"تعاون أمني ودفاعي".. كيف يتزايد النفوذ التركي في القرن الإفريقي؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

في الفترة الأخيرة، أضافت تركيا التعاون الأمني والدفاعي إلى أدوات قوتها الناعمة، مما أسس لشراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع الدول الإفريقية. 

ونشرت وكالة "الأناضول" التركية مقالا للكاتب أورهان كارا أوغلو، ذكر فيه أن "زيادة مبيعات الطائرات بدون طيار والطائرات المسلحة بدون طيار تُعَدّ جزءا مهما من هذا التعاون، ولكنه ليس المكون الوحيد". 

وقال كارا أوغلو إن "تصميم سياسة تعزيزية متبادلة لتصدير الأسلحة والتدريب العسكري والدبلوماسية الدفاعية يمكّن الدولة التركية من بناء روابط جيوسياسية طويلة الأمد ومؤسسية مع الدول الإفريقية".

وشدد على أن “تركيا تعد اليوم واحدة من العديد من مقدمي الأمن الذين يمكن للدول الإفريقية اختيارهم”.

زيادة النفوذ

وأشار كارا أوغلو إلى أنه “في السنوات الأخيرة حظيت مبيعات الأسلحة التركية للدول الإفريقية باهتمام كبير”. 

واستدرك موضحا أنه “رغم أن تركيا ليس لديها تاريخ طويل في تصدير الأسلحة المحلية، إلا أن الزيادة السريعة في المبيعات إلى إفريقيا، جعلت تركيا موردا كبيرا للأسلحة في القارة”. 

وقال كارا أوغلو إن “تركيا بدأت عملية توسع متزايدة في إفريقيا، وإن موقفها في ليبيا واستثماراتها الكبيرة في الصومال هي جزء من هذه التوسعات”. 

ولفت إلى أن “تركيا اليوم تزيد من نطاق وصولها إلى الأمن في القارة وتعزز أنشطة مكافحة الإرهاب للدول الإفريقية”. 

وبينما يتم تقديم المساعدات الإنسانية إلى نيجيريا وموريتانيا والنيجر، يتم توقيع اتفاقيات أسلحة جديدة مع دول شمال إفريقيا مثل تونس والمغرب. 

وبدورها تتقدم إستراتيجية السياسة الخارجية التركية في إفريقيا لتعزيز السياسة والأمن والاقتصاد. 

ويمكن عد المفاوضات المستمرة بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركيا جزءا من هذه الخطة، وفق كارا أوغلو.

وتتزامن هذه الأنشطة مع الوجود المتزايد للعديد من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة في منطقة القرن الإفريقي، مما يبرز التحديات التي يواجهها النفوذ التركي في هذه المنطقة. 

وفي هذا السياق، يمكن أن تواجه السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة القرن الإفريقي، التي تشمل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، “عقبات إقليمية ودولية”.

ومع ذلك، فإن تركيا تهدف إلى تعزيز نفوذها من خلال توقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي والوساطة والاستثمار في مجالات الطاقة والنفط، وتسعى إلى أن تكون أحد اللاعبين في منطقة القرن الإفريقي، محققة تقدما كبيرا رغم التحديات، يقول الكاتب.

وأضاف: “رغم أن الإستراتيجية التركية قد تواجه معارضة من المنافسين العالميين والإقليميين، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تظهر زيادة النفوذ التركي في منطقة القرن الإفريقي”.

ففي فبراير/ شباط 2024 تم توقيع اتفاقية إطار للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال. 

وأعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن هذه الاتفاقية تهدف إلى بناء البحرية الصومالية، والاستفادة من الموارد الطبيعية في المياه الصومالية، وحمايتها من الأنشطة غير القانونية مثل القرصنة وتهريب المخدرات والأسلحة والإرهاب. 

وتستمر الاتفاقية لمدة 10 سنوات، وبعد ذلك ستتولى قوات الأمن الصومالية هذه المهمة وستلعب قواتها البحرية دورا رئيسا في هذا العمل.

بالإضافة إلى ذلك، في فبراير 2024 وقعت تركيا ثلاث اتفاقيات مع جيبوتي تتعلق بالتعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وتقديم المساعدات النقدية.

وتحاول تركيا تصدير أسلحتها وخاصة الطائرات بدون طيار إلى دول منطقة القرن الإفريقي.

فقد زودت شركة بايكار التركية للطائرات بدون طيار الصومال بعدد من طائرات “تي بي 2” بدون طيار، مما أدى إلى توسيع عمليات الصومال ضد حركة “الشباب”. 

كما أفاد العديد من التقارير الدولية أن القوات الفيدرالية الإثيوبية استخدمت الطائرات التركية بدون طيار في الحرب مع تيغراي. 

