فإن إسرائيل ملزمة باتخاذ جميع التدابير لمنع وقوع إبادة جماعية في القطاع، وهو قرار حظي بدعم 15 من أصل 17 قاضيا، وتم بثه بشكل مباشر من الموقع الرسمي للمحكمة، إلا أن إسرائيل واصلت عدوانها على الشعب الفلسطيني وارتكاب المجازر بحق المدنيين في غزة غير آبهة بالقرار.

وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ34 ألف شهيد، وأكثر من 77 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض.

وأعرب فيدان عن تمنياته بأن تسير الدعوى في محكمة العدل الدولية باتجاهها الصحيح مع هذه الخطوة التي اتخذتها تركيا.

وتابع: "سنكمل إجراءاتنا القانونية بعد أن اتخذ رئيسنا هذا القرار السياسي وتم إعلانه أمام العالم أجمع، وسنواصل العمل مع جميع الدول الصديقة والحليفة بشأن ما يمكن القيام به بخصوص القضية وأي من الدول الأخرى التي يمكنها التقدم بطلبات أيضا".

وتأتي تركيا في طليعة الدول التي تدعم منذ 7 أكتوبر 2024 الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس، التي واجه أردوغان العالم الذي ينعتها بالإرهاب ليؤكد في أكثر من مناسبة أنها حركة تحرر وطني تدافع عن حقوق شعبها.

وأخيرا، صرح الرئيس أردوغان بأن "تركيا دعمت غزة ثلاث مرات في فترات معينة، في جوانب مرئية وغير مرئية".

وأضاف في تصريحات إعلامية: "بينما نقدم جميع أنواع الدعم الإنساني المرئي وغير المرئي لفلسطين، نأمل أن نستمر في عزل إسرائيل على الساحة الدولية".

بدوره، أعلن وزير الخارجية هاكان فيدان، في 8 إبريل 2024، أن "تركيا ستتخذ إجراءات جديدة ضد إسرائيل". ثم في اليوم التالي فرضت تركيا قيودا على صادراتها إلى إسرائيل.

وعقب قرار الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، أعلنت وزارة التجارة التركية، في 2 مايو، وقفا كاملا للتعاملات التجارية مع إسرائيل، إلى حين السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بلا قيود.

وأشارت في بيان إلى أن تركيا هبت لمساعدة أهل غزة منذ اليوم الأول، وأوصلت عشرات آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية، خاصة المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى إجلاء آلاف المرضى الفلسطينيين.

ولفتت إلى أن تركيا فرضت قيودا على تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل، بدءا من 9 أبريل، على خلفية استمرار المذبحة والكارثة الإنسانية والدمار في غزة ورفض الحكومة الإسرائيلية الإصغاء للجهود الدولية لوقف إطلاق النار، ومنعها دخول المساعدات.

وفي 16 أبريل، أعلن أردوغان أن بلاده هي "الدولة الأكثر تقديما للمساعدات" إلى قطاع غزة في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل. 

سياقات الدعوى ضد إسرائيل

وبخصوص الانضمام للدعوى ضد إسرائيل، كشف رئيس لجنة العدالة في البرلمان التركي، نائب حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، كونيت يوكسل، أنهم يعملون على تدخل تركيا في القضية منذ فترة طويلة لضمان إدانة إسرائيل.

وأضاف في تصريحات إعلامية أن "تركيا ستكون أول عضو في منظمة التعاون الإسلامي يتدخل في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل".

وشدد يوكسيل على أن سياسات "الفصل العنصري" التي تمارسها إسرائيل منذ 75 عاما و"الاحتلال" المستمر منذ 56 عاما وسياسات الحصار تجاه فلسطين منذ 16 عاما تهدف إلى استعمار الأراضي الفلسطينية وضمها.

وأشار إلى أن "إسرائيل فرضت نظاما يفتح باستمرار المجال أمام المستوطنين غير الشرعيين بطريقة تنتهك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني".

وأكد على أن قضية فلسطين هي قضية ستؤثر حتى على استدامة النظام الدولي الحالي، والتي من المفترض أن تكون قائمة على القواعد والقانون الدولي. ومن المرجح أن تكون لها عواقب عالمية". 

وعن مدى قدرة تركيا على الانضمام إلى الدعوى، أكدت وكالة الأناضول الرسمية أن المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تسمح لتركيا بالانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.

وقالت إن المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية توفر الأرضية القانونية اللازمة لانضمام تركيا إلى القضية.

وأضافت: يمكن للدول الانضمام إلى قضية مرفوعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي من خلال المادتين 62 و63.

وأوضحت أن المادة 62 تنص على أنه إذا رأت إحدى الدول، أن لها مصلحة ذات صفة قانونية يؤثر فيها الحكم في القضية جاز لها أن تقدم المحكمة طلبا بالتدخل.

وقررت نيكاراغوا التدخل في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في إطار المادة 62 من النظام الأساسي للمحكمة، وفق الوكالة التركية.

