"أمن قومي".. من ينتصر في حرب صناعة الرقائق الإلكترونية بين الصين وأميركا؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

بدأت حرب الرقائق الإلكترونية التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين في نهاية عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وازدادت وتيرتها خلال رئاسة دونالد ترامب وتصاعدت أكثر في ظل إدارة جو بايدن.

ولأن ترامب ركز على العقوبات الجمركية دون الصناعة نفسها، تراجعت أميركا نسبيا في مواجهة العملاق الصيني.

 لذا يركز الرئيس الحالي جو بايدن، على تدمير صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي الصينيتين بالكامل، بجانب منع نقل هذه التكنولوجيا للصين، وتوسيعها في أميركا ومضاعفة إنتاج بلاده منها.

بسبب ذلك شهد العامان الماضيان، تصاعدا في حرب الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين من جهة ثانية، وفرضت واشنطن قيودا صارمة ضد الصين لعرقلة تقدمها في مجال التكنولوجيا.

إذ تعد صناعة الرقائق الإلكترونية عنصرا جوهريا في كل الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية. 

واتبعت الحكومة الأميركية سلسلة من السياسات المتوازية، بعضها عقابي مباشرة للصين، والآخر لتشجيع صناعة الرقائق في أميركا نفسها لتكون أكثر تقدما وتفوقا.

وكان "قانون الرقائق" جزءا من تجربة الرئيس بايدن مع السياسة الصناعية، حيث يتم استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم بعض الشركات التي تعدها الإدارة مهمة للأمن القومي.

وتعد رقائق الصين مشكلة أمنية بالنسبة لواشنطن التي تستخدم العقوبات لإضعاف مساعي بكين نحو الاعتماد على الذات في هذه الصناعة بالغة الأهمية، وتسعى في الوقت ذاته إلى تحفيز إنتاج الرقائق الخاصة بها، وفق موقع "سيتي جروب" 2 يناير/كانون الثاني 2024.

سياسة بايدن

ضمن ما سُمي “سياسة بايدن” أو "قانون الرقائق الإلكترونية"، سعى الرئيس الأميركي لاتباع مسارين لمحاربة الصين في هذا المجال ومنعها من منافسة واشنطن في هذا المجال الذي يحقق من يفوز فيه سيطرة على كل الأجهزة سواء الهواتف أو الأسلحة ذات التقنية العالية.

الأول: هو فرض قيود على الصين تمنع حصولها على هذه التقنية من الولايات المتحدة وتشمل قيودا على عمل الأميركيين في الشركات الصينية.

والثاني: تقديم دعم مالي ضخم لشركات التكنولوجيا الأميركية وافتتاح المزيد من الشركات وإنعاش هذه الصناعة لتظل الولايات المتحدة هي المتفوقة فيهاـ بغرض تعظيم الفجوة التكنولوجية بين واشنطن وبكين.

وضمن هذه السياسات، وعلى غير المعتاد أعلنت إدارة بايدن 20 مارس/آذار 2024 أنها "ستقدم منحا وقروضا لشركة إنتل للمساعدة في تمويل مصانع رقائق أشباه الموصلات في أربع ولايات"، وذلك بقيمة 20 مليار دولار.

وقالت شركة "إنتل" إن التمويل المقترح، إلى جانب الإعفاء الضريبي على الاستثمار والأهلية للحصول على قروض بموجب قانون الرقائق، من شأنه أن يساعدها على تعزيز تصنيع أشباه الموصلات الأميركية والريادة التكنولوجية في عصر الذكاء الاصطناعي.

ووصفت صحيفة "وول ستريت جورنال" 20 مارس/آذار 2024 ذلك بأنه أكبر "جائزة"، أو "منحة" حتى الآن من قانون الرقائق الإلكترونية وتبلغ قيمتها 53 مليار دولار، وتستهدف إحياء صناعة الرقائق الأميركية التي تشرف عليها إدارة بايدن ضد الصين. 