بالإضافة إلى ذلك، وقعت تركيا والصومال في مارس/ آذار 2024 اتفاقية للتعاون في مجال النفط والغاز تشمل التنقيب والتقييم والتطوير والإنتاج في المناطق البرية والبحرية الصومالية. 

وفي يوليو/ تموز 2024، تم توقيع اتفاقية بين أنقرة ومقديشو بشأن التنقيب عن الهيدروكربونات والإنتاج. 

وأعلنت تركيا أنها سترسل سفينة "أوروتش رئيس" في سبتمبر/ أيلول 2024 لاستكشاف احتياطيات النفط في المياه الصومالية.

الأهمية الإستراتيجية 

وقال الكاتب إن "توقيع اتفاقية مع أرض الصومال سمحت لتركيا بالحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر، وبعدها تولت أنقرة دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا بسبب النزاعات". 

وقد تم إجراء جولتين من المفاوضات حول هذه الوساطة، غير أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد، فيما تهدف أنقرة إلى تحقيق النجاح في نهاية هذه الأنشطة الوسائطية.

ونظرا للأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، تزداد أهميتها في السياسة الدولية والإقليمية.

فهذه المنطقة هي نقطة جيوسياسية مهمة تربط بين ثلاث قارات، إفريقيا وآسيا وأوروبا، وتحتوي أيضا على موارد طبيعية معدنية ونفطية. 

وفي هذا السياق، من بين الأسباب الأكثر وضوحا لزيادة نفوذ تركيا في منطقة القرن الإفريقي هو أن تصبح فاعلا أكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية. 

وتابع كارا أوغلو أن "تركيا تسعى بشكل خاص إلى تعزيز وجودها في البحر الأحمر، حيث إن وجود معظم دول القرن الإفريقي في البحر الأحمر يزيد من أهميتها الإستراتيجية، وتزداد أهمية المنطقة خاصة في ظل ارتباط المنطقة بمجازر إسرائيل في قطاع غزة".

لذلك، فإن تعزيز الوجود التركي في الدول الإفريقية المطلة على البحر الأحمر يعني تعزيز الوجود الإقليمي لتركيا.

بالإضافة إلى ذلك، رغم أن شركات الدفاع التركية تتنافس مع نظيراتها الكبرى الغربية والروسية، إلا أن أنقرة بدأت تدريجيا في أن تصبح موردا رئيسا للأسلحة في سوق القرن الإفريقي. 

وتسعى أنقرة إلى تأمين مصالحها واكتساب نفوذ في المنطقة، لذلك فقد أصبحت المسيرات التركية عنصرا مهما متزايد الانتشار في إفريقيا.

كما تسعى تركيا إلى تنويع مصادر النفط الخاصة بها، وتهدف إلى لعب دور أكثر هيمنة في استخراج الطاقة بفضل الاتفاق الذي توصلت إليه مع الصومال.

المنافسة على النفوذ

وأردف كارا أوغلو: "يبدو أن التحدي الأكبر الذي تواجهه تركيا في القرن الإفريقي هو وجود القوى الدولية بقيادة روسيا والصين التي تعد هذه المنطقة مجالا إستراتيجيا لنفوذها". 

بالإضافة إلى روسيا والصين، فإن "هناك منافسة جيوسياسية بين العديد من القوى الدولية والإقليمية في القرن الإفريقي، مما قد يؤثر على تركيا". 

كما قد تشكل التهديدات الأمنية مثل المشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجهها الصومال تحديا لتركيا.

وقد يؤثر هذا على تنفيذ اتفاقية التعاون الدفاعي بين تركيا والصومال وجهود أنقرة لاكتساب دور أكبر في القرن الإفريقي. 

ولفت الكاتب النظر إلى أنه “لمواجهة هذه التحديات، تحتاج تركيا إلى تعزيز استخباراتها الجيوسياسية، وتحليل التطورات العالمية والإقليمية بشكل جيد، وتطوير قدراتها في التحليل الإستراتيجي”. 

وفي هذا السياق، فإن الدول التي تتمتع باستخبارات قوية، وخاصة الاستخبارات الإستراتيجية، يمكنها اتخاذ خطوات صحيحة في السياسات الخارجية والأمن.

بينما في العلاقات الدولية تعد الاستخبارات الجيوسياسية مهمة للغاية لمنع الدولة من مواجهة أيّة مفاجآت.

وختم كارا أوغلو مقاله قائلا: "رغم التحديات التي قد تواجه الوجود التركي في القرن الإفريقي، من المتوقع أن تصبح هذه المنطقة أكثر أهمية للسياسة الخارجية التركية في الفترة المقبلة مع زيادة التعاون في مجال الأمن والدفاع وزيادة عدد الدول الإفريقية التي تلجأ إلى القدرات التركية".