معتقلون إسلاميون سابقون يحتجون ضد معاملة السلطات المغربية.. ما القصة؟
"ملف المعتقلين السابقين والحاليين يطاله النسيان أو التغييب"
بعد اعتقاله مئات الإسلاميين على خلفيات أحداث "إرهابية" شهدتها البلاد سنة 2003، شرع المغرب في عملية إدماج هؤلاء المعتقلين في الوسط الاجتماعي، والذين شكلوا تنسيقية وطنية، والتي شككت في خلفيات وأهداف هذه العملية.
حيث أعلن معتقلون إسلاميون سابقون "رفضهم القاطع" استمرار التعامل مع مؤسسة الإدماج، التي تم إحداثها سنة 2017، والتي من شأنها دعم هذه الفئة وتمكينهم من "الاندماج في المجتمع".
وشددت تنسيقية المعتقلين الإسلاميين السابقين بالمغرب، في 3 نوفمبر/تشرين ثاني 2024، أن هذا القرار يأتي بعد معاينتهم "جملة من التجاوزات والممارسات التي تقوّض أهداف المؤسسة المعلنة وتحوّلها إلى أداة للمراقبة والسيطرة بدل أن تكون فضاء للدعم والإنصاف".
وأوضحت التنسيقية في بيان أن من أسباب الرفض "الممارسات الواقعية التي تثبت أن مؤسسة الإدماج لا تلتزم بأهدافها الاجتماعية والإنسانية"، مشيرة إلى أنها "تقوم بجمع المعلومات الأمنية حول المعتقلين السابقين تحت غطاء المتابعة والرعاية".
وذكرت التنسيقية أن "هذا التوجه يتنافى مع الأهداف الحقيقية للإدماج"، كما أنه يؤكد "استغلال هذه البرامج لاحتياجات المعتقلين بدلا من تقديم الدعم الفعلي"، وفق البيان.
ولفتت إلى أن من بين أسباب الرفض أيضا عدم الالتزام بالوعود؛ حيث إن مؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج "قدمت وعودا متكررة بتوفير دعم مالي واجتماعي للمعتقلين السابقين، لكن معظمها ظل حبرا على ورق".
وأشارت إلى أن المؤسسة "تعتمد الترويج لبرامج وهمية دون تقديم أي خطوات عملية أو برامج ملموسة".
وعدت هذا الأسلوب "نوعا من التضليل الإعلامي الذي لا يخدم سوى مصالح ضيقة على حساب معاناة المعتقلين".
وشددت تنسيقية المعتقلين الإسلاميين السابقين أن مؤسسة الإدماج "لجأت إلى تأخير وعرقلة تنفيذ العديد من استحقاقات المعتقلين في محاولات مكشوفة لكسب الوقت أو الضغط النفسي عليهم".
ولفتت إلى أن ذلك تم "دون أي تقدير لحاجاتهم وظروفهم الاجتماعية"، عادّة الممارسات التي أشارت إليها "مناورة تهدف إلى التحكم في المعتقلين بدل توفير البيئة الملائمة لاندماجهم في المجتمع".
وكان المغرب قد أطلق برنامج "مصالحة" عام 2017، مستهدفا ما أسماهم "المتشددين الراغبين في مراجعة أفكارهم"، عبر ثلاثة محاور تشمل المصالحة مع "الذات" و"النص الديني" و"المجتمع".
هذا البرنامج تحت إشراف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية)، والرابطة المحمدية للعلماء (مؤسسة دينية رسمية).
استياء واسع
يذكر أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان استقبل في يونيو/حزيران 2024 ممثلين عن محكومين سابقين في قضايا “الإرهاب”، على خلفية ما يُعرف بـ “أحداث 16 مايو/أيار 2003”، بعد انتظامهم في تنسيقية ضمن محاولاتهم البحث عن الإنصاف وإثبات براءتهم أمام المجتمع المغربي والاندماج فيه.
وفي هذا الصدد، قال مصطفى كريم، منسق التنسيقية المغربية للمعتقلين الإسلاميين، إن الاجتماع السابق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان بهدف إلى الحصول على رد من المجلس بشأن نتائج اجتماعهم في مايو.
والتي خلصت إلى السعي لإدماجهم في سوق الشغل عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو الرعاية اللاحقة الخاصة بمؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج.