الصحيفة أكدت أن تمويل توسع صناعة الرقائق هو حجر الزاوية في حملة أوسع لتنشيط الصناعات الأميركية وفصل سلاسل التوريد الأكثر أهمية في البلاد عن النفوذ الصيني. 

وجاءت أموال المنحة "بناء على قانون الرقائق الذي يعد جزءا من تجربة الرئيس بايدن مع السياسة الصناعية، إذ يتم استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم بعض الشركات التي تعدها الإدارة مهمة للأمن القومي"، وفق "وول ستريت جورنال".

وقالت وزارة التجارة الأميركية، إن "الأموال ستخصص لإنشاء مصانع جديدة، وكذلك لمشروعات توسعة في أريزونا ونيو مكسيكو وأوهايو وأوريغون".

وسيعلن بايدن الاتفاق المبدئي بمنحة قيمتها 8.5 مليارات دولار وقروض تصل إلى 11 مليار دولار، من أريزونا، حيث سيُوجه جزء من المبلغ لتمويل بناء مصنعين وتحديث آخر، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية 20 مارس/آذار 2024.

ويظهر الإنفاق الذي لم يسبق له مثيل أن إدارة بايدن تراهن بشدة على إنتل في إطار قانون الرقائق والعلوم لعام 2022، لتعزيز الإنتاج المحلي من أشباه الموصلات بتمويل يبلغ 52.7 مليار دولار.

منها دعم بقيمة 39 مليار دولار لإنتاج أشباه الموصلات و11 مليار دولار للبحث والتطوير، بحسب وكالة "رويترز" 20 مارس 2024.

ولبيان أهمية هذا الاتفاق لأمن أميركا، قالت وزيرة التجارة، جينا ريموندو تعليقا على الاتفاق مع "إنتل": "لا يمكننا تصميم الرقائق فحسب، بل علينا أن نصنعها في واشنطن، إنها مشكلة أمن اقتصادي، وأمن قومي، وسنغير ذلك".

وأشارت ريموندو، إلى أن "استثمارات إنتل ستضع الولايات المتحدة على الطريق الصحيح لإنتاج 20 بالمئة من الرقائق الرائدة في العالم، بحلول 2030".

ويتمثل هدف "قانون الرقائق" في تقليل الاعتماد على الصين وتايوان، حيث انخفضت حصة أميركا على تصنيع أشباه الموصلات من 37 بالمئة عام 1990 إلى 12 بالمئة في 2020، وفقا لجمعية صناعة أشباه الموصلات.

وسبق أن حذر نواب الكونغرس من أن اعتماد الولايات المتحدة على الرقائق المصنعة في تايوان من قبل TSMC، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، أمر محفوف بالمخاطر لأن الصين تطالب بالجزيرة وتعدها ضمن أراضيها وتحتفظ بالحق في استخدام القوة لاستعادتها، وفق "رويترز".

وضمن هذه المخاوف، تسارع شركة TSMC الأميركية لإنشاء مصانع خارج تايوان كتحوط ضد اضطرابات سلسلة التوريد التي قد تنشأ عن التوترات الجيوسياسية في المنطقة.

قيود على الصين

على الجانب الآخر وضمن التضييق على الصين، أعلنت واشنطن في 7 أكتوبر 2022 عن أوسع القيود على التصدير حتى الآن، لحرمان بكين من الرقائق الأميركية.

إذ باتت الشركات التي تنوي تصدير هذه الرقائق إلى الصين ملزمة بالحصول على تراخيص تصدير، ضمن إستراتيجية أوسع لخنق صناعة الرقائق الصينية. 

وشملت القيود الرقائق التي يتم إنتاجها باستخدام معدات أو برامج كمبيوتر أميركية بغض النظر عن مكان صنعها في العالم.

وتوقعت الإدارة التي تدير المنح، أن "يتجاوز إجمالي استثمارات إنتل في المشاريع الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة 100 مليار دولار"، بحسب "واشنطن بوست" 20 مارس/آذار 2024.

وبحسب الصحيفة، "تهدف أموال المنحة إلى إنعاش التصنيع الأميركي لتجنب صعوبات حدثت في عمليات التوريد في فترة كوفيد-19، وترمي إلى معالجة التوترات الجيوسياسية المتزايدة مع الصين".

