وعي جديد.. هل غير العدوان الإسرائيلي العادات الشرائية للمواطن العربي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

أشهر مواطنون عرب سلاح المقاطعة بوجه منتجات الشركات العالمية المنتشرة في بلادهم، والتي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، في ردة فعل قوية على العدوان على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في البداية كانت أصوات المقاطعة للمنتجات التي تدعم الكيان الصهيوني خفيفة قبل أن ترتفع أمواجها، وتصل لحد ترتيب الأنماط الشرائية لدى المقاطعين لتلك المنتجات التي يدعم مالكوها قتل الفلسطينيين وشطبها من قائمة المشتريات اليومية لديهم.

"أوجه المقاومة"

ولأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يُتخذ موقف موحد وعابر للحدود العربية، حول المضي في سياسة مقاطعات منتجات وأطعمة كانت قبل العدوان على غزة من المستنزفة للجيوب.

وأمام ذلك، اتجه المقاطعون إلى تحديد جميع الشركات الداعمة للاحتلال والترويج لمقاطعتها على وسائل التواصل الاجتماعي عقابا لها على عدم اتخاذها "موقفا إنسانيا" أمام "الإبادة الجماعية" في غزة.

كما قام البعض بنشر قوائم بأسماء المنتجات المقاطعة والبدائل المتاحة محليا لسد الاحتياج منها.

ورغم أن هذه الخطوة بدأت تقلب الأنماط المعيشية رأسا على عقب، إلا أن البعض رأى فيها خطوة للمساهمة في دعم الفلسطينيين، وتذكيرا لهذه الشركات بأن المبادئ الإنسانية فوق كل اهتمام.

وشملت المقاطعة كثيرا من المنتجات والماركات الأجنبية في الدول العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر كوكاكولا وماكدونالدز وستاربكس ودومينوز وبيتزا، إلى جانب بوما الألمانية وسلسلة متاجر كارفور الفرنسية.

وهذه العلامات التجارية الأميركية والأوروبية التي تعرضت للمقاطعة في الوطن العربي، دفعت المستهلكين إلى البدائل المحلية.

وبالفعل، فقد أظهرت تسجيلات مصورة في عدد من البلدان العربية خلو مطاعم ومقاهٍ مقاطَعة من الزبائن.

كما انتشرت بعض التسجيلات المصورة لمواطنين عرب يحجمون أثناء التسوق عن شراء المنتجات التابعة للشركات المقاطعة.

وغزت وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد مصورة للمنتجات المقاطعة، وجرى التعليق عليها بضرورة المقاطعة "كواجب إنساني".

وانتشرت دعوات المقاطعة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما على منصة "تيك توك".

كما تنتشر الدعوات للمقاطعة، التي يطلقها شباب متمرّسون في مجال التكنولوجيا، على مواقع إلكترونية مخصصة وتطبيقات على الهواتف الذكية تحدد المنتجات التي يطالبون بعدم شرائها.

كما عنونت بعض المنشورات بـ"مقاطعة المنتجات الدّاعمة للاحتلال الصهيوني هو واجب أخلاقي وإنساني وأحد أوجه المقاومة.. فلا تساهم في قتل فلسطين وأطفالها".

وأمام حالة هذه المقاطعة المستمرة مع بلوغ عدد الشهداء في غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي نحو 15 ألف شهيد، يبقى السؤال المطروح يدور حول ديمومة هذه المقاطعة وتحولها إلى أسلوب حياة وليس حالة مؤقتة تنتهي بإعلان وقف العدوان.

تغيير الأنماط 

وفي هذا السياق، قال معتز الناصر، موظف في شركة استيراد وتصدير بتركيا إن "ما جرى يشبه عملية التحري والتحقيق الذاتية لأصل كل المنتجات التي كنا نشتريها والتي هي جزء من أنماط وعادات الشراء والحياة، لفرز الداعم لإسرائيل من عدمه، لأن هذا أقل واجب يمكن أن نقوم به".

وأضاف الناصر لـ"الاستقلال": "لقد اكتشفت أن حياتي مليئة بالمنتجات الداعمة لإسرائيل قبل قصف غزة والتي كنت لا أتنازل عن البدائل المحلية سابقا عوضا عنها".

ولفت إلى أن "المجتمع تحول لخلية نحل لبناء مجتمع جديد خال من المنتجات التي تدعم إسرائيل، ولذلك أتوقع أن مصير هذه المنتجات أصبح من الماضي ولا رجعة للشراء منها مرة ثانية حتى بعد توقف الإبادة على شعب غزة".

وتابع: "لقد خلقت المقاطعة لهذه المنتجات وعيا جديدا حول أدوات الحرب الجديدة ضد الكيان الإسرائيلي وإحدها هي المقاطعة حتى تعي هذه الشركات أن لا مكان لها في عالمنا العربي والإسلامي".

ونوه الناصر، إلى "أن حالة المقاطعة هي فرصة كبيرة لإعادة دعم المنتجات المحلية وتقوية الاقتصاد المحلي الذي يعد بدائل لهذه المنتجات حتى وإن خفت جودتها إلا أنها تبقى خيرا من دفع أموالنا ثمنا لرصاص المحتل ليقتل به الفلسطينيين". 