وأضاف كريم لموقع "صوت المغرب"، في 3 نوفمبر 2024، لكن المعتقلين الإسلاميين السابقين لا يتفقون مع هذا المسار، بتقدير أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تتضمن "شروطا تعجيزية" فيما يتعلق بالسن المسموح به للاستفادة منها.
واسترسل، حيث "يوجد من بين أعضاء التنسيقية معتقلون غادروا السجن وقد تجاوز عمرهم 45 سنة، وهي العتبة التي تشترطها المبادرة في برنامجها".
أما بالنسبة للرعاية اللاحقة، يضيف المتحدث ذاتها: أنها "عرض هزيل يفتقر إلى أبسط مقومات جبر الضرر أو إعادة الإدماج شكلا ومضمونا"، معبرا عن استيائه من المساواة فيها بين المجرم والبريء.
وشدد كريم أن جميع رفاقه المنضوين تحت لواء التنسيقية المغربية للمعتقلين الإسلاميين، "أبرياء تم إقحامهم في تهم أحداث 16 مايو".
ولفت إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال الاجتماع الأخير حث ممثلي التنسيقية التي تطالب بـ "جبر الضرر" على "مواصلة النضال لأن المسار مازال في بدايته"، وحرص على طمأنتهم، معبرا عن "مساندته لهم في القريب العاجل".
ملف منسي
يرى أحمد بلا، الباحث في الشأن الاجتماعي، أن ملف المعتقلين السابقين والحاليين في قضايا “الإرهاب”، يناله النسيان أو التغييب، وذلك بسبب طبيعة التهم الموجهة لهؤلاء، والتي تجعل المجتمع في عمومه يتعاطى معهم بحذر شديد.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن مطالب التنسيقية سبق أن رفعتها أيضا اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، والتي تطالب بتعويض من الدولة وجبر للضرر الذي لحقهم بعد اعتقالات وصفت بالتعسفية ومحاكمات صورية وأحكام قضائية كبيرة.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن المتهمين بالإرهاب بالمغرب لا يشمل فقط من قاموا أو ناصروا ما وقع بالدار البيضاء قبل 20 سنة، بل منهم من تم اعتقاله لمشاركته في القتال أو أعمال دموية بسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من محاور التوتر في العالم الإسلامي.
وأبرز “بلا” أن هؤلاء الذين قاموا بأعمال عنف في الخارج، انطلقوا من أن ما يقومون به يدخل ضمن فريضة "الجهاد"، ولذلك لا يرون أن أعمالهم تستوجب الاعتذار أو أن أفكارهم تحتاج إلى مراجعة، مما يبين صعوبة عملية الإدماج التي تريد المؤسسات الرسمية بلوغها.
من جانب آخر، ذكر أن التنسيقية تحمل مطلبا محوريا في نظرها، وهو فتح تحقيق شفاف ونزيه ومستقبل بشأن اعتقالات 2003، وهو المطلب الذي لم تستجب له الدولة، ولا يبدو أنها على استعداد للقيام به.
وشدد أن هذا المطلب أساسي بالنسبة لهذه الفئة، لأنه مدخل تبرئتها من التهم المنسوبة إليها، وكذا إعادة التقدير الاجتماعي لها، ورفع وسم الإرهاب والتطرف الذي لحقها، والذي بسببه خسرت الشيء الكثير، اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا.
واسترسل، بل خسرت هذه الفئة أيضا سياسيا، بالنظر إلى حرمانها من ممارسة حقوقها السياسية في الترشح للمناصب العامة والمنتخبة، كالبلديات والبرلمان.
وخلص إلى أن مطالب التنسيقية يجب أن تجد آذانا صاغية، رفعا لأي ظلم وقع عليهم، لا سيما أن المغرب سبق أن شكل مع بداية حكم الملك محمد السادس هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي عالجت وعوضت المتضررين من الاعتقال أو التعذيب خلال فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
تقييم التجربة
تعليقا على أداء المغرب في مجال محاربة التطرف في السجون عبر برنامج "مصالحة"، أكد رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث، رشيد لزرق، أن البلاد "تتبع إستراتيجية تصدي الفكر الإسلامي المعتدل للفكر الظلامي المدمر، الذي جذب العديد من الشباب منذ انتشار التيار السلفي الجهادي في شمال إفريقيا قادما من المشرق العربي".
وأضاف لزرق في تصريح صحفي محلي، أن "الهدف هو تحفيز هؤلاء الشباب على فتح أعينهم على العالم بعيدا عن الغلو عبر التأكيد على قيم السلام والتسامح، وفهم الدين بمنظور يعزز الاندماج والتعايش السلمي في المجتمع".
