أيام الطرابلسية.. نفوذ عائلة قيس سعيد يثير مخاوف من تكرار نموذج بن علي
نوفل سعيد عزز بشكل جيد علاقاته ونفوذه وحضوره إلى جانب شقيقه
عاد نوفل سعيد شقيق الرئيس التونسي إلى الواجهة من جديد، بعد إعادة انتخاب الأخير لولاية ثانية، وسط تزايد نفوذ هذه العائلة الديكتاتورية.
ورأت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية أن نوفل شقيق الرئيس قيس سعيد لعب دورا محوريا في حملة الأخير الانتخابية، كما كان له تأثير كبير في الانتخابات السابقة عام 2019.
ودون حاجة إلى جولة ثانية، خلافا لما حدث عام 2019، فاز قيس سعيد (66 عاما) في انتخابات 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بفترة رئاسية ثانية مدتها 5 أعوام، بحصده 90.69 من أصوات المقترعين في استحقاق سجل نسبة مشاركة 28.8 بالمئة فقط، ما أثار جدلا واسعا.
وجاء ذلك بعد أن أقصى سعيد أغلب المترشحين أمامه، وفي وقت تعاني تونس أزمة واستقطابا سياسيا حادا جراء انقلاب الرئيس على الدستور وترسيخ حكمه الفردي المطلق منذ 25 يوليو/ تموز 2021 عبر ما أسماها “إجراءات استثنائية”.
وفي هذا الإطار، تذكر الصحيفة أن جزءا من الشعب التونسي ينظر بعين القلق إلى تزايد نفوذ عائلة الرئيس وتأثيرهم في القرارات السياسية، وهو ما يعيد إلى الأذهان مخاوف الفساد والمحسوبية.
عودة إلى الساحة
وبخلاف نوفل سعيد الذي كان حاضرا إلى جانبه خلال حملة 2019، أفرزت حملة 2024 عدة شخصيات أخرى تنحدر هي أيضا من العائلة المقربة لرئيس الدولة، مما أيقظ ذكريات سيئة لدى جزء من السكان.
وتابعت: "من دون رؤية واضحة أو موارد مالية كبيرة، سمحت الحملة الانتخابية الباهتة التي شهدتها تونس بإعادة انتخاب سعيد، بلا مفاجآت تُذكر".
وكما تصف الصحيفة المشهد، فقد تحول الاقتراع إلى حدث غير ملحوظ نتيجة التعديلات التي فرضتها المخاوف السياسية للسلطة، وتميز بإقصاء العديد من المرشحين ليقتصر السباق النهائي على ثلاثة فقط، بينهم الرئيس ومرشح مسجون.
بالإضافة إلى ذلك، تشير إلى أن هذه المرحلة اتسمت بتعديلات على القانون الانتخابي خلال الحملة وتصاعد نفوذ اللجنة المكلفة بمراقبة الانتخابات.
وبالإشارة إلى أنها "كانت حملة قصيرة ومربكة"، تقول الصحيفة إن "التونسيين في المناطق الحضرية استذكروا بشكل أساسي المسيرات الصغيرة لأنصار قيس سعيد الذين كانوا يرفعون صورا لمرشحهم".
جدير بالذكر أن المتطوعين حُشدوا استنادا إلى تعليمات مدير الحملة، نوفل سعيد. وتعلق الصحيفة أن “لا شيء يدعو للدهشة”.
إذ شغل هذا المحامي نفس المهام في عام 2019 وكان بالفعل أحد الفاعلين الرئيسين في فوز شقيقه الأكبر.
وعلى الرغم من أنه ظل متحفظا إلى حد ما خلال فترة الخمس سنوات، إلا أنه عزز بشكل جيد علاقاته ونفوذه وحضوره إلى جانب شقيقه أثناء تقديم ملف الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024 وجمع التزكيات.
وكما تؤكد الصحيفة، أدرك الجميع منذ ذلك الحين أنه سيكون له دور رئيس بارز في الحملة.
وهذا ما يؤكده مقطع فيديو مسجل أمام مقر حملة قيس سعيد، في حي "آلان سافاري" في تونس.
ويرتبط الرئيس التونسي ارتباطا وثيقا بهذا الجزء من العاصمة، إذ عاش فيه سنوات طويلة مع أسرته.
وفي مقطع الفيديو المذكور، يظهر نوفل وهو يشجع الناشطين ويوضح لهم بصراحة أنه يجب تحقيق نتائج أفضل من عام 2019 و"من الجولة الأولى".
وبهذا الشأن، توضح الصحيفة أن النبرة لم تكن توجيهية، لكنها توضح من هو المسؤول عن إدارة عمليات الترويج للانتخابات.
علاوة على ذلك، شوهد نوفل يشارك شخصيا في عمليات توزيع المنشورات، بحسب ما ورد عن الصحيفة الفرنسية.