وأشارت إلى أن "جزءا كبيرا من إنتاج الرقائق في العالم، تحول إلى آسيا في العقود الأخيرة، بينما صنعت الولايات المتحدة نحو 12 بالمئة فقط من الإنتاج العالمي، بحسب إحصاءات عام 2020".

والرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) هي مكونات صغيرة دقيقة تنتج من السليكون (نوع من الرمل) وتدخل في معظم الصناعات المتطورة، مثل الهواتف والحواسب والسيارات وغيرها.

ويستغرق تصنيع الرقاقة أكثر من 3 أشهر، وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرف بتجهيزات خاصة وآلات بملايين الدولارات.

وتُعد صناعة أشباه الموصلات (الرقائق) القوة الدافعة وراء الابتكارات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، والمركبات الكهربائية، ورقمنة المصانع، وبشكل عام تلعب دورا حاسما في الرخاء الاقتصادي للدول والأمن القومي. 

وعلى الرغم من أن إجمالي الطلب عليها في أميركا 25 بالمئة، تقدر القدرة الأميركية على تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة بما لا يتجاوز 12 بالمئة، بعد أن كان 37 بالمئة في التسعينيات. 

وقد أثار ذلك مخاوف بشأن تهديد الأمن القومي الأميركي بالنظر إلى جهود الصين للحصول على موطئ قدم كبير في هذه الصناعة الحيوية.

وتُعرف شركات أشباه الموصلات التي تختار تصنيع الرقائق داخليًا باسم الشركات المصنعة للأجهزة المتكاملة (IDMs)، وتسمى المصانع التي تصنع مثل هذه الرقائق بمصنعي الأجهزة المدمجة (fabs).

وتشير تقديرات "رابطة صناعة الرقائق" إلى أن تكلفة إنشاء مصنع متطور على مدى عشر سنوات تتراوح بين 10 إلى 40 مليار دولار، مقارنة بأقل من مليار دولار في عام 1997. 

وهناك أربع شركات تصنيع متكاملة فقط هي: سامسونج، وإنتل، وهاينكس، وميكرون.

في حين تستعين شركات أخرى مثل نيفيديا ومارفل وكوالكم وإي إم دي، بمصادر خارجية لبعض أو كل تصنيعها.

ورغم هذا التحرك الأميركي واتخاذ سلسلة من الخطوات للحد من وتدمير صناعة الرقائق الصينية، وخاصة المتقدمة منها، كجزء من جهد أوسع لإبطاء صعود القوة الصينية، يرى الباحث "مايلز إيفرز" من جامعة كونيتيكت أن "هذه التدابير ربما يكون محكوما عليها بالفشل.

إذ تقاومها الشركات الأميركية وتتصدى لها الجهود الصينية لبناء قدراتها الخاصة في مجال أشباه الموصلات"، وفق موقع law fare للأمن القومي 14 يناير/كانون ثان 2024.

ماذا فعلت الصين؟

ومقابل القيود الأميركية كجزء من حرب الرقائق، تسعى بكين لسلسلة إجراءات تستهدف تطوير إنتاجها من الرقائق وعدم البقاء تحت شركات أميركية، وفي الوقت ذاته توسيع صناعتها واستقطاب الخبراء من دول العالم لذلك.

كمثال، كشفت تقارير صحفية في 23 أغسطس/آب 2023 أن عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي يبني شبكة سرية من مصانع الرقائق لتفادي تبعات حزمة القيود الأميركية التي فُرضت في 7 أكتوبر 2022.

وكشفت تقارير أخرى أن الصين تجتذب سرا الكوادر المتخصصة من جميع أنحاء العالم لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية لديها.

وقد أعلنت "هواوي تكنولوجيز" في أغسطس/آب 2023 نجاحها باستبدال آلاف المكونات الإلكترونية الداخلة في تصنيع هواتفها، والتي كانت تحظرها الولايات المتحدة الأميركية، ببدائل صينية.

وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يعني أنها ربحت حرب الرقائق الإلكترونية مع أميركا من عدمه؟

إذ أكد مؤسس شركة التكنولوجيا الصينية رن تشانغ فاي، أن هواوي أوجدت بدائل صينية محلية لأكثر من 13 ألف مكون في منتجاتها تأثرت بالعقوبات التجارية الأميركية، وأعادت تصميم أربعة آلاف من لوحات الدوائر الكهربائية لمنتجاتها.

وتخطط الصين لضخ استثمارات نحو 143 مليار دولار في صناعة الرقائق المحلية، في خطوة تسعى بها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات ولمواجهة تحركات أميركية تستهدف إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني. 

وتتضمن خطط بكين إعفاءات ضريبية وحزم حوافز لمدة 5 سنوات، وإعانات وقروضا لدعم أبحاث وإنتاج الرقائق، في حين استثمرت هواوي 23.8 مليار دولار في البحث والتطوير خلال 2022.

وكان الرئيس السابق دونالد ترامب اتبع عام 2018 "حرب الرسوم الجمركية" ضد الصين.

 لكن خبراء يرون أن المعركة الأكثر أهمية بين الولايات المتحدة والصين ليست الرسوم الجمركية، بل "الحرب التكنولوجية"، والتي بدأت في عهد بارك أوباما.

وما يزعج بكين هو أن قانون الرقائق الأميركي ليس هو التكتيك الوحيد المتبع في التنافس بينها وبين الولايات المتحدة في هذا المجال، حيث تستخدم واشنطن وحلفاؤها عقوبات أخرى ضد الصين يعود تاريخها إلى عام 2017.

كما أدرجت الإدارة الأميركية عام 2020، شركات عاملة في صناعة التكنولوجيا بالصين ضمن قائمة سوداء، يحظر على نظيرتها الأميركية وتلك التابعة لحلفائها التعامل معها.

ثم صعدت إدارة بايدن حربها الاقتصادية بشكل كبير في أكتوبر 2022 من خلال سن عقوبات بتقييد عملية تصدير أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.

وسبق أن شدد مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية، ضوابط التصدير على معدات إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة ورقائق الكمبيوتر عالية الأداء.

وقد أدت هذه القيود إلى الحد من قدرة الصين على الحصول على الرقائق المتقدمة وتصنيعها، مع التركيز على العناصر أو التقنيات المستخدمة في الحوسبة الفائقة والتدريب على الذكاء الاصطناعي. 

وتنطبق قيود التصدير أيضا على البائعين والمصدرين غير الأميركيين، الأمر الذي دفع اليابان وهولندا إلى الحد من تكنولوجيات تصنيع أشباه الموصلات. 

وقد قدمت الصين شكوى لمنظمة التجارة العالمية، لكن يستغرق نظرها سنوات عدة كما أنها قد لا تؤدي لشيء.

 لذا ركزت الصين على إجراء البحوث العلمية والتكنولوجية المحلية، ووضعت تأمين سلاسل التوريد ضمن أعلى أولوياتها.

وبدعم من مبادرة "صنع في الصين 2015"، التهمت بكين تايوان في مجال صناعة أشباه الموصلات خلال العامين الماضيين.

 وتستمر صناعة أشباه الموصلات في التقدم عن 9 بالمئة وقد تصل مبيعاتها إلى 114 مليار دولار بحلول عام 2024.

ولأنه من الصعب الفوز في حرب الرقائق، بسبب هيمنة الولايات المتحدة وتحالف دول عديدة معها وتركيزها على تكنولوجيا رقائق الذكاء الاصطناعي والصناعات العسكرية، تهتم الصين أكثر بمجال الإلكترونيات الدقيقة والأجهزة الإلكترونية.

وبسبب هذا الصراع، أنشأ الاتحاد الأوروبي قانونا خاصا به بشأن الرقائق.

إذ إن نحو 10 بالمئة فقط من تصنيع الرقائق العالمية يقع في أوروبا، ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى مضاعفة ذلك إلى 20 بالمئة بحلول عام 2030.