أما المادة 63، بحسب الأناضول، فتنص على أنه إذا كانت المسألة المعروضة تتعلق بتأويل اتفاقية بعض أطرافها دول ليست من أطراف القضية فعلى المسجل أن يخطر تلك الدول دون تأخير.

وبناء على ذلك، إذا تم قبول طلب تركيا للتدخل، فسوف يكون بمقدورها الإدلاء ببيانات حول كيفية تأويل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تشكل الأساس لقضية جنوب إفريقيا.

ووفقا للفقرة الثانية من المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإنه يحق لكل دولة تُخطر على الوجه المتقدم أن تتدخل في الدعوى، فإذا هي استعملت هذا الحق كان التأويل الذي يقضي به الحكم ملزما لها أيضا.

وفي وقت سابق، أعلنت محكمة العدل الدولية أن كولومبيا طلبت الانضمام إلى الدعوى عملا بالمادة 63 من النظام الأساسي. كما ذكرت تقارير إعلامية أن دولا مثل أيرلندا وبلجيكا والأردن وليبيا تدرس أيضا إمكانية التدخل في القضية ضد إسرائيل.

جدير بالذكر أنه في قضية الإبادة الجماعية بين أوكرانيا وروسيا، قبلت المحكمة طلبات 32 من أصل 33 دولة تقدمت بطلب "التدخل" في إطار المادة 63، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية.

وتواصل المحكمة نظرها في طلب 7 دول تطلب "التدخل" في إطار المادة 63 في قضية مشابهة بين غامبيا وميانمار.

ماذا يقول الخبراء؟

واصفا القرار بأنه "تاريخي"، قال الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، إميتي جوزوجوزيلي: "كدولة تتمتع بسلطة قانونية للتأثير على مسار القضية، فإن مشاركة تركيا في هذه القضية أمر بالغ الأهمية لإرساء القانون والتفسير الصحيح للقانون".

وأضاف في تصريح لصحيفة "ملليت" التركية: “خاصة عند النظر في الإطار الأساسي للقضية الرئيسة، ستأخذ المحكمة في الحسبان الموقف المحايد الذي ستطرحه تركيا هنا، والموقف الذي ستطرحه المحكمة في تفسير الاتفاقية”. 

وتابع: "فعلى سبيل المثال؛ ستساعد تركيا المحكمة في تفسير الاتفاق وفي تقييم المشكلة. ومن خلال دحض الحجج التي قدمتها الدول التي تدعم إسرائيل، ستلعب تركيا دورا توجيهيا في تحديد وتفسير ورسم إطار الاتفاقية في المحكمة".

من جانبه، أجاب المحامي التركي، مجاهد بيرنجي، على سؤال حول دلالات تدخل تركيا في القضية قائلا: "الآن، سيُقيم طلب تركيا للتدخل في القضية من قبل محكمة العدل الدولية. وبناء على ذلك، إذا قُبل طلب التدخل، فسوف يكون بوسع تركيا الإدلاء ببيانات حول كيفية تفسير اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تشكل الأساس لقضية جنوب إفريقيا".

وأضاف لـ"الاستقلال": “وفقا للفقرة الثانية من المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، يُذكر أن تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية الذي قدمته المحكمة في قرارها سيكون ملزما للدول الأطراف في القضية وكذلك الدول المشاركة”. 

وأضاف: "تجذب هذه الإلزامية الانتباه من حيث إنها تقتصر على كيفية تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية، ولا تشكل أساسا لرفع أي دعاوى تتعلق بأحداث معاصرة أو تاريخية تهم تركيا في المستقبل".

وفي حديثه، لفت المحامي التركي الانتباه إلى آليات الدفاع التي يمكن أن تستخدمها إسرائيل في القضية.

وأشار إلى أن "إسرائيل ستسعى جاهدة إلى تسييس القضية عبر استخدام سلاح معاداة السامية واستخدام نفوذها الدولي وشبكات تأثيرها السياسية، لأن ما ارتكبه من جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب مثبتة أمام أعين العالم".

وشدد على أنها “ستواصل التمسك بموقفها المتمثل في الإيمان بـ(قانون الأقوياء) وليس بالقانون الدولي، وكل الدفاعات التي ستتبناها لن يكون لها أي أساس قانوني"

وأكمل: “هناك إجماع بين القانونيين الذين يقفون إلى جانب الإنسانية على أن المهم هنا هو إذا ما كانت محكمة العدل الدولية ستتعامل مع هذه القضية بشجاعة”. 

ومضى يقول: "مع ذلك، يجب أن نعلم أيضا أنه إذا غضت البشرية الطرف عن مثل هذه الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، فلن تكون آمنة بعد الآن. أعتقد أنه ينبغي التعامل مع هذه القضية كمسألة أمنية لكل من أوروبا وأميركا".

وشدد بيرنجي على أنه "من الضروري أن تنظر البلدان إلى القضية من هذا المنظور، لأن العالم دفع ثمنا باهظا للإبادة الجماعية وجرائم الحرب من قبل".

وختم بالتأكيد على أن "تكرار هذه التجارب المريعة، فضلا عن تبريرها، سيكون له عواقب مفزعة".