تزايد النفوذ
وفي الكواليس، تسلط الضوء على ابن عم الرئيس من جهة الأم، سفيان بن شعبان، والذي ظهر بشكل نشط جدا على وسائل التواصل الاجتماعي، وخرج من دائرة المجهول يوم إعلان النتائج التقديرية.
كما ظهرت شخصية أخرى بوضوح خلال الفترة الانتخابية، وهي عاتكة شبيل، شقيقة زوجة قيس سعيد، وهي محامية أخرى من العائلة.
وتوضح الصحيفة أنها برزت خلال حدث إعلامي في سوق السمك في صفاقس، حيث كانت تقود فريق المتطوعين الذين كانوا يوزعون المنشورات على الزبائن.
وأثار اختيار هذه المدينة بعض التعليقات التي عبرت عن اندهاشها، نظرا لأن هذه المحامية معروفة بانتمائها وأصولها من الساحل ومن مدينة سوسة.
وتحدث أحد رؤساء البلديات السابقين عن المدينة قائلا: "منذ الاستقلال وبروز الساحل في السياسة، كانت صفاقس، ثاني أكبر مدينة في البلاد، في حالة منافسة مع سوسة ومنطقتها".
وإلى جانب ذلك، ظهرت شبيل كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/ تموز 2024، من خلال صور نُشرت بمناسبة افتتاح معرض سيارات يملكه ابنها الشاب، أحمد بن صالح.
وبالرجوع قليلا إلى الوراء، تظهر الصحيفة أن شبيل كانت المحامية التي قادت حملة انتخابية في 2019 في منطقتها الساحلية، بدعم من الشخص الذي أصبح لاحقا وزير الداخلية في عهد الرئيس سعيد، وهو توفيق شرف الدين.
وبتقديم المشورة لرئيس الدولة، أصبحت شبيل شخصية قوية ونافذة، وفق ما تؤكده الصحيفة الفرنسية.
وعلاوة على ذلك، يقارنها البعض اليوم بكمال لطيف، وهو رجل أعمال تونسي معروف بنفوذه، ساعد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على الوصول إلى السلطة عام 1987، حيث تشترك معه في أنها "قادرة على بناء شبكات فعالة للغاية".
وبشكل عام، تذهب "جون أفريك" إلى أن "أفراد عائلة شبيل، كل بطريقته، يشاركون في تعزيز حضورهم في المنطقة".
إذ تنسج سارة، الأخت الكبرى، علاقات مع العائلات القديمة، بينما شقيقها الأصغر فخري وأصهارها، عمر قاسم ولطفي بن صالح، يتعاملون مع الأوساط الاقتصادية والرياضية التي تسيطر عليها العائلات الكبيرة في المنطقة، مثل عائلتي جناية ودرياس.
هكذا يعمل العالم
وجميعهم -بحسب الصحيفة- يدعمون الرئيس قيس سعيد بشكل ثابت وواضح للغاية.
وبهذا الشأن، قالت عاتكة شبيل عبر إذاعة “موزاييك” المحلية: “في كل أنحاء العالم، يساعد أفراد العائلة في الحملات الانتخابية”.
وأشارت خلال حديثها إلى عائلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كمثال.
وتوضح "جون أفريك" أن "مثل هذه الممارسات لا تلقى قبولا في تونس، لأنها تحيي في ذاكرة الشعب ذكريات سيئة".
وعلى وجه الخصوص، تجسد هذه الممارسات سيطرة عائلة ليلى الطرابلسي، في إشارة إلى زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وفيما يخص هذا الموضوع، يقول مصدر قلق من أحد مصدري المنتجات البحرية، وهو شديد الانتباه لتشكيل عشيرة مشابهة للطرابلسية: “نحن نعرف جيدا التأثير الذي أحدثته السيطرة على الاقتصاد من خلال الفساد”.
وبين أن ممارسات العائلات الحاكمة وفسادهم أفقدت البلاد مساحة كبيرة من النمو.
وهنا، تنوه الصحيفة أنه خلال الاحتجاجات التي جرت على هامش الحملة الانتخابية، كثيرا ما هتف المتظاهرون برفضهم لـ "طرابلسية جدد".
وفي المقابل، تقول نائبة سابقة من سوسة، غاضبة من الاتهامات المتكررة بالعشائرية: "أن يستفيد فرد أو آخر من العائلة من صعود أحد أقاربه، فهذا أمر إنساني جدا. المهم أن تُحترم القوانين، ولم يخالف نوفل ولا عاتكة أي شيء".
وتضيف بـ "قدر من اللامبالاة" أن "العالم لطالما عمل بهذه الطريقة"، وفق ما نقتل الصحيفة الفرنسية.