وأمام هذه الحملات الشعبية العربية لمقاطعة المنتجات التي يُتهم مالكوها بالارتباط بعلاقات مالية مع إسرائيل أو لها استثمارات هناك، فإن العلامات التجارية المستهدفة تجتهد للدفاع عن نفسها والحفاظ على أعمالها التجارية من خلال العروض الخاصة لإعادة الحياة إلى منتجاتها.

ورصدت وكالة "رويترز" البريطانية بعض تأثير المقاطعة على العلامات التجارية الأكثر إقبالا قبل اندلاع العدوان على غزة.

وقال موظف في إدارة شركة ماكدونالدز بمصر طلب عدم ذكر اسمه لرويترز في 23 نوفمبر 2023، إن "مبيعات الامتياز المصري في  أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني انخفضت 70 بالمئة على الأقل مقارنة بنفس الأشهر من عام 2022".

وفي مصر، لاقت شركة المياه الغازية المصرية "سبيرو سباتس"، التي كانت شعبيتها ضئيلة جدا، رواجا كبيرا كبديل للعلامتين الشهيرتين "بيبسي" و"كوكاكولا".

ونشرت الشركة التي تأسست عام 1920، بيانا على صفحتها على "فيسبوك" يفيد بتلقيها أكثر من 15 ألف سيرة ذاتية عندما أعلنت طلبها موظفين جددا لتلبية رغبتها في توسيع النشاط التجاري بعد الطلب الكبير على منتجاتها.

تجاوز الحكومات

وفي الأردن، يدخل السكان المؤيدون للمقاطعة أحيانا إلى فروع ماكدونالدز وستاربكس لتشجيع العملاء القلائل على الانتقال إلى أماكن أخرى.

وقال أحمد الزرو، موظف حساب مشتريات العملاء في فرع لسلسلة متاجر كبيرة في العاصمة عمان، حيث عمد العملاء لاختيار بدائل من المنتجات المحلية "لا أحد يشتري هذه المنتجات".

كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن منشورات تشير إلى العلامات التجارية التي تتهم بأنها تدعم إسرائيل مع شعار "لا تساهم في ثمن رصاصهم".

وفي قطر، أرغمت بعض الشركات الغربية على الإقفال بعد أن قامت إداراتها بنشر محتوى مؤيد لإسرائيل على شبكات التواصل.

وأغلقت فروع مقهى "بورا فيدا ميامي" الأميركي ومتجر "ميتغ شو" Maitre Choux للحلويات الفرنسية أبوابها في الدوحة منذ أكتوبر 2023.

وفي الكويت، رُصد خلو سبعة فروع لستاربكس وماكدونالدز وكنتاكي فرايد تشيكن تماما تقريبا من الزبائن. 

وقال عامل في أحد فروع ستاربكس رفض الكشف عن هويته إن هناك علامات تجارية أميركية أخرى تأثرت أيضا.

 وعلى جانب طريق سريع يتضمن أربع خطوط في الكويت، تُظهر لوحات إعلانية عملاقة صورا لأطفال ملطّخين بالدماء، وأرفقت الصور بشعار صادم يقول "هل قتلتَ اليوم فلسطينيا؟" مع هاشتاغ "مقاطعون"، في رسالة موجّهة إلى المستهلكين الذين لم ينضموا إلى حملة المقاطعة بعد.

وفي العاصمة المغربية الرباط، قال عامل في أحد فروع ستاربكس إن عدد العملاء انخفض بشكل ملحوظ، ولم يقدم العامل ولا الشركة أية أرقام.

كما بدأ أصحاب المتاجر يلاحظون مراجعة الزبائن المنتجات الغربية على الإنترنت لمعرفة مدى دعمها لإسرائيل من عدمه، أثناء عمليات التسوق.

وتتفاوت حالة التجاوب مع حملات المقاطعة، مع عدم وجود تأثير كبير في بعض البلدان بما في ذلك السعودية والإمارات وتونس.

وضمن هذه الجزئية، يرىالصحفي أيهم أحمد، أن "أسلوب المقاطعة في الدول العربية طريقة ناجعة لإعلان التضامن مع فلسطين بعيدا عن مواقف الحكومات، فهي وسيلة تتجاوز القيود الأمنية التي ترفض التعبير الصريح عن التضامن مع الفلسطينيين أو المقاومة ضد الاحتلال في بعض الدول العربية".

ورأى أحمد في حديث لـ"الاستقلال" أن "رد الفعل على الإجرام بحق الفلسطينيين جعل الشارع العربي يفرض نفسه ويستخدم أدواته المتاحة في ظل تمترس الحكومات حول تصريحات الإدانة والشجب وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة لمنع استمرار المذبحة".

وتابع: "إن هذه الحرب المعلنة التي تقودها الشعوب العربية على الشركات التي تدعم إسرائيل ولها فروع في البلدان العربية سيتبعها عمليات ضغط على الحكومات لفك ارتباطها بـاستثمارات لشركات داعمة لإسرائيل، بمعنى أن المواجهة لن تتوقف بل ستأخذ أبعادا جديدة في المستقبل فما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله".

واستدرك قائلا: "ولهذا فإن حجم المقاطعة بدأ يتزايد لدرجة أن المحال التجارية بدأت تدرك أهمية المقاطعة وأن المستهلكين لن يتراجعوا عن هذا التوجه، لأن المعركة طويلة مع الاحتلال وقد قرر المواطنون العرب الخوض فيها على طريقتهم لمساندة الفلسطينيين".