وأكد أن "الأشخاص الذين تابوا عن أفكارهم المتشددة بطريقة واضحة يتم إطلاق سراحهم عبر العفو الملكي".
ومع ذلك، يشير لزرق إلى "عدم توفر الأرقام والإحصائيات الدقيقة بسبب غياب تراكم واضح لهذه التجربة، فهناك أشخاص أُطلق سراحهم واستطاعوا بالفعل الاندماج مجددا في المجتمع الذي كانوا يرفضونه رفضا تاما، خصوصا المعتقلين في سياق أحداث 16 مايو، لكن هناك أيضا إخفاقات".
ووفقا للباحث المغربي، فإن تجربة "مصالحة" المغربية كأي تجربة إنسانية تعتريها إخفاقات؛ إذ تم إطلاق بعض السجناء الذين عادوا إلى اعتناق أفكارهم المتطرفة، ومنهم من هاجر إلى بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
وأشار لزرق إلى أن المغرب لم يشهد هجمات إرهابية منذ فترة طويلة، قائلا إن "الفئة القليلة التي تؤمن بأفكار التطرف تأثرت بأفكار السلفية الجهادية القادمة من المشرق، لأن الإسلام المغربي في طبيعته معتدل، وهذا يظهر من خلال علماء الدين والأئمة المغاربة، الذين يحاولون اليوم تصدير هذه الأفكار الوسطية إلى منطقة غرب إفريقيا، التي تواجه تحديات إرهابية".
وشدد لزرق على ضرورة معالجة الأسباب العميقة التي تدفع الشباب نحو التشدد، ويشير بشكل خاص للفقر والبطالة، لافتا إلى أن "مكافحة التطرف لا تقتصر على مجرد محاولة تغيير الأفكار، بل تتطلب أيضا مقاربة شاملة اجتماعية واقتصادية".
من جانبها، ترى شريفة لمويير، الباحثة في العلوم السياسية، أن السجناء السابقين يواجهون عراقيل حقيقية إثر خروجهم من السجن بعد إتمامهم العقوبة الحبسية.
ورأت لمويير في تصريح لصحفية "العرب" اللندنية، أن سياسة إعادة الإدماج التي يتبناها المغرب تقوم على مد يد العون للسجناء السابقين للبدء من جديد بالاندماج داخل المجتمع بمؤسساته.
وأوضحت أن الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الأفراد للاندماج داخل المجتمع من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني أكثر، مشددة أن مقاربة إعادة الاندماج تحتاج إلى مقوم رئيس وهو رد التقدير لهذه الفئة مجتمعيا وقانونيا واقتصاديا، لأن أهم إشكال يقف أمام صحيفة السجل العدلي التي تؤثر بالسلب على مستقبل السجناء السابقين.
وترى لمويير أن مقاربة الإدماج تحتاج إلى إجراءات فعالة لحل هذ المشكلة، من خلال إعطاء الحق في فرصة ثانية لهذه الفئة مع إدماج فعال، للتقليل من ظاهرة العودة إلى طريق الإجرام لدى هؤلاء السجناء، وما يشكله من تهديد حقيقي لأمن المواطنين.
وأشارت إلى أن خطة الإدماج التي يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس لفائدة السجناء السابقين بتعزيز القدرات المعرفية والتقنية لنزلاء المؤسسات السجنية، تحتاج إلى انخراط الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية في صميم إستراتيجيات ومقاربات جديدة من شأنها فسح المجال لهم أكثر.
وشددت لمويير أن "فتح أبواب الشركات أمامهم من شأنه المساهمة أكثر في اندماج مجتمعي ناجح وفرض المساهمة في الاستقرار الأسري".
وفي آخر خطوة رسمية تجاه هؤلاء المعتقلين، أصدر العاهل المغربي عفوه عن 16 من الإسلاميين المحكوم عليهم على خلفية قضايا "إرهاب"، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، 30 يوليو/تموز 2024.
وفق بيان لوزارة العدل المغربية، فإن لائحة المستفيدين من العفو الملكي ضمّت "16 مدانا بمقتضيات قانون مكافحة الإرهاب؛ وذلك بعد إعادة تأهيلهم من خلال برنامج "مصالحة"، وقبولهم بمراجعات فكرية تنبذ التطرف واللجوء إلى العنف".
وحسب الوزارة، فإن "المفرج عنهم أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذهم للتطرف والإرهاب".